الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العذاب، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: ما عندي ما تستعجلون به لأن إنزال العذاب لا يقدر عليه إلا الله تعالى ولا يقدر أحد على تقديمه ولا تأخيره.
وقيل: كانوا يستعجلون بالآيات التي طلبوها واقترحوها فأعلم الله أن ذلك عنده ليس عند أحد من خلقه.
وقيل: كانوا يستعجلون بقيام الساعة ومنه قوله تعالى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يعني الحكم الذي يفصل به بين الحق والباطل والثواب للطائع والعقاب للعاصي أي ما الحكم المطلق إلا لله ليس معه حكم فهو يفصل بين المختلفين ويقضي بإنزال العذاب إذا شاء يَقُصُّ الْحَقَّ قرئ بالصاد المهملة. ومعناه:
يقول الحق لأن كل ما أخبر به فهو وحق وقرئ يقض بالضاد المعجمة من القضاء يعني أنه تعالى يقضي القضاء الحق وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ يعني وهو خير من بين وفصل وميز بين المحق والمبطل لأنه لا يقع في حكمه وقضائه جور ولا حيف على أحد من خلقه.
[سورة الأنعام (6): الآيات 58 الى 60]
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعني من إنزال العذاب. والاستعجال، المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كانت العجلة مذمومة. والإسراع: تقديم الشيء في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب لو أن عندي ما تستعجلون به لم أمهلكم ساعة ولكن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة.
قوله تعالى: لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يعني: لا نفصل ما بيني وبينكم ولأتاكم ما تستعجلون به من العذاب وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ يعني أنه أعلم بما يستحقون من العذاب والوقت الذي يستحثونه فيه وقيل علم أنه سيؤمن بعض من كان يستعجل بالعذاب فلذلك أخره عنهم قال والله أعلم بالظالمين وبأحوالهم. قوله عز وجل:
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ المفتاح الذي يفتح به المغلاق جمعه مفاتيح ويقال فيه تفتح بكسر الميم وجمعه مفاتح والمفتح بفتح الميم الخزانة وكل خزانة كانت لصنف من الأشياء فهي مفتح وجمعه مفاتح فقوله وعنده مفاتح الغيب يحتمل أن يكون المراد منه المفاتيح التي يفتح بها ويحتمل أن يكون المراد منه الخزائن. فعلى التفسير الأول فقد جعل للغيب مفاتيح على طرق الاستعارة، لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق، فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها، فهو عالم. وكذلك هاهنا لأن الله تعالى لما كان عالما بجميع المعلومات ما غاب منها وما لم يغب عن هذا المعنى بهذه العبارة.
وعلى التفسير الثاني، يكون المعنى وعنده خزائن الغيب والمراد منه القدرة الكاملة على كل الممكنات ثم اختلفت أقوال المفسرين في قوله وعنده مفاتح الغيب لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ فقيل: مفاتيح الغيب خمس وهي ما روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يدري أحد متى يجيء المطر.
وفي رواية أخرى: لا يعلم أحد ما تغيض الأرحام، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر
أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى الساعة إلا الله، أخرجه البخاري. وقال الضحاك ومقاتل: مفاتح الغيب: خزائن الأرض، وعلم نزول العذاب، وقال عطاء: هو ما غاب عنكم من الثواب والعقاب. وقيل: هو انقضاء الآجال وعلم أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أعمالهم. وقيل: هو علم ما لم يكن بعد أن يكون إذ يكون كيف يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون وقال ابن مسعود: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء إلا مفاتح الغيب. وقال ابن عباس: إنها خزائن غيب السموات والأرض من الأقدار والأرزاق وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قال مجاهد: البر المفاوز والقفار، والبحر القرى والأمصار لا يحدث فيها شيء إلا وهو يعلمه. وقال جمهور المفسرين: هو البر والبحر المعروفان، لأن جميع الأرض إما بر وإما بحر وفي كل واحد منهما من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته ما يدل على عظيم قدرته وسعة علمه وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها يريد ساقطة وثابتة والمعنى أنه يعلم عدد ما يسقط من الورق وما بقي على الشجر من ذلك ويعلم كم انقلبت ظهرا لبطن إلى أن تسقط على الأرض وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ قيل: هو الحب المعروف يكون في بطن الأرض قبل أن ينبت. وقيل: هي الحبة التي في الصخرة التي في أسفل الأرضين وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ قال ابن عباس: الرطب الماء واليابس البادية. وقال عطاء: يريد ما ينبت وما لا ينبت. وقيل: المراد بالرطب الحي واليابس الميت. وقيل: هو عبارة عن كل شيء لأن جميع الأشياء إما رطبة وإما يابسة.
فإن قلت إن جميع هذه الأشياء داخلة تحت قوله وعنده مفاتح الغيب فلم أفرد هذه الأشياء بالذكر وما فائدة ذلك؟.
قلت: لما قال الله تعالى وعنده مفاتح الغيب على سبيل الإجمال ذكر من بعد ذلك الإجمال ما يدل على التفصيل، فذكر هذه الأشياء المحسوسة ليدل بها على غيرها، فقدم ذكر البر والبحر لما فيهما من العجائب والغرائب من المدن والقرى والمفاوز والجبال وكثرة ما فيها من المعادن والحيوان، وأصناف المخلوقات مما يعجز الوصف عن إدراكها، ثم ذكر بعد ذلك ما هو أقل من ذلك وهو مشاهد لكل أحد لأن الورقة الساقطة والثابتة يراها كل أحد، لكن لا يعلم عددها وكيفية خلقها إلا الله تعالى ثم ذكر بعد ذلك ما هو أصغر من الورقة وهي الحبة. ثم ذكر بعد ذلك مثالا يجمع الكل وهو الرطب واليابس فذكر هذه الأشياء وأنه لا يخرج شيء منها عن علمه سبحانه وتعالى فصارت هذه الأمثال منبهة على عظمة عظيمة وقدرة عالية وعلم واسع فسبحان العليم الخبير.
قوله تعالى: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ فيه قولان: أحدهما أن الكتاب المبين هو علم الله الذي لا يغير ولا يبدل.
والثاني: أن المراد بالكتاب المبين، هو اللوح المحفوظ، لأن الله كتب فيه علم ما يكون وما قد كان قبل أن يخلق السموات والأرض. وفائدة إحصاء الأشياء كلها في هذا الكتاب، لتقف الملائكة على إنفاذ علمه ونبه بذلك على تعظيم الحساب وأعلم عباده أنه لا يفوته شيء مما يصنعونه لأن من أثبت ما لا ثواب فيه ولا عقاب في كتاب فهو إلى إثبات ما فيه ثواب وعقاب أسرع.
قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ يعني يقبض أرواحكم إذا نمتم بالليل وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ ما كسبتم بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ أي يوقظكم فيه أي في النهار لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى يعني أجل الحياة إلى الممات يريد استيفاء العمر على التمام ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ أي يخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قوله تعالى: