الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حذف الأول؛ لدلالة المفعول الأول من {أَرَأَيْتَ} الأولى عليه، وحذف الثاني؛ لدلالة مفعول {أَرَأَيْتَ} الثالثة عليه،
12
- و {أَوْ} في قوله: {أَوْ أَمَرَ} بمعنى الواو، والمعنى: أخبِرْني يا محمد ذلك الناهي إن صار على الهدى وأمر بالتقوى، أما كان ذلك خيرًا له من الكفر بالله والنهي عن خدمته.
والخلاصة: أما كان الأفضل له أن يهتدي ويهدي غيره إلى خصال البر والخير، وقد كانت هذه حال النبي صلى الله عليه وسلم، فعمله كان، إما في إصلاح نفسه بالعبادات من صلاة وصيامٍ وغيرهما، وإما في إصلاح غيره بأمره بالتقوى ودعائه إليها.
كأنه تعالى يقول: تلهف يا مخاطَب عليه، كيف فوَّت على نفسه المراتب العالية، وقنع بالمراتب الدنيئة، وهو رجل عاقل ذو ثروة لا يليق به ذلك، والآية في الحقيقة تهكم بالناهي ضرورة أنه ليس في النهي عن عبادته تعالى، والأمر بعبادة الأصنام على هدًى ألبتة.
13
- {أَرَأَيْتَ} والرؤية أيضًا هنا قلبية تتعدى إلى مفعولين؛ أي: أخبِرْني ذلك الناهي {إِنْ كَذَّبَ} بالحق {وَتَوَلَّى} ؛ أي: أعرض عنه
14
- {أَلَمْ يَعْلَمْ} ذلك الناهي {بِأَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَرَى} ؛ أي: يراه ويجازيه على تكذيبه وإعراضه، والجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني {لأ رأيت} ، ومفعولها الأول محذوف، وهو يعود إلى الموصول، من اسم إشارة يشار به إليه، والمعنى: أخبِرْني يا محمد ذلك الناهي إن كذب بتلك الدلائل الواضحة وأعرض عن خدمة خالقه ألم يعلم بعقله أن الله سبحانه يرى منه هذه الأعمال القبيحة، أفلا ينزجر عنها.
والخلاصة (1): أي أنبئني عن حال هذا الكافر إن كذب بدلائل التوحيد الظاهرة، وأمارات القدرة الباهرة، وأعرض عن دعوتك والاستماع لهديك، ودعا الناس إلى مثل ذلك، أفلا يخشى أن تحل به قارعة ويصيبه من عذاب الله ما لا قبل له باحتماله، ألا عقل له يرشده إلى أن خالق هذا الكون مطلع على عمله، وأنه حكيم لا يُهمل عقابه، وأنه سيؤاخذه بكل ما اقترف من كل جرم، ولا يخفى ما في هذا من تهديد وتخويف للعصاة والمذنبين، وقال أبو الليث رحمه الله: والآية
(1) المراغي.
عظة لجميع الناس، وتهديد لمن يمنع عن الخير وعن الطاعة، وقال ابن الشيخ في "حواشيه": وهذه (1) الآية وإن نزلت في حق أبي جهل، لكن كل من نهى عن طاعة الله تعالى فهو شريك أبي جهل في هذا الوعيد، ولا يلزم عليه المنع من الصلاة في الدار المغصوبة، والأوقات المكروهة؛ لأن المنهي عنه غير الصلاة، وهي المعصية التي هي الاستيلاء على حق الغير، وإيقاع الصلاة في الوقت المكروه، فإن عدم مشروعية الوصف المقارن، وكونه مستحقًا؛ لأن ينهى عنه لا ينافي مشروعية أصل الصلاة إلا أنه لشدة الاتصال بينهما بحيث يكون النهي عن الوصف موهمًا للنهي عن الأصل احتاط فيه بعض الأكابر، حتى روي عن علي رضي الله عنه أنه رأى في المصلى أقوامًا يصلون قبل صلاة العيد إلى آخر ما مر.
وفي "البيضاوي": ومعنى الآيات: أخبِرْني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه، من أمر بالتقوى فيما يأمره من عبادة الأوثان كما يعتقده، أو إن كان على التكذيب اللحق والتولي عن الصواب، كما يقول:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)} ويطلع على أحواله، من هداه أو ضلاله ليجازيه عليه. انتهى.
وقال الفراء: المعنى: أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى وهو على الهدى وأمر بالتقوى، والناهي مكذب متول عن الذكر؛ أي: فما أعجب هذا، ألم يعلم أبو جهل بأن الله تعالى يراه ويعلم فعله، فهذا تقرير وتوبيخ انتهى.
وقال التبريزى (2): المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر، قيل: هي أول جماعة أقيمت في الإِسلام كان معه أبو بكر وعلي وجماعة من السابقين، فمر به أبو طالب ومعه ابنه جعفر، فقال له: صل جناح ابن عمك وانصرف مسرورًا، وأنشأ أبو طالب يقول:
إِنَّ عَلِيًّا وَجَعْفَرًا ثِقَتِىْ
…
عِنْدَ مُلِمِّ الزَّمَانِ وَالْكُرَبِ
وَاللهِ لَا أَخْذُل النَّبِيَّ وَلَا
…
يَخْذُلُهُ مَنْ يَكُوْنُ مِنْ حَسَبِيْ
لَا تَخْذُلَا وَانْصُرَا ابْنَ عَمَّكُمَا
…
أَخِىْ لأُمَّيْ مِنْ بَيْنِهِمُ وَأَبِيْ
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.