الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأَخْرِجْه، قال:"أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخفت أن أثير على الناس منه شرًا"، وفي رواية للبخاري أنه كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن.
قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك، وكانت مدة سحره صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، وقيل: ستة أشهر، وقيل: عامًا، قاله ابن حجر وهو المعتمد، وعن زيد بن أرقم قال: سحر رجل من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكى ذلك أيامًا، فأتاه جبريل فقال: إن رجلًا من اليهود سحرك وعقد لك عُقَدًا في بئر كذا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا فاستخرجها، فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نُشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجه قط أخرجه النسائي، وروي أنه كان تحت صخرة في البئر، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم وأسنان من مشطه، وقيل: كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة، وقيل: كان مغروزًا بالإبر، فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية، سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نُشط من عقال، وروي أنه لبث ستة أشهر واشتد عليه ذلك ثلاث ليال، فنزلت المعوذتان.
التفسير وأوجه القراءة
1
- {قُلْ} يا محمد {أَعُوذُ} ؛ أي: أستعيذ وألتجىء وأتحصن وأتحفظ {بِرَبِّ الْفَلَقِ} ؛ أي: بمالك الصبح أو الخلق، أو هو واد في جهنم أو جُبٌ فيها، وقيل غير ذلك كما سيأتي، والأول أولى؛ أي: قل أستعيذ برب المخلوقات ومبدع الكائنات {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} ؛ أي: من كل ضرر وأذى يصيبني من مخلوقاته طرًا.
وعبارة "الروح": والفلق (1): الصبح؛ لأنه يفلق عنه الليل ويفرق، فهو من باب الحذف والإيصال، فهو فَعَل بمعنى مفعول كالصمد والقَبَض بمعنى المصمود إليه والمقبوض، كما مر، فإن كلل واحد من المفلوق والمفلوق عنه مفعول، وذلك
(1) روح البيان.
إنما يتحقق بأن يكون الشيء مستورًا ومحجوبًا بآخر، ثم يشقق الحجاب الساتر عن وجه المستور، ويزول فيظهر ذلك المستور وينكشف بسبب زواله، وذلك الحجاب المشقق مفلوق، والمحجوب المنكشف عنه بزواله مفلوق عنه، والصبح صار مفلوقًا عنه بإزالة ما عليه من ظلمة الليل، يقال: في المثل هو أبين من فلق الصبح؛ أي: من الصبح المفلوق عنه؛ أي: المشقوق عنه ظلمة الليل؛ أي: المزال عنه.
وخص (1) الفلق بالذكر؛ لأنه وقت دعاء المضطرين وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول: قل أعوذ برب الوقت الذي يفرج فيه عن كل مهموم، ولأنه أنموذج من يوم القيامة؛ لأن الخلق كالأموات والدور كالقبور، ثم منهم من يخرج عن داره مفلسًا عريانًا، ومنهم من كان مديونًا فيجر إلى الحبس، ومنهم من كان ملكًا مطاعًا فتقدم إليه المراكب ويقوم الناس بين يديه، وكذا في يوم القيامة بعضهم مفلس عن الثواب عار عن لباس التقوى، فيجر إلى الملك الجبار، وبعضهم كان مطيعًا لربه في الدنيا فصار ملكًا مطاعًا في العقبى يقدم إليه البراق.
وقيل الفلق (2): الخلق؛ لأن الممكنات بأسرها كانت أعيانًا ثابتة في علم الله مستورة تحت ظلمة العدم، فالله تعالى فلق تلك الظلمات بنون التكوين والإيجاد، فأظهر ما في علمه من المكونات، فصارت مفلوقًا عنها.
وقيل (3): الفلق سجن جهنم، أو واد أو جُبٌّ فيها، روي عن بعض الصحابة أنه قدم الشام، فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خصب العيش، فقال: لا أبالي أليس من ورائهم الفلق؟، فقيل له: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا افتتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، وإنما خصه بالذكر هاهنا؛ لأنه القادر على مثل هذا التعذيب، وقد ثبت أن رحمته تعالى أعظم من عذابه، فكأنه يقول: يا صاحب العذاب الشديد أعوذ برحمتك التي هي أعظم وأقدم من عذابك، وقيل: اسم شجرة في جهنم، وقيل: هو الجبال والصخور؛ لأنها تفلق بالمياه؛ أي: تشقق، وقيل: هو التفليق بين الجبال؛ لأنها تنشق من خوف الله، قال النحاس: يقال لكل ما اطمأن من الأرض فلق، قال الرازي: وأقرب التأويلات أن الفلق هو كل ما يفلقه الله تعالى، كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن الأمطار،
(1) المراح.
(2)
روح البيان.
(3)
المراح.