المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

محسن في طريق واحد مع مسيء، ولا مطيع مع عاص؛ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة البلد

- ‌1

- ‌2

- ‌(3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌سورة الشمس

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌سورة الليل

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌(16)}

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌سورة الضحى

- ‌1

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة الشرح

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة التين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العلق

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌(10)}

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة القدر

- ‌1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة البينة

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة الزلزلة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العاديات

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة القارعة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة التكاثر

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العصر

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة الهمزة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌سورة الفيل

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة قريش

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الماعون

- ‌(1)

- ‌2

- ‌ 3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌سورة الكوثر

- ‌1

- ‌2

- ‌3)}

- ‌سورة الكافرون

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة النصر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة المسد

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة الإخلاص

- ‌(1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الفلق

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌سورة الناس

- ‌(1)

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5)}

- ‌6

الفصل: محسن في طريق واحد مع مسيء، ولا مطيع مع عاص؛

محسن في طريق واحد مع مسيء، ولا مطيع مع عاص؛ ليريهم الله جزاء ما قدمت أيديهم، ويجنوا ثمر ما غرسته أيديهم.

‌7

- ثم فصل ذلك بقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ

} إلخ تفصيل للواو في قوله: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} كما في "البيضاوي". {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ؛ أي: وزن نملة صغيرة، وهي أصغر ما يكون من النمل. قال مقاتل: فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة {خَيْرًا يَرَهُ} ؛ أي: يرى ذلك الخير يوم القيامة في كتابه فيفرح به،

‌8

- {و} كذلك {مَنْ يَعْمَلْ} في الدنيا {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ؛ أي، يرى ذلك الشر يوم القيامة في كتابه فيسوءه. ومثل هذه الآية: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} والمثقال (1) الوزن، والذرة النملة الصغيرة، وكل مئة منها زنة حبة شعير، وأربع ذرات وزن خردلة. اهـ قسطلاني. وقيل: الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءًا من الشعيرة. اهـ عيني. وفي الخطيب: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا وضعت يدك - أي: راحتك - على الأرض ثم رفعتها .. فكل واحدة مما لزق من التراب ذرة. وقيل: الذرة ما يرى في شعاع الشمس. الداخل من الكوة من الهباء الطائرة. وقال يحيى بن عمار: حبَّة الشعير أربع أرزات، والأرزة أربع سمسمات، والسمسمة أربع خردلات، والخردلة أربع أوراق نخالة، وورق النخالة ذرة. والأول أولى وفي بعد الأحاديث: أن الذرة لا زنة لها، وهذا مثل ضربه الله سبحانه ليبين أنه لا يغفل عن عمل ابن آدم، صغيرًا ولا كبيرًا، وهو كقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} اهـ خطيب. ومعنى رؤية إما يعادل الذرة من خير أو شر، وإما مشاهدة أجزيته، {فَمَنْ} الأولى مختصة بالسعداء، والمخصوص قوله:{أَشْتَاتًا} أي: {فَمَنْ يَعْمَلْ} من السعداء {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} ومن الثانية بالأشقياء، بقرينه {أَشْتَاتًا} أيضًا؛ أي:{وَمَنْ يَعْمَلْ} من الأشقياء {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وذلك لأن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن المجتنب عن الكبائر معفوة. وما قيل من أن حسنة الكافر تؤثر في نقص العقاب وقد ورد أن حاتمًا الطائي يخفف الله عنه لكرمه وورد مثله في أبي طالب وغيره .. يرده قوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} وقوله صلى الله عليه وسلم في حق عبد الله بن جدعان: "لا ينفعه" لأنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم

(1) روح البيان.

ص: 238

الدين وذلك حين قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ وقوله صلى الله عليه وسلم في حق أبي طالب:"ولولا أنا .. كان في الدرك الأسفل من النار" فتلك الشفاعة مختصة به وأما حسنات الكفار: فمقبولة بعد إسلامهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:(ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو شرًا إلا أراه الله إياه أما المؤمن: فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته وأما الكافر: فيرد حسناته تحسيرًا له). وفي "تفسير البقاعي" الكافر يوقف على ما عمله من خير على أنه جوزي به في الدنيا، أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان، فهو صورة بلا معنى، ليشتد ندمه ويَقْوَى حزنه وأسفه، والمؤمن يراه ليشتد سروره به، وفي جانب الشر يراه المؤمن ويعلم أنه قد غفر له فيكمل فرحه، والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه. وقال محمد بن كعب (1):(فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا. وليس له عند الله تعالى خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس عليه عند الله شر). والتفسير الأول أولى. قال مقاتل: (نزلت في رجلين، كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يؤتيه التمر والكسرة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ويقول: إنما أوعد الله النار على الكافرين).

وقرأ الجمهور (2): {يَرَهُ} في الموضعين بفتح الياء فيهما مبنيًا للفاعل؛ أي: يرى جزاءه من ثواب وعقاب، وقرأ ابن عباس وابن عمر، والحسن والحسين ابنا علي، وزيد بن علي وأبو حيوة، وعبد الله بن مسلم والكلبي، وخُليد بن نشيط وأبان عن عاصم، والكسائي في رواية حميد بن الربيع عنه، والجحدري والسلمي وعيسى:{يُره} بضم الياء فيهما على البناء للمفعول، أي: يريه الله إياه. وقرأ عكرمة {يَرَهُ} على توهم أن {مَن} موصولة، أو على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة في آخر الفعل، على لغة حكاها الأخفش. وقرأ الجمهور (3):{يَرَهُ} في الوضحين بضم الهاء وصلًا وسكونها وقفًا وقرأ هشام بسكونها وصلا ووقفا ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر سكونها فيهما، وعن أبي عمرو ضمها فيهما، مشبعة

(1) الشوكاني.

(2)

البحر المحيط.

(3)

الشوكاني.

ص: 239

موصولة بواو، وباقي السبعة بإشباع الأولى وسكون الثانية، وفي هذا النقل نظر، والصواب ما ذكرنا. والإسكان في الوصل لغة حكاها الأخفش ولم يحكها سيبويه، وحكاها الكسائي أيضًا عن بني كلاب وبني عقيل. وعبارة أبي حيان: وقرأ عكرمة (1): {يراه} بالألف في الموضعين، وذلك على لغة من يرى الجزم بحذف الحركة المقدرة في حروف العلة، حكاه الأخفش، أو على توهم أن {مَن} موصولة لا شرطية، كما قيل في {إِنه من يتقي ويصبر} في قراءة من أثبت ياء يتقي وجزم يصبر، توهم أن {مَن} شرطية لا موصولة، وجزم {ويصبر} عطفًا على التوهم.

والرؤية هتا رؤية بصر كما مر وقال النقاش: ليست برؤية بصر، وإنما المعنى: يصيبه ويناله، انتهت.

وحاصل المعنى (2): أي فمن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره. فإنه يجد جزاءه، ومن يعمل الشر ولو قليلًا .. يجد جزاءه، ولا فرق بين المؤمن والكافر، وحسنات الكافرين لا تخلصهم من عذاب الكفر، فهم به خالدون في الشقاء وما نطق من الآيات بحبوط عمل الكافرين وأنها لا تنفعهم .. فالمراد به أنها لا تنجيهم من عذاب الكفر وإن خففت عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم من السيئات الأخرى أما عذاب الكفر فلا يخفف عنهم منه شيء، يرشد إلى ذلك قوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} فقوله: {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} صريح في أن المؤمن والكافر في ذلك سواء، وأن كلًّا يوفَّى يوم القيامة جزاءه، وقد ورد: أن حاتمًا يخفف عنه لكرمه، وأن أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تلخيص ما قاله الأستاذ الإِمام في تفسير الآية.

وقيل في معنى {يَرَهُ} ؛ أي: يرى جزاء عمله ولا يرى العمل نفسه؛ لأن ما عمله قد مضى وعُدِم فلا يرى، وأنشدوا:

إِنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِبُ إِثْمًا

وَزْنَ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ سَيَرَاهُ

وَيُجَازَى بِفِعْلِهِ الشَرَّ شَرًّا

وَبِفِعْلِ الْجَمِيْلِ أيْضًا جَزَاهُ

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 240

هَكَذَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ رَبِّيْ

فِيْ {إِذَا زُلْزِلَتِ} وَجَلَّ ثَنَاه

قال الإِمام الرازي في "تفسيره": لقائل أن يقول: إذا كان الأمر إلى هذا الحد {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} فأين الكرم؟.

والجواب: هذا هو الكرم؛ لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفات والكريم لا يحتمله، وفي الطاعة تعظيم وإن قل فالكريم لا يضيعه، وكأنَّ الله سبحانه يقول: لا تحسب مثقال ذرة من الخير صغيرًا؛ فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع منى الذرة، بل اعتبرتها ونظرت فيها واستدللت بها على ذاتي وصفاتي، واتخذتها مركبًا به وصلت إِليَّ، إِذا لم تضيع أنت ذرتي .. أفأضيع أنا ذَرَّتك؟ ثم التحقيق: أن المقصود هو النية والقصد فإذا كان العمل قليلًا لكن النية خالصة .. فقد حصل المطلوب وإن كان العمل كثيرًا والنية دائرة .. فالمقصود فائت، ومن ذلك ما روى عن كعب: لا تحقروا شيئًا من المعروف؛ فإن رجلًا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة. وعن عائشة رضي الله عنها: كان بين يديها عنب فقدمته إلى نسوة بحضرتها، فجاء سائل، فأمرت له بحبة من ذلك العنب، فضحك بعض من عندها فقالت: إن فيما ترون مثاقيل الذر، وتلت هذه الآية {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} ولعلها كان غرضها التعليم، وإلا .. فهي كانت في غاية السخاوة. روي: أن ابن الزبير بعث إليها بمئة ألف درهم في غرارتين، فدعت بطبق وجعلت تقسمه بين الناس، فلما أمست قالت: يا جارية، هَلُمِّي فطوري، فجاءت بخبز وزيت، فقيل لها: أما أمسَكْتِ لنا درهمًا نشتري به لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: لو ذَكَّرْتِني لفعلت ذلك. وفي الحديث: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.

الإعراب

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} .

{إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، مضمن معنى الشرط، متعلق بـ {تُحَدِّثُ} الآتي؛ لأنه جوابها {زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعل

ص: 241

{زِلْزَالَهَا} : منصوب على المفعولية المطلقة، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا} على كونها فعل شرط لها، وقيل:{إِذَا} لمجرد الظرفية والعامل فيها محذوف، تقديره: يحشرون، وقيل: اذكر، فهي مفعول به، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ}: فعل وفاعل معطوف على {زُلْزِلَتِ} {أَثْقَالَهَا} : مفعول به {وَقَالَ الْإِنْسَانُ} : فعل وفاعل، معطوف على {زُلْزِلَتِ} {ما} اسم استفهام للاستفهام التعجبي، في محل الرفع مبتدأ، {لها} خبر لها، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {يَوْمَئِذٍ} ظرف مضاف لمثله، في محل النصب على الظرفية على أنه بدل من {إِذَا} والعامل فيه هو العامل في المبدل منه {يوم}: مضاف. {إذ} : ظرف لما مضى من الزمان، في محل الجر مضاف إليه، مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، والتنوين عوض عن المضاف إليه، تقديره: إذ تزلزل الأرض زلزالها، وتخرج الأرض أثقالها، ويقول الإنسان مالها .. تحدث الأرض أخبارها بسبب إيحاء ربك إليها، فحذفت هذه الجمل الثلاث وناب منابها التنوين، فاجتمع ساكنان وهما الذال والتنوين، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين، وليست هذه الكسرة في الذال بكسرة إعراب، وإن كانت {إذ} في موضع جر بإضافة ما قبلها إليها، وإنما الكسرة فيها لالتقاء الساكنين، ويسمى هذا التنوين: تنوبن العوض {تُحَدِّثُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {الْأَرْضُ} {أَخْبَارَهَا} : مفعول به ثان، والأول محذوف تقديره: أي الخلق. والجملة الفعلية جواب {إذ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذ} مع جوابها مستأنفة استئنافًا نحويًا لا محل لها من الإعراب.

{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} .

{بِأَنَّ} {الباء} حرف جر وسبب {أن} حرف نصب وتوكيد {رَبَّكَ} اسمها {أَوْحَى} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {رَبَّكَ} . {لَهَا} : جار ومجرور متعلق بـ {أَوْحَى} و {اللام} بمعنى إلى، أو على بابها كما مر، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أن} تقديره: بأن ربك موحٍ إليها، وجملة {أَنَّ} مع معموليها في تأويل مصدر مجرور بالباء، تقديره: بسبب إيحاء ربك إليها، الجار والمجرور متعلق بـ {تُحَدِّثُ} {يَوْمَئِذٍ}: ظرف مضاف إلى مثله، بدل من {يَوْمَئِذٍ} قبله، أو متعلق

ص: 242

بـ {يَصْدُرُ} ، أو هو مفعول به لـ اذكر، مقدرًا {يَصْدُرُ النَّاسُ}: فعل مضارع وفاعل، {أَشْتَاتًا}: حال من {النَّاسُ} . والجملة الفعلية جواب {إذ} ، أو مستأنفة {لِيُرَوْا} {اللام}: حرف جر وتعليل {يروا} : فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بأن مضمرة بعد (لام) كي وعلامة نصبه: حذف النون، والواو نائب فاعل، وهو المفعول الأول {أَعْمَالَهُمْ}: مفعول ثان له، والرؤية بصرية ولذلك عديت إلى مفعولين؛ لأن أرى إذا كانت علمية تتعدى إلى ثلاث والجملة الفعلية صلة {أن} المضمرة، و (أن) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإراءة الله سبحانه إياهم جزاء أعمالهم، والجار والمجرور متعلق بـ {يَصْدُرُ} . {فَمَنْ يَعْمَلْ} {الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره إذا عرفت أنهم يصدرون إلى ربهم وأردت تفاصيل أحوالهم .. فأقول لك {من يعمل} ، {من}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب، أو هما على الخلاف المذكور في محله {يَعْمَلْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {مَن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير مستتر يعود على {مَن} ، تقديره: هو، {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}: مفعول به ومضاف إليه {خَيْرًا} : تمييز ذات {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} منصوب به، {يَرَهُ}: ير فعل مضارع مجزوم بـ {مَن} الشرطية على كونه جوابًا لها، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهي الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، وفاعله ضمير مستتر فيه تقديره: هو، يعود على {مَن} و {الهاء} في محل النصب مفعول به؛ لأن رأى هنا بصرية كما مر، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، وجملة قوله:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها، مماثلة لها في إعرابها حرفًا بحرف فلا حاجة إلى إعرابها.

التصريف مفردات اللغة

{زِلْزَالَهَا} الزلزلة: الحركة الشديدة مع اضطراب، قال الزمخشري: وقرىء بكسر الزاي وفتحها، فالمكسور مصدر، والمفتوح اسم مصدر، وليس في الأبنية فعلال - بالفتح - إلا في المضاعف. اهـ.

وهذا بالنظر إلى الغالب، وإلا فقد ورد: ناقة خزعال، قال في "القاموس": وخزعل الضبع عرج وخمع، وخزعل الماشي نفض رجليه، وناقة بها خزعال ظلع،

ص: 243

وليس فعلال من غير المضاعف سواه، وقسطال وخرطال، وفيه أيضًا: وزلزلهُ زلزلةً وزلزالًا مثلثة: حركه.

والزلازل البلايا، وقال ابن عرفة الزلزلة والتلتلة واحد، والزلازل والتلاتل كذلك، وأنشد للراعي:

فَأَبُوْكَ سَيِّدُهَا وَأَنْتَ أَشَدُّهَا

زَمَنَ الزَّلَازِلِ فِيْ التَّلاتِلِ جُوْلَا

{أَثْقَالَهَا} : جمع ثِقْل - بكسر فسكون - كحمل وأحمال كما في "المختار"، وعبارة الزمخشري: وجعل ما في جوفها من الدفائن أثقالًا لها. والثقل في الأصل متاع البيت، كما قال تعالى:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} والمراد به هنا: ما في جوف الأرض من الدفائن، كالموتى والكنوز.

{وَقَالَ الْإِنْسَانُ} : الإنسان فيه قولان، أحدهما: أنه اسم جنس يعم المؤمن والكافر، أي: يقول الجميع ذلك لما يبهرهم من الأمر الفظيع كما يقولون {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ، والثاني: أنه الكافر خاصة؛ لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} يقال: أوحى له وأوحى إليه، ووحى له ووحى إليه، إذا كَلَّمه خفية من ألهمه كما جاء في قوله:{وأوحى ربك إلى النحل} والوحي الإعلام خفية من الإلهام {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ} أي يرجع، فالوارد هو الآتي للماء ليشرب من يستقي، والصادر هو الراجع عنه {أَشْتَاتًا} جمع شَتٍّ، يقال: أمر شت وشتات؛ أي: متشتت ومتفرق، وهو وصفٌ بالمصدر، ويقال: جاؤوا أشتاتًا، وجاؤوا شتات شتات؛ أي متفرقين وقال عدي بن زيد:

قَدْ هَرَاقَ المَاءَ فِي أَجْوَافِهَا

وَتَطَايَرْنَ بِأَشْتَاتِ شَقَقْ

{لِيُرَوْا} أصله لِيُرْأَيُوا، بوزن يُفعَلوا، نقلت حركة الهمزة إلى الراء ثم حذفت، وقلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح ثم حذفت لالتقاء الساكنين {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}؛ أي: وزنها، وهو مَثَلٌ في الصغر، والذرة النملة الصغيرة أو هي الهَباء الذي يُرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة {يَرَهُ}: أصله يَرْايُهُ بوزن يفعل، نقلت حركة الهمزة إلى الراء ثم حذفت للتخفيف، وقلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت لَمَّا جُزِم الفعل.

ص: 244

نادرة: قال أبو عبد الله: حدَّثني أبو العيناء عن الأصمعي، قال: قرأ أعرابي: {فمن يعمل مثقال ذرة شرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} فقدم وأخر فقلت له: قدمت وأخرت فقال:

خُذَا جَنْبَ هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ

كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيْقُ

وروى هذه النادرة الزمخشري في "كشافه" أيضًا، وأضاف: وهرشى كسكرى، ثنية في طريق (مكة) عند الجحفة؛ أي: اسلكا أمام تلك الثنية من خلفها، فإنه - أي الحال والشأن - كلٌّ من جانبيها طريق للإبل التي تطلبانها، وتكرير لفظ هرشى لتقريرها في ذهن السامع خوف غفلته عنها، والمقام كان مقام هداية فحسن فيه ذلك.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: جناس الاشتقاق في قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} .

ومنها: الإضافة للتهويل والتفظيع.

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ} ؛ لأن المخرج حقيقة هو الله سبحانه، نظير قولهم: أثبت الربيع البقل.

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ} ؛ لزيادة التقرير والتوكيد، ولتفخيم هول الساعة.

ومنها: إيثار الواو على الفاء في قوله: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ} مع أن الإخراج متسبب عن الزلزال؛ للتفويض إلى ذهن السامع.

ومنها: الاستفهام للتعجيب والاستغراب في قوله: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)} .

ومنها: إيثار (اللام) على (إلى) في قوله: {بأن ربك أوحي لها} ؛ لمراعاة الفواصل، ولأن ما يتعدى بـ (إلى) يجوز أن يتعدى بـ (اللام)، ولا عكس.

ص: 245

ومنها: المقابلة بين قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} وبين قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 246

مقاصد هذه السورة

اشتملت هذه السورة الكريمة على مقصدين:

1 -

اضطراب الأرض يوم القيامة ودهشة الناس حينئذ.

2 -

ذهاب الناس لموقف العرض والحساب ثم مجازاتهم على أعمالهم (1)

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تمّ تفسير سورة الزلزلة قبيل الغروب من يوم السبت السابع عشر من شهر ذي الحجة المبارك، من شهور سنة: 1416 ألف وأربع مئة وست عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ص: 247