المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الملائكة؟ قال: ويلك، وأنى تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة البلد

- ‌1

- ‌2

- ‌(3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌سورة الشمس

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌سورة الليل

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌(16)}

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌سورة الضحى

- ‌1

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة الشرح

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة التين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العلق

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌(10)}

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة القدر

- ‌1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة البينة

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة الزلزلة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العاديات

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة القارعة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة التكاثر

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العصر

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة الهمزة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌سورة الفيل

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة قريش

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الماعون

- ‌(1)

- ‌2

- ‌ 3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌سورة الكوثر

- ‌1

- ‌2

- ‌3)}

- ‌سورة الكافرون

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة النصر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة المسد

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة الإخلاص

- ‌(1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الفلق

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌سورة الناس

- ‌(1)

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5)}

- ‌6

الفصل: الملائكة؟ قال: ويلك، وأنى تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات،

الملائكة؟ قال: ويلك، وأنى تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقيل: هؤلاء خير البرية في عصره صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد أن يكون في مؤمن الأمم السابقة من هو خير منهم.

وقرأ الجمهور: {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} مقابل {شَرُّ الْبَرِيَّةِ} ، وقرأ حميد وعامر بن عبد الواحد:{خيار البرية} جمع خَيِّر، كجيّد وجياد. ذكره في "البحر".

‌8

- {جَزَاؤُهُمْ} ؛ أي: ثوابهم بمقابلة ما وقع لهم من الإيمان والعمل الصالح، وهو مبتدأ {عِنْدَ رَبِّهِمْ}؛ أي: عند خالقهم ظرف للجزاء {جَنَّاتُ عَدْنٍ} ؛ أي: دخول جنات عدن، وهو خبر للمبتدأ، والعدن الإقامة والدوام، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:{عَدْنٍ} بطنان الجنة؛ أي: وسطها، والمراد بـ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أوسط الجنات وأفضلها، يقال: عدن بالمكان يعدن عدنًا إذا أقام، ومعدن الشيء مركزه ومستقره {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها وقصورها {الْأَنْهَارُ} الأربعة: الماء واللبن والخمر والعسل، وفي "الإرشاد": إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة الأغصان، كما هو الظاهر فجريان الأنهار من تحتها فظاهر وإن أريد بها مجموع الأرض وما عليها، فهو باعتبار الجزء الظاهر وأيًا ما كان، فالمراد: جريانها بغير أخدود.

وجمع {جَنَّاتُ} (1) يدل على أن للمكلف جنات، كما يدل عليه قوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} ، ثم قال:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)} فذكر للواحد أربع جنات، والسبب فيه أنه بكى من خوف الله تعالى، وذلك البكاء إنما نزل من أربعة أجفان.

وقيل: إنه تعالى قابل الجمع بالجمع في قوله: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ} وهو يقتضي مقابلة الفرد بالفرد، فيكون لكل مكلف جنة واحدة، لكن أدنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات كذا روي مرفوعًا، ويدل عليه قوله تعالى:{وَمُلْكًا كَبِيرًا} والألف واللام في الأنهار للتعريف، فتكون منصرفة إلى الأنهار الأربعة المذكورة في القرآن، وهي نهر الماء ونهر اللبن ونهر العسل ونهر الخمر، وفي

(1) روح البيان.

ص: 219

توصيفها بالجري بعدما جعل الجنات الموصوفة جزاء، إشارة إلى مدحهم بالمواظبة على الطاعة، كأنه تعالى يقول: طاعتك كانت جارية ما دمت حيًا، على ما قال:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} فلذلك كانت أنهار كرمي جارية إلى الأبد {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} متنعمين بفنون النعم الجسمانية والروحانية، لا يخرجون منها ولا يظعنون عنها، بل هم دائمون في نعيمها مستمرون في لذاتها، وهو حال، وذو الحال وعامله كلاهما مضمران يدل عليه جزاؤهم، والتقدير: يجزون بها خالدين فيها، وقوله:{أَبَدًا} ظرف زمان مستقر لما يستقبل من الزمان مؤكد للخلود؛ أي: لا يموتون فيها ولا يخرجون منها كما مر آنفًا، وقوله:{رضي الله عنهم} كلام مستأنف مبين لما يتفضل به عليهم زيادة على ما ذُكر من أجزية أعمالهم؛ أي: استئناف إخبار، كأنه قيل: تُزاد لهم، أو استئناف دعاء من ربهم، فلذا فُصل وقد يُجعل خبرًا بعد خبر وحالًا بتقدير قد.

والمعنى: قبل أعمالهم وجازاهم عليها، قال ابن الشيخ: لما كان المكلف مخلوقًا من جسد وروح، وأنه اجتهد بهما في طاعة ربه .. اقتضت الحكمة أن يجزيه بما يتنعم ويستريح به كل واحد منهما، فجنة الجسد هي الجنة الموصوفة، وجنة الروح هي رضا الرب جل جلاله {وَرَضُوا عَنْهُ} حيث بلغوا من المطالب قاصيتها، وملكوا من المآرب ناصيتها، وأبيح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا سيما أنهم أعطوا لقاء الرب الذي هو المقصد الأقصى، والمعنى؛ أي: فرحوا بما أعطاهم من أنواع الكرامة.

وحاصل المعنى (1): أي هؤلاء يجزيهم ربهم بجنات يقيمون فيها أبدًا، وفيها من اللذائذ ما هو أكمل وأوفر من لذات الدنيا، وعلينا أن نؤمن بالجنة، ولا نبحث عن حقيقتها، ولا أين موضعها، فإن علم ذلك عند ربنا لا يعلمه إلا هو، فهو من علم الغيب الذي استأثر بعلمه، ثم ذكر أسباب هذا الجزاء، فقال:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ؛ أي: إنهم حازوا رضا الله تعالى بالتزام حدود شريعته، فحمدوا مغبة أعمالهم، ونالوا ما يرضيهم في دنياهم وآخرتهم، قال الراغب: رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرًا بأمره

(1) المراغي.

ص: 220

ومنتهيًا عن نهيه اهـ.

{وَذَلِكَ} المذكور من الجزاء والرضوان، وقال بعضهم (1): الأظهر أنه إشارة إلى ما ترتب عليه الجزاء والرضوان من الإيمان والعمل الصالح.

وعبارة "السمين": ذلك المذكور من الاستقرار في الجنة مع الخلود فيها ومن رضا الله عنهم كائن {لِمَنْ خَشِيَ} وخاف {رَبَّهُ} بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات؛ أي: ذلك المذكور كائن لمن وقعت منه الخشية لله سبحانه وانتهى عن معاصيه بسبب تلك الخشية التي وقعت له لا مجرد الخشية مع الانهماك في معاصي الله سبحانه، فإنها ليست بخشية على الحقيقة.

والمعنى (2): أي هذا الجزاء الحسن إنما يكون لمن ملأت قلبه الخشية والخوف من ربه، وفي ذلك تحذير من خشية غير الله، وتنفير من إشراك غيره به في جميع الأعمال، كما أن فيه ترغيبًا في تذكر الله ورهبته لدى كل عمل من أعمال البر حتى يكون العمل له خالصًا، إلى أن فيه إيماء إلى أن أداء بعض العبادات كالصلاة والصوم بحركات وسكنات مجردين عن الخشية لا يكفي في نيل ما أعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات من الجزاء؛ لأن الخشية لم تحل قلوبهم ولم تهذب نفوسهم، وتلك الخشية التي هي من خصائص العلماء بشؤون الله تعالى مناط لجميع الكمالات العلمية والعملية المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية، قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} والتعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية والتربية؛ للإشعار بعلة الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية.

الإعراب

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)} .

{لَمْ} : حرف نفي وجزم. {يَكُنِ} : فعل مضارع ناقص مجزوم بـ {لَمْ} {الَّذِينَ} : اسمها، وجملة {كَفَرُوا}: صلة الموصول. {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الموصول، أو من الواو في

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 221

{كَفَرُوا} . {وَالْمُشْرِكِينَ} معطوف على {أَهْلِ الْكِتَابِ} . {مُنْفَكِّينَ} : خبر {يَكُنِ} منصوب بالياء، وجملة {يَكُنِ} مستأنفة استئنافًا نحويًا. {حَتَّى}: حرف جر وغاية. {تَأْتِيَهُمُ} : فعل مضارع ومفعول به منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى} الجارة. {الْبَيِّنَةُ} : فاعل، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، وَأَنْ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى تقديره: إلى إتيان البينة إياهم، الجار والمجرور متعلق بـ {مُنْفَكِّينَ}. {رَسُولٌ}: بدل من {الْبَيِّنَةُ} بدل كل من كل مبالغة، أو بدل اشتمال. {مِنَ اللَّهِ}: صفة أولى لـ {رَسُولٌ} . {يَتْلُو} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {رَسُولٌ}. {صُحُفًا}: مفعول به. {مُطَهَّرَةً} : صفة لـ {صُحُفًا} ، وجملة {يَتْلُو} صفة ثانية لـ {رَسُولٌ} ، أو حال منه على حسب القاعدة النحوية.

{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} .

{فِيهَا} : خبر مقدم. {كُتُبٌ} : مبتدأ مؤخر. {قَيِّمَةٌ} : نعت للكتب؛ أي: مستقيمة ناطقة بالحق والعدل، والجملة الاسمية في محل النصب صفة ثانية لـ {صُحُفًا}. {وَمَا}:{الواو} : استئنافية. {ما} : نافية. {تَفَرَّقَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {أُوتُوا}: فعل ماض مغير الصيغة ونائب فاعل. {الْكِتَابَ} : مفعول ثان لـ {أُوتُوا} ؛ لأنه بمعنى أعطوا، والجملة الفعلية صلة الموصول. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {مِنْ بَعْدِ} : جار ومجرور متعلق بـ {تَفَرَّقَ} . {ما} : مصدرية. {جَاءَتْهُمُ} : فعل ماض ومفعول به مقدم. {الْبَيِّنَةُ} : فاعل، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية، و {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بضافة الظرف إليه، التقدير: وما تفرقوا إلا من بعد مجيء البينة إياهم. {وَمَا} : {الواو} : حالية. {ما} : نافية. {أُمِرُوا} : فعل ماض مغير الصيغة ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل {تَفَرَّقَ} أعني: الموصول. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {لِيَعْبُدُوا} : {اللام} : حرف جر زائد، أو بمعنى الباء، {يعبدوا}: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد اللام، وعلامة نصبه حذف النون. {اللَّهَ}: مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض إن قلنا:{اللام} : زائدة، تقديره إلا عبادة الله؛ أي: إلا بعبادة الله، أو

ص: 222

مجرور باللام بمعنى الباء، وما أمروا إلا بعبادة الله، الجار والمجرور متعلق بـ {أُمِرُوا}. {مُخْلِصِينَ}: حال من الواو في {يعبدوا} . {له} : متعلق بـ {مُخْلِصِينَ} . {الدِّينَ} : مفعول به لـ {مُخْلِصِينَ} ؛ لأنه اسم فاعل. {حُنَفَاءَ} : حال ثانية من فاعل {يعبدوا} ، من من الضمير المستكن في {مُخْلِصِينَ} فتكون حالًا متداخلة. {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {يعبدوا} . {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} : معطوف عليه أيضًا. {وَذَلِكَ} : {الواو} : عاطفة، أو حالية. {ذلك دين القيمة}: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من المصدر المفهوم من {يعبدوا} و {يقيموا} و {يؤتوا} ، والتقدير: أي: وما أمروا إلا بعبادة الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال كون ما ذُكر دين الملة القيمة. أو معطوفة على جملة {وَمَا أُمِرُوا} .

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه، وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول. {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}: جار ومجرور حال من الموصول. {فِي نَارِ جَهَنَّمَ} : خبر {إِنَّ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة مسوقة لبيان حال الفريقين {خَالِدِينَ}: حال من الضمير المستكن في خبر {إِنَّ} . {فِيهَا} : متعلق بـ {خَالِدِينَ} : {أُولَئِكَ} : مبتدأ أول. {هُمْ} : مبتدأ ثان، أو ضمير فصل. {شَرُّ الْبَرِيَّةِ}: خبر {هُمْ} ، أو خبر {أُولَئِكَ} ، وجملة {أُولَئِكَ} خبر ثان لـ {إِنَّ}. {إِنَّ الَّذِينَ}: ناصب واسمه، وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {آمَنُوا} . {أُولَئِكَ} : مبتدأ. {هُمْ} : ضمير فصل. {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة.

{جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} .

{جَزَاؤُهُمْ} : مبتدأ. {عِنْدَ رَبِّهِمْ} : ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {جَزَاؤُهُمْ} ، أو حال من الضمير في {جَزَاؤُهُمْ}. {جَنَّاتُ عَدْنٍ}: خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة، أو خبر ثان لـ {إنَّ} ، وجملة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: صفة لـ {جَنَّاتُ} . {خَالِدِينَ} :

ص: 223

حال، صاحبها وعاملها محذوفان، والتقدير: جنات عدن دخلوها، أو أعطوها خالدين فيها، ولا يجوز أن يكون حالًا من ضمير {جَزَاؤُهُمْ}؛ لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي. {فِيهَا}: متعلق بـ {خَالِدِينَ} . {أَبَدًا} : منصوب على الظرفية متعلق بـ {خَالِدِينَ} أيضًا. {رَضِيَ اللَّهُ} : فعل وفاعل. {عَنْهُمْ} : متعلق بـ {رَضِيَ} ، والجملة مستأنفة مسوقة للدعاء، أو خبر ثالث لـ {إنَّ} ، وجملة {وَرَضُوا عَنْهُ}: معطوفة على جملة {رضي الله عنهم} . {ذَلِكَ} : مبتدأ. {لِمَنْ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة. {خَشِيَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على {مِنْ} {رَبَّهُ}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

التصريف ومفردات اللغة

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} {يَكُنِ} : أصله يكون، دخل عليه الجازم، فسكن آخره فصار لم يكون، فالتقى ساكنان فحذفت الواو، فصار يكن.

{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} اليهود والنصارى والمجوس {وَالْمُشْرِكِينَ} عبدة الأوثان والأصنام من العرب وغيرهم {مُنْفَكِّينَ} اسم فاعل من انفك من باب انفعل الخماسي، وانفكاك الشيء عن الشيء أن يزايله بعد التحامه به، كالعظم إذا انفك من مفصله، والمعنى: أنهم متعلقون بدينهم لا يتركونه ولا يرومون انفكاكًا عنه، قال الأزهري: وليس هو من باب ما انفك وما برح، وإنما هو من باب انفكاك الشيء عن الشيء؛ أي: انفصاله عنه.

{الْبَيِّنَةُ} الحجة الواضحة، وزن فيعلة، أدغمت ياء فيعلة في عين الكلمة.

{صُحُفًا} جمع صحيفة، وهي الأوراق والقراطيس التي يُكتب فيها. {مُطَهَّرَةً}؛ أي: مبرأة من الزور والضلال {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)} ؛ أي: أمور مكتوبة مستقيمة ناطقة بالحق والصواب التي لا عوج فيها، وأصل {قَيِّمَةٌ}: قيومة بوزن فعيلة، اجتمعت الواو والياء وسُبقت إحداهما ساكنة، فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء.

{إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} والعبادة هي: التذلل، ومنه طريق معبد؛ أي: مذلل، ومن زعم أنها الطاعة فقد أخطأ؛ لأن جماعة عبدوا الملائكة والمسيح والأصنام وما أطاعوهم، ولكن في الشرع صارت اسمًا لكل طاعة لله أديت له على وجه التذلل

ص: 224

والخضوع والنهاية في التعظيم والعبادة بهذا المعنى لا يستحقها إلا من كان واحدًا في صفاته الذاتية والفعلية.

{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والإخلاص: أن يأتي بالفعل خالصًا لداعية واحدة، ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل، فالعبادة لجلب المنفعة، أو لدفع المضرة ليست من قبيل الإخلاص، وقال الكرخي: والإخلاص أن لا يطلع على عملك إلا الله، ولا تطلب منه ثوابًا اهـ، وقال الشهاب: الإخلاص هنا عدم الشرك، وأنه ليس بمعنى الإخلاص المتعارف اهـ.

والدين: العبادة، واخلاص الدين لله: تنقيته من أدران الشرك. {حُنَفَاءَ} : واحدهم حنيف، كشرفاء جمع شريف، وهو في الأصل المائل المنحرف، والمراد به هنا المنحرف عن الزيغ إلى إسلام الوجه لله تعالى.

{شَرُّ الْبَرِيَّةِ} صيغة التفضيل وأصله: أشرر بوزن أفعل، نقلت حركة الراء الأولى إلى الشين، ثم أُدغمت في الراء الثانية، ثم لما كثر استعمال هذه الكلمة على ألسنة العرب .. خففوها، فقالوا: شر فاستغنوا بها عن قولهم: أشر، وكذلك فعلوا في كلمة خير.

{الْبَرِيَّةِ} قرىء بالهمزة، فقالوا:{البريئة} وبدونها، فقالوا:{الْبَرِيَّةِ} فقراءة الهمزة على أن لامه همزة من برأ، ووزنه فعيلة بمعنى مفعولة، ومن قرأ بياء مشددة بدون همزة يحتمل أن يكون تخفيفًا للغة الهمزة بإبدال الهمزة ياء وإدغام ياء فعيل فيها، ويحتمل أن يكون من البري وهو التراب؛ لأنهم خلقوا منه، فأدغمت ياء فعيل في ياء لام الكلمة ومعنى القراءتين شيء واحد، وهو جميع الخلق.

قال ابن خالويه: والعرب على ترك الهمز، قال العجير لنافع بن علقمة:

يَا نَافِعًا يَا أَكْرَمَ الْبَرِيَّهْ

وَاللهِ لَا أَكْذِبُكَ الْعَشِيَّهْ

إِنَّا لَقِيْنَا سَنَةً قَسِيَّهْ

ثُمَّ مُطِرْنَا مَطْرَةَ رَوِيَّهْ

فَنَبَّتَ الْبَقْلُ وَلَا رَعِيَّهْ

فَانْظُرْ بِنَا الْقرَابَةَ الْعَلِيَّهْ

وَالْعُرْبُ مِمَّا وَلَدَتْ صَفِيَّهْ

فأمر له بألف شاة.

ص: 225

وقال الآخر:

أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الْحُسَيْـ

ـنِ فَقُلْ لأَعُظُمِهِ الزَّكِيَّهْ

قَبْرٌ تَضَمَّنَ طَيَّبًا

آبَاؤُهُ خَيْرُ الْبَرِيَّهْ

آبَاؤُهُ أَهْلُ الْخِلَا

فَةِ وَالرِّيَاسَةِ وَالْعَطِيَّهْ

وفي قوله: بالنصب نظر، فهلا قال: يا نافع بالضم مع التنوين؛ لأن المنادى المفرد إذا نُوّن للضرورة تُرك على ضمه، كقول الأحوص:

سَلَامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا

وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلَامُ

وقد اهتم النحاة بهذا البيت، فأطلقوا على التنوين فيه تنوين الضرورة، وليس بذاك، وارجع إن شئت إلى كتبهم، والله أعلم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإجمال بقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ثم التفصيل بقوله:{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ؛ لأن ذكر الشيء مجملًا، ثم ذكره مفصلًا أوقع في النفس.

ومنها: إيراد الصلة فعلًا في قوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} إشعارًا بأن كفرهم حادث بعد أنبيائهم.

ومنها: التعبير عن إتيان البينة بالمضارع في قوله: {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} اعتبارًا بحال المحكي لا الحكاية.

ومنها: التنوين في قوله: {رَسُولٌ} للدلالة على التفخيم والتعظيم.

ومنها: وصفه بقوله: {مِنَ اللَّهِ} تأكيدًا لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية؛ أي: رسول؛ أي: رسول كائن من الله تعالى.

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} ؛ لأن نسبة التلاوة إلى الصحف بمعنى القراطيس مجاز؛ لأن الأوراق لا تتلى، بل المتلو المكتوب، ففيه إسناد ما للحال إلى المحل بعلاقة الحلول، والمراد أنه لما كان ما يتلوه الذي هو

ص: 226

القرآن مصدقًا لصحف الأولين مطابقًا لها في أصول الشرائع وبعض الأحكام .. صار متلوه كأنه صحف الأولين وكتبهم، فعبر عنه باسم الصحف مجازًا.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {مُطَهَّرَةً} حيث شبه تنزه الصحف عن الباطل بطهارة الشيء عن الأنجاس.

ومنها: عطف الخاص على العام في قوله: {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} حيث عطفهما على قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} اهتمامًا بشأن الخاص وإظهارًا لمزيته.

ومنها: إضافة الشيء إلى صفته في قوله: {دِينُ الْقَيِّمَةِ} ؛ أي: دين الملة القيمة اعتبارًا بالتغاير اللفظي بينهما؛ لأن الشريعة المبلغة إلى الأمة باعتبار أنها تملى وتُكتب تسمى ملة، وباعتبار أنها تطاع وتدان تسمى دينًا.

ومنها: ذكر المشركين في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ؛ لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب باعتبار اختصاص مشاهدة شواهد النبوة في الكتاب بهم.

ومنها: إيراد الجملة الاسمية في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

} إلخ؛ للإيذان بتحقق مضمونها لا محالة، من أنهم فيها الآن إما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم بها، وإما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار إلا أنها ظهرت عليهم الآن بصورة عرضية وتظهر عليهم في الآخرة بصورة حقيقية.

ومنها: المقابلة بين نعيم الأبرار وعذاب الفجار في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

} إلخ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا

} إلخ.

ومنها: الطباق بين {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} و {شَرُّ الْبَرِيَّةِ} .

ومنها: توسيط ضمير الفصل في قوله: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} لإفادة الحصر؛ أي: هم شر البرية دون غيرهم، ومثله قوله الآتي:{أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} .

ومنها: التعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية والتربية؛ للإشعار بعلة الخشية، والتحذير من الاغترار بالتربية.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 227

خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة من المقاصد

اشتملت هذه السورة على سبعة مقاصد:

1 -

عدم انفكاك المشركين وأهل الكتاب عما هم عليه من الكفر والشرك حتى تأتيهم البينة.

2 -

تفرقهم عندما جاءتهم البينة.

3 -

أمرهم بعبادة الله والصلاة والزكاة مخلصين له الدين حنفاء له.

4 -

خلود فريق الفجار في نار جهنم.

5 -

دخول فريق الأبرار جنات عدن.

6 -

رضا الله سبحانه وتعالى عنهم ورضوانهم عنه.

7 -

كون ذلك من نتائج خشيتهم لربهم سبحانه (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تم تفسير سورة البينة بعون شارع الملة القيمة قبيل صلاة العصر من يوم الخميس الخامس عشر من شهر ذي الحجة من شهور سنة: 1416 ألف وأربع مئة وست عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته وأهل بيته وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، آمين.

ص: 228