الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الضحى
سورة الضحى مكية بلا خلاف، نزلت بعد سورة الفجر، وأخرج (1) ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نزلت والضحى بمكة.
وآياتها: إحدى عشرة آية، وكلماتها (2): أربعون كلمة، وحروفها: مئة واثنان وأربعون حرفًا.
المناسبة: ومناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في السابقة قوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)} وكان صلى الله عليه وسلم سيد الأتقياء وصفي الأصفياء .. عقَّب ذلك سبحانه بذكر نعمه عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم. وقال الشيخ موسى جار الله - رحمه الله تعالى - في كتابه "نظم الدرر" سورة الضحى: أن النبي صلى الله عليه وسلم وضعها بعد سورة الليل؛ ليتصل رضي النبي الكريم برضى خليفته بعده، وقدم رضي خليفته؛ لأن ابتغاء وجه الله قبل كل شيء.
التسمية: وتسميتها بالضحى: لبدايتها بلفظ الضحى، وقال محمد بن حزم - رحمه الله تعالى -: سورة الضحى كلها محكمة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
فضلها: ومن فضائلها ما تقدم في سورة الشمس من الحديث الصحيح، ومنها (3) ما أخرجه الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في "الشعب" من طريق أبي الحسن المقرىء قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على قسطيْطين، فلما بلغت {وَالضُّحَى (1)} قال: كَبِّر حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، فأمره بذلك، وأخبر مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن
(1) الشوكاني.
(2)
الخازن.
(3)
الشوكاني.
عباس أن أُبيٌّ بن كعب أمره بذلك، وأخبر أبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، وأبو الحسن المقرىء المذكور هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرىء. قال ابن كثير: فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي من ولد القاسم ابن أبي بزة، وكان إمامًا في القراءات، وأما في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي، وقال: لا أحدث عنه، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال: هو منكر الحديث، قال ابن كثير: ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته، فقال بعضهم: يكبر من آخر سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ، وقال آخرون من آخر الضحى، وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول: الله أكبر، ويقتصر، ومنهم من يقول: الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، وذكروا في مناسبة التكبير من أول الضحى: أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتر تلك المدة، ثم جاء الملك، فأوحى إليه {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
…
} السورة كبر فرحًا وسرورًا، ولم يَرْوُوا ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف.
سبب نزولها: اتفق الرواة على أن سبب نزول هذه السورة الكريمة إنما هو حصول فترة انقطاع في توالي نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظن من توهّم أن الله عز وجل قد تركه وقلاه، فأنزل الله عز وجل هذه السورة؛ ليلقي الطمأنينة في نفسه صلى الله عليه وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
قد سبق لك قريبًا بيان المناسبة بين أول هذه السورة وآخر ما قبلها، وأما قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
…
} إلى آخر السورة مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه (1) لما ذكر رضاه عن رسوله، ووَعْدَه له أن يمنحه من المراتب والدرجات ما يرضيه ويثلج قلبه .. أردف ذلك ببيان أن هذا ليس عجبًا منه جل شأنه، فقد أنعم عليه بالنعم الجليلة قبل أن يصير رسولًا، فكيف يتركه بعد أن أعده لرسالته، ثم نهاه عن أمرين: قهر اليتيم وزجر السائل؛ لما لهما من أكبر الأثر في التعاطف والتعاون في المجتمع، ولما فيهما من الشفقة بالضعفاء وذوي الحاجة، ثم أمره بشكره على نعمه المتظاهرة عليه باستعمال كل منها في موضعها، وأداء حقها.
أسباب النزول
سبب نزول هذه السورة (2): ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلة من ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله عن وجل:{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي عن جندب قال: أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدع محمد، فنزلت هذه السورة.
(1) المراغي.
(2)
لباب النقول.
وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامًا لا ينزل عليه جبريل، فقالت أم جميل امرأة أبي لهب: ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك، فأنزل سبحانه: {وَالضُّحَى (1)
…
} الآيات.
وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة في "مسنده" والواحدي وغيرهم بسند فيه من لا يُعرف عن حفص بن صبرة القرشي عن أمه عن أمها خولة، وقد كانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن جروًا دخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل تحت السرير، فمات، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال:"يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني"، فقلت في نفسي لو هيأت البيت فكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يرعد بجبينه، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة، فأنزل الله:{وَالضُّحَى (1)} إلى قوله: {فَتَرْضَى} .
قال الحافظ ابن حجر: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، بل شاذ مردود بما في "الصحيح".
وأخرج (1) ابن جرير عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربك إلا قد قلاك، فنزلت، وأخرج أيضًا عن عروة قال: أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعًا شديدًا، فقالت خديجة: إني أرى ربك قد قلاك مما يرى من جزعك، فنزلت، وكلاهما مرسل، ورواتهما ثقات، قال الحافظ ابن حجر: فالذي يظهر أن كلًّا من أم جميل وخديجة قالت ذلك، لكن أم جميل قالت شماتة، وخديجة قالته توجعًا.
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرني"، فأنزل الله سبحانه:{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)} إسناده حسن، وأخرج الحاكم والبيهقي في "الدلائل"، والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال: عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كَفْرًا كَفْرًا؛ أي: قرية قرية، فسر به، فأنزل الله سبحانه:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} .
(1) لباب النقول.
وعبارة "الخازن" هنا: واختلفوا في نزول هذه السورة على ثلاثة أقوال (1):
القول الأول: ما روى الشيخان عن جندب بن سفيان البجلي قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلتين من ثلاثًا، فجاءت امرأة، فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك ليلتين من ثلاثًا، فأنزل الله عز وجل:{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} متفق عليه.
قيل: إن المرأة المذكورة في هذا الحديث هي: أم جميل امرأة أبي لهب، وأخرجه الترمذي عن جندب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، فدميت أصبعه، فقال:
هَلْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيْتِ
…
وَفِي سَبِيْلِ اللهِ مَا لَقِيْتِ
قال: فأبطأ عليه جبريل، فقال المشركون: قد وُدع محمد، فأنزل الله عز وجل:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} .
والقول الثاني: ما قاله المفسرون: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وعن ذي القرنين وأصحاب الكهف حين أرسلوا إلى قريش، فأمروهم بسؤاله عن هذه الثلاثة، فسألته قريش، فقال:"سأخبركم غدًا"، ولم يقل: إن شاء الله، فاحتبس الوحي عليه.
والقول الثالث: ما قاله زيد بن أسلم كان سبب احتباس الوحي وجبريل عنه: أن جروًا كان في بيته، فلما نزل عليه عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه، فقال: إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة.
واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه (2)، فقيل: اثنا عشر يومًا، وقال ابن عباس: خمسة عشر يومًا، وقيل: أربعون يومًا، فلما نزل جبريل عليه السلام .. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا جبريل ما جئتَ حتى اشتقت إليك"، فقال جبريل: إني كنت إليك أشد اشتياقًا، ولكني عبد مأمور، ونزل:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} ، وأنزل هذه السورة.
(1) الخازن.
(2)
الخازن.