الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الفيل
سورة الفيل مكية، نزلت بعد سورة الكافرون، وهي مكية بلا خلاف، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أُنزلت بمكة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} وهي: خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وستة وتسعون حرفًا.
المناسبة: ومناسبتها لما قبلها (1): أنه بيَّن في السورة السابقة أن المال لا يُغني من الله شيئًا، وهنا أقام الدليل على ذلك بقصص أصحاب الفيل.
وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر فيما قبلها عذاب الكفار في الآخرة .. أخبر هنا بعذاب ناس منهم في الدنيا، وقال بعضهم: مناسبتها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في السورة السابقة ما أعده من العذاب لمن عاب الناس، واغتابهم، وطعن في أعراضهم، وركن إلى الدنيا، وظن أن المال سيخلده، فظلم نفسه، واستحق عذاب الله، ونزل به وعيده وتهديده، وتحطم في الحاطمة المدمرة جهنم وساءت مصيرًا .. بيَّن سبحانه هنا ما فعله بأصحاب الفيل، وهم الظالمون المعتدون الذين ظلموا أنفسهم، وأغاروا على حرم الله وبيته في مكة المكرمة، فجعل الله لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فرجعوا خائبين، وارتدوا منكسرين هالكين بعذاب الله تعالى، ونقمته التي صبها عليهم صبًا، وجعل كيدهم في تضليل، ثم جعلهم كعصف مأكول. وسميت سورة الفيل؛ لذكر لفظ الفيل فيها.
الناسخ والمنسوخ: وقال محمد بن حزم - رحمه الله تعالى -: سورة الفيل كلها محكم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
فضلها: ومن فضائلها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الفيل عافاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ" ذكره "البيضاوي" ولكن لا أصل له.
(1) المراغي.
إعجاز هذه السورة: وهذه السورة من آيات الله البينات، ومن أعظم المعجزات القاهرات والدلائل الباهرة التي أظهرها الله تعالى في ذلك الزمان، ليدل على وجوب معرفته عز وجل وجليل قدرته وعظيم جبروته، وفيها إرهاص لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وُلد في ذلك العام الذي فيه أرخ العرب، وقالوا: ولد في عام الفيل.
وما كان لأحد أن ينكر هذا، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، بل أقروا به وصدقوه فيما قال، مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه، وكانوا قريب عهد بأصحاب الفيل، ولو لم يكن لذلك عندهم حقيقة واضحة وأصل بيّن .. لأنكروه وجحدوه، وشنعوا على الرسول به وكذبوه، ولكنهم صمتوا ولاذوا بالفرار أمام عظمة القرآن وصدق من أُنزل عليه القرآن سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.
وكيف ينبس أحدهم ببنت شفة، وقد أرخوا بعام الفيل، وتناقل خبره الكبير والصغير، كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك، كما أكثر الشعراء من ذكر عام الفيل، ونظموها في شعرهم، ونقلته الرواة عنهم، من ذلك ما قاله أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة قال:
إِنَّ آيَاتِ رَبِّنا بَاقِيَاتٌ
…
مَا يُمَارِيْ فِيْهِنَّ إِلَّا الْكَفُوْرُ
خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَكُلٌّ
…
مُسْتَبِيْنٌ حِسَابَهُ مَقْدُوْرُ
ثُمَّ يَجْلُوْ النَّهَارَ رَبٌّ رَحِيْمٌ
…
بِمَهَاةٍ شُعَاعُهَا مَنْثُوْرُ
حَبسَ الْفِيْلَ بِالْمُغَمَّسِ حَتَّى
…
صَارَ يَحْبُوْ كَأَنَّهُ مَعْقُوْرُ
حَوْلَهُ مِنْ مُلُوْكِ كِنْدَةً أَبْطَا
…
لٌ مَلَاوِيْثٌ فِيْ الْحُرُوْبِ صُقُوْرُ
كُلُّ دِيْنٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الـ
…
ـلَّهِ إِلَّا دِيْنُ الْحَنِيْفَةِ بُوْرُ
قال عبد الله بن عمرو بن مخزوم:
أَنْتَ الْجَلِيْلُ رَبُّنَا لَمْ تُدْنَس
…
أَنْتَ حَبَسْتَ الفِيْلَ بِالْمُغَمَّسِ
مِنْ بَعْدِ مَا هَمَّ بِشَيْءٍ مُبْلِسِ
…
حَبَسْتَهُ فِيْ هَيْئَةِ الْمُنَكَّسِ
قال الحافظ بن كثير في "تفسبره": هذه من النعم التي امتن الله سبحانه بها
على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها، فأبادهم الله تعالى، وأرغم آنافهم، وخيّب سعيهم، وأضل أعمالهم، وردهم بشر خيبة. وكانوا قومًا نصارى وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالًا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن من باب الإرهاص والتوطئة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه، فإنه في ذلك العام وُلد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدرة يقول: لم ينصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرِّفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *