المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أي: إنهم يفعلون أفعالًا ظاهرة بقدر ما يرى الناس دون - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة البلد

- ‌1

- ‌2

- ‌(3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌سورة الشمس

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌سورة الليل

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌(16)}

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌سورة الضحى

- ‌1

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة الشرح

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة التين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العلق

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌(10)}

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة القدر

- ‌1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة البينة

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة الزلزلة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العاديات

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة القارعة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة التكاثر

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العصر

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة الهمزة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌سورة الفيل

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة قريش

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الماعون

- ‌(1)

- ‌2

- ‌ 3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌سورة الكوثر

- ‌1

- ‌2

- ‌3)}

- ‌سورة الكافرون

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة النصر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة المسد

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة الإخلاص

- ‌(1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الفلق

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌سورة الناس

- ‌(1)

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5)}

- ‌6

الفصل: أي: إنهم يفعلون أفعالًا ظاهرة بقدر ما يرى الناس دون

أي: إنهم يفعلون أفعالًا ظاهرة بقدر ما يرى الناس دون أن تستشعر قلوبهم بها، أو تصل إلى معرفة حكمها وأسرارها، وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وطلب المنزلة في قلوب الناس، ويكون فعل ذلك على ضروب:

1 -

بتحسين السمت مع إرادة الجاه وثناء الناس.

2 -

بلبس الثياب القصار، أو الخشنة، ليأخذ بذلك هيبة الزهاد في الدنيا.

3 -

بإظهار السخط على الدنيا، وإظهار التأسف على ما يفوته من فعل الخير.

4 -

بإظهار الصلاة والصدقة، أو بتحسين الصلاة، لرؤية الناس له، قال في "الكشاف": والعمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا غمة في فرائض الله"؛ لأنها أعلام الإِسلام وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار، وإن كان تطوعًا فحقه أن يخفي؛ لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، وإن أظهره قاصدًا للاقتداء فيه كان جميلًا، وإنما الرياء أن يقصد أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح، واجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم:"الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على المسح الأسود"، والمسح كساء من صوف خشن يلبسه الزهاد، والفرق (1) بين المرائي والمنافق أن المنافق يُبطِن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر زيادة الخشوع وآثار الصلاح؛ ليعتقد من يراه أنه من أهل الصلاح.

وقرأ الجمهور (2): {يُرَاءُونَ} مضارع راءَى من باب فاعل، وقرأ ابن أبي إسحاق والأشهب: مهموزة مقصورة مشددة الهمزة من باب فعل المضعف، وعن ابن أبي إسحاق بغير شد في الهمزة، فتوجيه الأولى، إلى أنه ضعف الهمزة تعديةً، كما عَدَّوا بالهمزة، فقالوا في رأى أرى، وقالوا: راءى، فجاء المضارع يُرَئِّيْ كيصلي، وجاء الجمع يُرَؤُّون كيصلون، وتوجيه الثانية أنه استثقل التضعيف في الهمزة، فخففها أو حذف الألف من يرأون حذفًا لا لسبب.

‌7

- {وَيَمْنَعُونَ} الناس {الْمَاعُونَ} ؛ أي: محقرات الأموال وقلائلها مما يتعاطاه

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

ص: 367

الناس فيما بينهم ويتعاورونه يعتادون التسامح من أثاث البيت وغيره، كالدلو والقدر والإبريق والفأس والسكين والإبرة والخيط والخمير وبقايا الطعام والماء والملح والنار من الأشياء التافهة التي جرى عرف الناس بالتسامح بها فيما بينهم.

أي: يمنعون الناس ما لم تجر العادة بمنعه مما يسأله الغني والفقير، ويُنسب منعه إلى لؤم الطبع وسوء الخلق، وقال الطبري في "تفسيره": الماعون: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر، وما لا يُمنع كالماء والملح والنار والخيط والمخيط، نُقل هذا عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير، ثم قال: وروى أبو بصير عن أبي عبد الله قال: {الْمَاعُونَ} هو القرض تقرضه، والمعروف تصنعه، ومتاع البيت تعيره، قال: فقلت: إن لنا جيرانًا إذا أعرناهم متاعًا كسروه وأفسدوه، أفعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال: لا ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك، وقال الكلبي:{الْمَاعُونَ} المعروف كله، وقال علي وابن عمر وابن عباس أيضًا:{الْمَاعُونَ} هو الزكاة، ومنه قول الراعي:

أخَلِيْفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّا مَعْشَرٌ

حُنُفًا نُسَجدُ بُكْرَةً وَأَصِيْلًا

عُرْبٌ نَرَى لِلَّهِ فِيْ أَمْوَالِنَا

حَقَّ الزَّكَاةِ مُنَزَّلًا تَنْزِيْلَا

قَوْمٌ عَلَى الإِسْلَامِ لَمَّا يَمْنَعُوْا

مَا عُوْنَهُمْ وَيُضَيِّعُوْا التَّهْلِيْلَا

يعني بالماعون الزكاة، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن، وهو الشيء القليل، فسميت الزكاة ماعونًا؛ لأنها قليل من كثير؛ لأنها ربع أو عشر، وقال عبد الله بن عمر منع الماعون هو منع الحق، وقال ابن عباس أيضًا: هو العارية، وقيل الماء والكلأ، قال أبو الليث: الماعون بلغة الحبشة المال، وفي "برهان القرآن" قوله:{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} ، ثم بعده {الَّذِينَ هُمْ} كرر ولم يقتصر على مرة واحدة؛ لامتناع عطف الفعل على الاسم، ولم يقل: الذين هم يمنعون؛ لأنه فعل، فحسن العطف على الفعل وهذه دقيقة. انتهى.

والمعنى: ويمنعون الزكاة، كما دل عليه ذكره عقيب الصلاة، أو ما يتعاور عادة، فإن عدم المبالاة باليتيم والمسكين حيث كان من عدم الاعتقاد بالجزاء موجب للذم والتوبيخ، فعدم المبالاة بالصلاة التي هي عماد الدين والرياء الذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإِسلام، وسوء المعاملة مع الخلق

ص: 368

أحق بذلك، ولم يُرَ من المتسمين بالإِسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه، والمراد بما يتعاوروه عادةً؛ أي: يتداوله الناس بالعارية، ويعين بعضهم بعضًا بإعارته هو مثل الفأس والقدر والدلو والإبرة والقصعة، والغربال والقدوم والمقدحة والنار، والماء والملح، ومن ذلك أن يلتمس جارك أن يخبز في تنورك، أو يضع متاعه عندك يومًا أو نصف يوم، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورًا في الشريعة إذا استُعيرت عن اضطرار، وقبحًا في المروءة في غير حال الضرورة، وفي هذه الآية زجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها في نهاية البخل، قال العلماء: يستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران، فيعيرهم ويتفضل عليهم، ولا يقتصر على الواجب اهـ "صاوي".

قال الإمام: وحاصل معنى هذه السورة؛ أي: فأولئك الذين يصَلُّون ولا يأتون من الأعمال إلا ما يُرى للناس مما لا يكلفهم بذل شيء من مالهم، ولا يخشون منه ضررًا يلحق بأبدانهم، أو نقصًا يلم بجاههم، ثم يمنعون ماعونهم، ولا ينهضون بباعث الرحمة إلى سد حاجة المعوزين، وتوفير ما يكفل راحتهم وأمنهم، وطمأنينتهم ولا تنفعهم صلاتهم، ولا تخرجهم عن حد المكذبين بالدين، لا فرق بين من وَسَموا أنفسهم بسِمَة الإِسلام أو غيره، فإن حكم الله واحد لا محاباة فيه للأسماء المنتحلة التي لا قيمة لها إلا بمعانيها الصحيحة المنطبقة على مراده تعالى من تحديد الأعمال وتقرير الشرائع.

فخاصة المصدق بالدين التي تميزه عمن سواه من المكذبين هو العدل والرحمة وبذل المعروف للناس وخاصة المكذب التي يمتاز بها عن المصدقين هي احتقار حقوق الضعفاء، وقلة الاهتمام بمن تلذعهم آلام الحاجة، وحب الأثرة بالمال، والتعزز بالقوة، ومنع المعروف عمن يستحق من الناس.

فهل للمسلمين الذين يزعمون أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به أن يقيسوا أحوالهم وما يجدونه من أنفسهم بما يتلون في هذه السورة الشريفة؛ ليعرفوا هل هم من قسم المصدقين أو المكذبين، وليقلعوا عن الغرور برسم هذه الصلاة التي لا أثر لها إلا في ظواهر أعضائهم، وبهذا الجوع في يسمونه صيامًا، ولا أثر له إلا في عبوس وجوههم وبذاذة ألسنتهم وضياع أوقاتهم في اللهو والبطالة، ويرجعوا إلى

ص: 369

الحق من دينهم، فيقيموا الصلاة، ويحيوا صورتها بالخشوع للعليِّ الأعلى، فلا يخرجوا من الصلاة إلا وهم ذاكرون أنهم عبيد الله يلتمسون رضاه في رعاية حقوقه بما يراه، ويجعلوا من الصوم مؤدِّبًا للشهوة ومهذبًا للرغبة رادعًا للنفس عن الأثرة فلا يكون في صومهم إلا الخير لأنفسهم ولقومهم، ثم يؤدون الزكاة المفروضة عليهم ولا يبخلون بالمعونة فيما يمنع الخاصة والعامة اهـ. والله أعلم.

الإعراب

{أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} .

{أَرَأَيْتَ} {الهمزة} فيه للاستفهام التعجبي، {رأيت}: فعل وفاعل، والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو عام كما مر، والرؤية هنا إما بصرية تتعدى إلى مفعول، وهو قوله:{الَّذِي يُكَذِّبُ} . {الَّذِي} : اسم موصول في محل النصب مفعول به لـ {رأيت} . {يُكَذِّبُ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الموصول. {بِالدِّينِ}: متعلق بـ {يُكَذِّبُ} ، والمعنى: أبصرت يا محمد المكذب بالدين، وهل عرفته بذاته؟ وإما بمعنى أخبرني فتتعدى لاثنين: الأول: الموصول، والثاني محذوف قدَّره الحوفي بقوله: أليس مستحقًا للعذاب؛ أي: أخبرني يا محمد المكذبَ بالدين أليس مستحقًا العذاب، والجملة الفعلية على كلا التقديرين مستأنفة. {فَذَلِكَ} {الفاء}: واقعة في جواب شرط مقدر تقديره: إن طلبت معرفة ذلك المكذب بصفاته، فهو الذي يدع اليتيم. {ذلك}: مبتدأ. {الَّذِي} : خبره، وجملة {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} صلة الموصول، والجملة الاسمية في محل الجزم بذلك الشرط المحذوف، وجملة الشرط المحذوف مستأنفة. {وَلَا يَحُضُّ}:{الواو} : عاطفة. {لا} : نافية. {يَحُضُّ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر يعود على {الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}. {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَحُضُّ} ، والجملة معطوفة على جملة {يَدُعُّ الْيَتِيمَ}. {فَوَيْلٌ} {الفاء}: واقعة أيضًا في جواب شرط مقدر تقديره: إذا كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين من دلائل التكذيب بالدين وموجبات الذم والتوبيخ، فويل للمصلين المذكورين؛ لأن السهو عن الصلاة من سمة التكذيب

ص: 370

بالدين، {ويل}: مبتدأ. {لِلْمُصَلِّينَ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بالشرط المقدر، وجملة الشرط المقدر مستأنفة. {الَّذِينَ}: اسم موصول في محل الجر صفة لـ {المصلين} : {هُمْ} : مبتدأ {عَنْ صَلَاتِهِمْ} : متعلق بما بعده. {سَاهُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول. {الَّذِينَ}: بدل من {الَّذِينَ} الأول على كونه صفة لـ {المصلين} . {هُمْ} : مبتدأ، وجملة {يُرَاءُونَ} خبره، والجملة الإسمية صلة الموصول. {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على جملة {يُرَاءُونَ} داخلة في حيز الصلة، ومفعول {يمنعون} الأول محذوت تقديره: أي: الناس والطالبين، و {الْمَاعُونَ} مفعوله الثاني.

التصريف ومفردات اللغة

{يَدُعُّ الْيَتِيمَ} ؛ أي: يدفع بعنف وجفوة، وفي المختار: دَعَّ من باب رد، قال ابن دريد: دعه ودحه بمعنى واحد، وامرأة دعوع ودحوح بمعنى، وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي:

قَدْ أَغْتَدِيْ وَاللَّيْلُ فِيْ حِزِّيْمِه

مُعَسْكِرًا فِيْ الغُرِّ مِنْ نُجُوْمِهِ

وَالصُّبْحُ قَدْ نَسَّمَ فِيْ أَدِيْمِهِ

يَدُعُّهُ بِضِفَّتَيْ حَيْزُوْمِهِ

دَعَّ الرَّبِيْبِ لِحَيَّتَيْ يَتِيْمِهِ

وأصله: يَدْعُع بوزن يفعُل، نقلت حركة العين الأولى إلى الدال فسكنت فأدغمت في الثانية، وكذلك القول في:{يَحُضُّ} أصله: يَحْضُض بوزن يفعل.

{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)} أصله: المصليين بيائين، الأولى لام الكلمة والثانية ياء الجمع، سكنت لام الكلمة للتخفيف، فالتقى ساكنان، فحذفت الياء الأولى، فصار المصلين بوزن المفعيّن.

{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)} من باب فاعل، كيقاتلون، ومعنى المفاعلة فيه أن المرائي يُري الناس عمله، وهم يُرُونه الثناء عليه، فالمشاركة فيهما واضحة، وأصله: يرائيون كيقاتلون، استثقلت الضمة على الياء، فحذفت فالتقى ساكنان، حذفت الياء لالتقائهما، وضمت الهمزة لمناسبة الواو، فصار {يُرَاءُونَ} ، بوزن

ص: 371

يفاعون.

{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} أصله: ساهيون جمع ساه، استثقلت الضمة على الياء، فحذفت للتخفيف، ثم ضمت الهاء لمناسبة الواو وأصل هذه الياء الواو؛ لأنه من سها يسهو قلبت ياء لتطرفها إثر كسرة.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} منع يتعدى لمفعولين: ثانيهما: قوله {الْمَاعُونَ} ، وأولهما محذوف تقديره: الناس، حُذف للعلم به، و {الْمَاعُونَ} فاعول من المعن، وهو الشيء القليل، يقال: مال معن؛ أي: قليل، أو اسم مفعول من أعان يعين، فأصله معوون، دخله القلب المكاني فصار: موعون، تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، وفي "المختار": والماعون اسم جامع لمنافع البيت، كالقدر والفأس ونحوهما اهـ.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الاستفهام الذي يراد به تشويق السامع إلى الخبر، وتعجيبه منه في قوله:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)} .

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)} ؛ لأنه حذف منه الشرط، تقديره: إن أردت أن تعرف ذلك المكذب بصفاته، فذلك المكذب هو الذي يدع اليتيم.

ومنها: وضع الظاهر، وهو قوله:{لِلْمُصَلِّينَ} موضع المضمر، وهو لهم؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: فويل لهم؛ لأنهم مع التكذيب وما أضيف إليه ساهون عن الصلاة غير مكترثين بها، وهذا على أن السورة كلها إما مكية أو مدنية، وعلى القول بالتنصيف، فالويل متعلق بالمصلين الموصوفين بكونهم عن صلاتهم ساهين، وما بعده فلا ارتباط له بما قبله، و {الفاء} واقعة في جواب شرط مقدر تقديره: إن أردت معرفة جزاء أهل النفاق في الصلاة وغيرها، فويل للمصلين الخ اهـ من "الصاوي".

ص: 372

ومنها: تسميتهم مصلين مع أنهم تاركون لها رأسًا؛ لأنها مفروضة عليهم، فكانت جديرة بأن تضاف لهم.

ومنها: التعبير بـ {عَنْ} دون في، في قوله:{عَنْ صَلَاتِهِمْ} إشعارًا بأن صلاة المؤمن لا تخلو عن السهو فيها، فالمذموم السهو عنها بمعنى تركها والتفريط فيها لا السهو فيها؛ لوقوعه من الأنبياء.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {سَاهُونَ} حيث استعار السهو للترك بجامع الإعراب في كل؛ لأنهم تاركون لها رأسًا، أو إن حصلت منهم تكون رياءً وسمعة، فهي كلاصلاة.

ومنها: حذف المفعول الأول لـ {يمنعون} في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} ؛ أي: يمنعون الناس، للعلم به.

ومنها: الجناس الناقص بين {يمنعون} و {الْمَاعُونَ} .

فائدة: السهو خطأ عن غفلة، وذلك ضربان:

أحدهما: أن لا يكون من الإنسان جوالبه ومولداته، كمجنون سب إنسانًا.

والثاني: أن يكون منه مولداته كمن شرب خمرًا، ثم ظهر منه منكر، لا عن قصد إلى فعله، فالأول معفو عنه، والثاني مأخوذ به، ومنه ما ذم الله سبحانه في الآية، انتهى من "الروح".

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

* * *

(1) إلى هنا تم تفسير سورة الماعون أواخر عصر يوم الخميس اليوم العشرين من شهر الله المحرم من شهور سنة: 1417 هـ ألف وأربع مئة وسبع عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 373