الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القدر
سورة القدر مكية عند أكثر المفسرين (1)، نزلت بعد سورة عبس، كذا قال الماوردي، وقال الثعلبي: هي مدنية في قول أكثر المفسرين، وذكر الواقدي: أنها أول سورة نزلت بالمدينة، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، وابن الزبير وعائشة أنها نزلت بمكة، قال الخازن: والقول بأنها مدنية أصح، وهي خمس آيات وثلاثون كلمة، ومئة واثنا عشر حرفًا.
المناسبة: ومناسبتها لما قبلها (2): أن في تلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ القرآن باسم ربه الذي خلق، واسم الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وفي هذه ذكر القرآن ونزوله وبيان فضله، وأنه من عند ربه ذي العظمة والسلطان العلم بمصالح الناس، وبما يسعدهم في دينهم ودنياهم، وأنه أنزله في ليلة لها من الجلال والكمال ما قصته السورة، قال أبو حيان: فكأنه تعالى قال: اقرأ ما أنزلناه عليك من كلامنا: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} انتهى.
فضلها: وروي في فضلها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة القدر أعطي من الأجر كمن صام رمضان، وأحيا ليلة القدر" ذكره البيضاوي، وهو موضوع لا أصل له.
الناسخ والمنسوخ: وقال محمد بن حزم: سورة القدر كلها محكمة، لا ناسخ فيها ولا منسوخ، وسميت سورة القدر؛ لذكر لفظ القدر فيها.
تسميتها: وسميت ليلة القدر؛ إما لتقدير الأمور وقضائها فيها؛ أي: إظهار تقديرها للملائكة بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة ويعرفهم إياه، وليس المراد منه: أنه يحدثه في تلك الليلة؛ لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض في الأزل، فالقدر بمعنى التقدير، وهو جعل الشيء على مقدار مخصوص، ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة البالغة، قيل: للحسين بن
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؛ قال: نعم، قيل له: فما معنى ليلة القدر؛ قال: سَوْق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله سبحانه يقدر في ليلة القدر، ويكتب كل ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة وغيرها إلى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة، فيسلمه إلى مدبرات الأمور من الملائكة، فيدفع نسخة الأرزاق والنباتات والأمطار إلى ميكائيل، ونسخة الحروب والرياح والزلازل والصواعق والخسف إلى جبريل، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل، ونسخة المصائب إلى ملك الموت.
فَكَمْ مِنْ فَتَى يُمْسِيْ وُيُصْبِحُ آمِنًا
…
وَقَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهُ وَهْوَ لَا يَدْرِيْ
وَكَمْ مِنْ شيُوْخٍ تَرَتَجِي طُوْلَ عُمْرِهِمْ
…
وَقَدْ رَهَقَتْ أَجْسَادَهُمْ ظُلْمَةُ الْقَبْرِ
وَكَمْ مِنْ عَرُوْسِ زيَّنُوْهَا لِزَوْجِهَا
…
وَقَدْ قُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
وإما لخطرها وشرفها على سائر الليالي، فالقدر بمعنى المنزلة والشرف إما باعتبار العامل على معنى أن من أتى بالطاعة فيها صار ذا قدر وشرف، وإما باعتبار نفس العمل على معنى أن الطاعة الواقعة في تلك الليلة لها قدر وشرف زائد.
وعن أبي بكر الوراق - رحمه الله تعالى - سميت ليلة القدر؛ لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، على رسول ذي قدر، لأمة لها قدر، ولعله تعالى إنما ذكر لفظ القدر في هذه السورة ثلاث مرات لهذا السبب، وقال الخليل - رحمه الله تعالى - سميت ليلة القدر؛ أي: ليلة الضيق؛ لأن الأرض تضيَّق فيها بالملائكة، فالقدر بمعنى الضيق، كما في قوله تعالى:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} .
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب النزول
سبب نزولها (1): ما أخرجه ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزله الله سبحانه:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} التي لبس ذلك الرجل السلاح فيها في سبيل الله.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو في النهار حتى يمسي، فعمل ذلك ألف شهر فأنزل الله:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} عملها ذلك الرجل.
وفي الحديث (2): "أن أربعة من الأنبياء عبدوا الله ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع، فعجب الصحابة من ذلك، فقرأ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
…
} السورة، فسروا بذلك.
تقدمة: تبين ميقات هذه الليلة المباركة (3): أشار الكتاب الكريم إلى زمان نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعة مواضع من كتابه الكريم، والقرآن يفسر بعضه بعضًا:
1 -
قوله في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} .
2 -
قوله في سورة الدخان: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ
(1) لباب النقول.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.