المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمعنى (1): أنهم لم يتورعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة البلد

- ‌1

- ‌2

- ‌(3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌سورة الشمس

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌سورة الليل

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌(16)}

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌سورة الضحى

- ‌1

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة الشرح

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة التين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العلق

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌(10)}

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة القدر

- ‌1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة البينة

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة الزلزلة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العاديات

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة القارعة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة التكاثر

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العصر

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة الهمزة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌سورة الفيل

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة قريش

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الماعون

- ‌(1)

- ‌2

- ‌ 3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌سورة الكوثر

- ‌1

- ‌2

- ‌3)}

- ‌سورة الكافرون

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة النصر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة المسد

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة الإخلاص

- ‌(1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الفلق

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌سورة الناس

- ‌(1)

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5)}

- ‌6

الفصل: والمعنى (1): أنهم لم يتورعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن

والمعنى (1): أنهم لم يتورعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن عقر الناقة، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العذاب وأليم العقاب، ثم بيّن عاقبة عملهم، وذكر ما يستحقونه من الجزاء، فقال:{فَدَمْدَمَ} ؛ أي: أطبق {عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} أليم العذاب وشديد العقاب {بـ} سبب {ذنبهم} الشنيع؛ وهو الصيحة الهائلة، وأهلكهم هلاك استئصال، ولم يُبق منهم ديارًا ولا نافخ نار.

وقرأ الجمهور (2): {فَدَمْدَمَ} بميم بعد دالين، وقرأ ابن الزبير:{فدهدم} بهاء بينهما، قال القرطبي: وهما لغتان، كما يقال: امتقع لونه واهتقع لونه؛ أي: أطبق عليهم العذاب مكررًا ذلك عليهم، وهو من تكرير قولهم: ناقة مدمومة إذا طُليت بالشحم وأحيطت به، بحيث لم يبق منها شيء لم يمسه الشحم، ودم الشيء سدّه بالقبر، ودممت على القبر وغيره إذا أطبقت عليه، ثم كررت الدال؛ للمبالغة في الإحاطة، فالدمدمة من الدم كالكبكبة من الكب. وقوله:{بِذَنْبِهِمْ} ؛ أي: بسبب (3) ذنبهم المحكي والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للإنذار بعاقبة الذنب؛ ليعتبر به كل مذنب {فَسَوَّاهَا} ؛ أي: فسوى القبيلة في العقوبة، ولم يفلت منها أحد، بل أخذ بها كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} فأعاد عليها الضمير بالتأنيث، كما أعاد عليها في قوله:{بِطَغْوَاهَا} أو سوى الدمدمة والإهلاك بينهم، فعمهم بها، واستوت على صغيرهم وكبيرهم، وقيل: سوى الأرض عليهم، فجعلهم تحت التراب؛ أي: جعل الأرض فوقهم مستوية كان لم تُثر ودمر مساكنها على ساكنيها. روي أنهم لما رأوا علامات العذاب .. طلبوا صالحًا عليه السلام أن يقتلوه، فأنجاه الله تعالى، كما قال في سورة هود:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} .

‌15

- {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} {الواو} (4) للاستئناف، أو للحال من الضمير المستتر في {فَسَوَّاهَا} الراجع إلى الله تعالى؛ لأنه أقرب مذكور، والضمير في {عُقْبَاهَا}؛ للدمدمة؛ أي: سوى الله سبحانه وتعالى الدمدمة عليهم حال كونه تعالى غير خائف عاقبة الدمدمة عليهم ولا تبعتها، أو عاقبة هلاك ثمود، كما يخاف سائر المعاقبين

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

روح البيان.

(4)

روح البيان.

ص: 48

من الملوك والولاة، فيترحم بعض الترحم، وذلك أن الله تعالى لا يفعل إلا بحق، وكل من فعل بحق فإنه لا يخاف عاقبة ما فعل، ولا يبالي بعاقبة ما صنع وإن كان من شأنه الخوف، وقيل: الضمير في {يَخَافُ} إلى العاقر؛ أي: ولا يخاف قدار ولا هم ما يعقب عقرها ويتبعه وما يترتب عليه من أنواع البلاء والمصيبة والعقاب، مع أن صالحًا عليه السلام قد أخبرهم بها، وقال السدي والضحاك والكلبي: إن الضمير يرجع إلى العاقر؛ لأن الكلام فيه لا إلى الله؛ أي: لم يخف الذي عقرها عاقبة ما صنع، وقيل الضمير إلى صالح عليه السلام؛ أي: ولا يخاف رسول الله عليه السلام عاقبة إهلاك قومه ولا يخشى ضررًا يعود عليه من عذابهم؛ لأنه قد أنذرهم، والأول أولى، وقرأ الجمهور (1):{وَلَا يَخَافُ} بالواو، وقرأ نافع وابن عامر وأبىٌّ والأعرج:{فلا تخاف} بالتاء، وقرىء:{ولم يخف} وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره في "المراح".

والمعنى: أن الله أهلكهم ولا يخاف عاقبة إهلاكهم (2)؛ لأنه لم يظلمهم فيخيفه الحق، وليس هو بالضعيف حتى يناله منهم مكروه تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

والمراد أنه بالغ في عذابهم إلى غاية ليس فوقها غاية، فإن من يخاف العاقبة لا يبالغ في الفعل، أما الذي لا يخاف العاقبة ولا تبعة العمل، فإنه يبالغ فيه؛ ليصل إلى ما يريد، وقد علمت أن القصص مسوق لتسلية رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سينزل بالمكذبين من قومه مثل ما أنزل بثمود، ولقد صدق الله وعده، فأهلك من أهلك من أهل مكة في وقعة بدر بأيدي المؤمنين، ثم لم يزل يحل بهم الخزي والعذاب بالقتل تارة وبالإبعاد أخرى، حتى لم يبق في جزيرة العرب مكذب، ولو سارت الدعوة سيرتها في عهد الصحابة .. لما بقي في الأرض مكذب، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الإعراب

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)} .

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 49

{وَالشَّمْسِ} {الواو} : حرف جر وقسم. {الشمس} : مقسم به مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا؛ لكونه مع الواو تقديره: أقسم بالشمس، والجملة القسمية مستأنفة استئنافًا نحويًا. {وَضُحَاهَا}: معطوف على {وَالشَّمْسِ} . {وَالْقَمَرِ} : معطوف على {وَالشَّمْسِ} أيضًا. {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط متعلق بفعل القسم المحذوف. {تَلَاهَا} : فعل ومفعول به، وفاعل مستتر يعود على {القمر} ، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا}؛ أي: وأقسم بالقمر وقت تلوه وتبعه للشمس فإن قلت: إن فعل القسم إنشاء وزمانه للحال، فلا يعمل في {إِذَا} ؛ لأنها للاستقبال.

قلت: إنما يكون فعل القسم للحال إذا لم يكن متعلقًا على شرط، فيجوز أن يقال: أقسم بالله إذا طلعت الشمس، فالقسم في الحال والطلوع في المستقبل، {وَالنَّهَارِ}: معطوف على {وَالشَّمْسِ} أيضًا {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط متعلق بفعل القسم المحذوف، وجملة {جَلَّاهَا} في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا}. {وَاللَّيْلِ} معطوف على {وَالشَّمْسِ}. {إِذَا}: ظرف مجرد متعلق بفعل القسم المحذوف، وجملة {يَغْشَاهَا} في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} .

{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} .

{وَالسَّمَاءِ} معطوف على {وَالشَّمْسِ} . {وَمَا} {الواو} : عاطفة. {ما} : اسم موصول بمعنى مَن في محل الجر معطوف على {السماء} . {بَنَاهَا} : فعل وفاعل مستتر يعود على {ما} ، ومفعول به، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة، ويجوز أن تكون {ما} مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن الفعل معطوف على {السماء}؛ أي: وأقسمت بالسماء وبنائها، فالمصدر بمعنى اسم الفاعل؛ أي: أقسمت بالسماء وبانيها، وهو الرب سبحانه. {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {وَالشَّمْسِ} ، {وَمَا}: اسم موصول بمعنى مَن معطوف على {الْأَرْضِ} ، وجملة {طَحَاهَا} صلة الموصول، ويجوز أن تكون مصدرية أيضًا وإن منعه الزمخشري. {وَنَفْسٍ}: معطوف على {وَالشَّمْسِ} . {وَمَا} : معطوف على {نفس} ، وجملة {سَوَّاهَا} صلة لـ {ما} موصولة كانت أو مصدرية؛ أي: أقسمت بنفس ومن سواها. {فَأَلْهَمَهَا} {الفاء} : عاطفة، {ألهمها}: فعل وفاعل مستتر ومفعول به أول معطوف على {سَوَّاهَا} . {فُجُورَهَا} :

ص: 50

مفعول ثان. {وَتَقْوَاهَا} : معطوف على {فُجُورَهَا} . {قَدْ} : حرف تحقيق. {أَفْلَحَ} : فعل ماض. {مَن} : اسم موصول في محل الرفع فاعل، وجملة {زَكَّاهَا}: صلة الموصول، وجملة {أَفْلَحَ}: جواب القسم، وحذفت اللام لطول الكلام، وقيل: الجواب محذوف تقديره: لتبعثن كما مر بسطه. {زَكَّاهَا} : فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على {مَن} و {الهاء}: مفعول به، وقيل: الفاعل ضمير يعود على الله، و {الهاء}: يعود على {مَن} بمعنى النفس؛ أي: من زكاها الله تعالى بالطاعة، وتكون الصلة سببية. {وَقَدْ خَابَ}: فعل ماض، {مَن}: اسم موصول في محل الرفع فاعل، والجملة معطوفة على جملة {قَدْ أَفْلَحَ} على كونها جواب القسم، وجملة {دَسَّاهَا} صفة لـ {من} الموصولة.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)} .

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} : فعل وفاعل؛ {بِطَغْوَاهَا} : متعلق بـ {كذبت} ، و {الباء}: فيه سببية، والجملة الفعلية مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها. {إِذِ}: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بـ {كذبت} أو بـ {طغواها} . {انْبَعَثَ} : فعل ماض. {أَشْقَاهَا} : فاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} ، {فَقَالَ}:{الفاء} : عاطفة، {قال}: فعل ماض {لَهُمْ} : متعلق بـ {قال} . {رَسُولُ اللَّهِ} : فاعل، والجملة معطوفة على جملة {انْبَعَثَ}. {نَاقَةَ اللَّهِ}: منصوب على التحذير بفعل محذوف وجوبًا تقديره: ذروا ناقة الله. {وَسُقْيَاهَا} : معطوف على {نَاقَةَ اللَّهِ} ، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قال}؛ أي: قال لهم: اتركوا عقرها واحذروا سقياها؛ أي: شربها.

{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} .

{فَكَذَّبُوهُ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {قال} . {فَعَقَرُوهَا} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على كذبوه؛ أي: عقرها قدار ومن ساعده في رجليها، فأوقعوها فذبحوها، وتقاسموا لحمها. {فَدَمْدَمَ} {الفاء}: عاطفة، {دمدم}: فعل ماض. {عَلَيْهِمْ} : متعلق به. {رَبُّهُمْ} : فاعل. {بِذَنْبِهِمْ} : متعلق

ص: 51

بـ {دمدم} ؛ والجملة معطوفة على {عَقَرُوهَا} . {فَسَوَّاهَا} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الرب، ومفعول به معطوف على {دمدم} ، {وَلَا}:{الواو} : استئنافية، أو حالية، {لا}: نافية، {يَخَافُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الرب، {عُقْبَاهَا}: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، أو حال من فاعل {سواها} ، ويجوز أن تكون الواو عاطفة، فتكون الجملة معطوفة على جملة {سواها} ، وكونها عاطفة يلائم قراءة الفاء، وهي سبعية أيضًا، وممن قال بأنها عاطفة، ابن خالويه.

التصريف ومفردات اللغة

{وَالشَّمْسِ} : وهو كوكب نهاري ينسخ وجوده ظلمة الليل. {وَضُحَاهَا} قال القرطبي: الضحى: مؤنثة، يقال: ارتفعت الضحى فوق الضحو، وقد تذكر، فمن أنَّث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكَّر إلى أنها اسم على فعل، نحو: صرد، وقال ابن خالويه: الضحى: مقصور مثل: هدى، والضحى مؤنثة، تصغيره: ضحية، والأجود أن يقال في تصغيرها: ضعيف بغير هاء؛ لئلا يشبه تصغيرها تصغير ضحوة، والضحى: وجه النهار.

وفي "القاموس": والضحو والضحوة والضحية كعشية: ارتفاع النهار، والضحى: فويقه، ويذكر ويصغر ضحيًا بلا هاء، والضَّحَاء بالمد: إذا قرب انتصاف النهار، وبالضم والقصر، وأتيتك ضحوة وضحى، وأضحى: صار فيها، وأضحى الشيء: أظهره، وضاحاه: أتاه فيها. انتهى.

ومعنى {وَضُحَاهَا} ؛ أي: وضوئها ونورها المشرق المنبسط على وجه الأرض المضاد للظل، وفيه إعلال بالقلب، أصله: ضحوها، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، وإنما رسمت ياءً جريًا على قانون العرب من رسمهم ما كان من ذوات الواو مكسور الأول، أو مضمومه بالياء، وقيل: لأنها ترجع في بعض التصاريف إلى الياء، كقولك في تصغير ضحى: ضحيٌ.

{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)} ؛ أي: تبعها من التلو بمعنى التبع. قال الراغب: يقال: تلاه: إذا تبعه متابعة ليس بينهما ما ليس منهما، وذلك يكون تارةً بالجسم، وتارةً بالاقتداء في الحكم، ومصدره: تِلو وتُلو، وتارة بالقرآن وتدبر المعنى، ومصدره:

ص: 52

تلاوة، ثم قال قوله:{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)} فإنما يراد به ما هنا الإتباع على سبيل الابتداء والمرتبة، وذلك أنه فيما قيل: إنه القمر يقتبس النور من الشمس، وهو لها بمنزلة الخليفة، وأصله: تلوها واوي اللام، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح.

{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)} ؛ أي: كشف الشمس، وأتم وضوحها، وأصله: جَلَّيَها بوزن فعّل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح {يَغْشَاهَا} أصله: يَغْشَيَها، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} فيه إعلال بالقلب أيضًا، أصله: بَنَيَها قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

والسماء: كل ما ارتفع فوق رأسك، والمراد به: هذا الكون الذي فوقك، وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب التي تجري في مجاريها.

{وَمَا بَنَاهَا} ؛ أي: ومن بناها ورفعها، وجعل كل كوكب من الكواكب بمنزلة لبنة من بناء سقف، أوقبة تحيط بك.

{وَالْأَرْضِ} : وهي كل ما أسفل تحت رجلك، والمراد بها: هذا الكون الذي تحتك، وفيها: البحار والأنهار والأشجار والأحجار.

{وَمَا طَحَاهَا} ؛ أي: ومن بسطها وجعلها فراشًا ومهادًا لنا؛ لأن ما يظهر للرائي فيها يكون كالبساط، فلا ينافي كرويتها، والطحو كالدحو بمعنى البسط، وإبدال الطاء من الدال جائز، وأصله؛ طَحَوَها بوزن فعل، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، وفي "المختار": طحاه: بسطه، مثل دحاه، وبابه: عدا، وفي "القاموس": وطحا يطحو: بعد وهلك، وألقى إنسانًا على وجهه.

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)} ؛ أي: ومن سواها؛ أي: ركب فيها القوى الظاهرة والباطنة، وجعل لكل منها وظيفة تؤديها، وأصله: سَوَّيَها بوزن: فعَّل المضعف، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

{فَأَلْهَمَهَا} ؛ أي: عرفها ومكنها {فُجُورَهَا} والفجور ما يكون سببًا في الخسران والهلكة.

{وَتَقْوَاهَا} والتقوى: إتيان ما يحفظ النفس من سوء العاقبة، والألف في

ص: 53

التقوى ألف التأنيث، وقد مر ما فيه من التصريف غير ما مرة.

{قَدْ أَفْلَحَ} ؛ أي: أصاب الفلاح، وهو إدراك المطلوبـ {مَنْ زَكَّاهَا}؛ أي: طهرها من أدناس الذنوب، وأصله: زَكَّيَها بوزن: فعل، وأصل هذه الياء واو، فقلبت ياء لوقوعها رابعة، ثم تحركت بعد فتح، فقلبت ألفًا.

{وَقَدْ خَابَ} ؛ أي: خسر {مَنْ دَسَّاهَا} ؛ أي: أنقصها وأخفاها بالذنوب والمعاصي، قال الشاعر:

وَدَسَّسْتُ عَمْرًا فِيْ التُّرَابِ فَأصْبَحَتْ

حَلَائِلُهُ مِنْهُ أَرَامِلَ ضُيَّعَا

وأصله: دسسها، قلبت السين الثالثة ياءً لتوالي الأمثال، ثم قلبت ألفًا لتحركها بعد فتح. وفي "القاموس": خاب يخيب خيبة: حُرِم وخسر وكفر، ولم ينل ما طلب، وأصل دس: دسس، كتقضَّى البازي، وتقضض من التدسيس، وهو الإخفاء مبالغة الدس، واجتماع الأمثال، لَمَّا أوجب الثقل .. قلبت السين الأخيرة ياءً، وقال الراغب: الدسُّ: إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه، ودساها؛ أي: دسسها في المعاصي. انتهى.

{بِطَغْوَاهَا} الطغوى والطغيان: مجاوزة الحد المعتاد، وكلاهما مصدر لطغى، وفي "الكشف": الطغوى من الطغيان، فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء، بأن قلبوا الياء واوًا في الاسم، وتركوا القلب في الصفة، فقالوا: امرأة خزيا وصديا من الخزى بالفتح والقصر بمعنى: الاستحياء، ومن الصدى بمعنى: العطش {إِذِ انْبَعَثَ} قام ونهض لعقر الناقة.

{أَشْقَاهَا} ؛ أي: أشقى ثمود، وهو قُدار بن سالف بوزن غراب، وكان هذا الرجل أشقر أزرق قصيرًا، وهو أمير ثمود، وكان فيهم عزيزًا شريفًا نسيبًا مطاعًا، ومعنى قدار في الأصل الجزار، كما في "البيضاوي"، ويضرب به المثل، فيقال: أشام من قدار، وأصل أشقى أشْقَيَ صيغة التفضيل، قلبت الياء ألفًا؛ لتحركها بعد فتح.

{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} صالح عليه السلام: {نَاقَةَ اللَّهِ} احذروا التعرض لناقة الله {وَسُقْيَاهَا} ؛ أي: شربها الذي خصها به في يومها، والألف في {سقياها} منقلبة عن ياء، والأصل: سُقْيَيَها أعلت الياء الثانية بالقلب؛ لتحركها بعد فتح.

ص: 54

{فَعَقَرُوهَا} ؛ أي: فنحروها {فَدَمْدَمَ} ؛ أي: فأطبق عليهم العذاب، يقال: دمدم عليه القبر أطبقه، ويقال: دم الشيء سدّه بالقبر، ودممت على القبر وغيره إذا أطبقت عليه، ثم كررت الدال؛ للمبالغة في الإحاطة، فالدمدمة من الدم كالكبكبة من الكب، تقول العرب: دممت على فلان بالتخفيف، ثم تقول من المبالغة: دممت بالتشديد، ثم تقول من تشديد المبالغة دمدمت، والتركيب يدل على غشيان الشيء بالشيء.

{فَسَوَّاهَا} ؛ أي: فسوى القبيلة في العقوبة، فلم يفلت منها أحد، وأصله سَوَّيَها، قلبت الياء ألفًا؛ لتحركها بعد فتح.

{وَلَا يَخَافُ} أصله يَخْوَف بوزن يفعل مضارع خَوِف بكسر العين، نقلت حركة الواو إلى الخاء، ثم قلبت ألفًا؛ لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن.

{عُقْبَاهَا} ؛ أي: عاقبة الدمدمة وتبعتها. وفي "القاموس": وأعقبه الله بطاعته جازاه، والعقبى: جزاء الأمر، وألفه للتأنيث كالرجعى والذكرى.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الطباق بين {الشمس} و {القمر} في قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)} وبين {الليل} و {النهار} في قوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)} .

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)} ؛ لأنه لما كان جلاء الشمس واقعًا في النهار .. أسند فعل التجلية إليه إسنادًا مجازيًا مثل نهاره صائم.

ومنها: اختيار صيغة المضارع على الماضي؛ للدلالة على أنه لا يجري عليه تعالى زمان، فالمستقبل عنده تعالى، كالماضي في التحقيق، وفيه أيضًا مراعاة الفواصل؛ إذ لو أتى به ماضيًا .. لكان التركيب إذا غشيها، فتفوت المناسبة اللفظية بين الفواصل والمقاطع. اهـ "خطيب".

ومنها: تنكير نفس في قوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)} ؛ للتفخيم على أن المراد

ص: 55

به آدم عليه السلام، أو للتكثير وهو الأنسب للجواب.

ومنها: تقديم الفجور على التقوى مع كونه أخس لمراعاة الفواصل، أو لشدة الاهتمام بنفيه؛ لأنه إذا انتفى الفجور .. وجدت التقوى، فقدم ما هم بشأنه أعنى.

ومنها: الطباق بين الفجور والتقوى في هذه الآية.

ومنها: المقابلة اللطيفة بين قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)} وقوله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} .

ومنها: الإضافة للعهد في قوله: {رَسُولُ اللَّهِ} وهو صالح بن عبيد عليه السلام.

ومنها: التعبير فيه بعنوان الرسالة إيذانًا بوجوب طاعته، وبيانًا لغاية عتوهم وتماديهم في الطغيان.

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {نَاقَةَ اللَّهِ} كبيت الله، أضيفت إليه سبحانه تشريفًا لها؛ لأنها خرجت من حجر أصم معجزة لصالح عليه السلام.

ومنها: التعبير بصيغة التكرير في قوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} إفادة للتهويل والتفظيع؛ لأن التعبير بالدمدمة يدل على هول العذاب الواقع بهم وإطباقه عليهم.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} على اعتبار أن الضمير في {يَخَافُ} عائد إلى الله عز وجل وهو الظاهر؛ أي: أنه تعالى لا يخاف عاقبتها، كما تخاف الملوك عاقبة أفعالها، والمقصود من الاستعارة إهانتهم وإذلالهم.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب إليه المرجع والمآب

* * *

ص: 56

خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة من المقاصد

اشتملت هذه السورة على مقصدين:

1 -

الإقسام بالمخلوقات العظيمة على أن من طهر نفسه بالأخلاق الفاضلة .. فقد أفلح وفاز، وأن من أغواها ونقصها حقها بجهالته وفسوقه .. فقد خاب.

2 -

ذكر ثمود مثلًا لمن دس نفسه، فاستحق عذاب الله الذي هو له أهل (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تمت سورة الشمس فيما بين العشاءين من ليلة الثلاثاء، ليلة الثلاثين من شهر شوال، من شهور سنة: 1416 هـ ألف وأربع مئة وست عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين .. آمين.

ص: 57