الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعظم قدرته وأجل حكمته، لا إله إلا هو الفعال لما يريد، ثم ذكر المحلوف عليه، فقال:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} ؛ أي: من أعمالكم أيها الناس لمتباعدة متفرقة، بعضها ضلال وعماية، وبعضها هدى ونور، وبعضها يستحق النعيم، وبعضها يستحق العذاب الأليم، كما قال:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُنا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُنا نَعَمِلُنا الصَّالِحَاتِ سَنَاءً مَحْيَاهُمْ نَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُننَ (21)} وقال: {لَا يَسْتَنِي أَصْحَابُ النَّارِ نَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُننَ (20)} .
5
- وقوله: {فَأَمَّا} بيان وتفصيل لتلك المساعي المختلفة وتبيين لأحكامها، و {الفاء} للإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم أن سعيكم شتى، وأردتم بيانها وتفصيلها لكم .. فأقول لكم: أما {مَنْ أَعْطَى} ؛ أي: أدى حقوق الله عليه بامتثال المأمورات، وأداء الواجبات، وحقوق الناس عليه بأداء أموالهم عليه، ووفاء البيعة للإمام مثلًا، فإن مطلق الإعطاء يتناول إعطاء يقول المال وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى، يقال: فلان أعطى الطاعة وأعطى البيعة، وقيل: معنى الإعطاء: إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب، وفك الأسارى، وتقوية المسلمين على عدوهم. اهـ من "الرازي".
{وَاتَّقَى} ؛ أي: اجتنب (1) محارم الله التي نهى عنها، ومن جملتها المن والأذى
6
- {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} ؛ أي: بالخصلة الحسنى، وهي الإيمان من الكلمة الحسنى، وهي كلمة التوحيد، أو بالملة الحسنى، وهي ملة الإِسلام، أو بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة، والحسنى تأنيث الأحسن
7
- {فَسَنُيَسِّرُهُ} ؛ أي: فسنُهَيِّئُه ونوفقه {لِلْيُسْرَى} ؛ أي: للخصلة التي تؤدي إلى يسر وراحة، كدخول الجنة ومباديه، والمعنى: فسنيسر له الإنفاق في سبيل الخير والعمل بالطاعة لله تعالى التي تؤديه إلى الجنة.
قال الواحدي (2): قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في أبي بكر الصديق، اشترى ستة نفر من المؤمنين كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في الله، كما مر؛ أي: نهيئه للحالة التي هي أيسر عليه وأهون، وذلك في الدنيا والآخرة، وفي "الخطيب": واختُلف في الحسنى، فقال ابن عباس: أي: بـ: لا إله إلا الله؛ أي: مع محمد رسول الله، والمعنى: وصدَّق بالتوحيد والنبوة، وذلك لأنه لا ينفع مع
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
الكفر إعطاء مال ولا اتقاء محارم، وقال مجاهد: بالجنة؛ لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} وقال زيد بن أسلم: الصلاة والزكاة والصوم. ومعنى التيسير (1): التهيئة لا ما يقابل التعسير، ومنه قوله:"كل ميسر لما خلق له" فلا حاجة إلى أن يقال: استُعمل التيسير في العسرى على المشاكلة كما في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} يقال يَسَّر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها، واليسرى تأنيث الأيسر فوصف الخصلة باليسرى مجاز باعتبار كونها مؤدية إلى اليسرى.
فائدة (2): ذكروا أن {السين} في {فَسَنُيَسِّرُهُ} ؛ للتلطيف، قال الشريف الصفوي: مرادها بالتلطيف ترقيق الكلام بمعنى أن لا يكون نصًا صريحًا في المقصود، بل يكون محتملًا لغير المقصود، فهو كالشيء الرقيق الذي يمكن تغييره ويسهل، ويقابل الكثيف بمعنى من يكون نصًا في المقصود؛ لأنه لا يمكن تغييره وتبديله، فهو كالشيء الكثيف الذي لا يمكن فيه ذلك، فالمقصود هاهنا من التيسير حاصل في الحال، لكن أتي بالسين الدالة على الاستقبال، والتأخير لتلطيف الكلام وترقيقه باحتمال أن لا يكون التيسير حاصلًا، فكانت تقتضي ذلك.
ومعنى الآيات (3): أي فأما من أعطى المال وأنفقه في وجوه الخير سواء كان واجبًا عليه أم لا كالصدقات والنوافل، كفك الأسارى، وتقوية المسلمين على عدوهم، وابتعد عن كل ما لا ينبغي، فحمى نفسه عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وخاف من إيصال الأذى إلى الناس {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}؛ أي: وصدق بثبوت الفضيلة والعمل الطيب ونحو ذلك مما هو مركوز في طبيعة الإنسان، وهو مصدر الصالحات وأفعال البر والخير، ولا يكون تصديقًا حقًا، ولا ينظر الله إليه إلا إذا أصدر عنه الأثر الذي لا ينفك عنه، وهو بذل المال واتقاء مفاسد الأعمال.
وكثير من الناس يظن نفسه مصدقًا بفضل الخير على الشر، ولكن هذا التصديق يكون سرابًا في النفس خَيَّلَه الوهم؛ لأنه لا يصدر منه ما يليق به من الأثر، فتراه قاسي القلب بعيدًا عن الحق، بخيلًا في الخير، مسرفًا في الشر، ثم ذكر جزاءه على ذلك، فقال:{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} ؛ أي: فسنهيئه لأيسر الخطتين وأسهلهما في فصل الفطرة، وهو تكميل النفس إلى أن تبلغ المقام الذي تجد فيه
(1) روح البيان.
(2)
الفتوحات.
(3)
المراغي.