الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمراد: تحركها عند قيام الساعة، فإنها تضطرب حتى يتكسر كل شيء عليها، قال مجاهد: وهي النفخة الأولى لقوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)} {زِلْزَالَهَا} ؛ أي: الزلزال المخصوص بها الذي يستحقه ويقتضيه جرمها وعظمها في حكمة الله سبحانه ومشيئته، وهو الزلزال الشديد الذي لا غاية وراءه، وهو معنى {زِلْزَالَهَا} بالإضافة العهدية، وذكر المصدر للتأكيد، فهو مصدر مضاف إلى فاعله.
يقال: زلزله زلزلة وزلزالًا مثلثة الزاي حركه حركة شديدة، كما في "القاموس"، وقال أهل التفسير الزلزال - بالكسر - مصدر، وبالفتح اسم بمعنى المصدر، وفعلال بالفتح لا يوجد إلا في المضاعف كالصلصال، وقال القرطبي: والزلزال - بالفتح - مصدر كالوسواس والقلقال والصلصال.
وقرأ الجمهور (1): {زِلْزَالَهَا} بكسر الزاي، وقرأ الجحدري وعيسى بفتحها، وهما مصدران بمعنًى، وقال الزمخشري: المكسور مصدر والمفتوح اسم، وليس في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف. انتهى.
أما قوله: والمفتوح اسم فجعله غيره مصدرًا جاء على فعلال بالفتح، ثم قيل: قد يجيء بمعنى اسم الفاعل، فتقول: فضفاض بمعنى مفضفض، وصلصل بمعنى مصلصل، وأما قوله: فليس في الأبنية إلخ فقد وُجد فيها فعلال بالفتح من غير المضاعف، قالوا ناقة بها خزعال بفتح الخاء، وليس بمضاعف، والمعنى: إذا تحركت
(2)
الأرض حركة شديدة واضطربت، ونحو الآية قوله تعالى:{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} .
وفي ذلك إيماء إلى شدة الحال يومئذ، ولفتٌ لأنظار الكفار إلى أن يتدبروا الأمر ويعتبروا، وكان يقال لهم إذا كان الجماد يضطرب لهول ذلك اليوم، فهل لكم أن تستيقظوا من غفلتكم وترجعوا عن عنادكم.
2 -
{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)} ؛ أي: ما في جوفها (3) من الأموات والدفائن،
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
(3)
الشوكاني.
والأثقال جمع ثِقْل، قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في بطن الأرض، فهو ثِقْل لها، وإذا كان فوقها فهو ثِقْل عليها، قال مجاهد:{أَثْقَالَهَا} موتاها تخرجهم في النفخة الثانية، وقيل: للإنس والجن الثقلان، وإظهار {الْأَرْضُ} في موضع الإضمار لزيادة التقرير.
وعبارة "الروح" قوله: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)} اختيار الواو على الفاء، مع أن الإخراج مسبب عن الزلزال، للتفويض إلى ذهن السامع، إظهار {الْأَرْضُ} في موضع الإضمار؛ لأن إخراج الأثقال حال بعض أجزائها، والأثقال كنوز الأرض وموتاها، جمع ثِقْل بكسر فسكون، وأما ثَقَل محركة فمتاع المسافر، وحشمه، على ما في "القاموس"، والمعنى: وأخرجت الأرض ما في جوفها من دفائنها وكنوزها، كما عند زلزال النفخة الأولى الذي هو من أشراط الساعة، وكذا من أمواتها عند زلزال النفخة الثانية، وفي الخبر:"تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوانة من الذهب، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع رحمه، فيقول في هذا: قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يَدَعونه فلا يأخذون منه شيئًا" أخرجه مسلم في "صحيحه" قوله: أفلاذ كبدها أراد أنها تخرج الكنوز المدفونة فيها وقيئها إخراجها، ويدخل في الأثقال الثقلان، وفيه إشارة إلى أن الجن تُدفن أيضًا.
والمعنى: ولشدة الزلزال والاضطراب تشقق الأرض ويثور باطنها، فتقذف بما في جوفها من الأثقال من كنوز ودفائن وأموات وغير ذلك مما يكون في باطن الأرض وجوفها الملتهب، وهذا مثل ما يقع في بعض مناطق الأرض من زلازل وجبال من نار تنشق لها الأرض وتقذف بالحمم وبما فيها من نيران ومعادن ومياه ونحو ذلك، وقد تبتلع مدينة كبيرة كاملة بسكانها، وتأتي على الأخضر واليابس فتدمره، وتدمر من عليها من الناس، كما حدث ذلك في إيطاليا سنة:(1909 م) من ثوران جبال نار وابتلاعها مدينة مسينا، ولم تُبق منها دَيَّارًا ولا نافخ نار.
وعند قرب الساعة تكثر في جميع الأرض الزلازل والخسوف، وهي علامة من أشراط الساعة، ونحو الآية قوله تعالى:{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)} .