المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أن نبحث وراء ذلك، فلا نسأل كيف يزن ولا كيف - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة البلد

- ‌1

- ‌2

- ‌(3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌سورة الشمس

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌سورة الليل

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌(16)}

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌سورة الضحى

- ‌1

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة الشرح

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة التين

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العلق

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌(10)}

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة القدر

- ‌1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة البينة

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة الزلزلة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العاديات

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة القارعة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌سورة التكاثر

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌سورة العصر

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة الهمزة

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌سورة الفيل

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة قريش

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الماعون

- ‌(1)

- ‌2

- ‌ 3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6)}

- ‌7

- ‌سورة الكوثر

- ‌1

- ‌2

- ‌3)}

- ‌سورة الكافرون

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌سورة النصر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌سورة المسد

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌سورة الإخلاص

- ‌(1)}

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌سورة الفلق

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌سورة الناس

- ‌(1)

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5)}

- ‌6

الفصل: أن نبحث وراء ذلك، فلا نسأل كيف يزن ولا كيف

أن نبحث وراء ذلك، فلا نسأل كيف يزن ولا كيف يقدر؛ فهو أعلم بغيبه ونحن لا نعلم. أما إن الميزان له لسان وكفتان .. فهذا لم يرد به نص عن المعصوم يلزمنا التصديق به، وكيف يوزن بهذا الميزان الذي تعلمه الإنسان في مهد البداوة الأولى ويترك ما هو أدق منه مما اخترع فيما بعد وهدى إليه الناس؟ على أن جميع ما عمله البشر فهو ميزان للأثقال الجسمانية لا ميزان للمعاني المقولة كالحسنات والسيئات، فلنفوض أمر ذلك إلى الله تعالى عالم الغيب. و {الهاوية}: اسم طبقة من طبقات النار السبع وهي آخرها، والمراد من كون أمه هاوية: أن مرجعه الذي يأوي إليه مهواة سحيقة في جهنم يهوي فيها كما يأوي الولد إلى أمه، قال: أمية بن أبي الصلت:

وَالأَرْضُ مَعْقِلُنَا وَكَانَتْ أَمُّنَا

فِيْهَا مَقَابرُنَا وَفِيْهَا نُوْلَدُ

وقال الآخر:

يَا عَمْرُوْ لَوْ نَالَتْكَ أَرْمَاحُنَا

كَنْتَ كَمَنْ تَهْوِيْ بِهِ الْهَاوَيهْ

وقرأ الجمهور (1): {فَأُمُّهُ} بضم الهمزة، وطلحة بكسرها، قال ابن خالويه وحكى ابن دريد: أنها لغة، وأما النحويون .. فإنهم يقولون: لا يجوز كسر الهمزة إلا أن يتقدمها كسرة من ياء، انتهى. والمهوى والمهواة ما بين الجبلين، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في إثر بعض.

‌10

- {وَمَا أَدْرَاكَ} يا محمد {مَا} ؛ أي: جواب ما الهاوية وما حقيقتها، فضمير {هي} (2) يعود إلى {الهاوية} و {الهاء} للسكت والاستراحة والوقف، وإذا وصل القارىء .. حذفها وقيل: حقه أن لا يدرج لئلا يسقطها الإدراج؛ لأنها ثابتة في المصحف، وقد أجيز إثباتها مع الوصل، قال أبو الليث: قرأ حمزة والكسائي بغير هاء في الوصل، وبالهاء عند الوقف، والباقون بإثباتها في الوصل والوقف، وقد سبق مفصلًا في الحاقة. والاستفهام هنا للتهويل والتفظيع ببيان أنها خارجة عن حدود المعهود، فلا يدريها أحد،

‌11

- ثم أعلمها بقوله: {نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} ؛ أي: هي نار متناهية نهاية الحرارة، يقال: حمي الشمس والنارُ حَمْيًا وحُميًّا وحموَّا، إذا اشتد

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

ص: 273

حرهما، والمعنى أي: وأي شيء يخبرك بما هي تلك الهاوية وأنها أي شيء تكون؟ ثم فسرها بعد إبهامها، فقال:{نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} ؛ أي: هي نار ملتهبة يهوي فيها ليلقئ جزاء ما قدم من عمل وما اجترح من سيئات. وفي هذا إيماء إلى أن جميع النيران إذا قيست بها ووزنت حالها بحالها .. لم تكن حامية، وذلك دليل على قوة حرارتها وشدة استعارها، وقانا الله سبحانه شر هذه النار الحامية، وآمننا من سعيرها بمنه وكرمه.

الإعراب

{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} .

{الْقَارِعَةُ (1)} : مبتدأ أول، {مَا} اسم استفهام للاستفهام التعجيبي في محل الرفع مبتدأ ثان، {الْقَارِعَةُ (1)}: خبر للمبتدأ الثاني، وجملة الثاني مع خبره للأول، والرابط: تكرار لفظ المبتدأ الأول، وجملة الأول مستأنفة استئنافًا نحويًا. {وَمَا أَدْرَاكَ}:{الواو} عاطفة {ما} : اسم استفهام للاستفهام التعظيمي في محل الرفع مبتدأ، {أدرى}: فعل ماض، و {الكاف}: في محل النصب مفعول أول لـ {أدرى} ، وفاعله ضمير يعود على {ما} وهو الرابط، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر عن {ما} الاستفهامية والجملة الاستفهامية معطوفة على ما قبلها، {مَا}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، {الْقَارِعَةُ (1)} خبرها، والجملة الاسمية في محل النصب سادة مسد مفعولَي {أَدْرَاكَ} الثاني والثالث، معلقة عنهما باسم الاستفهام؛ لأن أدرى ينصب ثلاثة مفاعيل؛ لأنه بمعنى أعلم {يَوْمَ}: منصوب على الظرفية الزمانية، متعلّق بمحذوف دلّ عليه لفظ {الْقَارِعَةُ (1)} ، تقديره تقرع القلوب يوم يكون الناس

إلخ، ولا يجوز أن يكون متعلقًا بالقارعة الأول؛ اللفصل بينهما بالخبر، ولا بالثاني والثالث؛ لعدم التئام الظرف معهما من حيث المعنى {يَكُونُ}: فعل مضارع ناقص {النَّاسُ} : اسمها {كَالْفَرَاشِ} : خبرها {الْمَبْثُوثِ} صفة للفراش، وجملة {يَكُونُ} في محل الجر بإضافة الظرف إليها، ويجوز أن تكون {يَكُونُ} تامة و {النَّاسُ}: فاعلًا و {كَالْفَرَاشِ} : حالًا من فاعل

ص: 274

{يَكُونُ} التامة؛ أي: يوجدون ويحشرون حال كونهم كالفراش، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ}: فعل ناقص واسمه {كَالْعِهْنِ} : خبره، {الْمَنْفُوشِ}: صفة لـ {العهن} ، والجملة الناقصة في محل الخفض معطوفة على الجملة التي قبلها. {فَأَمَّا} {الفاء}: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما ذكرته لك من أحوال الناس في يوم القيامة وأردت بيان مآلهم .. فأقول لك: أما من ثقلت إلخ {أما} حرف شرط وتفصيل، {مَن}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ أول، {ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}: فعل وفاعل صلة الموصول، {فَهُوَ} {الفاء}: رابطة لجواب {أما} واقعة في غير موضعها للثقل، {هو} مبتدأ ثان، {فِي عِيشَةٍ}: خبره، {رَاضِيَةٍ}: صفة لـ {عِيشَةٍ} ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، وجملة الأول جواب {أما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {أما} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًا لا محل لها من الإعراب.

{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} .

{وَأَمَّا} {الواو} : عاطفة {أما} : حرف شرط {مَن} : اسم موصول في محل الرفع مبتدأ أول {خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} : فعل وفاعل صلة الموصول، {فَأُمُّهُ} {الفاء}: رابطة لجواب {أما} {أمه} : مبتدأ ثان {هَاوِيَةٌ} :خبره والجملة الثانية في محل الرفع خبر للأول وجملة الأول جواب {أما} الشرطية، وجملة {أما} في محل النصب معطوفة على جملة {أما} الأولى، {وَمَا} {الواو}: عاطفة {ما} : اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ {أَدْرَاكَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {ما} ومفعول أول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر عن {ما} الاستفهامية، والجملة الاستفهامية معطوفة على جملة {أما} الثانية، {ما}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ {هيه} {هي} ضمير للمفرد المؤنثة الغائبة في محل الرفع خبر لـ {ما} الاستفهامية، و {الهاء} حرف سكت لا محل لها من الإعراب، والجملة الاسمية في محل النصب سادة مسد المفعولين الثاني والثالث لـ {أدرى} معلقة عنها باسم الاستفهام، {نَارٌ}: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي نارٌ {حَامِيَةٌ} : صفة لـ {نَارٌ} والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره مستأنفة استئنافًا

ص: 275

بيانيًا لا محل لها من الإعراب.

التصريف ومفردات اللغة

{الْقَارِعَةُ (1)} : القيامة التي تقرع القلوب بأهوالها، من القرع وهو الضرب بشدة واعتماد، بحيث يحصل منه صوت شديد، ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة والمراد بها هاهنا: القيامة كما مر. وفي "المختار": قرع من باب قطع، والقارعة الشديدة من شدائد الدهر، وهي الداهية، وفي "المصباح": وقرعت الباب قرعًا، بمعنى طرقته ونقرت عليه. {كَالْفَرَاشِ}: وفي "القاموس": والفراشة - بفتح الفاء - الطير التي تتهافت في السراج، والجمع فراش، ومن القفل ما ينشب فيه، وكل عظم رقيق، والماء القليل، والرجل الخفيف، وقرية بين بغداد والحلة، وموضع بالبادية، وعلم، ودرب فراشة محلة ببغداد، والفراش كسحاب ما يبس بعد الماء من الطين على الأرض، ومن النبيذ: الحبب الذي يبقى عليه، وعرقان أخضران تحت اللسان، والحديدتان يربط بهما العلوان في اللجام، وبالكسر: ما يفرش، ويجمع على فُرُش، وزوجة الرجل، قيل ومنه:{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} وعش الطائر وموقع اللسان في قعر الفم، وقد خلط صاحب المنجد فمزج الفراشة والفراش في مادة واحدة، وجعل معاني الفراش الرجل الخفيف وإنما هو فراشة. {الْمَبْثُوثِ} المتفرق المنتشر، ويقال: بسط فلان خبره وبثه وبقه، إذا وسعه، قال.

وَبَسَطَ الْخَيْرَ لَنَا وَبَقَّهُ

فَالنَّاسُ طُرًّا يَأْكُلُوْنَ رِزْقَهَ

{كَالْعِهْنِ} : العهن الصوف الأحمر، واحدها عهنة، {الْمَنْفُوشِ}: اسم مفعول من النَّفْش، وهو كما في "القاموس" تشعيث الشيء بأصبعك حتى ينتشر كالتنفيش، والنَّفَش - بالتحريك - الصوف، وعبارة ابن خالويه: يقال: نفشت الصوف والقطن وسبخته إذا نفشته وخففته كما يفعل النادف. ويقال لقطع القطن وما يتساقط عند الندف: السبيخة، وجمعها سبائخ، ويقال: سبخ الله عنك الحمى، أي: خففها وسَلَّها عنك. ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عائشة تدعو على سارق سرقها، فقال:"لا تُسبِّخي عنهُ بِدُعائِكِ عَلَيْهِ" وعبارة القرطبي: كالصوف الذي ينفش باليد، اهـ. وهي أنسب باللغة؛ فإن النفش يكون باليد من غير آلة، والندف يكون بالآلة.

ص: 276

وفي "القاموس" أيضًا: ندف القطن يندفه - من باب ضرب - ضربه بالمندف، والمندفة بكسر أولهما؛ أي: بالخشبة التي يطرق بها الوتر ليرق القطن، وهو مندوف ونديف اهـ.

{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)} : وقد اختلف في الموازين هنا، فقيل: جمع موزون، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله، وبه قال الفراء وغيره. وقيل: هي جمع ميزان وهو الآلة التي توضع فيها صحائف الأعمال، وعبر عنه بلفظ الجمع كما يقال لكل حادثة ميزان، وقيل: المراد بالموازين الحجج و"الدلائل" كما في قول الشاعر:

قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ

عِنْدِيْ لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيْزَانُهُ

{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} ؛ أي: في حياة طيبة، وفي "المختار": العيش: الحياة، وقد عاش يعيش - من باب سار - عيشًا وعيشة ومعاشًا - بالفتح - ومعيشًا بوزن مبيت، وأعاشه الله عيشة راضية، والمعيشة جمعها معايش بلا همزة إذا جمعتها على الأصل، وأصلها مَعْيشة، بوزن مَفْعلة، والياء متحركة أصلية، فلا تقلب في الجمع همزة، وإن جمعتها على الفرع .. همزت وشبهت مفعلة بفعلية كما همزت المصائب؛ لأن الياء ساكنة، ومن النحويين من يرى الهمز لحنًا. والتعيُّش: تكلف أسباب العيش. وعائشة مهموزة، ولا تقل: عَيْشة. اهـ. {رَاضِيَةٍ} ؛ أي: مرضية لصاحبها، فهي فاعلة بمعنى مفعولة. {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)}؛ أي: فمأواه هاوية، فهو من قبيل زيد أسد، شبهت النار للعصاة بالأم لكونها تهوي بهم فتضمهم إلى نفسها كما تضم الأم الأولاد إليها، اهـ "زاده".

وعبارة الخطيب: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} أي: نار نازلة سافلة جدًّا فهو بحيث لا يزال يهوى فيها نازلًا فهو في عيشة ساخطة، فالآية من الاحتباك، ذكر العيشة أولًا دليلًا على حذفها ثانيًا وذكر الأم ثانيًا دليلًا على حذفها أولًا، والهاوية اسم من أسماء جهنم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

ص: 277

فمنها: التكرار في قوله: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)} تهويلًا من شأنها وتفخيمًا لفظاعتها.

ومنها: الاستفهام التعجيبي في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)} لغرض التفخيم.

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {مَا الْقَارِعَةُ (2)} تأكيدًا للتهويل، والأصل أن يقال: القارعة ما هي؟.

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} وقوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)} ففيهما تشبيهان رائعان، وهو تشبيه مرسل مجمل؛ لأن وجه الشبه حذف فيهما، ففي الأول وجوه الشبه كثيرة منها:

1 -

الطيش الذي لحقهم.

2 -

وانتشارهم في الأرض.

3 -

وركوب بعضهم بعضًا.

4 -

الكثرة لا غناء فيها.

5 -

والضعف والتذلل وإجابة الداعي من كل جهة.

6 -

والتطاير إلى النار للاحتراق من حيث لا تريد الاحتراق.

وفي تشبيه الجبال بالعهن المنفوش أوجه كثيرة أيضًا، منها:

1 -

تفتتها وانهيارها.

2 -

صيرورتها كالعهن.

3 -

ثم صيرورتها كالهباء.

وقد تشبث الشعراء بهذه المعاني، فقال جرير يهجو الفرزدق:

أَبْلِغْ بَنِيْ وَقْبَانَ أَنَّ حُلُوْمَهُمْ

خَفَّتْ فَمَا يَزِنُوْنَ حَبَّةَ خَرْدَلِ

أَزْرَى بِحِلْمِكُمُ الْفِيَاشُ فَأَنْتُمُ

مِثْلُ الْفَرَاشِ غَشِيْنَ نَارَ الْمُصْطَلِيْ

وقال أبو العلاء المعري في رثاء والده:

ص: 278

فَيَا لَيْتَ شِعْرِيْ هَلْ يَحِقُّ وَقَارُهُ

إِذَا صَارَ أَحْدٌ فِيْ الْقِيَامَةِ كَالْعِهْنِ

وَهَلْ يَرِدُ الْحَوْضَ الرَّوِىَّ مُبَادِرًا

مَعَ النَّاسِ أَمْ يَأْبَى الزَّحَامَ فَيَسْتَأْنِيْ

ومنها: جمع الموازين في قوله: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)} للتعظيم، أو لأن لكل مكلف ميزانًا أو لاختلاف الموزونات وكثرتها، كما مر.

ومنها: المقابلة في قوله: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} ثم قابلها بقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)} وهو من المحسنات البديعية.

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ففيه إسناد ما للشيء إلى محله؛ لأن الذي يرضى بها الذي يعيش فيها، ففيها إسناد مجازي علاقته المحلية نحو: نهاره صائم وليله قائم.

ومنها: الاحتباك في قوله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} وقوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} ؛ وهو: أن يحذف من كل من المتقابلين نظير ما أثبته في الآخر، فحذف هنا من الأول: فأمه الجنة، وذكر فيه {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} وحذف من الثاني فهو في عيشة ساخطة، وذكر فيه فأمه هاوية فحذف من كل منهما نظير ما أثبته في الآخر، وهو من المحسنات البديعة.

ومنها: التهكم في قوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} ، أو لأنها تحيط به إحاطة رحم الأم بالولد، كما مر.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

* * *

(1) إلى هنا تم تفسير سورة القارعة قبيل العشاء في ليلة الاثنين السادس والعشرين من شهر ذي الحجة من شهور سنة 1416 هـ ألف وأربع مئة وست عشرة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وعلى آله وصحبه ما سُطِرت السطور وشُرِحت الصدور بمعاني كتابه الكريم. آمين.

ص: 279