الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعذب كل مجرم بما يناسب حاله في جرمه.
وعن قتادة: أنها مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعيِّرت بالبخل، فالنصب حينئذ على الشتم حتمًا، وقيل: كانت تمشي بالنميمة وتفسد بين الناس، تحمل الحطب بينهم؛ أي: توقد بينهم النائرة وتورث الشر، والحطب: ما أعد من الشجر شبوبًا، كما في "القاموس"، قيل: الحطب: جمع حاطب كحرس وحارس.
والمعنى: تحمل الجناة على الجنايات، وقرأ أبو قلابة:{حاملة الحطب} ،
5
- وقوله: {فِي جِيدِهَا} ؛ أي: في عنقها، خبر مقدم {حَبْلٌ}: مبتدأ مؤخر. {مِنْ مَسَدٍ} ؛ أي: من ليف: صفة لـ {مسد} ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من {امرأته} ، والجيد - بالكسر - العنق ومقلده، أو مقدمه، كما في "القاموس"، والمسد: ما يفتل منه الحبال فتلًا شديدًا، من ليف كان أو جلد أو غيرهما، يقال: دابة ممسودة: شديدة الأسر والربط، وقال أبو عبيدة: المسد: هو الحبل يكون من صوف، وقال الحسن: هي حبال يتكون من شجر ينبت باليمن، تسمى بالمسد، وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها.
والمعنى: في عنقها حبل مما مُسِّد وفتل من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطابون تخسيسًا لحالها، وتصويرًا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتغضب من ذلك، ويشق عليها، ويغضب بعلها أيضًا، وهما في بيت العز والشرف، وفي منصب الثروة والجِدَة.
وقال مجاهد: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} ؛ أي: طوق من حديد، قال مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من حسك، فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة أعيت، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها، فاختنقت بحبلها حتى هلكت.
وقال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا كانت تعيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها، فخنقها الله به، فأهلكها وهو في الآخرة حبل من نار، وقال مجاهد وعروة بن الزبير: هو سلسلة من نار تدخل في فيها، وتخرج من أسفلها، وقال الزمخشري: ويحتمل أن يكون المعنى: أن حالها يكون في نار جهنم
على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا يزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو الضريع، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه انتهى.
وفي "ينبوع الحياة": إنها لما بلغها سورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، جاءت إلى أخيها أبي سفيان في بيته وهي متحرقة غضبى، فقالت له: ويحك يا أحمس؛ أي: يا شجاع، أما تغضب أن هجاني محمد، فقال: سأكفيك إياه، ثم أخذ بسيفه وخرج ثم عاد سريعًا، فقالت له: هل قتلته؟ فقال لها: يا أختي أيسرك أن رأس أخيك في فم ثعبان قالت: لا والله، قال: فقد كاد ذلك يكون الساعة؛ أي: فإنه رأى ثعبانًا لو قرب منه صلى الله عليه وسلم لالتقم رأسه، ثم كان من أمر أبي سفيان الإِسلام، ومن أمر أخته الموت على الكفر، والكل من حكم الله السابق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول:
مَذَمَّمًا أَبَيْنَا
…
وَدِيْنَهُ قَلَيْنَا
وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر .. قال: يا رسول الله قد أقبلت، وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني، وقرأ قرآنًا اعتصم به، كما قال تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)} فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال: لا ورب البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها، وأخرجه البزار بمعناه، وقال: لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد، وفي قصتها قال البوصيري في همزيته:
يوم جاءت غضبى تقول أفي مثـ
…
ـلِيَ من أحمدَ يقال الهجاءُ
فولت وما رأته ومن أيـ
…
ـن ترى الشمسَ مقلةٌ عمياءُ
ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة
الحطب، فقال:
مَاذَا أَرَدْتَ إِلى شَتْمِيْ وَمَنْقَصَتِيْ
…
أَمْ مَا تُعَيِّرُ مِنْ حَمالَةِ الْحَطَبِ
غَرَّاءُ شَادِخَةٌ فِي الْمَجْدِ سَامِيَةٌ
…
كَانَتْ سَلَيْلَةَ شَيْخٍ ثَاقِبِ الْحَسَبِ
ولما كانت هذه المجرمة تسمي النبي صلى الله عليه وسلم هي وبعض أعدائه من الكفار مذمَّمًا .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: صرف الله سبحانه عني، إنهم يسموني مذممًا وأنا محمد، وروي عن أبي عبد الله الحسين رضي الله عنه قال: إذا قرأتم {تَبَّتْ} فادعوا على أبي لهب، فإنه كان من المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله والحكمة ما خص الله أبا لهب بهذه السورة من الكتاب العزيز ولو كان ذكره لمجرد عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر غيره كذلك من خصوم النبي وأعدائه الألداء أمثال عقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل وغيرهم من أكابر الأعداء وأئمة الكفر والضلال، ممن كنى عنهم الله سبحانه أحيانًا بأوصافهم، ولم يذكرهم بأسمائهم.
وإنما خص أبا لهب بالذكر في سورة مستقلة والتصريح باسمه الكنية؛ لأنه اشتهر بالتكذيب والعداوة، وتعقب النبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته، ليحبط مساعيه ويصد الناس عن الإقبال على دعوته ورسالة ربه، حتى أصبح خطرًا على الإِسلام، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس أكثر تسمُّعًا منه من تسمُّعهم من غيره، لذا ضربه الله سبحانه هذه الضربة القاصمة؛ ليجعله عبرة ومثلًا للصاد عن الحق والمنفرة للناس عن دين الله، وفهم ما أنزل على نبيه من الهدى والرشاد، وكل شخص من الناس صنع صنيع أبي لهب، فهو أبو لهب، بل وأشد من أبي لهب؛ إذ أن أبا لهب عم رسول الله وصاحب الغنى والنسب لم يغن عنه ذلك شيئًا، ومن سار سيرته فأولئك هم أبناء لهب، لا تغن عنهم أموالهم ولا أعمالهم شيئًا، وسيُصْلَون ما يصلى أبو لهب من نار ذات لهب، وكل امرأة تنم بين الناس لتفرق كلمتهم وتذهب بهم مذاهب السوء، وتصد عن سبيل الله، وتحارب دعوة الله ودين الله، فهي ممثلة في هذا المثل نازل بها ذلك النكال، وستحشر في نار ذات لهب لا يغني عنها مال ولا نسب.
وآيات القرآن كلها عبر وعظات وبراهين ساطعات على عظمة هذا القرآن، وعلى خلود هذه الشريعة الغراء التي ساوت بين الناس، ولم تجعل التفاضل بينهم
إلا بالتقوى، فلا عم ولا خال ولا ولد ولا مال ولا حسب ولا نسب، الكل عند الله سواء، أكرمهم عند الله أتقاهم، فمن آمن واتقى وصدق بالحسنى فسييسره الله لليسرى، وأما من كذب وتولى فسييسره الله للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى.
الإعراب
{تَبَّتْ} {تب} : فعل ماض، والتاء علامة تأنيث الفاعل. {يَدَا}: فاعل مرفوع بالألف؛ لأنه مثنى يد. {يَدَا} : مضاف. {أَبِي لَهَبٍ} : مضاف إليه مجرور بالياء، والجملة الفعلية جملة دعائية لا محل لها من الإعراب. {وَتَبَّ}:{الواو} : استئنافية. {وَتَبَّ} : فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر يعود على {أَبِي لَهَبٍ} ، والجملة الفعلية جملة مستأنفة مسوقة للإخبار بحصول التباب وتحققه له نظير قوله:
جَزَانِيْ جَزَاهُ اللهَ شَرَّ جَزَائِهِ
…
جَزَاءَ الْكِلَابِ الْعَاوِياتِ وَقَدْ فَعَلْ
{مَا} : نافية، أو استفهامية للاستفهام الإنكاري في محل النصب مفعول مقدم لـ {أَغْنَى}. {أَغْنَى}: فعل ماض {عَنْهُ} متعلق {أَغْنَى} . {مَالُهُ} : فاعل {أَغْنَى} ، والجملة الفعلية مستأنفة. {وَمَا}:{الواو} : عاطفة. {مَا} : مصدرية بمعنى كسبه، أو موصولة بمعنى الذي في محل الرفع معطوف على {مَالُهُ}؛ أي: مكسوبه من الأرباح والجاه. {كَسَبَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {أَبِي لَهَبٍ} ، والجملة صلة {مَا} المصدرية؛ أي: أي شيء أغنى عنه ماله وكسبه، أو صلة {مَا} الموصولة، والعائد محذوف؛ أي: والذي كسبه {سَيَصْلَى} : {السين} : حرف استقبال، {يصلى}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {أَبِي لَهَبٍ}. {نَارًا}: مفعول به. {ذَاتَ لَهَبٍ} : صفة لـ {نَارًا} ؛ لأنها مآل كنيته ومثابتها، والجملة الفعلية مستأنفة. {وَامْرَأَتُهُ}: معطوف على الضمير المستتر في {يصلى} ، وسوغه الفصل بالمفعول وصفته. {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} - بالنصب - إما منصوب على الذم؛ أي: أذم حمالة الحطب، أو على الحال من {امرأته} ، وبالرفع إما صفة للمرأة، أو خبر مبتدأ محذوف، أو خبر لـ {امرأته} على أنه مبتدأ. {فِي جِيدِهَا}: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. {حَبْلٌ} : مبتدأ مؤخر. {مِنْ مَسَدٍ} : جار
ومجرور صفة لـ {حبل} ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من {امرأته} .
التصريف ومفردات اللغة
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} يقال: تب يتب تبًا - من باب رد - كما في "القاموس"، ومن باب ضرب، كما في "المصباح" وقال الزمخشري: والتباب الهلاك، ومنه قولهم: أشابة أم تابة؛ أي: هالكة من الهرم والتعجيز، والمعنى: هلكت يداه؛ لأنه فيما يروى أخذ حجرًا ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبارة ابن خالويه ومعناه: خسرت يداه، يقال: تب يتب تبًا فهو تاب، والمفعول به متبوب، والأمر: تُبَّ، وإن شئت كسرت، وللمرأة تُبِّي، ويقال: امرأة تابة؛ أي: عجوز قد هلك شبابها، والتباب الهلاك، قال تعالى:{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} .
قال عدي:
إِذْهَبِي إِنَّ كُلَّ دُنْيَا ضَلَالٌ
…
وَالأَمَانِيُّ عَقْرُهُا لِلتَّبَابْ
لَا يَرُوْقَنْكَ صَائِرٌ لِفَنَاهُ
…
كُلُّ دُنْيَا مَصِيْرُهُا لِلتُّرَابْ
وقال جرير:
غُرَادَةُ مِنَ بَقِيَّةِ قَوْمِ لُوْطٍ
…
أَلَا تَبًّا لِمَا عَمِلُوْا تَبَابَا
وقال كعب بن مالك يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
الْحَقُّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيْرَتُهُ
…
فَمَنْ يُعِنْهُ عَلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ
والتاء الثانية تاء التأنيث؛ لأن اليد مؤنثة، ومعنى تبت يداه؛ أي: تب هو؛ لأن العرب تنسب الشدة والقوة والأفعال إلى اليدين؛ إذ كان بهما يقع كل الأفعال.
{يَدَا أَبِي لَهَبٍ} واللهب واللهيب اشتعال النار إذا خلص من الدخان، أو لهبها لسانها، ولهيبها حرها، كما مر، تَكَنَّى به عبد العزى بن عبد المطلب لإشراق وجنتيه وتلهبها، وإلا فليس له ابن يسمى باللهب.
{سَيَصْلَى} ؛ أي: يحترق بها، وصَلِيَ من باب تعب، وعبارة ابن خالويه هنا: جيدة، وهي: ويقال: صليت الشاة إذا شويتها، فأنا صال، والشاة مصلية، ومن ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أهديت إليه شاة مصلية، وأجاز الفراء: مَصْلاة؛
لأنك تقول: أصليتها أيضًا.
{حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} والحطب: ما أُعد من الشجر للوقود.
{فِي جِيدِهَا} الجيد: العنق، وجمعه أجياد، والجَيَد - بفتح الياء - طول العنق.
{مِنْ مَسَدٍ} المسد ما فُتل من الحبال فتلًا شديدًا، من ليف كان أو جلد أو غيرهما، وفي "القاموس": المَسْد - بسكون السين - مصدر بمعنى الفتل وبفتحها المحْوَر من الحديد، أو حبل من ليف، أو كل حبل محكم الفتل، والجمع مساد وأمساد، يقال: مسد حبله يمسده مسدًا من باب نصر.
{وَامْرَأَتُهُ} وفي حرف ابن مسعود: {مُرَيْئته} مصغرًا، والعرب تقول: هذه مرئتي وامرأتي وزوجي وزوجتي وحنتي وطلتي وشاعتي وإزاري ومحل إزاري وفضلتي وحرثي.
قال الشاعر:
إِذَا أَكَلَ الْجَرَادُ حُرُوْثَ قَوْمٍ
…
فَحَرْثِيْ هَمُّهُ أَكْلُ الْجَرَادِ
وتسمى المرأة بينًا، والعرب تكني عن المرأة باللؤلؤة والبيضة والسرحة والأثلة والنخلة والشاة والبقرة والنعجة والودعة والعيبة والقوارير والربض والفراش والريحانة والظبية والدمية - وهي الصورة مع العاج - والنعل والغل والقباء والجارة والمزخة والقومدة، وكنى الفرزدق عن المرأة بالجفن، فجعلها جفنًا لسلاحه، وكانت ماتت وهي حبلى، فقال:
وَجَفْنَ سِلَاحٍ قَدْ رُزِئْتْ فَلَمْ أَنُحْ
…
عَلَيْهِ وَلَمْ أَبْعَثْ عَلَيْهِ الْبَوَاكِيَا
وَفِيْ جَوْفِهِ مِنْ دَارِمٍ ذُوْ حَفِيْظَةٍ
…
لَوَ انَّ الْمَنَايَا أَنْسَأَتْهُ لَيَالِيَا
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: {يَدَا أَبِي لَهَبٍ} حيث أطلق الجزء وأراد الكل؛ أي: هلك أبو لهب.
ومنها: الجناس بين {أَبِي لَهَبٍ} وبين {نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} فالأول كنية، والثاني وصف للنار.
ومنها: الكنية للتصغير والتحقير في قوله: {أَبِي لَهَبٍ} فليس المراد تكريمه، بل تشهيره كأبي جهل.
ومنها: التعبير بصيغة الماضي في قوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} إشعارًا بتحقق وقوعه.
ومنها: التهكم والسخرية منها في قوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} فقد صورها تصويرًا فيه منتهى الخسة والقماءة، حيث أخبر عنها بأنها تحمل تلك الحزمة وتربطها في جيدها تخسيسًا لحالها، وتصويرًا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن جمع ماهن، وهي الخدم؛ لتمتعض من ذلك ويمتعض زوجها، وهما في بيت العز والشرف، وفي منصب الثروة والجِدَة، وقد تعلق الشعراء بأذيال هذه السخرية، فعيَّر أحدهم الفضل بن العباس بن عُتبة ابن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال:
مَاذَا أَرَدْتَ إِلَى شَتْمِيْ وَمَنْقَصَتِيْ
…
أَمْ مَا تُعَيِّرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ
غَرَّاءُ شَادِخَةٌ فِيْ الْمَجْدِ سَامِيَةٌ
…
كَانَتْ سَلِيْلَةَ شَيْخٍ ثَاقِبِ الْحَسَبِ
والغراء: البيضاء، والشادخة: المتسعة، وذلك مجازي عن الظهور وارتفاع المقدار، والسليلة مَن سُلَّ من غيره، والمراد بالشيخ أبوها حرب؛ لأنها أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب.
وقيل: حمل الحطب حقيقة، وقيل: مجاز عن إثارة الفتنة؛ لأنها كانت نمامة، وإلى شتمي متعلق بمحذوف، أو بأردت على طريق التضمين؛ أي: أي شيء أردته مائلًا أنمت إلى شتمي، أو منضمًا هو إلى شتمي؟ أو ما الذي أردته من شتمي؟ أو مع شتمي، هل أردت أنك شريف لا عيب فيك؟ ويجوز أن تكون إلى بمعنى من، كما قال النحاة: ويمكن أنها للمصاحبة، كما قالوا أيضًا في قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} وتعير أصله تتعير، فحذف منه إحدى التاءين.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).
والله سبحانه وتعالى أعلم بمعاني كتابه
* * *
(1) إلى هنا تم تفسير صورة المسد وقت الشروق من يوم الخميس اليوم الرابع من شهر الله صفر المبارك من شهور سنة 1417 هـ ألف وأربع مئة وسبع عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.