الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ
(1)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}.
التفسير وأوجه القراءة
1 -
و {اللام} في قوله: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)} متعلقة (1) بقوله تعالى في آخر السورة: {فَلْيَعْبُدُوا} وهو قول الزجاج، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم رحلتين، ودخلت {الفاء}؛ لما في الكلام من معنى الشرط؛ إذ المعنى: إن نعم الله عليهم غير محصورة، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة التي هي إيلافهم الرحلتين، فإنها أظهر نعمة عليهم؛ أي: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف؛ أي: ليجعلوا عبادتهم شكرًا لهذه النعمة، فالإيلاف مصدر مضاف إلى مفعوله الأول مطلقًا عن المفعول الثاني الذي هو الرحلة كما قيد به في الإيلاف الثاني، والمعنى (2): لتأليف الله لهم؛ أي: لتحبيبه لهم الرحلتين؛ أي: لجعلهم آلفين ومحبين لهما مسترزقين بهما؛ لتيسيرهما عليهم فليعبدوه شكرًا له.
وقيل (3): متعلقة بآخر السورة التي قبلها، كأنها قال سبحانه: أهلكت أصحاب الفيل؛ لأجل إيلاف قريش هاتين الرحلتين ولزومهم إياهما؛ أي: أهلكت من قصدهم من الحبشة؛ لأجل أن يألفوا هاتين الرحلتين ويجمعوا بينهما، ويلزموا إياهما ويثبتوا عليهما متصلًا لا منقطعًا، بحيث إذ فرغوا من هذه أخذوا في هذه وبالعكس، وذلك لأن الناس إذا تسامعوا بذلك الإهلاك تهيبوا لهم زيادة تهيب واحترموهم فضل احترام، فلا يجترىء عليهم أحد فينتظم لهم الأمن في رحلتيهم، وكان لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين؛ لأنهم أهل حرم الله تعالى وولاة بيته العزيز، فلا يتعرض لهم، والناس حولهم بين متخطف ومنهوب، وذلك أن قريشًا إذا أصاب واحدًا منهم مخمصة خرج هو وعياله إلى موضع، وضربوا على أنفسهم خباء
(1) روح البيان.
(2)
الفتوحات.
(3)
روح البيان.
حتى يموتوا، وكانوا على ذلك إلى أن جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه، فقام خطيبًا في قريش، فقال: إنكم أحدثتم حديثًا تقلون فيه وتذلون، وأنتم أهل حرم الله وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، قالوا: نحن تبع لك، فليس عليك منا خلاف، فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام؛ لأن بلاد اليمن حامية حارة، وبلاد الشام مرتفعة باردة؛ ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات، فما ربح الغني قسم بينه وبين فقرائهم حتى كان فقيرهم كغنيهم، فجاء الإِسلام وهم على ذلك، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالًا ولا أعز من قريش، وكان هاشم أول من حمل السمراء من الشام، وقيل تقديره: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، وذلك لأنهم كانوا يزدادون كل يوم غيًا وانغماسًا في عبادة الأوثان، والله تعالى يؤلف شملهم ويدفع الآفات عنهم، وينظم أسباب معايشهم، وذلك لا شك أنه في غاية التعجب من عظيم حلم الله وكرمه، وتكون {اللام} للتعجب، أو بمعنى إلى، وقرأ الجمهور (1):{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)} بالياء مهموزًا مصدر آلف الرباعي، ومنه قول الشاعر:
الْمُنْعِمِيْنَ إِذَا النُّجُوْمُ تَغَيَّرَتْ
…
وَالظَّاعِنِيْنَ لِرِحْلَةِ الإِيْلَافِ
وقرأ ابن عامر: {لإلاف} بدون ياء - على وزن فعال - كتاب - مصدر ألف الثلاثي، يقال: ألف الرجل الأمر إلفًا وإلافًا، وقرأ أبو جعفر {لإلْف} بوزن حِمْل، وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر، فقال:
زَعَمْتُمْ أَنَّ إِخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ
…
لَهُمْ إِلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَافُ
جمع بين مصدري ألف الثلاثي، ولم يختلف القراء السبعة في قراءة {إِيلَافِهِمْ} مصدرًا للرباعي، وقرأ عكرمة:{ليألف قريش} بفتح اللام على أنها لام الأمر، وكذلك في مصحف ابن مسعود، وفتح لام الأمر لغة معروفة كما سيأتي.
ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين (2): أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول في اتفاق المصاحف على إثباتها خطًا، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منه خطًا؛ فهو أدل دليل على أن القراء
(1) البحر المحيط.
(2)
الفتوحات.
متبعون الأثر والرواية، لا مجرد الخط.
وقرأ عاصم في رواية: {إئلافهم} بهمزتين، الأولى مكسورة والثانية ساكنة وهي شاذة؛ لأنه يجب في مثله إبدال الثانية حرفًا مجانسًا كإيمان، وروي عنه أيضًا بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة، وخُرِّجت على أنه أشبع كسرة الهمزة الثانية، فتولد منها ياء، وهذه أشذ من الأولى، ونقل أبو البقاء أشذ منها، فقال بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة بعدها همزة مكسورة وهو بعيد، ووجهها: أنه أشبع الكسرة، فنشأت الياء، وقصد بذلك الفصل بين الهمزتين، كالألف في {أأنذرتهم} ، وعن أبي جعفر وابن كثير:{إلفهم} ، وعن أبي جعفر أيضًا، وعن ابن عامر:{إلافهم} مثل كتابهم، وعن ابن عامر أيضًا:{ليلاف} بياء ساكنة بعد اللام، وقرأ عكرمة:{ليألف قريش} فعلًا مضارعًا، وعنه أيضًا {ليألف} على الأمر واللام مكسورة، وعنه فتحها مع الأمر، وهي لغة كما مر اهـ "سمين".
و {قُرَيْشٍ} مصغرًا، هم ولد النضر بن كنانة، فكل من ولده النضر فهو قريش دون من لم يلده النضر، وإن ولده كنانة وهو الصحيح، وقيل: هم، ولد فهو بن مالك بن النضر بن كنانة، فمن لم يلده فهو فليس بقريش، وإن ولده النضر، فوقع الاتفاق على أن بني فهو قرشيون، وعلى أن بني كنانة الذين لم يلدهم النضر ليسوا بقرشيين، ووقع الخلاف في بني النضر وبني مالك، وفهر هو الجد الحادي عشر من أجداده صلى الله عليه وسلم، والنضر هو الثالث عشر، ويسمى فهر قريشًا أيضًا، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، واسمه قريش بن مالك بن النضر بن كنانة إلى آخر النسب الشريف اهـ من "المواهب".
واختُلف في اشتقاقهم على أوجه (1):
أحدها: أنه من التقريش، وهو التجمع، سموا بذلك لاجتماعهم إلى الحرم بعد افتراقهم، قال الشاعر:
أَبُوْنَا قُرَيْشٌ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا
…
بِهِ جَمَّعَ الله الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
(1) الفتوحات.