الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستثناء:
الاستثناء: إخراج بإلا أو إحدى أخواتها، تحقيقا أو تقديرا.
"فالإخراج" جنس و"بإلا أو إحدى أخواتها" مخرج للتخصيص ونحوه، والمراد بالمخرج "تحقيقا" المتصل، وبالمخرج "تقديرا" المنقطع، نحو:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 1، فإن الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا فهو "في"2 تقدير الداخل فيه، إذ هو مستحضر بذكره لقيامه مقامه في كثير من المواضع.
قال ابن السراج: إذا كان الاستثناء منقطعا، فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل "إلا" قد دل على ما يستثنى "بها"3 فتأمل، فإنه يدق. ا. هـ.
وقوله: "ما استثنت "إلا" مع تمام ينتصب".
يجوز أن تكون "ما" موصولة وينتصب خبرها فهو مرفوع، وأن تكون شرطية وينتصب جوابها فهو مجزوم.
والمراد بالتمام أن يكون المخرج منه مذكورا، ويقابله التفريغ.
يعني: أن المستثنى "بإلا" في غير التفريغ ينتصب متصلا كان، أو منقطعا بعد موجب أو غيره. إلا أن نصبه على ثلاثة أقسام: واجب وجائز، وراجح "وجائز مرجوح"4.
فالواجب النصب هو المستثنى بعد إيجاب متصلا أو منقطعا، مؤخرا "كان"5 أو مقدما نحو:"قام القوم إلا زيدا" و"خرج القوم إلا بعيرا" و"قام إلا زيدا القوم".
والمرجوح النصب هو المتصل بعد نفي أو شبه نفي، والمراد به النهي والاستفهام المؤول بالنفي.
1 من الآية 157 من سورة النساء، قراءة السبعة.
2 ب، جـ، وفي أ "من".
3 أ، جـ.
4 أ، ب.
5 أ، ب.
فمثال النفي: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} 1، ومثال النهي:"لا يقوم إلا زيد"، ومثال الاستفهام:{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} 2.
وأكثر ما يكون ذلك في "هل" و"من".
فجميع ذلك يترجح فيه اتباعه للمستثنى منه في رفعه ونصبه وجره بدلا عند البصريين3، وعطفا عند الكوفيين4، وإلى هذا أشار بقوله:
وبعد نفي أو كنفي انتُخب
…
إِتْباع ما اتصل........
والراجح النصب: هو المنقطع بعد نفي أو كنفي إن صح إغناؤه عن المستثنى منه. فإن بني تميم يجيزون فيه النصب "والإتباع"5 ويقرءون: "إلا اتباعُ الظن"، وذكر بعض النحويين أن نصبه "عندهم أرجح"6.
وأما الحجازيون فالنصب عندهم واجب7، فإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه تعين نصبه عند الجميع، وهو كل استثناء منقطع لا يجوز فيه تفريغ ما قبل "إلا" للاسم الواقع بعدها نحو:"ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر".
وجعل المصنف منه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} 8، وإلى هذا القسم الثالث أشار بقوله:
1 من الآية 66 من سورة النساء.
2 من الآية 135 من سورة آل عمران.
3 بدل بعض المستثنى منه، قال أبو العباس ثعلب: كيف يكون بدلا وهو موجب ومتبوعه منفي؟ وأجاب السيرافي بأنه بدل منه في عمل العامل فيه، وتخالفهما في النفي والإيجاب لا يمنع البدلية؛ لأن سبيل البدل أن يجعل الأول كأنه لم يذكر والثاني في موضعه، وقد يتخالف الموصوف والصفة نفيا وإثباتا نحو:"مررت برجل لا كريم، ولا لبيب" ا. هـ.
أشموني 1/ 288.
4 عطف نسق عند الكوفيين؛ لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة، وهي بمنزلة "لا" العاطفة، في أن ما بعد ما يخالف ما قبلها. ا. هـ. صبان 3/ 110.
5 ب.
6 أ، جـ، وفي ب "عنده راجح".
7 لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، فيمتنع البدل ا. هـ. شرح أوضح المسالك للنجار 1/ 337.
8 من الآية 43 من سورة هود.
.. وانصب ما انقطع
…
وعن تميم فيه إبدال وقع
ولكنه أطلق فلم يفصل بين ما يصح إغناؤه، وما لا يصح. ثم قال:
وغير نصب سابق في النفي قد
…
يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد
يعني: أن المستثنى "المتقدم"1 على المستثنى منه بعد نفي، فيه وجهان:
أحدهما وهو المختار: نصبه على الاستثناء.
والثاني: أن يفرغ العامل له، ويجعل المستثنى منه بدلا.
قال سيبويه2: حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر، فيجعلون ناصرا بدلا. ا. هـ.
وهذا قليل؛ ولذلك قال: "قد يأتي".
واحترز بقوله: "في النفي"3 من أن يكون المقدم في الإيجاب، فإنه واجب النصب كما سبق.
ولما فرغ من بيان التام، شرع في المفرد فقال:
وإن يُفَرَّغ سابق "إلا" لِمَا
…
بعدُ يكن كما لو "الا" عُدِما
أي: وإن يفرغ ما سبق "إلا" لما بعدها، فحكمه حكم ما لم توجد إلا معه نحو:"ما قام إلا زيد"، فقام مفرغ لما بعد "إلا"، أعني زيدا فهو فاعل به كما لو عدمت "إلا"، وقيل:"ما قام زيد".
وقوله: "سابق" أولى من قوله في التسهيل العامل4؛ لأن السابق قد يكون عاملا كما مثّلنا به، وقد يكون غير عامل نحو:"ما في الدار إلا زيد".
فإن قلت: على ماذا يعود الضمير في يكن؟
1 ب، جـ، وفي أ "المقدم".
2 نص ما في كتاب سيبويه: "حدثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلا أبوك أحد، فيجعلون أحدا بدلا" ا. هـ. جـ1 ص372.
3 أ، ب، وفي جـ "المنفي".
4 قال في التسهيل ص101: "وله بعد إلا من الإعراب إن ترك المستثنى منه وفرغ العامل له ما له مع عدمها".
قلت: يحتمل أن "يعود"1 على السابق، أي: يكن السابق في طلبه لما بعد "إلا" كما لو عدم "إلا"، وأن يعود على "ما" من قوله:"ما بعدُ" أي: يكن ما بعد "إلا" في تسلط ما قبل "إلا" عليه، كما لو عدم "إلا".
تنبيهان:
الأول: لا يكون التفريغ إلا بعد نفي، أو شَبَهه.
الثاني: يصح التفريغ "لجميع"2 المعمولات إلا المصدر المؤكد.
فأما قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} 3 فمتأول.
ولما كانت "إلا" قد تكرر لتوكيد ولغير توكيد، نبه على ذلك فقال:
وأَلْغِ إلا ذات توكيد
…
...............
وهي التي يصح طرحها، والاستغناء عنها؛ لكون ما بعدها تابعا لما بعد الأولى.
فإن صح إغناء الثاني عنه جعل بدلا، وإن لم يصح عطف بالواو.
فالأول نحو: لا تمرُر بهم إلا الفتى إلا العلا
فإن العلا هو الفتي.
والثاني نحو: "لا تمرر بهم إلا زيدا، وإلا عمرا" وقد اجتمعا في قوله:
ما لَكَ من شيخك إلا عملُه
…
إلا رسيمُهُ وإلا رملُه4
1 أ، ب، وفي جـ "يكون".
2 أ، جـ، وفي ب "في جميع".
3 من الآية 32 من سورة الجاثية.
4 قال العيني: قائله راجز من الرّجّاز لم أقف على اسمه، وهو من شواهد سيبويه. وبحثت فلم أعثر على قائله.
الشرح: "شيخك" هكذا يقرؤه الناس قديما وحديثا بالياء المثناة بعدها خاء معجمة، ويشتهر على الألسنة أنه الجمل، ويترجح أنها "شنجك" بالنون والجيم، وهو الجمل، وأصل نونه متحركة فسكنها لإقامة الوزن، "رسيمه ورمله" ضربان من السير؛ فالرسيم: سير الجمل بدون سرعة، والرمل: السير بسرعة. =
فإن قلت: ما المراد بإلغائها؟
قلت: جعلها "كأنها"1 لم تذكر، فلا تؤثر في لفظ ولا معنى غير التوكيد.
ثم قال:
...........
…
وإن تُكَرَّر لا لتوكيد
يعني: لقصد استثناء، وحينئذ لا يخلو ذلك من أن يكون مع تفريغ ما قبل "إلا" من العوامل، أو مع تمامه.
فهاتان حالتان، أشار إلى الأولى بقوله:
................ فمع
…
تفريغ التأثيرَ بالعامل دع
في واحد مما بإلا استُثني
…
وليس عن نصب سواه مغني
المراد بالعامل "إلا"، وبالتأثير النصب على الاستثناء.
فكأنه قال: دع النصب على الاستثناء "بإلا" في واحد من المستثنيين أو المستثنيات.
"وليس عن نصب سواه مغني" أي: سوى ذلك الواحد.
= المعنى: لا منفعة لك من جملك إلا في نوعين من سيره، وهما: الرسيم والرمل.
الإعراب: "ما" نافية، "لك" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "من" حرف جر، "شيخك" مجرور بمن وعلامة جره الكسرة الظاهرة وضمير المخاطب مضاف إليه، "إلا" أداة استثناء ملغاة، "عمله" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة وضمير الغائب مضاف إليه، "رسيمه" بدل من عمل والضمير مضاف إليه، "وإلا" الواو حرف عطف، وإلا حرف زائد مبني على السكون لا محل له من الإعراب، "رمله" معطوف على رسيم مرفوع بالضمة الظاهرة وضمير الغائب مضاف إليه.
الشاهد: في "إلا رسيمه وإلا رمله" حيث تكررت "إلا" في البدل والعطف ولم تُفِد غير مجرد التوكيد، وقد أُلغيت. "ما لك من شيخك إلا عمله". ورد في مجمع الأمثال لأبي الفضل النيسابوري جـ2 ص289 رقم 3933:"يضرب للرجل حين يكبر؛ أي: لا يصلح أن يكلف إلا ما كان اعتاده وقدر عليه قبل هرمه" ا. هـ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص125، وابن هشام 2/ 67، وابن عقيل 1/ 340، وداود، والسندوبي، والأشموني 1/ 232، والمكودي ص71، والسيوطي ص63، وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 277، سيبويه جـ1 ص374.
1 أ، جـ، وفي ب "كأن".
والحاصل: أن إلا إذا "كررت"1 لغير التوكيد وما قبلها من العوامل مفرقًا، شغل بواحد ونصب ما عداه على الاستثناء نحو:"ما قام إلا زيدٌ إلا عمرًا إلا خالدًا".
"وقد"2 فهم من عبارته فوائد:
الأولى: أن الناصب للمستثنى هو "إلا" لقوله بالعامل، ونسبه في التسهيل إلى سيبويه والمبرد3، وزاد في "شرحه"4 الجُرجاني، والخلاف في ذلك شهير5.
الثانية: أن الاسم الذي "يشغل"6 به العامل المفرغ، لا يلزم كونه الأول، بل يجوز أن يكون المتوسط والآخر؛ لقوله:"في واحد" إلا أن شغله بالأقرب أولى.
الثالثة: أن نصب ما سواه واجب؛ لقوله: "وليس عن نصب سواه مغني"، "فهو"7 أنص من قوله في التسهيل: ونُصب ما سواه. ا. هـ8.
فإن قلت: عبارته غير وافية بالمقصود من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أمر بترك التأثير "بإلا" في واحد، فعلم أنه لا ينصب على الاستثناء، ولم يعلم ما "يفعل"9 به.
1 أ، ب، وفي جـ "تكررت".
2 ب، جـ، وفي أ "فقد".
3 راجع التسهيل ص101.
4 أ، جـ، وفي ب "الشرح".
5 وهو الصحيح وإليه أميل؛ لأنه حرف مختصّ بالأسماء غير منزل منها منزلة الجزء وما كان كذلك فهو عامل، فيجب في "إلا" أن تكون عاملة، ما لم تتوسط بين عامل مفرغ ومعموله، فتلغى.
فناصب المستثنى هو "إلا" لا ما قبلها بواسطتها ولا مستقبلا ولا استثنى مضمرا، خلافا لزاعمي ذلك، أشموني 1/ 27.
6 أ، ب، وفي جـ "شغل".
7 أ، جـ، وفي ب "فبهذا".
8 التسهيل ص104.
9 أ، ب، وفي جـ "فعل".
والثاني: أن الحكم "الذي"1 ذكره إنما يكون إذا لم يكن استثناء كل واحد من متلوه، فإن أمكن جعل "كل"2 واحد مخرجا مما قبله نحو:"ما قام إلا أخوتك إلا زيدًا".
والثالث: أن قوله: "وليس عن نصب سواه مغني".
ليس كذلك، بل إذا رفع الأول جاز رفع ما بعده إذا قصد "به"3 بدل البداء. قلت: الجواب عن الأول: أنه قد علم أن العامل المفرغ "يشتغل"4 به من قوله: "بعدُ يكن كما "لو" الا "عُدما"".
وعن الثاني: أن كلام "المصنف"5 في تكرار إلا مع اتحاد المستثنى منه.
وعن الثالث: أنه جعل "بدل بداء"6 كانت إلا للتوكيد فليس من هذا القسم، بل هو مندرج في قوله:"وألغِ إلا ذات توكيد".
ثم أشار إلى الثانية بقوله:
ودون تفريغ مع التقدم
…
نصب الجميع احكم به والتزم
مثال ذلك: "ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا القومُ".
ثم قال:
وانصب لتأخير وجِئْ بواحد
…
منها كما لو كان دون زائد
يعني أن العامل إذا لم يكن مفرغا وتأخر ما استثني عن المستثنى منه نصب الجميع إلا واحدا منها، فله معها ما له منفردا نحو:"ما قام أحدٌ إلا زيدًا إلا عمرًا إلا خالدًا".
ويجوز رفع واحد منها على البدل؛ لأنه بعد نفي، وهو راجح.
1 أ، جـ، وفي ب "بما".
2 ب، جـ.
3 ب.
4 أ، جـ، وفي ب "يشغل".
5 ب، جـ.
6 أ، جـ، وفي ب "بدلا".
فإن قلت: "فهل"1 يجوز رفع الجميع على الإبدال؟
قلت: قد أجاز ذلك الأبدي2.
وظاهر كلام المصنف أنه لا يبدل منها إلا واحد. ثم مثّل ذلك بقوله:
كلم يَفُوا إلا امرؤ إلا علي
…
.......................
فيجوز رفع "امرؤ" على البدل ونصبه على الاستثناء كما لو انفرد، "ونصب"3 "عليَّ" ولكنه وقف على لغة ربيعة "فحذف"4 تنوين المنصوب، والأصل: إلا عليا.
وقوله:
.............
…
وحكمها في القصد حكم الأول
يعني في الدخول إن كان الاستثناء من غير موجب، وفي الخروج إن كان موجبا.
تنبيه:
إذا كُررت "إلا" لغير توكيد فتارة يمتنع استثناء كل واحد من متلوه، وتارة "لا يمتنع"5، ولم يتكلم المصنف على الثاني لوضوحه، وقد بينه في الكافية والتسهيل6.
ولما فرغ من حكم المستثنى "بإلا"، شرع يذكر سائر أدوات الاستثناء، فقال:
واستثْنِ مجرورا بغير مُعْرَبا
…
بما لمستثنى بإلا نُسبا
أصل "غير" أن تكون صفة دالة على مخالفة موصوفها لحقيقة ما أضيفت إليه.
وقد تضمن معنى "إلا" فيستثنى بها ولم يكن "به"7 بد من جر ما استثنته
1 أ، جـ، وفي ب "هل".
2 هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحيم الأبدي، نسبة إلى أبدة بلدة بالأندلس. كان نحويا جليلا من أعرف أهل زمانه بالخلافات النحوية، ودرس كتاب سيبويه ووقف على غوامضه، ثم انتقل إلى غرناطة وأقرأ بها، وكان في غاية من الفقر على إمامته بالعلم. وتوفي سنة 608هـ ثمان وستمائة.
3 أ، وفي ب، جـ "وينصب".
4 أ، جـ، وفي ب "بحذف".
5 جـ، وفي أ، ب "يمكن".
6 راجع الكافية ورقة 45، والتسهيل ص104.
7 أ.
بالإضافة، وأعربت هي بما يستحقه المستثنى "بإلا" من نصب واجب نحو:"قام القومُ غير زيد"، أو راجح نحو:"ما لزيد علم غير ظن"، أو مرجوح نحو:"ما قام أحدٌ غير زيد"، ومن تأثر بعامل مفرغ نحو:"ما قام غيرُ زيد".
فإن قلت: قد تقدم أن "إلا" هي ناصب المستثنى عند المصنف، فما ناصب غير؟
قلت: ناصبها العام الذي قبلها على الحال، وفيها معنى الاستثناء.
هذا اختيار المصنف. قال في شرح التسهيل: وهو الظاهر من قول سيبويه، وإليه ذهب الفارسي في التذكرة1.
والمشهور أن انتصابها على حد انتصاب ما بعد "إلا"2.
فإن قلت: ظاهر قوله: مُعْربا، بما لمستثنى بإلا نُسبا.
اتحاد جهة النصب، فيكون خلاف ما ذكره في شرح التسهيل.
قلت: المفهوم من عبارته أن "غيرا" تعرب بالإعراب المنصوب للمستثنى "بإلا" من نصب أو غيره كما سبق، وليس في ذلك ما يدل على اتحاد جهة النصب.
تنبيهات:
الأول: قد تحمل "إلا" على "غير" فيُوصَف بها، وما بعدها "مغاير ما قبلها"3، كما حملت "غير" على "إلا"، فاستثني بها.
وللموصوف بإلا شرطان: أن يكون جمعا أو شبهه، وأن "يكون"4 نكرة أو معرفا بأل الجنسية، فلا يوصف بها مفرد محض ولا معرفة محضة. وتفارق "غيرا" من وجهين:
1 كتاب لأبي علي الفارسي، فجعلها حالا تؤول بمشتق، أي: قام القوم مغايرين لزيد، أو أنه من العطف على المعنى لا على المحل
…
وارتضيت هذا المذهب.
2 وهذا عند المغاربة، واختاره ابن عصفور، وقياسا على نصب ما بعد "إلا" راجع الأشموني 1/ 234.
3 أسقط: "مغاير"، ب، جـ سقط:"ما قبلها".
4 ب، جـ.
أحدهما: أن موصوفها لا يحذف وتقام مقامه، فلا يقال:"جاءني إلا زيدٌ" بخلاف "غير".
والآخر: أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء متصلا، أو منقطعا.
فلا "يجوز"1: "عندي درهم إلا جيد"؛ لأنه لا يصح فيه الاستثناء بخلاف "غير".
قال في البسيط: وهل يجوز فيه الحال، كما جاز في "غير"؟
فيه نظر، وأجازه ابن السيد.
الثاني: يجوز في المعطوف على المستثنى بغير اعتبار اللفظ، واعتبار المعنى.
فتقول: "قام القوم غير زيد وعمرو" بالجر على اللفظ، وبالنصب على المعنى.
لأن معنى "غير زيد""إلا زيدا"، وتقول:"ما قام غير زيد وعمرو" بالجر وبالرفع؛ لأنه على معنى "إلا زيد".
وظاهر كلام سيبويه2 أنه من العطف على الموضع، وذهب الشلوبين إلى أنه من باب التوهم3.
الثالث: لا يجوز جر المعطوف على المستثنى "بإلا" نحو: "قام القوم إلا زيدًا" على معنى "غير" خلافا لبعضهم، وما استدل به متأول.
ثم قال:
ولسوى سوى سواء.....
…
......................
هذه ثلاث لغات، وزاد بعضهم4 "رابعة"5، وهي المدّ مع الكسر.
1 أ، جـ، وفي ب "يقال".
2 قال سيبويه جـ1 ص375: "زعم الخليل ويونس جميعا أنه يجوز: "ما أتاني غير زيد وعمرو" والوجه الجر؛ وذلك أن غير زيد في موضع: إلا زيد وفي معناه، فحملوه على الموضع..... ".
3 أي: على توهم إلا، وإلى مذهب سيبويه أميل؛ لبعده عن التوهم.
4 حكى الفاسي في شرح الشاطبية في سوى لغة رابعة، وهي المد مع الكسر.
5 أ، جـ، وفي ب "أخرى".
وظاهر كلامه أنه يستثنى بالثلاث، وهو ظاهر كلام الأخفش، ولم يمثل سيبويه1 إلا بالمكسورة.
وقال ابن عصفور في الشرح الصغير: ولم يشرب منها معنى "الاستثناء"2 إلا سوى المكسورة السين، فإن استثني بما عداها فبالقياس عليها.
ثم قال:
........... اجعلا
…
على الأصح ما لغير جُعلَا
أي: اجعل لسوى وأختيها ما جعل "لغير" من كونها تجر المستثنى، وتعرب بإعراب ما بعد "إلا" على ما سبق في "غير" من التفعيل والتمثيل؛ لأنها بمعنى غير.
وأشار بقوله: "على الأصح" إلى مذهب سيبويه وأكثر البصريين، وهو أنها ظرف لا يتصرف إلا في الشعر.
ونقل عن الفراء: قال سيبويه بعد أن مثّل بقوله: "أتاني القوم سواك": زعم الخليل أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك، إلا أن في سواك معنى الاستثناء. ا. هـ3.
قال ابن عصفور: ولما كانت الظرفية فيها مجازا لم "يتصرف"4 فيها، واستدل من قال بظرفيتها بوصل الموصول بها نحو:"جاء الذي سواك".
أي: المصنف، وإنما اختار خلاف ما ذهبوا إليه.
قال في شرح الكافية لأمرين:
أحدهما: إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل: "قاموا سواك، وقاموا غيرك" واحد، وأنه لا أحد منهم يقول: إن "سوى"5 عبارة عن مكان أو زمان.
1 قال سيبويه جـ1 ص377: "أتاني القوم سواك".
2 أ، جـ.
3 الكتاب جـ1 ص377.
4 أ، جـ، وفي ب "يتصرفوا".
5 ب، جـ، وفي أ "سواك".
والثاني: أن من يحكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تتصرف. والواقع في كلام "العرب"1 نثرا ونظما خلاف ذلك2 ا. هـ.
وأكثر فيه، وفي شرح التسهيل من "الاستشهاد"3 على تصرفها.
وأجاب عن استدلالهم بوقوعها صلة بأنه لا يلزم من وقوعها صلة كونها ظرفا.
وأجاز أن يكون موضعها بعد الموصول رفعا على أنها خبر مبتدأ مضمر، وأن يكون نصبا على أنه حال وقبله ثبت مضمرا.
قال: ويقوي هذا الوجه قول من قال: "رأيت الذي سواك" بالنصب.
"ولنا"4 أن نجعل سواك بعد الموصول خبر مبتدأ "ومضمر"5 على أن يكون مبنيا لإبهامه وإضافته إلى مبني كما فعل ذلك بغير في قوله:
لُذْ بقيس حين يأبى غيرَه6
…
.....................
1 ب، جـ.
2 راجع الأشموني 1/ 235.
3 أ، ج، وفي ب "الاستدلال".
4 أ، ج، وفي ب "قال: وأما".
5 ب، جـ، وفي أ "محذوف".
6 هذا صدر بيت -قال العيني: لم أقف على اسم راجزه- وبحثت أيضا فلم أعثر على قائله.
وعجزه:
تُلْفِهِ بحرا مفيضا خيره
الشرح: "لذ" بضم اللام وسكون الذال المعجمة أمر من لاذ يلوذ، "تلفه" بضم التاء وسكون اللام وكسر الفاء من ألفى، إذا وجد.
قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي: وجدا. ومعنى تلفه: تجده بحرا مفيضا، من أفاض، يقال: فاض الماء، إذا كثر حتى سال على ضفة الوادي.
الإعراب: "لذ" جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، "بقيس" في محل نصب مفعول به، "حين" منصوب على الظرفية، "غيره" مبني على الفتح وبيانه في الشاهد، "تلفه" مجزوم لأنه جواب الأمر "لذ" والفاعل ضمير والهاء مفعول أول، "بحرا" مفعول ثانٍ منصوب بالفتحة الظاهرة، "مفيضا" صفة لبحر، "خيره" مفعول لقوله:"مفيضا". الشاهد: في "غير" حيث بني على الفتح لإضافته إلى مبني، ومع هذا هو فاعل لقوله: يأبى ليكون مرفوعا بالفاعلية.
مواضعه: ذكره ابن هشام في المغني 1/ 138.
قلت: هذا خلاصة ما ذكره المصنف نصرة لمذهبه، وهو منقول عن الزجاجي.
ولقائل أن يقول: ما استدل به لا ينهض دليلا على دعواه.
أما ما ذكره من إجماع أهل اللغة فغير مسلم لما نقله سيبويه عن الخليل، وقد تقدم.
وأما ما استشهد به من النظم فلا حجة فيه؛ لأن سيبويه ومن وافقه معترف بتصرفه في الشعر، وقد أنشد سيبويه بعضه1 ولم يذكر من تصرفه في النثر إلا جره بمن في الحديث2، وقول بعض العرب:"أتاني سواك" وحكاه الفراء.
وأما الجر بمن، فقد تقدم أنه لا يعتدّ به في إخراج الظرف عن عدم التصرف.
وأما "أتاني سواك"، فهو أقوى ما احتج به.
قال في البسيط: قال البصريون: هذا من "الشاذ"3.
قلت: وكلام حاكيه -أعني الفراء- يدل على قلته، فإنه قال "في"4 "سواك ومكانك وبدلك ونحوك ودونك": لا تستعمل أسماء مرفوعة.
1 قال سيبويه جـ1 ص202:
…
واعلم أن هذه الأشياء كلها قد تكون أسماء غير ظروف بمنزلة زيد وعمرو. ومن ذلك أيضا: هذا سواءك، وهذا رجل، فهذا بمنزلة مكانك إذا جعلته في معنى بدلك، ولا يكون اسما إلا في الشعر. قال بعض العرب: لما اضطر في الشعر جعله بمنزلة غير. قال الشاعر، وهو رجل من الأنصار:
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم
…
إذا قعدوا منا ولا من سوائنا
وقال الآخر، وهو الأعشى:
تجانف عن جو اليمامة ناقتي
…
وما عدلت من أهلها لسوائكا
ويدلك على أن "سواءك" و"كزيد" بمنزلة الظروف، أنك تقول: مررت بمن سواءك.
2 قال عليه الصلاة والسلام: $"دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها
…
".
3 أ، ج، وفي ب "الشواذ".
4 "أ".
ثم قال: وربما رفعوا. قال أبو ثروان1: "أتاني سواك"، وأما تجويزه كون "سواك" بعد الموصول خبر "مبتدأ"2 مضمر فضعيف؛ لأن فيه حذف صدر الصلة من غير3 طول، ولو كان كذلك لجاز في "غير" فصيحا كما جاز في "سوى"، وأيضا فقولهم:"رأيت الذي سواك" بالنصب يضعفه.
وأما ادعاء بنائه لإبهام وإضافته إلى مبني فبعيد، وقد ضعف في باب الإضافة من شرح التسهيل القول بمثل ذلك.
وأما تقدير: ثبت فلا يخفى بعده، وقد اتضح بذلك صحة القول بالظرفية إلا أن الظاهر هو عدم لزومها؛ لكثرة تصرفه في الشعر، ولما حكاه الفراء. فهو إذًا ظرف متصرف مستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا، وهذا مذهب قوم؛ منهم الرماني والعكبري4.
وقوله في الكافية: "ومانع تصريفه من عده ظرفا" هـ، يوهم أن كل من قال بظرفيته قال بمنعه التصرف، وليس كذلك، بل المذاهب ثلاثة، والله أعلم.
فإن قلت: ظاهر قوله: "ما لغير" مساواتها لغير في جميع الأحكام.
وليس كذلك. بل افترقا في أمرين:
الأول: أن المستثنى بغير قد يحذف إذا فهم المعنى، نحو:"ليس غيرُ" بالضم والفتح وبالتنوين بخلاف "سوى".
1 هو: علي بن ثروان بن الحسن الكندي، أبو الحسن. قال في الخريدة: أصله من الخابور، ورأيته بدمشق مشهودا له بالفضل، مشتهرا بالمعرفة، موثوقا بقوله، وكان أديبا فاضلا قد أتقن اللغة وقرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي وغيره.
مات بعد سنة خمس وستين وخمسمائة.
2 أ، ب.
3 أ، ب.
4 وقد ارتضيت هذا المذهب، قال الأشموني 1/ 236:"وهذا أعدل ولا ينهض بما استدل به الناظم حجة؛ لأن كثيرا من ذلك أو بعضه لا يخرج الظروف عن اللزوم وهو الجر، وبعضه قابل للتأويل" ا. هـ.
الثاني: أن "سوى" يقع صلة للموصول وحدها في فصيح الكلام، بخلاف "غير".
قلت: "إنما ساوى بينهما فيما ذكره لغير من جر المستثنى "وإعرابها بإعراب"1 ما بعد إلا2 في جميع الأحكام.
فإن قلت: يلزمه "أنه"3 يجوز في المعطوف على المستثنى بها اعتبار المعنى، كما جاز في "غير".
قلت: لا يبعد أن "يلتزمه"4 قياسا.
وقوله في التسهيل: تساويها مطلقا سوى، هـ5 بعد ذكره "جوز"6 اعتبار المعنى في المعطوف على مجرور "ظاهر في إجازته".
ثم قال:
واستثْنِ ناصبا بليس وخلا
…
وبِعَدا وبيكون بعد لا
أما "ليس" و"لا يكون" فالمستثنى بهما خبرهما؛ فلهذا وجب نصبه واسمهما عند البصريين ضمير عائد على البعض المفهوم من الكلام.
والمعنى: ليس هو، أي: بعضهم زيدا.
وعند الكوفيين ضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق؛ ولذلك كان مفردا، والتقدير: ليس هو، أي:"ليس"7 فعلهم فعل زيد، فحذف المضاف، ورد بأنه لا يطرد8.
1 ب.
2 ب، ج، وفي أ "وإعرابه بعد إلا لا".
3 أ، وفي ب، ج "أن".
4 أ، ب، وفي جـ "يلزمه".
5 التسهيل ص107.
6 ب، ج.
7 أ، ب.
8 لأنه قد لا يكون هناك فعل كما في نحو: "القوم إخوتك ليس زيدا" ا. هـ. أشموني 1/ 227. وقد ارتضيت مذهب البصريين لاطراده.
وفي الارتشاف1: قال ابن مالك، وصاحب البسيط: هو محذوف حذف الاسم؛ لقوة دلالة الكلام عليه.
وهذا مخالف لما اتفق عليه الكوفيون والبصريون من أن "الفاعل"2 مضمر، لا محذوف. ا. هـ.
قلت: قد صرح في شرح الكافية بأن اسمها مضمر مستتر3.
وقوله في التسهيل: واسمها بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه لازم الحذف4 ا. هـ. يقتضي ظاهره أنه محذوف لا مضمر، ويمكن أن يكون تجوز في "التعبير" عن الإضمار بالحذف5.
فإن قلت: هل لجملتي "ليس" و"لا يكون" في الاستثناء "محل من الإعراب"6؟
قلت: في ذلك خلاف. قيل: هما في موضع نصب على الحال، وقيل: لا محل لهما7، وصححه ابن عصفور8.
وأما "عدا وخلا" فقد ثبت بالنقل الصحيح عن العرب أنهما ينصبان المستثنى ويجرانه، فنقول:"قام القومُ عدا زيدًا و"عدا زيدٍ""9 و"خلا عمرًا" و"خلا"10 عمرٍو.
1 هو ارتشاف الضرب لأبي حيان، وراجع ص743.
2 ب، ج، وفي أ "الفعل".
3 قال في شرح الكافية ورقة 46: "إلا أن المرفوع بهما -ليس، ولا يكون- لا يكون إلا مستترا".
4 التسهيل ص106.
5 أ، ب، وفي جـ "بالتعبير".
6 ب، جـ، وفي أ "الإعراب".
7 وأرجح النصب على الحال، ويغتفر فيها عدم اقترانها بقد في ليس، وخلا، وعدا مع أنها ماضوية، أو يقال: محل ذلك الأفعال المتصرفة، وصححه ابن عصفور، أي: علله بعدم الربط للحال. ا. هـ. صبان 2/ 126 بتصرف.
8 أي: على الاستئناف.
9 ب، وفي أ "عداه زيد".
10 أ، ب.
وقد أشار إلى جواز جر المستثنى بهما بقوله:
واجرُرْ بسابقَيْ يكون إن تُرِد
…
وهما عدا وخلا
فإن قلت: هل الأرجح نصب المستثنى بهما أو جره؟
قلت: لا إشكال في أن النصب "بِعَدَا" أرجح؛ لأن فعليتها "أشهر"1.
ولذلك التزم سيبويه2 فعليتها، ولم يحفظ حرفيتها.
وأما "خلا""فالنصب"3 بها أرجح أيضا.
قيل: ولم يعرف سيبويه الجر بها، وليس كذلك، بل ذكر سيبويه4 فيها الجر أيضا. وقال الأخفش في الأوسط5: كل العرب يجرون "بخلا" وقد زعموا أنه ينصب بها، وذلك لا يعرف. ا. هـ.
وهو خلاف المشهور.
وقوله:
..............
…
وبعدَ ما انْصِبْ.....
نحو: "ما عدا زيدًا وما خلا عمرًا"، وإنما تعين النصب بعد "ما"؛ لأنها مصدرية فتعينت "فعليتها"6؛ لأنها لا يليها حرف جر، وتعين النصب مع "ما" هو مذهب الجمهور.
1 أ، ج، وفي ب "ألزم".
2 قال سيبويه جـ1 ص377: "وأما عدا وخلا فلا يكونان صفة ولكن فيهما إضمار كما كان في ليس ولا يكون، وذلك قولك: ما أتاني أحد خلا زيدا وأتاني القوم عدا عمرا، كأنك قلت: جاوز بعضهم زيدا، إلا أن خلا وعدا فيهما معنى الاستثناء، ولكني ذكرت جاوز لأمثل لك به وإن كان لا يستعمل في هذا الموضع، وتقول: أتاني القوم ما عدا زيدا، وأتوني ما خلا زيدا....".
3 ب، جـ، وفي أ "النصب".
4 قال سيبويه جـ1 ص377: "وبعض العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبد الله، فجعلوا خلا بمنزلة حاشا
…
".
5 كتاب لأبي الحسن الأخفش.
6 جـ، وفي أ، ب "فعليتها".
وحكى الجرمي الجر مع "ما" في "الفرخ"1 عن بعض العرب، وإليه الإشارة بقوله:
.................
…
.... وانجرار قد يَرِد
وأجاز ذلك الكسائي والربعي والفارسي في كتاب الشعر له، وعلى هذا "فما" زائدة لا مصدرية2.
وحيث جُرَّا فهما حرفان
…
..................
يعني مجردين من "ما"، أو مقترنين بها.
فإن قلت: بأي شيء يتعلقان إذا كانا حرفي جر؟
قلت: قيل: بالفعل، أو معنى الفعل، فموضعهما نصب، وقيل: هما في موضع نصب على تمام الكلام.
وقوله:
...............
…
كما هما إن نصبا فِعْلان
يعني مجردين من "ما" أو "مقترنين"3 بها، وهما فعلان متعديان والمستثنى بهما مفعول به، وفاعلهما عند سيبويه4 وأكثر البصريين ضمير مستكن عائد على البعض المفهوم من الكلام، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وبه جزم في شرح الكافية.
وكلامه في التسهيل يقتضي أنه محذوف، كما تقدم في اسم "ليس" و"لا يكون".
وقال في شرحه: وفيه ضعف؛ لأن قولك: "قاموا عدا زيدًا"، إن جعل تقديره: عدا بعضهم زيدًا، لم يستقم إلا أن5 يراد بالبعض من سوى زيد.
1 أ، وفي ب "الشرح"، وفي جـ "المفتوح" وهو اسم كتاب للجرمي.
2 وقد ارتضيت مذهب الجمهور؛ لوروده في أشعار العرب.
ومذهب الجرمي وغيره ضعيف من وجهين؛ فإن قالوه بالقياس ففاسد؛ لأن "ما" لا تزاد قبل الجار بل بعده نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} وإن قالوه بالسماع فهو شاذ لا يحتج به.
ا. هـ. أشمونى 1/ 138.
3 أ، ب، وفي جـ "مقرونين".
4 راجع الكتاب جـ1 ص377.
5 ب، وفي جـ "بأن".
وهذا وإن صح "إطلاق البعض"1 على الكل إلا واحدا، فليس لقلته في الاستعمال "فالأجود"2 أن يجعل الفاعل مصدر ما عمل في المستثنى منه، فيقدر في "قاموا عدا زيدا": جاوز قيامهم زيدا. ا. هـ.
قيل: ولا يطرد، إذ ينتقض في نحو:"القومُ إخوتُك عدا زيدا"؛ لأنه لم يتقدم فعل، ولا "ما"3 يجري مجراه.
وينبغي ألا يجوز تقدير: جاوز بعضهم على مذهب الكسائي وهشام؛ لأن البعض عندهما لا يقع إلا على ما دون النصف.
والصحيح جواز وقوعه على النصف، وعلى "أزيد"4 منه كقوله:
داينتُ أروَى والديون تُقْضَى
…
فمطلت بعضا وأدَّت بعضا5
وذهب المبرد إلى أن فاعلهما ضمير "عائد"6 على "من" المفهوم من معنى الكلام، أي: عدا من قام زيدا7.
1 أ، ب، وفي جـ "إطلاقه".
2 أ، ج، وفي ب "فالأحسن".
3 ب، جـ.
4 أ، جـ، وفي ب "أكثر".
5 البيت لرؤبة بن العجاج، من أرجوزة يمدح فيها تميما وسعدا ونفسه.
وهو من الرجز المسدس.
الشرح: "داينت" من المداينة؛ يقال: داينت فلانا، إذا عاملته فأعطيته دينا وأخذت بدين، "أروى" اسم امرأة وهو بفتح الهمزة وسكون الراء، "فمطلت" من المطل وهو التسويف، "وأدت" ويروى:"وأوفت".
الإعراب: "داينت" جملة من فعل وفاعل أروى "مفعوله"، والديون الواو حالية والديوان مبتدأ، "تقضى" جملة في محل رفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية هذه وقعت حالا، "فمطلت" فعل وفاعل، "بعضا" مفعوله، "وأدت" فعل وفاعل، "بعضا" مفعوله.
الشاهد فيه: بعضا، على أن لفظة "بعض" يجوز وقوعها على النصف وعلى أزيد منه، وهذا حجة على الكسائي وهشام حيث قالا: إن البعض لا يقع إلا على ما دون النصف.
مواضعه: هو من شواهد سيبويه جـ2 ص300، والخصائص 2/ 96، 97.
6 أ، جـ، وفي ب "يعود".
7 وارتضيت مذهب سيبويه؛ لأنه أعدل المذاهب.
فإن قلت: هل لجملتي "عدا" و"خلا" محل من الإعراب؟
قلت: إن وقعا صلة "لما" فلا محل لهما، وإلا فقولان كما تقدم في "ليس"، وصحح ابن عصفور أنهما لا محل لهما كما صححه في "ليس" و"لا يكون".
فإن قلت: إذا وقعا صلة "لما" المصدرية، فما موضع المصدر والمؤول من الإعراب؟
قلت: نصب بلا خلاف، وإنما اختلفوا في وجه نصبه. فقال السيرافي: هو مصدر موضوع موضع الحال كما يجوز ذلك في المصدر الصريح. وذهب ابن خروف إلى أن انتصابه على الاستثناء انتصاب "غير".
وقيل: انتصابه على الظرف "وما" وقتيّة؛ أي: وقت مجاوزتهم1.
ثم قال:
وكخلا حاشا ولا تصحب ما
…
..........................
يعني: أن "حاشا" مثل "خلا" يجوز نصب المستثنى بها وجره، فإذا نصبت كانت فعلا، والخلاف في فاعلها، وفي محل الجملة كما في خلا. وإذا جرت كانت حرفا، والكلام على ما يتعلق به كالكلام على "خلا"، لا فرق بينهما إلا "في"2 ثلاثة أوجه:
الأول: أن الفراء ذهب إلى أن "حاشا" فعل، ولا فاعل له، والنصب بعده إنما هو بالحمل على "إلا" ولم ينقل عنه ذلك في "عدا" و"خلا"، قيل: ويمكن القول فيهما بذلك.
الثاني: أن الجر "بحاشا" هو الأكثر بخلاف "عدا" و"خلا"؛ ولذلك التزم سيبويه حرفيتها3 ولم يجز النصب بها؛ لأنه لم يحفظه. وقد ثبت بنقل4 أبي زيد
1 وهو الصحيح. قال الشيخ خالد 1/ 265: "وهو الذي يعتمد عليه، فإنه كثيرا ما يحذف اسم الزمان وينوب عنه المصدر" ا. هـ.
2 ب، جـ، وفي أ "على".
3 قال سيبويه جـ1 ص377: "وأما حاشا فليس باسم، ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر حتى ما بعدها، وفيه معنى الاستثناء" ا. هـ.
4 أي: ثبت النصب.
والفراء والأخفش والشيباني وابن خروف، وأجازه "الجرمي"1 والمازني والمبرد والزجاج"2"3.
الثالث: أن "حاشا" لا تصحب "ما"، بخلاف "عدا" و"خلا".
قال سيبويه4: لو قلت: "أتوني ما حاشا زيدًا" لم يكن كلاما، وقد أجازه بعضهم على قلة. ا. هـ.
وقال في التسهيل: وربما قيل: "ما حاشاه"5، وذكر في شرحه قوله صلى الله عليه وسلم:"أسامة أحب الناس إليَّ ما حاشا فاطمةَ"6.
وأنشد بعضهم على ذلك قوله:
رأيت الناس ما حاشا قريشًا
…
فإنا نحن أفضلهم فَعَالا7
1 أ، جـ.
2 وقد ارتضيت نقل أبي زيد والفراء والأخفش وغيرهم؛ لأنهم جوزوا الجر والنصب. قال ابن هشام في مغني اللبيب جـ1 ص96: "وذهب الجرمي والمازني والأخفش.... إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارا وقليلا فعلا متعديا جامدا؛ لتضمنه معنى "إلا"، وسمع: اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الأصبغ، وقال:
حاشا أبا ثوبان أن به
…
ضنا على الملحاة والشتم
" ا. هـ.
3 راجع الأشموني 1/ 239.
4 الكتاب جـ1 ص337.
5 التسهيل ص106.
6 والحق أن كلمة "ما حاشا فاطمة" مدرجة من كلام الراوي، وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الحديث:"أسامة أحب الناس إلي" ولم يستثن فاطمة بدليل ما في معجم الطبراني: "ما حاشا فاطمة ولا غيرها"، فتكون "ما" نافية لا مصدرية، و"حاشا" فعل متعدّ متصرف بمعنى أستثني، والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن فاطمة. والحديث صحيح، ففي مسند أبي أمية الطرطوسي أنه عن ابن عمر، ورواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير.
7 البيت: قائله الأخطل غوث بن غياث، وهو من الوافر.
الشرح: "فعالا" بفتح الفاء والعين المهملة، معناه: الكرم، وفعال أيضا مصدر من فعل كذهب ذهابا.
الإعراب: "رأيت" فعل ماضٍ والتاء فاعل، "الناس" مفعول أول منصوب بالفتحة الظاهرة والمفعول الثاني محذوف لدلالة الكلام عليه وتقديره: دوننا، "ما حاشا" ما مصدرية، حاشا =
ثم قال:
............
…
وقيل حاشَ وحَشَا فاحفظْهما
ظاهره: أن هاتين اللغتين في حاشا التي يستثنى بها.
"وقد سمع الاستثناء بحشا في قوله:
حشا رهطِ النبي فإن منهم
…
بحورا لا تُكدِّرها الدِّلَاء1
ولم يسمع بحاش"2.
وكلامه في التسهيل ظاهر في أنهما في "حاشا" التي للتنزيه3 وهي التي يليها المجرور باللام نحو: "حاشا لله".
= فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر وجوبا يعود على البعض المفهوم من الكلام السابق، "قريشا" مفعول لحاشا منصوب بالفتحة الظاهرة، "فإنا" الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب، نا: اسمه، "نحن" توكيد للضمير المتصل الواقع اسما لأن "أفضلهم" خبر إن، هم مضاف إليه، "فعالا" تمييز.
الشاهد: في "ما حاشا قريشا" حيث دخلت "ما" المصدرية على "حاشا" وذلك قليل، والأكثر أن تتجرد منها، وهو شاذ والكثير ألا تصحب "ما".
مواضعه: ذكره من شرح الألفية: ابن عقيل 1/ 31، والأشموني 1/ 239. وذكره السيوطي في الهمع 1/ 233، وابن هشام في المغني 1/ 109، والشاهد رقم 223 في خزانة الأدب.
1 في لسان العرب جـ18 ص98: "وأنشده الفراء" وهو من الوافر.
2 الشرح: حشا وفي الأصل "حشى"، "الرهط" اسم جمع يدل على الجماعة دون العشرة من الرجال ليس بينهم امرأة.
ورهط الرجل: قومه وعشيرته الأقربون، "والبحور": جمع بحر وهو الماء الواسع الكثير العميق الملح، والجمع: أبحر وبحار وبحور، ويطلق على كل نهر عظيم: بحر.
"لا تكدرها" لا تغيرها، وكدر الماء نقيض صفا.
"الدلاء" جمع دلو، والدلو: الوعاء الذي تخرج به الماء من البئر.
الإعراب: "حشا" لغة في حاشا أداة استثناء وهو مسموع، "رهط" مجرور بحشا، "النبي" مضاف إليه، "فإن" الفاء للتعليل، وإن: حرف توكيد ونصب، "منهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن مقدم، "بحورا" اسم إن مؤخر منصوب بالفتحة الظاهرة، "لا تكدرها" لا نافية، وتكدر فعل مضارع والضمير مفعوله، "الدلاء" فاعل تكدر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: "حشا رهط"؛ فقد استثنى بحشا وهو مسموع.
3 أ، جـ وسقط في ب.
وقد قرئ باللغات الثلاث وأقلها "حشا"، وهذه التي يليها المجرور "باللام"1 "ليست"2 حرفا.
قال في "شرح"3 التسهيل بلا خلاف، بل هي إما فعل، وهو مذهب المبرد4، وإما اسم منتصب انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل5، ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود6:"حاشَ الله"7 بالإضافة مثل: "سبحانَ اللهِ"، وقراءة أبي السمال8:"حاشًا لله" بالتنوين مثل: "رَعْيًا لزيد"، والوجه في قراءة من لم ينون أن تكون مبنية لشبهها "بحاشا" الحرفية لفظا ومعنى.
1 قال الأشموني 1/ 240: "وهو الأقرب"، وقال في التسهيل ص105:"وكثر فيها حاشا، وقل حشا وحاش".
2 أ، جـ وفي ب "ليس".
3 ب.
4 مذهب المبرد وابن جني والكوفيين أنها "فعل، قالوا: لتصرفهم فيها بالحذف وإدخالهم إياها على الحرف، وهذان الدليلان ينفيان الحرفية ولا يثبتان الفعلية، قالوا: والمعنى في الآية: حاش لله جانب يوسف المعصية لأجل الله، ولا يتأتى مثل هذا التأويل في {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} " ا. هـ. أشموني 1/ 240.
5 وهو مذهب البصريين وهو الصحيح لقوة أدلته، قال الأشموني:"والصحيح أنها اسم" 1/ 240.
6 هو: عبد الله بن مسعود بن الحارث بن عاقل بن حبيب بن مخزوم بن صاهلة بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، أحد السابقين والعلماء الكبار من الصحابة. أسلم قبل عمر، عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. وفد من الكوفة إلى المدينة، فمات بها آخر سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع وله بضع وستون سنة.
7 من الآية 51 من سورة يوسف.
8 هو قعنب بن أبي قعنب أبو السمال -بفتح السين وتشديد الميم وباللام- العدوي البصري، له اختيار في القراءة شاذ عن العامة. رواه عنه أبو زيد سعيد بن أوس وأسند الهذلي قراءة أبي السمال عن هشام البربري عن عباد بن راشد عن الحسن عن سمرة عن عمر، وهذا سند لا يصح. ا. هـ. طبقات القراء 2/ 27، رقم 2614.