الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
واجعل منادى صح إن يُضَفْ لِيَا
…
كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
حكم "المنادى"1 المضاف إلى الياء إذا كان معتل الآخر في النداء، كحكمه في غير النداء وقد تقدم، فاحترز عنه بقوله:"صح".
وأما الصحيح الآخر: فيجوز فيه في النداء ستة أوجه، وقد أشار في النظم إلى خمسة، والسادس: أن يضم اكتفاء بنية الإضافة نحو: "يا عبد".
وأفصحها حذف الياء وإبقاء الكسرة، ثم إثبات الياء ساكنة ومتحركة، ثم قلبها ألفا، ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة.
وأقلها الضم، وقد قرئ:"قَالَ رَبُّ السِّجْنُ"2 و"قال ربُّ احكم" بالضم، وحكى يونس "يا أمُّ لا تفعلي" قال الشلوبين: وهذا إذا لم يلتبس.
يعني بالمنادى المقبل عليه.
فإن قلت: فتعريف المضموم على هذه اللغة بالإضافة أو بالإقبال والقصد.
قلت: كلاهما محتمل.
وقد صرح في النهاية بالثاني فقال: جعلوه معرفا بالقصد فبنوه على الضم، وهذه الضمة كما هي في "يا رجل"، إذا قصدت رجلا بعينه. انتهى.
والأول أظهر لثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم جعلوه لغة في المضاف، ولو كان تعريفه بالقصد والإقبال لم يكن لغة فيه.
الثاني: لو لم يجعل من قبيل المضاف، لكان مثل "افتدِ مخنوقُ"3، و"أصبِحْ ليلُ"4 وحذف حرف النداء قليل.
1 أ.
2 من الآية 33 من سورة يوسف.
3 مَثَل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وضيق، وهو يبخل بافتداء نفسه بماله، أي: افتد نفسك يا مخنوق.
4 مَثَل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء، أي: انتهِ يا ليل ليجيء الصبح، فقد حذف حرف النداء.
والثالث: أنه لو كان غير منوي الإضافة، لكان في الأصل صفة لأي، وأسماء الله تعالى لا توصف بها "أي"، فتعين كون الأصل "يا ربي" ثم حُذف المضاف إليه تخفيفا، وبني على الضم؛ لشبهه حينئذ بالنكرة المقصودة، وهذا اختيار المصنف.
تنبيهات:
الأول: نقل عن الأكثرين منع الألف؛ اكتفاء بالفتحة نحو: "يا عبد"، وأجازه الأخفش والفارسي والمازني.
الثاني: أطلق هنا جواز هذه الأوجه كما أطلقه أكثرهم، وقيده في التسهيل بإضافة التخصيص احترازا من اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال نحو:"يا مُكرِمِي"، فإن إضافته إضافة تخفيف، والياء في نية الانفصال لم تمازج ما اتصلت به، فيشبه بيا قاضٍ فتشاركها في الحذف، فلا تحذف ولا تقلب، ولا حظ لها في غير الفتح والسكون. قاله في شرحه، وهو موافق لقول ثعلب في المجالس:"يا غلام أقبل" تسقط من الياء، و"يا ضاربي أقبل" لا تسقط الياء منه.
وذلك فرق بين الاسم والفعل.
وذكر في النهاية: أنه لا يجوز حذف الياء في اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال.
الثالث: إنما كثر تخفيف المضاف للياء في النداء؛ لكثرة إضافة المنادى للياء، والكثرة تستتبع التخفيف.
وأما في غير النداء، فالأصح إثباتها ساكنة ومتحركة، وقد سمع حذفها استغناء بالكسرة نحو:{فَبَشِّرْ عِبَادِ} 1 وقلبها ألفا كقوله2:
1 من الآية 17 من سورة الزمر.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الوافر.
وصدره:
أُطوِّف ما أُطوِّف ثم آوى. =
.................
…
إلى أُمّا ويُروِيني النَّقِيع
وأجاز المازني: "قام غلاما"، وقال ابن عصفور: هذا في الضرورة.
وحذف الألف استغناء بالفتحة كقوله1:
= اللغة: "أطوف" من طوّف تطويفا وتطوافا -والتشديد فيه للتكثير- ومعناه: أكثر من الدوران والطوفان، "آوي" من أوى الإنسان إلى منزله يأوي أويا، "النقيع" -بفتح النون وكسر القاف- اللبن المحض يبرد.
الإعراب: "أطوف" فعل مضارع والفاعل ضمير، "ما أطوف" ما مصدرية، أي: أطوف الطواف الكثير، وأطوف فعل مضارع والفاعل ضمير، "ثم" عاطفة، "آوي" جملة من فعل وفاعل عطف على أطوف، "إلى أما" جار ومجرور، "ويرويني" يروي فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول، "النقيع" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "إلى أما" إذ أصله: أمي، فقلبت الياء ألفا.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الوافر.
وصدره:
ولست براجع ما فات مني
اللغة: "راجع" اسم فاعل من رجع، "بلهف" من لهف يلهف، حزن وتحسر.
المعنى: أن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة، ولا بكلمة التمني، وقولي: ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني فعلت كذا، لكان كذا.
الإعراب: "ولست" ليس واسمها، "براجع" خبر ليس والباء زائدة منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وفيه ضمير فاعله؛ لأنه اسم فاعل، "ما" اسم موصول مفعول به، "فات" فعل ماض والجملة صلة ما، "بلهف" الباء جارة ولهف منادى بحذف حرف النداء.
"ولا" الواو عاطفة ولا زائدة لتأكيد النفي، "بليت" الباء جارة وليت -قصد لفظه- مجرور بالباء، "ولا" مثل السابقة، "لو أني" -قصد لفظه- معطوف على ليت.
الشاهد فيه: "بلهف" حيث إن "لهف" منادى بحرف نداء محذوف، وهو مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة، والفتحة دليل عليها، وأصله: يا لهفي.
وقيل: إن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية، لا على النداء ولا شاهد فيه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني ص456/ 2، وابن هشام 244/ 3، وفي القطر ص206، وذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
....................
…
بلهف ولا بِلَيْتَ ولا لَوَ اني
وأما الضم في غير النداء نحو: "جاء غلام" وأنت تريد الإضافة، فأجازه أبو عمر وغيره على قلة.
واستدلوا بقوله1:
................
…
وإنما أهلكت مال
يريد: مالي.
وردّه أبو زيد الأنصاري، وتأول ما استدل به أبو عمرو.
الرابع: قال في شرح الكافية: إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبُنَيّ2.
1 قائله: هو أوس بن غلفاء، وهو من الوافر.
وتمامه:
ذريني إنما خطئي وصَوْبي
…
علي.....................
اللغة: "ذريني" اتركيني، "صوبي" أي: صوابي، "أهلكت مال" أي: إن الذي أهلكته مالي، لا مال غيري.
الإعراب: "ذريني" فعل وفاعل ومفعول، "إنما" إن حرف توكيد ونصب، وما كافة كفتها عن العمل، "خطئي" مبتدأ والياء مضاف إليه، "وصوبي" عطف عليه، "علي" جار ومجرور خبر المبتدأ، "وإنما" إن حرف توكيد ونصب وما كافة، "أهلكت" أهلك فعل ماض والتاء فاعله، "مال" مفعول به.
الشاهد فيه: "مال" إذ أصله: "مالي" فحذف ياء الإضافة، فظهر إعراب ما قبلها.
وردّه أبو زيد الأنصاري وقال: المعنى: إن الذي أهلكته مال لا عرض، فحينئذ لا شاهد فيه؛ لأن "مال" يكون مرفوعا على أنه خبر إن. هـ الدرر اللوامع 69/ 2.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
2 بُنَيّ: تصغير ابن، وأصله بنو -بفتحتين- وإذا صغرته حذفت ألف الوصل ورددت اللام المحذوفة فيبقى بنيو، فقلبت الواو ياء؛ لاجتماع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، وتدغم الياء في الياء، وعلى القول بأن لامه ياء يكون فيه ما عدا القلب. هـ 119/ 3 صبان.
قيل: يا بني أو يا بني لا غير، فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالي الياءات، مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود الياءين، وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه.
والفتح على وجهين:
أحدهما: أن تكون ياء المتكلم أُبدلت ألفا ثم التزم حذفها؛ لأنها بدل مستثقل.
والثاني: أن تكون ثانية ياءي بُنَيَّ حذفت، ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت؛ لأن أصلها الفتح.
قوله:
وفتح او كسر وحذف الياء استمر
…
في يابن أُمَّ يابن عَمَّ لا مفر
إذا نُودي المضاف إلى المضاف إلى الياء كان حكم الياء معه كحكمها في غير النداء نحو: "يابن أخي" إلا "ابن أم" و"ابن عم"، فإنهما لما كثُر استعمالهما في النداء خُصا بالتخفيف، فيقال:"يابن أم" بفتح الميم وكسرها.
أما الفتح، ففيه قولان:
أحدهما: أن الأصل "أُمَّا" و"عمَّا" -بقلب الياء ألفا- فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها.
والثاني: أنهما جعلا اسما واحدا مركبا، وبني على الفتح.
والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش، والثاني قيل: هو مذهب سيبويه والبصريين.
وأما الكسر: فظاهر قول الزجاج وغيره أنه مما اجتزئ فيه بالكسر عن الياء المحذوفة، من غير تركيب.
قال في الارتشاف: وأصحابنا يعتقدون أن "ابن أم" و"ابنة أم" و"ابن عم" و"ابنة عم" حكَمَتْ لها العرب بحكم اسم واحد، وحذفوا الياء كحذفهم إياها من "أحدَ عشرَ" إذا أضافوه إليها.
فإن قلت: ما معنى قوله: "استمر"؟
قلت: يشير إلى أن هذين الوجهين استمرا في كلامهم، واطردا بحيث لا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة، وقد قرئ بهما في السبع.
فإن قلت: فأيهما أجود؟
قلت: نصّ بعضهم على أن الكسر أجود، وهو ظاهر.
فإن قلت: لم يذكر "ابنة أم" و"ابنة عم"، وحكمهما حكم "ابن أم" و"ابن عم".
قلت: كأنه استغنى بذكر المذكر عن ذكر فرعه.
فإن قلت: قد يوهم اقتصاره على الكسر والفتح أن غيرهما ممتنع، وقد قال في التسهيل: وربما ثبتت أو قُلبت ألفا1 يعني: الياء.
قلت: الذي يفهم من قوله: "استمرا" أن غيرهما لم يستمر في الكلام، ولم يطرد كاطرادهما.
وهذان الوجهان ضعيفان؛ ولذلك قال: وربما، وفي الكافية: ونَدُرَ، وفي شرحها: ولا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة.
وقال غيره: هما لغتان قليلتان.
ومن إثبات الياء قوله2:
1 التسهيل ص182.
2 قائله: هو أبو زيد الطائي، واسمه حرملة بن المنذر من قصيدة يرثي فيها أخاه، وتمامه:
أنت خَلَّيتني لدهر شديد، وهو من الخفيف
اللغة: "شُقَيق" تصغير شقيق، "لدهر" الأبد الممدود.
المعنى: يا أخي يا من نفسه كنفسي، لقد ذهبت وتركتني وحيدا أقاسي ويلات الزمن، وقد كنت ركنا أستند له، وظهيرا أعتمد عليه.
الإعراب: "يا" حرف نداء، "ابن" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، "أمي" ابن مضاف وأم مضاف إليه وأم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، "ويا" الواو عاطفة، ويا حرف نداء، "شقيق" =
يابنَ أمي ويا شُقَيِّق نفسي
…
.......................
ومن إثبات الألف قوله1:
يا ابنةَ عَمَّا لا تلومي واهجعي
…
..........................
= منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، "نفسي" مضاف إليه وياء المتكلم مضافة إلى نفس، "أنت" ضمير منفصل مبتدأ، "خلفتني" خلف فعل ماض والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، "لدهر" جار ومجرور متعلق بخلف، "شديد" صفة لدهر.
الشاهد فيه: "يابن أمي" حيث أثبت يا المتكلم في "أمي"، وهذا ضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 457/ 2، وابن هشام 248/ 3، والسيوطي ص104، وذكره في الهمع 54/ 2، وسيبويه 318/ 1، وابن يعيش 12/ 2، وفي القطر ص208.
1 قائله: هو أبو النجم العجلي -واسمه الفضل بن قدامة- يخاطب امرأته أم الخيار.
وتمامه:
لا يُخرق اللوم حجاب مَسْمَعي
وهو من الرجز.
اللغة: "لا تلومي" من اللوم، وهو كثرة العتاب، "اهجعي" من الهجوع، وهو الرقاد بالليل، "حجاب مسمعي" كناية عن الأذن.
المعنى: اتركي لومي وعتابي يابنة عمي، وخذي نفسك بالراحة ونامي، فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي ولا أستمع إليه، وكانت كثيرة اللوم له لكبره وضعفه.
الإعراب: "يابنة" يا للنداء وابنة منادى منصوب، "عما" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها فتحة مناسبة الألف، والألف المنقلبة عن الياء مضاف إليه، "لا" ناهية، "تلومي" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون وياء المخاطبة فاعل مبني على السكون في محل رفع، "واهجعي" الواو عاطفة واهجعي فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير المؤنثة فاعل.
الشاهد فيه: "يابنة عما" حيث أثبت الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 457/ 3، وذكره في القطر ص208، وابن الناظم، والسيوطي ص104، وفي الهمع 54/ 2، وذكره سيبويه 318/ 1، وابن يعيش 12/ 2.
وأما قوله1:
كن لي لا عليّ يابنَ عمَّا
…
نَعِشْ عزيزين ونكف الهما
فيحتمل أن تكون الألف فيه للإطلاق.
فإن قلت: فأي هذين الوجهين أجود؟
قلت: قال بعضهم: قلب الياء ألفا أجود من إثباتها.
تنبيه:
إذا ثبت الياء ففيها وجهان: الإسكان والفتح.
فالحاصل: خمسة "أوجه"2 ونص بعضهم على أن الخمسة لغات.
وقوله:
وفي الندا أبت أُمَّت عَرَض
…
واكسر أو افتح ومن اليا التا عِوَض
إذا "نودي"3 الأب والأم مضافين إلى الياء، جاز فيهما الوجوه الستة المقدمة في نحو:"يا عبد".
وينفردان بتعويض تاء التأنيث من الياء مكسورة ومفتوحة، وبالفتح قرأ ابن عامر، وبالكسر قرأ غيره من السبعة.
1 قائله: لم أقف له على قائل، وقال العيني: أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى قائله، وهو من الرجز.
الإعراب: "كن" فعل أمر واسم كان ضمير، "لي" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان، "لا علي" عطف عليه أي: لا تكن علي، "يابن" يا حرف نداء وابن منادى، "عما" مضاف إليه، "نعش" فعل مجزوم؛ لأنه جواب الأمر والفاعل ضمير، "عزيزين" حال من الضمير الذي في نعش، "ونكف" فعل مضارع والفاعل ضمير، "الهما" مفعول به، والجملة عطف على الجملة الأولى والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "يابن عما"، حيث قلب الشاعر ياء الإضافة ألفا، وثبتت هذه الألف.
مواضعه: ذكره المكودي في شرحه للألفية ص128، والسيوطي في الهمع 53/ 2.
2 أ، جـ.
3 ب، جـ، وفي أ "نوى".
ووجه الكسر أن الكسرة كانت مستحقة قبل الياء، فلما عوض عنها التاء -ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا- جعلت الكسرة عليها؛ لتكون المعوض عنه في مجامعة الكسرة بالجملة.
وعن الفراء أن الكسر حصل؛ لأن الياء في النية.
ورده أبو إسحاق وقال: كيف تكون الياء في النية، وليس يقال: يا أبتي؟
ووجه الفتح، أن التاء حركت بحركة الياء؛ لكونها عوضا عنها، وقيل: لأن الأصل: "يا أبتا" فحذفت الألف.
ويرده ما رد قول الفراء.
فإن قلت: فأي الوجهين أكثر؟
قلت: نص المصنف وغيره على أن الكسر أكثر، وذكر الشارح أن الفتح أقيس، قال: إلا أن الكسر أكثر.
وقد فُهم من كلام الناظم فوائد:
الأولى: أن تعويض التاء من ياء المتكلم في أب وأم، لا يكون إلا في النداء، لقوله:"وفي الندا".
الثانية: أن ذلك مختصّ بالأب والأم.
الثالثة: أن التعويض فيهما ليس بلازم، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، فُهم ذلك من قوله:"عرض".
الرابعة: أنه لا يجوز الجمع بين الياء والتاء؛ لأنها عوض عنها، ولا بين التاء والألف؛ لأن الألف بدل من الياء.
وأما قوله1:
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
الإعراب: "يا" حرف نداء، "أبتي" منادى مضاف، "لا زلت" لا نافية، وزال فعل ماض من أخوات كان والضمير اسم زال، "فينا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر زال، "فإنما" الفاء =
يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما
…
لنا أملٌ في العيش ما دُمْتَ عائشا
وأجاز كثير من الكوفيين الجمع بينهما في الكلام، ونظيره قراءة أبي جعفر:{يَا حَسْرَتَى} 1.
فجمع بين العوض والمعوض.
وأما قوله2:
.....................
…
يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَا
فجعله ابن جني من ذلك، وهو أهون من الجمع بين التاء والياء؛ لذهاب صورة المعوض عنه.
= للتعليل وإن حرف توكيد وما كفتها عن العمل، "لنا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "أمل" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة، "في العيش" جار ومجرور متعلق بأمل، "ما دمت" ما مصدرية زمانية ودام من أخوات كان والتاء اسمها، "عائشا" خبر دام.
الشاهد فيه: "يا أبتي" حيث جمع فيه بين العوض والمعوض، وهما التاء وياء المتكلم؛ لأن التاء عوض عن ياء المتكلم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 458/ 2، والمكودي ص128.
1 من الآية 56 من سورة الزمر.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.
وصدره:
تقول بنتي قد أنى أناكا
اللغة: "قد أنى أناكا" قد حان وقتك وزمانك.
المعنى: تقول بنتي: يا أبتي قد جاء زمان سفرك، علك تجد رزقا.
الإعراب: "تقول" فعل ماض، "بنتي" فاعل والياء مضاف إليه، "قد" حرف تحقيق، "أنى" فعل ماض، "أناكا" فاعل والكاف مضاف إليه، "يا" حرف نداء، "أبت" منادى مضاف إلى ياء المتكلم، "علك" لغة في لعلك، والكاف اسم لعل وخبره محذوف تقديره: لعلك تجد رزقا، "أو" عاطفة، "عساكا" الكاف اسم عسى وخبره محذوف، أي: أو عساك تجده.
الشاهد فيه: "أبتا"، حيث جمع بين التاء والألف.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية: 458/ 2، وذكره سيبويه 299/ 2، وفي المغني 202/ 2، والإنصاف 136/ 1.
وقال في شرح الكافية: الألف فيه هي الألف التي يُوصَل بها آخر المنادى إذا كان بعيدا أو مستغاثا به أو مندوبا، وليست بدلا من ياء المتكلم، وجوّز الشارح الأمرين1.
تنبيهات:
الأول: اختلف في ضم التاء في "يا أبت" و"يا أمت"، فأجازه الفراء وأبو جعفر النحاس، ومنعه الزجاج.
وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع من العرب من يقول: "يا أمتُ" بالضم.
الثاني: مذهب البصريين أن الوقف على هذه التاء بالهاء، ومذهب الفراء بالتاء.
وفي التسهيل: وجعلها هاء في الخط والوقف جائز2.
وقرئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء.
الثالث: قال في شرح التسهيل: وقالوا في "أبا" المقصور: "يا أبات".
قال الشاعر3:
1 أي: كونها عوضا عن الياء، وكونها التي يوصل بها آخر المنادى.
2 التسهيل ص182.
3 قائله: لم أقف على قائله، وهو من الطويل.
وصدره:
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا
اللغة "شاحبا" من شحب لونه يشحب، إذا تغيّر وهو شاحب.
الإعراب: "تقول" فعل مضارع، "ابنتي" فاعل والياء مضاف إليه، "لما" ظرف بمعنى حين، "رأتني" رأى فعل ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية والياء مفعول أول والفاعل ضمير، "شاحبا" مفعول ثانٍ، "كأنك" حرف تشبيه والكاف اسمه، "فينا" جار ومجرور متعلق بغريب، "غريب" خبر كأن مرفوع.
الشاهد فيه: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأن أصله: يا أبا، بالقصر.
.....................
…
كأنك فينا يا أَبَات غريب
ولو لم يعوض "لقال: أباي"1. انتهى.
وزعم بعضهم أنه أراد: "يا أبتي" فقلب، وهو بعيد. وقيل: يخرج على أن الألف إشباع.
1 جـ، وفي أ "ولو لم يعوض يا أباي".