المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النائب عن الفاعل: - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن أم قاسم المرادي]

الفصل: ‌النائب عن الفاعل:

‌النائب عن الفاعل:

قال:

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له كنِيلَ خيرُ نائل

قد يحذف الفاعل لغرض لفظي كالإيجاز "والتصحيح"1 والتوافق والتقارب2، أو معنوي: كالعلم به والجهل والإبهام والتعظيم والتحقير والخوف منه أو عليه3، وينوب عنه بعد حذفه "أحد"4 خمسة أشياء: مفعول به، ومصدر، وظرف زمان أو مكان، ومجرور، خلافا لمن منع إقامة المجرور.

ولا ينوب عن الفاعل خبر كان، "ولا حال"5، ولا تمييز، ولا مشبه بالمفعول خلافا لمن أجاز ذلك.

وما أقيم مقام الفاعل نائب عنه في جميع أحكامه، كالرفع ووجوب التأخير وامتناع الحذف "وتنزيله"6 منزلة الجزء والإغناء عن الخبر في نحو:"أمضروب العبدان؟ ".

واتصال تاء التأنيث بفعله، إذا كان مؤنثا.

إلا أن نيابة ما ذكر عن الفاعل مشروطة "بتغير"7 الفعل عن صيغته الأصلية إلى صيغة تنبيه على ذلك.

1 أ، جـ "التفصيل"، وفي ب "التعليل"، وأصوب التصحيح كما في الخضري والأشموني.

2 الأمثلة: الإيجاز، قال تعالى:{بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} .

وتصحيح النظم كقوله:

علقتها عرضا وعلقت رجلا

غيري وعلق أخرى ذلك الرجل

إذ لو قال: علقني الله إياها وعلقها الله رجلا غيري وعلق الله أخرى ذلك الرجل لاختل النظم، والتعليق هنا المحبة.

والتوافق والتقارب: "من طابت سريرته حمدت سيرته".

3 الأمثلة: العلم به: قال تعالى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ، الجهل:"سُرق المتاع"، الإبهام:"تصدق على مسكين"، التعظيم بصون اسمه عن لسانك:"خلق الخنزير"، التحقير:"طُعن عمر".

4 ب، جـ.

5 أ.

6 ب، جـ، وفي أ "وتنزيله".

7 أ، جـ، وفي ب "بتغيير".

ص: 598

وقد أشار إلى كيفية التغيير فقال:

فأول الفعل اضْمُمَنْ

...........

يعني: ماضيا كان أو مضارعا.

فإن قلت: منه ما يكسر أوله نحو: "قيل" في الفصحى، و"رِد" في لغة.

قلت: لم يكسر إلا بعد تقدير ضمة كما سيأتي، والأصل:"قُول" و"رُدِدَ".

ثم قال:

......... والمتصل

بالآخر اكسِر في مُضِيّ كوُصل

المتصل بالآخر هو الحرف الذي قبله، كالصاد من "وصل".

فإن قلت: فنحو: "قيل" و"رد" لا يكسر ما قبل آخره.

قلت: بل كسر تقديرا، كما سبق في ضم أوله.

ثم قال:

واجعله من مضارع منفتحا.............

أي: واجعل المتصل بالآخر منفتحا لفظا أو تقديرا كما سبق، ثم مثّله فقال:

............

كينتحي المقولِ فيه يُنتحَى

المقول بالجر صفة للفظ "ينتحي"1 الذي يقال فيه إذا بني للمفعول: "يُنتحَى" فيضم "أوله"2 ويفتح ما قبل آخره.

فهذان العملان -أعني: ضم أول الفعل وكسر ما قبل آخره في الماضي أو فتحه في المضارع- مطردان في كل فعل "مبني"3 لما لم يسم فاعله.

وقد يضاف إليهما في بعض الأفعال عمل آخر، وقد نبه على ذلك فقال:

والثاني التالي تا المطاوعَهْ

كالأول اجعله بلا منازعَهْ

1 أ، وفي ب، ج "ينتحى أي: ينتحي".

2 ب، ج، وفي أ "آخره".

3 أ، ج، وفي ب "بني".

ص: 599

أي: اجعل الحرف الثاني الذي يتلو "تاء" المطاوعة كالأول فتضمه كما تضم الأول نحو: "تَعَلّم" فتقول: "تُعُلِّم" بضم أوله وثانيه، وكذلك كل فعل أوله "تاء" مزيدة معتادة، وإن كانت لغير المطاوعة نحو:""تبختر"1 وتكبر وتوانى وتحكم".

فإن قلت: فتقييد المصنف: التاء بالمطاوعة، ليس بجيد.

قلت: هو كذلك، والعذر له، أن التاء فيما ذكرناه من الأفعال شبيهة بتاء المطاوعة، فاكتفى بذكرها.

فإن قلت: قوله في التسهيل: ومع ثانيه إن كان ماضيا مزيدا أوله "تاء"2 عبارة صحيحة لشمولها.

قلت: لكنها شملت غير المقصود أيضا "كالتاء"3 في قولهم: "تُرمِّس الشيء" بمعنى رمَّسه4، فإنها مزيدة وهو لا يضم ثانيه5 لكونها "تاء" زيادتها غير معتادة.

"فالأولى أن يقال: مزيدا أوله "تاء" معتادة"6، ثم قال:

وثالث الذي بهمز الوصل

كالأول اجعلنّه كاستُحلي

إذا كان أول الماضي همزة وصل، ضم أوله وثالثه فتقول: في "استحلى"، "استُحلي" وذلك واضح.

فإن قلت: ليس ذلك على إطلاقه؛ لأن الأفصح في "اختار وانقاد" أن يقال: "اختِير وانقِيد" وسيذكره7.

قلت: الجواب عنه كالجواب عن كسر "قيل"، وقد تقدم.

1 ج، وفي أ "تتحيز" وفي ب "تجبر".

2 أ، ب، وفي ج "بتاء" وراجع التسهيل ص77.

3 أ، ب.

4 رمّسه أي: دفنه.

5 أي: إذا بني للمجهول، بل يسكن ثانيه. راجع صبان 2/ 43.

6 أ، ب.

7 في قول ابن مالك:

وما لفا باع وما العين تلي

في اختار وانقاد وشبه ينجلي

ص: 600

ثم قال:

واكسر أو اشمِمْ فا ثلاثي أُعِلْ

عينا وضم جا كبُوع فاحتُمِلْ

إذا كان الماضي ثلاثيا معتل العين معلها نحو: "قال وباع" وقُصد بناؤه للمفعول فُعل فيه تقديرا ما يقتضيه القياس، فيضم أوله ويكسر ما قبل آخره، فيقال:"قُوِل وبُيِع".

إلا أن العرب قصدوا تخفيفه؛ لثقل الكسرة على حرف العلة، فمنهم من حذف ضمة الفاء ونقل كسرة العين إلى مكانها، فسلمت الياء من "بيع" وقُلبت الواو من "قول"، "ياء" لسكونها"1 بعد كسرة فصار اللفظ:"قيل وبيع".

ففي ذوات الياء عملان، وفي ذوات الواو ثلاثة، وهذه أفصح اللغات.

ومنهم من فعل ما تقدم من حذف الضمة ونقل الكسرة، إلا أنه يشم الفاء "للضم"2 ومعنى الإشمام هنا: شوب الكسرة شيئا من صوت الضمة؛ ولهذا قيل: ينبغي أن يسمى رَوْمًا.

قلت: وقد عبر عنه بعض القراء بالروم.

فإن قلت: ما كيفية اللفظ بهذا الإشمام؟

قلت: ظاهر كلام كثير من النحويين والقراء أنه يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة ممتزجة من حركتين: ضمة وكسرة على سبيل الشيوع.

والأقرب ما حرره بعض المتأخرين. فقال: كيفية اللفظ أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة مركبة من حركتين، إفرازا لا شيوعا.

جزء الضمة مقدم، وهو الأقل يليه جزء الكسرة، وهو الأكثر.

ومن ثم تمحضت الياء. وهذه اللغة -أعني لغة الإشمام- فصيحة تلي لغة الكسر في الفصلة.

1 ب، جـ، وفي أ "لكونها".

2 ب، وفي أ، جـ "الضم".

ص: 601

ومنهم من يحذف كسرة العين، إذ منها ينشأ الثقل وتبقى الفاء على ضمها، فتسلم "الواو"1 في "قول" وتقلب الياء واوا في "بيع" لانضمام ما قبلها2.

وهذه اللغة أضعف اللغات3، وعليها قول الراجز:

ليت شباب بوعَ فاشتريت4

............

تنبيه: وإنما قال: "أُعل" دون "اعتل"؛ ليخرج ما عينه حرف علة ولم يعل، نحو:"عور في المكان" وصِيد فيه، فإن حكمها حكم الصحيح.

ثم قال:

وإن بشكل خِيفَ لَبْس يجتنب

.....................

1 ب.

2 وفي أ "تقلب الواو ياء في بِيع".

3 قال الأشموني: 1/ 181 أشار بقوله: ""فاحتمل" إلى ضعف هذه اللغة بالنسبة للغتين الأوليين، وتعزى لبني فقعس وبني دبير، وهما من فصحاء بني أسد" ا. هـ.

4 عجز بيت، قائله: رؤبة بن العجاج؛ وهو من الرجز المسدس، وصدره:

ليت وهل ينفع شيئا ليت

وروى: "وما ينفع" مكان "وهل ينفع" ابن يعيش.

المعنى: أتمنى أن يباع الشباب فأشتريه، ولكن التمني لا ينفع ولا يفيد، فإن الشباب إذا ولّى لا يرجع.

الإعراب: "ليت" حرف تمنٍّ ونصب، "وهل" حرف استفهام معناه النفي، "ينفع" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، "شيئا" مفعول "ليت" قصد لفظه فاعل، والجملة لا محل لها معترضة، "ليت" حرف تمن مؤكد للأول، "شبابا" اسمه، "بوع" فعل مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر ليت، "فاشتريت" اشترى فعل ماضٍ والتاء فاعل.

الشاهد: في "بوع"، فإنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص ضم فائه، وإخلاص ضم الفاء لغة جماعة من العرب، منهم من حكى المؤلف، ومنهم بعض بني تميم، ومنهم ضبة، وحكيت عن هذيل.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص94، وابن عقيل 1/ 268، والأشموني 1/ 181، والسندوبي، وداود، والمكودي ص54، وابن هشام 1/ 380، وأيضا ذكره في مغني اللبيب 2/ 53، والسيوطي 50، وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 248، وابن يعيش في شرح المفصل 7/ 70.

ص: 602

إذا خِيف التباس فعل المفعول بفعل الفاعل بسبب شكل، وهو ضم الفاء "أ"1 وكسرها وجب حينئذ ذلك الشكل الذي بسببه وقع اللبس، فتقول في "بيع":"بعت يا عبد" بإخلاص الضم أو بالإشمام، وفي "عوق"2:"عقت يا زيد" بإخلاص الكسر أو بالإشمام، إذ لو أخلصت الكسر في "بعت" والضم في "عقت" لالتبس فعل المفعول بفعل الفاعل.

وما ذكره من اجتناب الشكل الملتبس لم يتعرض له سيبويه، بل ظاهر كلامه جواز الأوجه الثلاثة مطلقا3.

ويؤيده ما حكاه ذو الرمة عن أمة بني فلان: غُثنا ما شئنا "وهو فُعلنا"4؛ لأنه يقال: غيث القوم.

ثم قال:

...........

وما لباع قد يُرَى لنحو حب

يعني: أن الثلاثي المضاعف المدغم يجوز في فائه ما جاز في فاء "باع" من إخلاص الكسر والضم والإشمام نحو: "حِبّ ورُدَّ" وقرئ: "هذه بضاعتنا رِدَّتْ إلينا"5 ولكن الأفصح في المضاعف الضم. وقال بعضهم: لا يجوز غيره، والصحيح الجواز6.

فإن قلت: هل يعرض في المدغم "من الإلباس"7 ما عرض في نحو: "قيل وبيع"؟

قلت: لا؛ لأن المضاعف إذا بني للفاعل فتحت فاؤه إلا فيما كان على "فعل" إذا نقلت ضمة عينه إلى الفاء نحو: "حب"8 فيعرض اللبس بإخلاص الضم. فقياس من راعى إزالة اللبس أن يقول: "حِبّ" بالكسر أو بالإشمام.

1 ب، جـ.

2 أ، جـ، وفي ب "عيق".

3 راجع الأشموني 1/ 182.

4 أ.

5 من الآية 65 من سورة يوسف، قراءة علقمة.

6 لقراءة الضم "رُدت إلينا".

7 أ، ب، وفي جـ "الالتباس".

8 أ، جـ، وفي ب "حبب".

ص: 603

ثم قال:

وما لفا باع وما العين تلي

في اختار وانقاد وشبه ينجلي

يعني أن "ما اعتلت"1 عينه من الفعل الماضي الموزون بافتعل نحو: "اختار" أو بالفعل نحو: "انقاد" يُفعل بثالثه. وهو الذي تليه العين ما فعل بفاء باع من الكسر والضم والإشمام، فيقال:"اختِير واختُور" وبالإشمام، ومن كسر الثالث كسر الهمزة، ومن ضم الثالث ضم الهمزة، ومن أشمه أشمها.

واعلم أن ما لم تعل عينه من هذا النوع، فحكمه حكم الصحيح كما سبق في الثلاثي، نحو:"اعتور".

ولما فرغ من "بيان"2 الكيفية، شرع في ذكر بقية الأشياء التي تنوب عن الفاعل، فقال:

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جر بنيابة حري

أشار بقوله: "وقابل" إلى أن من الظرف والمصدر "وحرف الجر"3 ما لا يقبل النيابة.

أما الظرف، فلا يقبلها إلا بشروط:

الأول: أن يكون مختصا، فلا يجوز:"سِيرَ وقت، ولا جُلِس مكان".

والثاني: أن يكون متصرفا، فلا يجوز:"جلس عندك" خلافا للأخفش4.

والثالث: أن يكون ملفوظا به، خلافا لابن السراج في إجازته نيابة الظرف المنوي.

وأما المصدر فلا يقبلها "أيضا"5، إلا بشروط:

1 أ، ب. وفي جـ "ما أعلت".

2 أ، جـ. وفي ب "ذكر".

3 أ. وفي ب "المجرور".

4 فالأخفش يجوز نيابة الظرف غير المتصرف مع بقائه على النصب، دم، صبان 2/ 45.

5 ب.

ص: 604

الأول: أن يكون متصرفا، فلا يجوز نيابة "سبحان" ونحوه.

والثاني: أن يكون لغير مجرد التوكيد، فلا يجوز:"ضُرب ضُرب" لعدم الفائدة.

والثالث: أن يكون ملفوظا به، أو مدلولا عليه بغير العامل نحو:"بلى سِير" لمن قال: ما سير سير شديد، فلو دل عليه "العامل"1 لم ينب، خلافا لبعضهم.

وأما المجرور، فلا يقبلها إلا بشرطين:

الأول: "ألا يلزم"2 الحرف الجار له وجها واحدا في الاستعمال، كمذ "ومنذ"3 ورب والكاف وما خص بقسم واستثناء، فلا ينوب شيء من ذلك كما لا ينوب الظرف غير المتصرف.

والثاني: ألا يكون للتعليل "كاللام والباء ومن" إذا دلت على التعليل.

ذكر ذلك بعض النحويين، وقد أجاز "بعضهم"4 ذلك في قوله:

يُغضِي حياء ويُغضَى من مهابته5

...........

1 أ، جـ. وفي ب "بالعامل".

2 ب، جـ. وفي أ "يكون لا يقبل".

3 ب.

4 أ.

5 صدر بيت، قائله الفرزدق همام بن غالب، من قصيدة طويلة من البسيط يمدح بها الفرزدق زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

وعجزه:

فما يكلم إلا حين يبتسم

الشرح: "يغضي" على صيغة المعلوم: يغمض جفونه، من الإغضاء وهو إدناء الجفون بعضها من بعض، "مهابته": المهابة: الهيبة، والمهابة: التعظيم والإجلال، "يبتسم" الابتسام: أوائل الضحك، "يكلم" على صيغة المجهول، "يغضى" الثانية على صيغة المجهول.

المعنى: أن زين العابدين محتشم ذو حياء وجلال. فهو يغمض جفونه من الحياء ويغمض الناس جفونهم من هيبته، فإذا ابتسم هدأ روع الناس، فما يكلم إلا وقت ابتسامه.

الإعراب: "يغضي" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الممدوح، "حياء" مفعول لأجله منصوب بالفتحة الظاهرة، "ويغضى" الواو حرف عطف، يغضى فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو، "من" حرف جر، "مهابته" مجرور بمن وهو مضاف وضمير الغائب العائد إلى الممدوح مضاف إليه. =

ص: 605

وذكر ابن إياز أن الباء الحالية في نحو: "خرج زيد بثيابه" لا تقوم مقام الفاعل، كما أن الأصل الذي ينوب عنه كذلك. وكذلك المميز إذا كان معه "مِن" كقولك:"طبت من نفس"، فإنه لا يقوم مقام الفاعل أيضا1.

قلت: دخول "من" في هذا المثال غير جائز، وسيأتي في بابه2.

فإن قلت: قوله: "أو حرف جر" يقتضي أن النائب إنما هو حرف جر، فيكون في محل رفع كما نقل عن الفراء.

قلت: مذهب البصريين، أن النائب إنما هو المجرور لا الحرف ولا المجموع، ولما كان الحرف "ملازما"3 للمجرور اكتفى بذكره.

وظاهر كلامه في الكافية4 والتسهيل أن النائب هو الجار والمجرور معا.

ثم قال:

ولا ينوب بعض هذي إن وجد

في اللفظ مفعول به وقد يرد

الإشارة "بهذي" إلى الظرف والمصدر "وحرف الجر"5.

= "فما" الفاء للتفريع، ما حرف نفي، "يكلم" فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، "إلا" حرف استثناء لا عمل له، "حين" ظرف زمان متعلق بيتكلم، "يبتسم" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

الشاهد: في "ويغضى من مهابته"؛ لأن النائب عن الفاعل فيه هو ضمير المصدر أي: هو الإغضاء. وكلمة "من" للتعليل أي: لأجل مهابته وهو مفعول له؛ فلذلك لم ينب عن الفاعل.

وذهب الأخفش إلى أن قوله: "من مهابته" نائب فاعل يغضى مع اعترافه بأن "من" حرف جر للتعليل، وعنده أنه لا تمنع نيابة المفعول لأجله عن الفاعل.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 1/ 277، 2/ 131، وداود، والسندوبي، والأشموني 1/ 183، وذكره ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 53.

1 راجع الأشموني 1/ 183.

2 عند قول ابن مالك:

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد

والفاعل المعنى كطب نفسا تفد

3 أ، جـ، وفي ب "مقارنا".

4 الكافية لابن مالك، ورقة 35.

5 أ، جـ. وفي ب "الجار".

ص: 606

مذهب جمهور البصريين: أنه لا يجوز نيابة شيء منها مع وجود المفعول به.

ومذهب الكوفيين: جواز ذلك مطلقا، ونقله المصنف عن الأخفش، ونقل بعضهم عنه أنه "إنما"1 يجيز نيابة غير المفعول به إذا تقدم على المفعول به. فالمذاهب على ثلاثة.

قال المصنف: وبقول الكوفيين أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب، ومنه قراءة أبي جعفر2:"ليُجْزَى قوما بما كانوا يكسبون"3، وفي هذا ونحوه أشار بقوله:"وقد يرد".

وإذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء، قيل: ولا أولوية لشيء منها، وقيل: المصدر أولى4 وقيل: المجرور5، وقال الشيخ أبو حيان6: ظرف المكان أولى"7"8.

1 أ، ب.

2 هو: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد أصحاب القراءات العشر، انتهت إليه رياسة الإقراء بالمدينة، وكان إمام أهلها في القراءة، ولم يكن أحد أقرأ للسنة منه، وتوفي سنة 130هـ.

3 من الآية 14 من سورة الجاثية؛ فيجزى مبني للمفعول، "بما" نائب فاعل مع تقدم المفعول به وهو قوما، وارتضيت رأي الكوفيين للدليل.

4 لأنه أشرف جزأي مدلول العامل. ا. هـ. صبان 2/ 47.

5 لأنه مفعول به بواسطة الجار. ا. هـ. صبان 2/ 47.

6 هو محمد أثير الدين بن يوسف الغرناطي. ولد بمطخارش من ضواحي غرناطة، وتلقى عن كثيرين، منهم ابن الضائع، ثم هاجر وضرب في مغارب الأرض ومشارقها، ثم انتهى به المطاف إلى القاهرة، فأخذ عن ابن النحاس وصنّف كثيرا، فمن مؤلفاته في النحو: التذييل والتكميل، وملخصه ارتشاف الضرب من لسان العرب، وكان على مذهب ابن الضائع في منع الاستشهاد بالحديث؛ ولذا رد على ابن مالك في شرحه على التسهيل بكلام مسهب، وتوفي بالقاهرة سنة 745هـ.

7 ب- قال أبو حيان في الارتشاف: "واخترت إقامة ظرف المكان".

8 "لأن في إنابة المجرور خلافا ودلالة الفعل على المكان لا بالوضع، بل بالالتزام كدلالته على المفعول به، فهو أشبه المفعول به من المصدر وظرف الزمان؛ لدلالة الفعل وضعا على الحدث والزمان" ا. هـ. صبان جـ2 ص47، نقلا عن الهمع. وارتضيت رأي الشيخ أبي حيان. قال الشيخ الصبان جـ2 ص47:".............. لكن هذا البحث لا يمنع أولوية ظرف المكان؛ لأن غايته عدم دلالة الفعل أصلا على الحدث والزمان المختصين، ودلالته التزاما على المكان، فلم يخرج من كونه أشبه بالمفعول به منهما" ا. هـ. وراجع الأشموني 1/ 184.

ص: 607

ثم قال:

وباتفاق قد ينوب الثانِ من

باب كسا فيما التباسه أُمِن

المتعدي إلى مفعولين، ثلاثة أنواع: باب كسا، وباب ظن، وباب اختار.

فباب كسا: كل "فعل"1 متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين، ليس أصلهما المبتدأ والخبر.

وباب ظن: كل "فعل"2 متعد بنفسه إلى مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر.

وباب اختار: كل "فعل"3 متعد إلى واحد بنفسه وآخر بإسقاط حرف الجر.

ولا خلاف في "جواز"4 نيابة المفعول الأول في الأبواب الثلاثة.

وأما الثاني فنقل المصنف الاتفاق على جواز نيابته في باب كسا بشرط أمن اللبس؛ فتقول: "أُعطِي زيدا درهم" ولا يجوز نحو: "أعطي زيد عمرا" إلا بنيابة الأول لأنه يلبس.

وحكي "عن"5 الفارسي: منع إقامة الثاني إذا كان نكرة والأول معرفة، وهو نقل غريب وسيأتي الخلاف في باب ظن.

وأما باب اختار، فلم يتعرض له هنا.

وقال في التسهيل: ولا يمنع نيابة المنصوب بسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل. ا. هـ.6، وهذا مذهب الفراء، ومذهب الجمهور تعيين رفع المنصوب بنفس الفعل.

ثم قال:

1 ب.

2 ب.

3 ب.

4 أ، ب.

5 ب، جـ.

6 التسهيل ص 77.

ص: 608

في باب ظن وأرى المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر

تقدم بيان باب ظن، وأما باب "أعلم" فكل متعدٍّ إلى ثلاثة.

قال المصنف: منع الأكثرون نيابة ثاني المفعولين من باب "ظن وأعلم"1، والصحيح عندي جواز ذلك إن أمن اللبس2، ولم يكن ثاني المفعولين جملة ولا ظرفا ولا "مجرورا"3 ا. هـ.

وأما الثالث من باب "أعلم" فلم يتعرض له، إلا أن قوله في التسهيل: ولا يمنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقا4 ا. هـ يقتضي جوازه.

وقد نقل جوازه عن بعضهم، فأجاز:"أعلم زيدا فرسك مسرج".

ونقل ابن هشام الخضراوي5 وابن أبي الربيع وابن المصنف، منع نيابته باتفاق"6"7.

ثم قال:

وما سوى النائب مما عُلَّقا

بالرافع النصب له محقَّقَا

1 فلا يجوز عندهم: "ظن زيدا قائم"، ولا:"أعلم فرسك مسرجا".

2 كما في الأمثلة السابقة، وإن لم يأمن تعين الأول اتفاقا، فتقول في:"ظننت زيدا عمرا" و"أعلمت بكرا خالدا منطلقا" و"ظن زيد عمرا" و"أعلم بكر خالدا منطلقا" ا. هـ. أشموني 1/ 185.

3 أ، ج. وفي ب "جار ومجرور".

4 التسهيل ص77.

5 هو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي، الأنصاري الأندلسي، من أهل الجزيرة الخضراء.

كان إماما في العربية، عاكفا على التعليم. أخذ عن ابن خروف والرندي، وأخذ عنه الشلوبين، وكان شاعرا ناثرا متصرفا في الأدب. وله مصنفات منها: المقال في أبنية الأفعال، والإفصاح بفوائد الإيضاح. وتوفي بتونس سنة 646هـ.

6 وحجتهم في ذلك بأن المفعول الأول صريح والآخرين مبتدأ وخبرا شبها بمفعولي أعطى، وبأن السماع إنما جاء بإنابة كقوله:

ونبئت عبد الله بالجو أصبحت

كراما مواليها لئيما صميمها

ا. هـ. أشموني 1/ 186.

7 قال ابن المصنف وهو الشارح ص95: "ولم يجز نيابة الثالث باتفاق".

ص: 609

يعني: أن ما تعلق بالفعل ولم يكن نائبا عن الفاعل فهو منصوب لفظا، كالمصدر والظرف والمفعول به أو فيه أو له أو معه والحال والتمييز والمستثنى بشرطه، أو محلا كالمجرور بحرف نحو:"مررت بزيد".

فإن قلت: ينبغي أن يقول: وما سوى الفاعل والمشبه به والنائب عنه كما ذكر في التسهيل1، فإن هذه الثلاثة مرفوعة.

قلت: عنى بالرافع رافع النائب لا الفعل مطلقا، فلم يحتج إلى ذكر الفاعل ولا "المشبه"2 به، والله أعلم.

1 قال في التسهيل ص77: "وما تعلق بالفعل غير فاعل أو مشبه به أو نائب عنه، منصوبا لفظا أو محلا".

2 أ، ب، وفي جـ "الشبيه".

ص: 610