المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النعت: يَتْبَع في الإعراب الأسماء الأول … نعت وتوكيد وعطف وبدل التابع - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن أم قاسم المرادي]

الفصل: ‌ ‌النعت: يَتْبَع في الإعراب الأسماء الأول … نعت وتوكيد وعطف وبدل التابع

‌النعت:

يَتْبَع في الإعراب الأسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل

التابع هو المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر.

فخرج بالحاصل والمتجدد خبر المبتدأ، والمفعول الثاني، والحال المنصوب، ونحو ذلك.

ولكن يرد عليه "حامض" ونحوه من قولك: "هذا حلو وحامض"، فخرج بزيادة غير خبر1.

والتابع جنس، يشمل خمسة أنواع، وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل، ودليل الحصر الاستقراء.

فإن قلت: كيف قال: "يتبع في الإعراب الأسماء" وبعض التوابع قد يتبع غير الاسم؟

قلت: لا دليل في كلامه على اختصاصها بالأسماء، وسنبين أن التوكيد اللفظي والبدل وعطف النسق يتبع غير الاسم.

فإن قلت: ما معنى قوله: "الأول"؟

قلت: فيه إشارة إلى وجوب تقديم المتبوع على التابع.

وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة على الموصوف إذا كانت لاثنين أو جماعة وقد تقدم أحد الموصوفين، تقول:"قام زيدٌ العاقلانِ وعمرٌو".

ومنه قول الشاعر2:

...............

أبى ذاك عَمِّي الأكرمانِ وخاليا

1 ولا ينافيه قول بعضهم: إنه جزء خبر؛ لأنه ناظر إلى المعنى.

2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.

وصدره:

ولست مقرا للرجال ظلامة

اللغة: "مقرا" اسم فاعل من الإقرار، وهو من إثبات الشيء وعدم إنكاره، "ظلامة" -بضم =

ص: 945

وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بأربعة شروط:

الأول: أن يكون بالواو، وقال هشام: تقديم الفاء وثم وأو ولا، جيد.

الثاني: ألا يؤدي إلى وقوع حرف العطف صدرا.

الثالث: ألا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف، فلا يجوز:"أن وزيدا عمرا ذاهبان".

الرابع: ألا يكون المعطوف مخفوضا، ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا في الشعر بشروطه.

تنبيهان:

الأول: اختُلف في العامل في التابع، فمذهب الجمهور أن العامل فيه هو العامل في المتبوع إلا البدل، فالجمهور على أن العامل فيه مقدر.

وذهب قوم منهم المبرد إلى أن العامل فيه المبدل منه، واختاره المصنف وهو ظاهر، وهو العامل في مذهب سيبويه.

الثاني: لم يتعرض هنا لبيان "رتب"1 التوابع، وقال في التسهيل: ويُبدأ

= الظاء وفتح اللام مخففة- اسم لما يدعيه المظلوم قِبَل ظالمه، "أبى" امتنع، "الأكرمان" مثنى الأكرم، وهو أفعل التفضيل من الكرم، "خاليا" أخو الأم.

الإعراب: "لست" ليس واسمها، "مقرا" خبرها، "للرجال" متعلق بمقر، "ظلامة" مفعول به لمقر، "أبى" فعل ماض، "ذاك" اسم إشارة مفعول به لأبى والكاف حرف خطاب، "عمي" فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف والياء مضاف إليه، "الأكرمان" نعت لفاعل أبى، "وخاليا" معطوف على عم وياء المتكلم مضاف إليه.

الشاهد فيه: "عمي الأكرمان وخاليا" حيث قدم الشاعر النعت وهو "الأكرمان" على أحد المنعوتين وهو "خاليا"، فإن قوله:"الأكرمان" صفة لقوله: "عمي وخاليا".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 392/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 120/ 2.

1 أ، جـ، وفي ب "ترتيب".

ص: 946

-عند اجتماع التوابع- بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل، ثم بالنسق1، وأجاز بعضهم تقديم التأكيد على الصفة، نقله صاحب البديع.

وقوله:

فالنعت تابع مُتمّ ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتَلَق

قوله: "تابع" جنس يشمل الخمسة، وقوله:"متم ما سبق" مخرج البدل والنسق، وقوله:"وسمه أو وسم ما به اعتلق" مخرج لعطف البيان والتوكيد، وذلك أنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته وترفع اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يُوصِّل إلى ذلك بدلالته على معنى في المنعوت أو متعلقه، والتوكيد وعطف البيان ليسا كذلك.

فإن قلت: إنما يشمل قوله: "متم ما سبق" ما جيء به من النعوت؛ لتوضيح وتخصيص، وأما ما جيء لمدح أو ذم أو توكيد أو ترحم فلا.

قلت: لما كان أصل النعت أن يؤتى به للتوضيح والتخصيص، اقتصر عليه.

وقوله:

وليُعطَ في التعريف والتنكير ما

لما تلا كامْرُر بقوم كرُما

يجب تبعية النعت للمنعوت في الإعراب والتعريف والتنكير.

فتنعت المعرفة بالمعرفة نحو: "امرر بالقومِ الكرماءِ"، والنكرة بالنكرة نحو:"امرر بقومٍ كرماءَ".

ولا تنعت المعرفة بالنكرة؛ لأن في النكرة إبهاما وفي المعرفة إيضاحا، فتدافَعَا.

تنبيهات:

الأول: لم يتعرض هنا "لموافقة النعت للمنعوت"2 في الإعراب؛ استغناء بقوله أولا: "يتبع في الإعراب".

1 فيقال: جاء الرجل الفاضل أبو بكر نفسُهُ أخوك وزيدٌ.

2 جـ، وفي ب "لموافقته النعت".

ص: 947

الثاني: استثنى الشارح من المعارف المعرف بلام الجنس، قال: فإنه لقرب مسافته من النكرة يجوز نعته بالنكرة المخصوصة؛ ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله1:

ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني

فأعفّ ثم أقول لا يعنيني

إن "يسبني" صفة لا حال؛ لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام، ومثله قوله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 2 وقولهم: "ما ينبغي للرجل مثلك -أو خيرٍ منك- أن يفعل كذا" انتهى.

قلت: أما نعته بالجملة، فقد نص عليه في التسهيل وغيره، وسيأتي.

1 قائله: هو رجل من بني سلول، وهو من الكامل.

اللغة: "اللئيم" الشحيح الدنيء النفس، وروي: فمضيتُ ثُمَّتْ قُلتُ.

المعنى: يقول: والله إنني لأمرّ على الرجل الدنيء النفس الذي من عادته أن يسبني، فأتركه وأذهب عنه وأرضي نفسي بقولي لها: إنه لا يقصدني بهذا السباب.

الإعراب: "ولقد" الواو للقسم والمقسم به محذوف واللام واقعة في جواب القسم، "أمر" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه، "على اللئيم" متعلق بأمر، "يسبني" فعل مضارع والفاعل ضمير والنون للوقاية والياء مفعول به، والجملة في محل جر صفة للئيم، "فمضيت" فعل وفاعل، "ثمت" حرف عاطف والتاء للتأنيث، "قلت" فعل ماض وفاعله، "وإعراب الرواية الأخرى ظاهر". "لا" نافية، "يعنيني" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه والنون للوقاية والياء مفعول، والجملة في محل نصب مقول القول.

الشاهد فيه: "اللئيم يسبني" حيث وقعت الجملة نعتا للمعرفة وهو "اللئيم" المقرون بأل. وإنما ساغ ذلك؛ لأن "أل" فيه جنسية، فهو قريب من النكرة.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 394/ 2، وابن هشام 121/ 2، وابن عقيل 148/ 2، والسيوطي ص93، وابن الناظم. وفي كتاب سيبويه 416/ 1، والشاهد 55 في الخزانة.

2 من الآية 37 من سورة يس.

ص: 948

وأما قولهم: ما يحسن بالرجل خير منك، فمذهب الخليل في هذا المثال الحكم بتعريف النعت والمنعوت على نية أل مع خير.

ومذهب الأخفش الحكم بتنكيرهما على زيادة أل في "الرجل".

قال المصنف: وعندي أن أسهل مما ذهبا الحكم بالبداية، وتقدير التابع والمتبوع على ظاهرهما.

الثالث: ما ذكر من وجوب تبعية النعت للمنعوت في التعريف والتنكير، وهو مذهب جمهور النحويين.

وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا اختصت بالمعرفة1، وجعل "الأوليان" صفة "آخران" في قوله تعالى:{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} 2.

وأجاز بعض النحويين وصف المعرفة بالنكرة.

وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف، كقول النابغة3:

....................

في أنيابها السم ناقع

1 التسهيل ص167.

2 من الآية 107 من سورة المائدة.

3 قائله: هو النابغة الذبياني، واسمه زياد بن عمرو من قصيدة يقولها في الاعتذار للنعمان بن المنذر، وهو من الطويل.

وصدره:

أبيت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش

اللغة: "ساورتني" واثبتني، "ضئيلة" -بفتح الضاد وكسر الهمزة وفتح اللام- قليلة اللحم، وهي الحية الدقيقة قد أتت عليها سنون كثيرة، فقل لحمها واشتد سمها، وأصلها صفة لموصوف محذوف، أي: حية ضئيلة، "من الرقش" -بضم الراء وسكون القاف- جمع رقشاء وهي حية فيها نقط سود وبيض، "ناقع" ثابت طويل المكث.

الإعراب: "أبيت" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه، "كأني" حرف تشبيه ونصب وياء المتكلم اسمه مبني على السكون في محل نصب، "ساورتني" فعل =

ص: 949

والصحيح مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه مؤول.

الرابع: لا يمتنع النعت بالأخص في النكرات نحو: "رجلٌ فصيحٌ"، و"غلامٌ يافعٌ".

وأما في المعارف، فلا يكون النعت أخص عند البصريين، بل مساويا، أو أعم.

قيل: وسبب ذلك أن الاختصاص مؤثر، فوجب لذلك أن يبدأ بالأخص؛ ليقع الاكتفاء به.

فإن عرض اشتراك، لم يوجد ما يرفعه إلا المساوي.

وقال الشلوبين والفراء: ينعت الأعم بالأخص، قال المصنف: وهو الصحيح، وقال بعض المتأخرين: توصف كل معرفة بكل معرفة، كما توصف كل نكرة بكل نكرة. وقوله:

وهو لَدَى التوحيد والتذكير أو

سواهما كالفعل فاقفُ ما قَفَوا

يعني: أن النعت "إن"1 رفع ضمير المنعوت، طابقه في الإفراد والتذكير وأضدادهما، سواء كان معناه له أو "لسببيه"2 نحو: "مررت برجل حسن أو حسن

= ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به، "ضئيلة" فاعل ساور، "من الرقش" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لضئيلة، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر كأن، "في أنيابها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم والضمير مضاف إليه، "السم" مبتدأ مؤخر، "ناقع" صفة للسم.

الشاهد فيه: "السم ناقع" حيث إن "ناقع" نكرة وقعت صفة المعرفة، وهو "السم".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 294/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 117/ 2.

1 أ، جـ، وفي ب "إذا".

2 أ، جـ، وفي ب "لسببه".

ص: 950

الوجه" وإن رفع سببيه أفرد مطلقا كرفعه الظاهر، ووافق في التذكير والتأنيث مرفوعه، لا متبوعه نحو: "مررت برجلين حسنة جاريتهما".

فحكم النعت في ذلك كحكم الفعل الواقع موقعه، وهذا معنى قوله:"كالفعل".

فإن قلت: كيف سوّى بينه وبين الفعل، وهو مخالفه في أمرين:

أحدهما: أن الوصف يجوز تكسيره، مسندا إلى السببي المجموع نحو:"مررت برجل كرام غلمانه".

والثاني: أن الوصف الرافع لضمير المنعوت قد يعامل معاملة الرافع للسببي، إذا كان معناه له، فيقال:"مررت برجل حسنة العين"، كما يقال: حسُنت عينه؟ حكى ذلك الفراء، ولا يكون ذلك في الفعل.

قلت: أما الأول فظاهر وروده على النظم، وقد ذكر في التسهيل:

أن الجمع في ذلك أولى من الإفراد، ونص على ذلك سيبويه في بعض نسخ الكتاب، وهو مذهب المبرد.

وقيل: الإفراد أحسن، ونسب إلى الجمهور، وفصّل بعضهم فقال: الجمع أولى إن تبع جمعا، والإفراد أولى إن تبع مفردا أو مثنى.

وأما الثاني: فهو وجه ضعيف، ومذهب كثير -منهم الجرمي- منعه.

تنبيهان:

الأول: يجوز تثنية الوصف الرافع السببي وجمعه جمع المذكر السالم على لغة طيئ، فتقول:"مررت برجلين حسنينِ غلاماهما، وبرجال حسنينَ غلمانهم".

وقد يفهم ذلك من قوله: "لفعل" أي: على اللغتين.

الثاني: ما ذكر من أن مطابقة النعت للمنعوت مشروطة بألا يمنع مانع منها، كما في جريح ونحوه وأفْعَل من1.

1 قال الشيخ الصبان 47/ 1: "ككون الوصف يستوي فيه المذكر والمفرد وأضدادهما، وكونه أفعل تفضيل مجردا أو مضافا لمنكور" هـ.

ص: 951

وقوله:

وانعت بمشتق كصعب وذرب

وشبهه كذا وذي والمنتسِب

المنعوت به قسمان: مفرد وجملة؛ فالجملة ستأتي.

والمفرد قسمان: مشتق وشبهه.

قال في شرح الكافية: والمراد بالمشتق هنا ما كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو أحد أمثلة المبالغة أو صفة مشبهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل، وكل ذلك معروف مما سبق "ذكره"1.

ويجمعها كلها أن يقال: المشتق الموصوف به ما دل على فاعل أو مفعول به، مضمنا معنى فعل وحروفه. انتهى.

وإذا كان هذا مراده بالمشتق، لم يرد عليه اسما الزمان والمكان والآلة، ولا مشاحة في الاصطلاح.

والمراد بشبه المشتق، ما أقيم مقامه من الأسماء العارية من الاشتقاق "وهي"2 قسمان: مطرد وغير مطرد.

فالمطرد ضربان:

أحدهما: جارٍ مجرى المشتق أبدا.

والآخر: جارٍ مجراه في حال دون حال.

فالجاري أبدا كذي بمعنى صاحب وأسماء النسب المقصود، والجاري في حال دون حال كأسماء الإشارة غير المكانية وذو الموصولة وفروعها وأخواتها المبدوءة بهمزة وصل.

وذهب الكوفيون، وتبعهم السهيلي إلى أن أسماء الإشارة لا ينعت بها؛ لجمودها.

1 أ، جـ.

2 أ، جـ، وفي ب "وهو".

ص: 952

وغير المطرد: المصدر والعدد والقائم بمسماه معنى "ملازم"1 ينزله منزلة المشتق كأسد.

وللمصدر مزية عليها، وسيأتي.

ثم ذكر الجملة فقال:

ونعتوا بجملة منكرا

الجملة المؤولة بمفرد نكرة.

فلذلك لا ينعت بها إلا النكرة.

قال في التسهيل: أو معرف بأل الجنسية2، وقال في الشرح:"لأنه"3 معرفة في اللفظ، ونكرة في المعنى.

وفي الارتشاف: لا ينعت بها المعرف بأل الجنسية، خلافا لمن أجاز ذلك.

ثم أشار بقوله:

فأعْطيت ما أُعطيته خبرا

إلى أن الجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على "ضمير يربطها بالمنعوت"4، وأن حكمه في جواز الحذف للعلم به كحكم الخبرية.

ومن حذفه قوله5:

................

وما شيء حميت بمستباح

1 أ، وفي ب، جـ "لازم".

2 التسهيل ص167.

3 أ، جـ، وفي ب "لأنها".

4 أ، جـ.

5 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي، يمدح به يزيد بن عبد الملك بن مروان.

وصدره:

أبحت حِمَى تهامة بعد نجد

وهو من الوافر.

اللغة: "حمى" على وزن فِعَل، أي: محظور لا يقرب، "تهامة" الناحية الجنوبية من الحجاز، "نجد" الناحية التي بين الحجاز والعراق.

الإعراب: "أبحت" فعل وفاعل، "حمى" مفعول أبحت، "تهامة" مضاف إليه، "بعد" منصوب على الظرفية، "نجد" مضاف إليه، "ما" نافية، "شيء" اسم ما، "حميت" فعل وفاعل، والجملة صفة لشيء، "بمستباح" الباء زائدة ومستباح خبر ما منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

الشاهد فيه: "حميت" فإنها جملة منعوت بها، والجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على ضمير يربطها بالمنعوت.

وحكمه في جواز الحذف للعلم به، إذ أصله: وما شيء حميته.

ص: 953

تنبيهات:

الأول: ليس حذف العائد من النعت كحذفه من الخبرية في القلة والكثرة، بل ذكر في التسهيل1 أن الحذف من الخبر قليل، ومن الصفة كثير، ومن الصلة أكثر.

الثاني: قال في شرح التسهيل: وقد يغني عنه الألف واللام كقوله2:

كأن حفيف النبل من فوق عَجْسِها

عَوَازِب نحل أخطأ الغارَ مُطْنِف

أي: غارها.

1 التسهيل ص167.

2 قائله: هو الشنفرى عمرو بن براق، وهو من الطويل.

اللغة: "حفيف" هو دويّ ذهابه، "النبل" السهم، "عجسها" -بتثليت العين وسكون الجيم- مقبض القوس، "عوازب" -جمع عازبة- من عزبت الإبل؛ إذا أبعدت في المرعى، "أخطأ الغار" ضل عنه، والمراد بالغار بيت النحل، "مطنف" -بضم الميم وسكون الطاء وكسر النون- بمعنى علا الطنف -بفتح الطاء والنون- وهو حرف الجبل، وأراد به هنا رئيس النحل.

المعنى: يصف قوسا بأنها محكمة الصنع شديدة قوية، فيقول: كأن الصوت الذي تسمعه من فوق مقبض هذا القوس من شدة دفع الوتر، دوي نحل قد بعدت عن بيتها، وعند العودة ضلّت وأخطأ رائدها، فصعد بها إلى قنة الجبل يلتمس البيت.

الإعراب: "كأن" حرف تشبيه ونصب، "حفيف" اسم كأن، "النبل" مضاف إليه، "من فوق" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من اسم كأن، "عجسها" مضاف إليه، وهو مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه، "عوازب" خبر كأن مرفوع بالضمة، "نحل" مضاف إليه، "أخطأ" فعل ماض، "الغار" مفعول به، "مطنف" فاعل أخطأ.

الشاهد فيه: "أخطأ الغار" فإن الألف واللام أغنت عن الضمير العائد إلى الموصوف.

تقديره: أخطأ غارها.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 396/ 2.

ص: 954

وقد منع ذلك، وأوّل البيت على الحذف "أي: الغار منها"1.

الثالث: إذا نعت بالجملة اسم زمان، جاز حذف عائدها المجرور بفي نحو:{يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ} 2 أي: فيه.

فحذف برمته عند سيبويه، وبتدريج عند الكسائي والأخفش.

الرابع: ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالجملة الاسمية.

الخامس: فهم من قوله: "ما أعطيته خبرا" أنها لا تقترن بالواو، بخلاف الحالية.

فلذلك لم يقل: ما أعطيته حالا، خلافا لمن أجاز اقترانها بالواو كالزمخشري.

السادس: لما كان إطلاق قوله: "ما أعطيته خبرا" يوهم جواز النعت بالجملة الطلبية، إذ يجوز الإخبار بها؛ أزال الإبهام بقوله:

وامنع هُنا إيقاع ذات الطلب.....

وسبب ذلك أنها لا تدل على معنى محصل، فلا يفيد النعت بها.

ثم أشار إلى تأويل ما يُوهم وقوعها نعتا بقوله:

.... وإن أتت فالقول أضمر تُصِب

فيكون القول المقدر هو النعت، والجملة محكية به، ومن ذلك قول الراجز3:

1 أ، جـ.

2 من الآية 123 من سورة البقرة.

3 قائله: قال العيني: ذكره المبرد ونسبه إلى راجز لم يعين اسمه، وقيل: لرؤبة بن العجاج وقد نزل ضيفا بقوم وطال انتظاره للطعام حتى جاء الليل، ثم أتوه بلبن قليل خلطوه بماء كثير، حتى صار لونه مثل لون الذئب في الزرقة.

وصدره:

حتى إذا جن الظلام واختلط

وهو من الرجز. =

ص: 955

.................

جاءوا بمَذْق هل رأيت الذئب قط؟

أي: بمذق مقول عند رؤيته هذا القول.

ثم انتقل إلى النعت بالمصدر فقال:

ونعتوا بمصدر كثيرا

.................

وكان حقه في الأصل ألا ينعت به؛ لجموده، ولكنه من الجاري مجرى المشتق.

فإن قلت: هل يؤخذ من قوله: "كثيرا" أن النعت به مطرد؟

قلت: لا كما قال في الحال بكثرة، وقد صرح بعدم اطراد وقوعه نعتا وحالا.

= اللغة: "جن" ستر الناس، "اختلط" كناية عن انتشاره واتساعه، "مذق" هو اللبن الممزوج بالماء.

المعنى: يصف الراجز بالشح والبخل قوما نزل بهم ضيفا، فانتظروا عليه طويلا حتى أقبل الليل بظلامه، ثم جاءوه بلبن مخلوط يشبه الذئب في لونه؛ لكدرته وغبرته.

الإعراب: "حتى" ابتدائية، "إذا" ظرف تضمن معنى الشرط، "جن" فعل ماض، "الظلام" فاعل والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، "واختلط" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة عطف على جملة جن الظلام، "جاءوا" فعل ماض وفاعله، "بمذق" جار ومجرور متعلق بجاءوا، "هل" أداة استفهام، "رأيت" فعل ماض وفاعله، "الذئب" مفعول به، "قط" ظرف مبني على ضم مقدر في محل نصب، وسكن للروي. واستعمله بعد الاستفهام مع أن موضع استعماله بعد النفي الداخل على الماضي، والذي سهل هذا أن الاستفهام قرين النفي في كثير من الأحكام، وجملة: هل رأيت في محل نصب مقول لقول محذوف يقع صفة لمذق.

الشاهد فيه: "بمذق هل رأيت الذئب قط" فإن الظاهر يشعر بوقوع الجملة الاستفهامية نعتا للنكرة وهو "مذق" وليس كذلك، بل جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف هو الواقع نعتا، والتقدير: جاءوا بمذق مقول فيه هل رأيت؟

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 369/ 2، وابن هشام 124/ 2، وابن عقيل 150/ 2، والسيوطي ص93، والمكودي 114، وابن الناظم.

وذكره السيوطي في همع الهوامع 117/ 2، والشاهد 76 في الخزانة.

ص: 956

فإن قلت: فهل هما في الكثرة سواء؟

قلت: لا، بل جعل المصدر حالا أكثر من جعله نعتا، ذكر ذلك في شرح التسهيل.

قلت: وأطلق في قوله: "بمصدر" وهو مقيد بألا يكون في أوله ميم زائدة كمزار ومسير، فإنه لا ينعت به، لا باطراد ولا بغيره.

وقوله:

..............

فالتزموا الإفراد والتذكير

قال المصنف: كأنهم قصدوا التنبيه على أن أصله ذو عدل، فلما حذف المضاف ترك المضاف إليه على ما كان عليه.

قلت: في النعت بالمصدر طريقان:

إحداهما: أن يقصد المبالغة، فلا يقدر مضاف.

والأخرى: ألا يقصد فيقدر.

والكوفيون يجعلون ضربا وعدلا واقعين موضع ضارب وعادل.

وقوله:

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفا فَرِّقْه لا إذا ائتلف

مثال المختلف: "مررت برجلين كريم وبخيل"، ومثال المتفق:"مررت برجلين كريمين".

فالمختلف يفرق بالعطف، والمتفق يستغنى عن تفريقه بتثنيته وجمعه.

قلت: وأورد على إطلاقه اسم الإشارة، فإنه لا يجوز تفريق نعته، فلا يجوز:"مررت بهذين الطويل والقصير"، نص على ذلك سيبويه وغيره كالزيادي، والمبرد، والزجاج.

قال الزيادي: وقد يجوز ذلك على البدل، وعطف البيان.

ص: 957

تنبيهات:

الأول: يندرج في غير الواحد ما هو مفرد لفظا مجموع معنى كقول حسان رضي الله عنه1:

فوافيناهم منا بجمع

كأُسْد الغاب مُرْدَان وشيب

الثاني: قال في الارتشاف: والاختيار في "مررت برجلين كريم وبخيل" القطع.

الثالث: قال في التسهيل2: يُغَلَّب التذكير والعقل عند الشمول وجوبا، وعند التفصيل اختيارا.

وقوله:

ونعت معمولي وحيدَيْ معنى

وعمل أتبع بغير استثنا

إذا قصد نعت معمولين، فإما أن يكونا لعامل واحد أو لعاملين.

فإن كانا لعامل واحد، فثلاث صور:

الأولى: أن يتحد العمل "والنسبة"3 نحو: "قام زيد وعمرو العاقلان"، فهذه يجوز فيها الإتباع والقطع في أماكنه من غير إشكال.

1 قائله: هو حسان بن ثابت، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.

اللغة: "فوافيناهم" أتيناهم، "بجمع" -بفتح الجيم وسكون الميم- اسم لجماعات الناس، "أسد" -بضم الهمزة وسكون السين- جمع أَسَد، "الغاب" -جمع غابة- وهو مأوى السباع والوحوش، "مردان" -بضم الميم- جمع أمرد، وهو الذي لم يبلغ حد نبات الشعر بوجهه، "شيب" -جمع أشيب- وهو المبيضّ الشعر.

الإعراب: "فوافيناهم" فعل ماض وفاعله ومفعوله، "منا" متعلق بمحذوف حال من جمع وأصله صفة، فلما تقدم عليه أعرب حالا، "كأسد" متعلق بمحذوف صفة لجمع، "الغاب" مضاف إليه، "مردان" صفة ثانية لجمع، "وشيب" عطف على مردان.

الشاهد فيه: "بجمع

مردان وشيب" فإن قوله: "مردان وشيب" وقعا نعتين لجمع. ولما كان معناهما مختلفا فرق بينهما بحرف العطف، وعطف ثانيهما على أولهما.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 397/ 2.

2 التسهيل ص169.

3 ب.

ص: 958

الثانية: أن يختلف العمل والنسبة "نحو: "ضرب زيد عمرا الكريمان""1، فهذه يجب فيها قطع من غير إشكال.

والثالثة: أن يختلف العمل وتتحد النسبة من جهة المعنى نحو: "خاصم زيد عمرا الكريمان".

فالقطع في هذه، واجب عند البصريين.

وأجاز الفراء وابن سعدان2 الإتباع، والنص عن الفراء أنه إذا أتبع غُلِّب المرفوع، فتقول:"خاصم زيد عمرا الكريمان".

ونص ابن سعدان على جواز إتباع أي شئت؛ لأن كلا منهما مخاصِم ومخاصَم.

والصحيح مذهب البصريين، قيل: بدليل أنه لا يجوز: "ضارب زيد هندًا العاقلةُ" برفع العاقلة نعتا لهند.

قلت: ذكر في باب أبنية الفعل من شرح التسهيل أن الاسمين في نحو: "ضارَبَ زيدٌ عمرًا" ليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب، قال: ولو أتبع منصوبهما بمرفوع، أو مرفوعهما بمنصوب لجاز.

ومنه قول الراجز3:

1 أ، جـ "أي: يختلف العمل، وتختلف نسبة العامل إلى المعمولين من جهة المعنى".

2 هو أبو جعفر الضرير محمد بن سعدان. نشأ بالكوفة، وأخذ عن أبي معاوية الضرير وغيره، ثم اشتهر بالعربية والقراءات. صنف كتابا في النحو، وتوفي سنة 231هـ.

3 قائله: هو أبو حيان الفقعسي، كذا قال ابن هشام الحنبلي، وقال ابن هشام اللخمي: قائله مساور العبسي، وقال السيرافي: قائله الدبيري.

اللغة: "الأفعوان" -بضم الهمزة- الذكر من الأفاعي، "الشجاع" ذكر الحيات، "الشجعم" الجريء، وقيل: هو الطويل.

المعنى: وصف رجلا بخشونة القدمين وغلظ جلدهما، والحيات لا تؤثر فيهما.

الإعراب: "قد" حرف تحقيق، "سالم" فعل ماض، "الحيات" فاعل سالم، "منه" جار =

ص: 959

قد سالَمَ الحيَّاتُ منه القَدَما

الأُفْعُوَانَ والشجاع الشجْعَمَا

فنصب "الأفعوان" وهو بدل من "الحيات"، وهو مرفوع "لفظا"1؛ لأنه منصوب معنى؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان.

وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير: قد سالم الحيات منه القدم، وسالمت القدمُ الأفعوانَ، انتهى.

وإن كان لعاملين لم يخل العاملان من أن يتحدا في المعنى والعمل، أو يختلفا فيهما أو في أحدهما.

فإن اتحدا في المعنى والعمل جعل النعت تابعا للمعمولين في الرفع والنصب والجر، سواء اتفق لفظ العاملين نحو:"ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان"، أو اختلف نحو:"ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان".

فالإتباع فيهما جائز، وهذا مفهوم من النظم، إذ لم يشترط اتحاد اللفظ.

وذهب ابن السراج إلى منع الإتباع في الثاني، وفصّل في الأول فقال: إن قدرت الثاني عاملا فالقطع، أو توكيدا والأول هو العامل جاز الإتباع.

وإن اختلف العاملان في المعنى والعمل، أو في أحدهما وجب القطع، فيرفع على إضمار مبتدأ، وينصب على إضمار فعل.

= ومجرور متعلق بمحذوف حال من القدم، "القدما" مفعول به لسالم منصوب بالفتحة الظاهرة، "الأفعوان" بدل من الحيات منصوب بالفتحة، "والشجاع" معطوف على الأفعوان، "الشجعما" نعت للشجاع منصوب بالفتحة.

الشاهد فيه: "قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان" فإن قوله: "الأفعوان" المنصوب -بدليل أنه عطف عليه المنصوب وهو "الشجاع والشجعما"- قد وقع بدلا من "الحيات" وهو مرفوع؛ لكونه فاعلا لسالم.

وقد علم أن الفاعل مرفوع، فاختلف إعراب البدل عن إعراب المبدل منه.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 399/ 2.

وذكره سيبويه 145/ 1، والسيوطي في الهمع 165/ 1، والشاهد في المقاصد النحوية 4/ 80.

1 أ، جـ.

ص: 960

مثال المختلفين في المعنى والعمل: "جاء زيد ورأيت عمرا العاقلين".

ومثال المختلفين في المعنى دون العمل: "جاء زيد وذهب عمرو العاقلين".

ومثال المختلفين في العمل دون المعنى: "مررت بزيد وجاوزت عمرا العاقلين".

يجوز في ذلك "العاقلان" على تقدير: هما، و"العاقلين" على تقدير: أمدح، والإتباع في ذلك يمتنع عند الجمهور، إذ العمل الواحد لا يمكن نسبته إلى عاملين، من شأن كل واحد منهما أن يستقل.

فإن قلت: قوله: "وحيدي" صفة لماذا؟

قلت: لمحذوف تقديره: ونعت معمولي عاملين وحيدي معنى وعمل.

فإن قلت: هل يعني بقوله: "أتبع" إيجاب الإتباع أو الإعلام بجوازه؟

قلت: لا يصح حمله على الإيجاب، فإن القطع في ذلك منصوص على جوازه.

فإن قلت: ما معنى قوله: "بغير استثنا"؟

قلت: يعني في الرفع والنصب والجر كما قال الشارح، وكأنه يشير بذلك إلى مذهب من خصص جواز الإتباع بنعت فاعلين وخبري مبتدأين، ولا وجه للتخصيص.

وقوله:

وإنْ نعوتٌ كثُرت وقد تلت

مفتَقِرا لذكرهن أُتبعت

إذا كثرت نعوت الاسم، فله ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يكون مفتقرا إلى جميعها، لا يتميز بدونها.

والثاني: أن يكون مستغنيا عنها، متميزا بدونها.

والثالث: أن يكون مفتقرا إلى بعضها دون البعض.

فإن كان مفتقرا إلى جميعها وجب إتباع الجميع، وإن كان متعينا بدونها جاز فيه ثلاثة أوجه:

ص: 961

إتباع الجميع، وقطع الجميع، وإتباع بعض وقطع بعض.

وإن كان مفتقرا إلى بعض دون بعض، وجب إتباع المفتقر إليه وجاز فيما سواه الإتباع والقطع.

هذا ما ذكره المصنف.

فإن قلت: كيف يفهم ذلك من النظم؟

قلت: أما الأولى فظاهر من قوله: "وإن نعوت.... البيت".

وأما الثانية فمن قوله: واقطع أو اتبع إن يكن معينا.... بدونها.

وأما الثالثة فمن قوله: أو بعضها اقطع معلنا.

قال الشارح بعد أن ذكر الصورة الثالثة: وإلى هذا الإشارة بقوله: "أو بعضها اقطع معلنا" أي: وإن يكن معينا ببعضها اقطع ما سواه، وفيه نظر.

تنبيه:

إذا قُطع بعض النعوت دون بعض، قُدِّم المُتبَع على المقطوع ولا يعكس، وفيه خلاف.

قال ابن الربيع: والصحيح المنع، وقال صاحب البسيط: والصحيح جوازه. ثم بيّن وجهي القطع بقوله:

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا

يعني: أنه يجوز القطع إلى الرفع وإلى النصب، فإذا رفع فهو خبر مبتدأ واجب الحذف، وإذا نصب فبإضمار فعل واجب الحذف.

وإلى وجوب إضمار المبتدأ والفعل الناصب، أشار بقوله:"لن يظهرا".

تنبيه:

قد يوهم كلام الناظم أن القطع مشروط بتكرار النعوت، كما أوهمه كلام غيره، وليس ذلك بشرط، وإنما ذكر مسألة كثرة النعوت لما فيها من التقسيم والأوجه المتقدمة.

ص: 962

وتلخيص الكلام على القطع، أن يقال: المنعوت قسمان: معرفة ونكرة.

فالمعرفة إن كان نعته لمدح أو لذم أو ترحم، جاز القطع بالرفع على إضمار مبتدأ، وبالنصب على إضمار فعل لائق، فيقدر في المدح: أمدح وفي الذم: أذم وفي الترحم: أرحم1.

ولا يجوز إظهار المبتدأ، ولا الفعل كما سبق.

وخالف يونس في الترحم، فلا يجوز القطع وإن كان لتوكيد كقوله:{نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2 أو ملتزما نحو: "الشِّعْرى العَبُور"3 أو جاريا على مشار به نحو: "هذا العالم" لم يجز القطع.

وإن كان لتخصيص وليس أحد الثلاثة نحو: "مررت بزيد الخياطُ"، جاز قطعه إلى الرفع على إضمار "هو"، وإلى النصب على إضمار "أعني"، ويجوز إظهارهما، بخلاف نعت المدح والذم والترحم.

وأما النكرة فيشترط في جواز قطع نعته تأخره عن آخر، كقول أبي الدرداء:"نزلنا على خالٍ لنا ذو مال وذو هيبة".

فإن لم يتقدمه نعت آخر، لم يجز القطع إلا في الشعر.

وما ذكرته من جواز قطع نعت التخصيص على الوجه المذكور، نص عليه ابن أبي الربيع وهو مفهوم من التسهيل4.

1 مثال المدح: "الحمدُ لله ربِّ العالمين"، والذم:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، والترحم:"اللهم أنا عبدك المسكين".

2 من الآية 13 من سورة الحاقة.

3 قال الشيخ الصبان 53/ 3: "والملتزم: الذي التزمت العرب النعت به نحو: "الشعرى العبور" والمراد أنه إذا وقع بعدها وصف كان نعتا لا أنه يلزم بعدها نعت، فلا يرد قوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} وسميت العبور؛ لعبورها المجرة.

4 التسهيل ص169.

ص: 963

قوله:

وما من المنعوت والنعت عُقل

يجوز حذفه وفي النعت يقل

يعني: أنه إذا علم النعت أو المنعوت جاز حذفه، ويكثر ذلك في المنعوت، ويقل في النعت.

فمن الأول: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} 1، ومن الثاني قول العباس بن مرداس2:

...................

فلم أعط شيئا ولم أمنع

تنبيه:

إنما يكثر حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه بشرطين:

1 من الآية 52 من سورة ص.

2 قائله: العباس بن مرداس الصحابي من كلمة يقولها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الرسول قد قسم الغنائم في حنين، فأعطى منها قوما من المؤلفة قلوبهم ومنهم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس عطاء كثيرا يتألفهم به على الإسلام، ولم يعط العباس مثلهم، فكره العباس ذلك.

وصدره:

وقد كنت في الحرب ذا تدرأ

وهو من المتقارب.

اللغة: "تدرأ" -بضم التاء وسكون الدال وفتح الراء- أي: ذو عدة وقوة على دفع الأعداء عن نفسه، وهو اسم موضوع للدفع، والتاء فيه زائدة كما زيدت في تتفل.

الإعراب: "وقد" حرف تحقيق، "كنت" كان واسمها، "في الحرب" متعلق بكان، "ذا" خبر كان منصوب بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، "تدرأ" مضاف إليه، "فلم" الفاء عاطفة ولم حرف نفي وجزم وقلب، "أعط" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، وهو مفعوله الأول، "شيئا" مفعول ثان، "ولم" حرف حرف نفي، "أمنع" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، وحرك بالكسر للروي ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه.

الشاهد فيه: "فلم أعط شيئا" حيث حذف منه النعت، والتقدير: فلم أعط شيئا طائلا.

ولولا هذا التقدير، لتناقض مع قوله:"ولم أمنع".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 401/ 2، والسيوطي ص93، والمكودي ص116، وابن الناظم. وذكره السيوطي في الهمع 120/ 2، وابن هشام في المغني 166/ 2.

ص: 964

أحدهما: أن يعلم جنس المنعوت إما باختصاص النعت به نحو: "مررت بكاتب"، وإما بمصاحبة ما يعينه نحو:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 1.

والآخر: أن يكون صالحا لمباشرة العامل.

فلو كان جملة أو شبهها لم يقم مقامه في الاختيار؛ لكونه غير صالح لها إلا بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن، حكى سيبويه:"ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا" فهذا مثال الجملة.

ومثال شبهها قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} 2.

وقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3.

التقدير: أحد مات، وإن أحد من أهل الكتاب، وقوم دون ذلك، فهذا ونحوه كثير مطرد.

وقول الشارح: وهو مطرد في النفي، يفهم أنه غير مطرد في الإيجاب، وليس كذلك.

وأما نحو قوله4:

لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضُلُها في حَسَب ومَيْسَم

1 من الآية 11 من سورة سبأ -أي: دروعا سابغات- بدليل {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} .

2 من الآية 159 من سورة النساء.

3 من الآية 11 من سورة الجن.

4 قائله: نسبه ابن يعيش إلى الأسود الحماني يصف امرأة، ونسبه سيبويه إلى حكيم الربعي، وهو من الرجز.

اللغة: "لم تيثم" -بكسر التاء- لغة قوم، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسرة، أي: لم تأثم من الإثم وهو الخطيئة، "يفضلها" يزيد عليها، "حسب" ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، "ميسم" -بكسر الميم- وسامة وجمال.

المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة أحد يفضلها، ويزيد عليها في عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا في ذلك.

الإعراب: "لو" شرطية، "قلت" فعل ماض فعل الشرط وفاعله، "ما" نافية، "في قومها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لمبتدأ محذوف، أي: أحد، "لم" نافية جازمة =

ص: 965

فأجازه المصنف في الاختيار، وجعل الجر بفي كالجر بمن، وجعله ابن عصفور ضرورة.

فلو لم يكن المنعوت بالجملة وشبهها بعض ما قبلها من مجرور بمن أو في، لم تقم الجملة أو شبهها مقامه إلا في الضرورة كقوله1:

..................

لكم قُبصه من بين أثرى وأقترا

= "تيثم" جواب الشرط، "يفضلها" الجملة صفة لأحد المحذوفة، "في حسب" جار ومجرور متعلق بيفضلها، "وميسم" عطف عليه.

الشاهد فيه: "ما في قومها.... يفضلها" حيث إن جملة "يفضلها" جاءت نعتا لمنعوت محذوف وهو "أحد"، وهو بعض اسم مقدم مجرور بفي وهو "قومها".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 400/ 2، وابن هشام 132/ 3، وذكره ابن يعيش 59/ 3، وسيبويه 375/ 1، والسيوطي في الهمع 120/ 2، والشاهد 344 في الخزانة.

1 قائله: هو الكميت في مدح بني أمية، وهو من الطويل.

وصدره:

لكم مسجدا الله المزوران والحصى

اللغة: "مسجدا الله" أراد بهما مسجد مكة ومسجد المدينة، "المزوران" تثنية مزور -بفتح الميم وضم الزاي- "الحصى" العدد من الأهل، "قبصه" -القبص بكسر القاف وسكون الباء- العدد الكثير من الناس، "أثرى" كثر ماله، "وأقترا" افتقر وقل ماله.

المعنى: يمدح بني أمية بأن الله تعالى قد جعل لهم الولاية على مسجديه اللذين يزورهما الناس، وجعل لهم العدد والعديد من الأهل والأتباع والأنصار الذين لكثرتهم يوجد بينهم الغني والفقير.

الإعراب: "لكم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "مسجدا" مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف لأنه مثنى، "الله" مضاف إليه، "المزوران" نعت للمسجدين مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، "والحصى" عطف على المبتدأ، "لكم" متعلق بمحذوف خبر مقدم، "قبصه" مبتدأ مؤخر وضمير الغائب مضاف إليه، "من بين" جار ومجرور، "أثرى" فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف منع من ظهوره التعذر وفاعله ضمير مستتر فيه، "وأقترا" فعل ماض عطف على أثرى وفاعله ضمير مستتر فيه.

الشاهد فيه: "من بين أثرى وأقترا" حيث حذف المنعوت وأبقى النعت، والتقدير: من بين من أثرى وبين من أقتر، أي: من بين رجل أثرى ورجل أقتر، فحذف منعوتين؛ "من" الأولى و"من" الثانية.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 401/ 2.

ص: 966