الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوكيد:
التوكيد مصدر سمي به التابع لأنه يفيده، ويقال: أكّد تأكيدا، ووكّد توكيدا، وهو: معنوي ولفظي.
فالمعنوي تابع بألفاظ مخصوصة؛ فلذلك استغني عن حده بذكرها.
ثم المعنوى نوعان:
أحدهما: يرفع توهم الإضافة إلى المتبوع.
والثاني: يرفع توهم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم.
والأول بالنفس والعين، والثاني بكل وأخواته.
وبدأ بالأول فقال:
بالنفس أو بالعين الاسم أُكِّدا
فتقول: ""جاء زيد"1 نفسه أو عينه" والمراد بهما حقيقته، وينفردان عن سائر ألفاظ التوكيد بجواز جرهما بباء زائدة2.
فإن قلت: فهل يجوز الجمع بينهما؟
قلت: نعم.
وإنما عطف بأو؛ للتنبيه على أن كلا منهما يصح التوكيد به وحده.
فإن قلت: فبأيهما يبدأ عند الاجتماع؟
قلت: بالنفس؛ لأنها عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن الجملة.
فإن قلت: هل هذا التركيب لازم، أم على سبيل الأولوية؟
1 ب، جـ.
2 مثل ذلك: "جاء زيد وهند بعينها" ومحل المجرور إعراب المتبوع.
قلت: الظاهر أنه لازم، وقيل: إنه على طريق الأحسنية.
ثم قال:
...........
…
مع ضمير طابق المؤكَّدَا
فنبه على أنه لا بد من إضافة النفس والعين إلى ضمير المؤكد، مطابقا له في الإفراد والتذكير وفروعهما، وتمثيل ذلك سهل.
ثم قال:
واجمعهما بأفْعُل إن تبعا
…
ما ليس واحدا تكن مُتَّبعا
وإنما قال: بأفعُل احترازا عن جمع الكثرة، فإنه لا يؤكد بنفوس ولا عيون. وهو أولى من قوله في التسهيل: جمع قلة1، فإن عينا جمع على أعيان ولا يؤكد به.
وشمل قوله: "ما ليس واحدا" المثنى نحو: " قام الزيدان أو الهندان أنفسهما"، والجمع نحو:"قام الزيدون أنفسهم والهندات أنفسهن".
وترك الأصل في المثنى كراهة اجتماع تثنيتين، وعدل إلى الجمع؛ لأن التثنية جمع في المعنى.
تنبيه:
قال الشارح بعد ذكره أن الجمع في المثنى هو المختار: ويجوز فيهما أيضا الإفراد والتثنية.
ووهم في ذلك؛ إذا لم يقل به أحد من النحويين.
قلت: وأجاز ابن إياز -في شرح الفصول- التثنية، فقال: ولو قلت "نفساهما" لجاز.
وكان الناظم أشار إلى منع الإفراد والتثنية بقوله: "تكن متبعا"، ثم انتقل إلى النوع الثاني من نوعي التأكيد المعنوي، فقال:
وكُلًّا اذكر في الشمول وكِلَا
…
كِلْتَا جميعا بالضمير مُوصَلا
1 التسهيل ص164.
وأما كل، فلا يؤكد بها إلا ذو أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه غير مثنى.
وأما كلا وكلتا فللمثنى، وأما جميع فبمنزلة كل.
ثم أشار إلى وجوب إضافة كل وما بعدها إلى ضمير المؤكد بقوله: "بالضمير موصلا".
فتقول: جاء الجيشُ كلُّه، والقبيلةُ كلُّها، والزيدان كلهم، والرجال كلهم أو كلها، أو كله على قياس "هم أحسن الفتيان وأجمله" وهو ضعيف، "وجاء الهندات كلهن أو كلها" وحكى الخليل كلتهن عن بعض العرب، وكذلك تقول في جميع.
وتقول في المثنى: "جاء الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما".
وقد فهم من قوله: "بالضمير موصلا" فوائد:
الأولى: "أنه"1 ضمير مطابق للمؤكد؛ لأن أل فيه للعهد السابق في النفس والعين.
الثانية: أنه لا يحذف استغناء بنيته، خلافا للفراء والزمخشري، ونقله بعضهم عن الكوفيين، وجعلوا منه قراءة من قرأ:"إنَّا كُلًّا فيها"2، "أي: إنا كلنا"3.
وخرج على وجهين:
أحدهما: أنه حال من الضمير المرفوع في "فيها"4.
والآخر: "أنه"5 بدل من اسم "إن"6.
1 أ، جـ.
2 من الآية 48 من سورة غافر.
3 أ، جـ.
4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها". قال في المغني: وفيه ضعفان: تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل" بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، والحال واجبة التنكير.
5 أ، جـ.
6 أي: بدل كل من اسم "إن"، وهو لا يحتاج إلى ضمير.
الثالثة: أن كلا لا يضاف في التوكيد إلى ظاهر، وعلى ذلك نصوص النحويين، وذكر في التسهيل1 أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل، وجَعَلَ منه قول كثير2:
...............
…
يا أشبهَ الناس كلِّ الناس بالقمر
1 التسهيل ص164.
2 قائله: كثير عزة، وهو من البسيط.
وصدره:
كم قد ذكرتُكِ لو أُجزَى بذكركم
اللغة: أجزى: مضارع مبني للمجهول من الجزاء، وهو المكافأة.
الإعراب: "كم" خبرية بمعنى كثير، وهي اسم مبني على السكون إما في محل رفع على أنه مبتدأ، وإما في محل نصب على أنه مفعول مطلق عامله ذكر، أي: ذكرتك ذكرا كثيرا، أو في محل نصب على أنه مفعول فيه لتأوله بالوقت، أي: ذكرتك في أوقات كثيرة، "قد" حرف تحقيق، "ذكرتك" ذكر فعل ماض والتاء ضمير المتكلم فاعل والكاف ضمير المؤنثة المخاطبة مفعول به والجملة في محل رفع خبر كم إن جعلتها في محل رفع مبتدأ، فإن جعلتها في محل نصب فهذه الجملة لا محل لها لأنها ابتدائية، "لو" حرف دال على التمني أو حرف شرط غير جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب، "أجزى" فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، "بذكركم" جار ومجرور متعلق بأجزى وذكر مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، وإن قدرت لو شرطية فجوابها محذوف: لو أجزى بذكري إياكم لاسترحت، "يا أشبه" حرف نداء ومنادى منصوب بالفتحة الظاهرة، "الناس" مضاف إليه، "كل" توكيد للناس، "بالقمر" جار ومجرور متعلق بأشبه.
الشاهد فيه: "الناس كل الناس" فكلمة "كل" توكيد للناس، ومن حق الكلام أن يضيف لفظ التوكيد إلى ضمير غيبة عائد على المؤكد فيقول: يا أشبه الناس كلهم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 404/ 2.
وذكره السيوطي في الهمع 123/ 2.
ونحوه، قيل: ولا حجة فيه؛ لاحتمال كون "كل" نعتا بمعنى الكاملين، فلم يفضله إلا على الناس الكاملين، وهو أمدح.
تنبيهان:
الأول: ما ذكر أن "كلا" للمذكر و"كلتا" للمؤنث، هو المشهور.
وقال في التسهيل1: وقد يستغنى "بكليهما" عن "كلتيهما".
ومنه قول الشاعر2:
يَمُتّ بقربى الزينبينِ كِلَيْهِما
…
إليك وقربى خالد وحبيب
وقال ابن عصفور: هو من تذكير المؤنث حملا على المعنى للضرورة، كأنه "قال"3: بقربى الشخصين.
الثاني: ذكر في التسهيل4 أيضا أنه قد يستغنى "بكلهما" عن "كليهما"
1 التسهيل ص164.
2 قائله: هو هشام بن معاوية، وهو من الطويل.
اللغة: "يمت" يتقرب، "بقربى" -بضم القاف وسكون الراء- القرابة، "الزينبين" -مثنى زينب- وهو علم امرأة.
المعنى: ينسب إليك بقرابة الزينبين، وقرابة خالد وحبيب.
الإعراب: "يمت" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه، "بقربى" جار ومجرور متعلق بقوله يمت وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، "الزينبين" مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، "كليهما" توكيد مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بالمثنى، "إليك" متعلق بيمت، "وقربى" معطوف على قربى السابق، "خالد" مضاف إليه، "حبيب" عطف عليه.
الشاهد فيه: "الزينبين كليهما" حيث أكد المثنى المؤنث "الزينبين" بالاسم الموضوع للاستعمال في توكيد مثنى المذكر وهو "كليهما"، فقد وقع "كليهما" موقع "كلتيهما".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 407/ 2.
3 ب.
4 التسهيل ص164.
و"كلتيهما" في تأكيد المثنى، فيقال على هذا:"جاء الرجلانِ كلُّهُمَا" والمرأتان كلهما.
ثم قال:
واستعملوا أيضا ككل فاعله
…
من عم في التوكيد مثل النافله
أي: واستعملت العرب في التوكيد وزن "فاعلة من عم" يعني عامة، وتوصل إلى ذكرها بذكر وزنها لتعذر دخولها في النظم.
وأشار بقوله: "ككل" إلى أنها يؤكد بها ما سوى المثنى مما يؤكد بكل، وأنها تضاف إلى ضمير المؤكد.
فيقال: "جاء الجيشُ عامتُهُ، والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم، والهندات عامتهن".
قال في شرح التسهيل: وذكرت مع كل جميعا وعامة كما فعل سيبويه.
وأغفل ذلك أكثر المصنفين سهوا أو جهلا، وإلى ذلك أشار بقوله:"مثل النافلة".
قال الشارح: يعني أن ذكر عامة في ألفاظ التوكيد مثل النافلة أي: الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه؛ لأن من أجلِّهم سيبويه رحمه الله لم يغفله. انتهى.
قلت: خالف المبرد في "عامة" وقال: إنما "هي"1 بمعنى أكثرهم.
ثم ذكر توابع "كل" فقال:
وبعد كل أكدوا بأجمعا
…
جَمْعَاء أجمعين ثم جُمَعا
فيقال: جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ، والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ، والزيدون كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع".
1 ب، وفي أ، جـ "هو".
وقد فهم من قوله: "وبعد كل" أمران:
أحدهما: واجب، وهو أن "أجمع" وفروعه لا يتقدم على "كل"، وفي الارتشاف بدأت بكل ثم بأجمع مرتبا، وقيل: على طريق الأولوية.
والثاني: غالب لا واجب، وهو أنها لا تستعمل دون "كل".
وقد أشار إلى جوازه بقوله:
ودون كل قد يجيء أجمع
…
جمعاء أجمعون ثم جمع
وهو معنى قوله في التسهيل1: وقد يغنين عن "كل".
قال الشارح: وهو قليل، وفي الارتشاف كثر ورود "أجمعين" في القرآن بدون "كل"2، فهو توكيد كما يؤكد بكل، وليس من باب الاستغناء عن كل كما زعم ابن مالك.
تنبيهات:
الأول: ذهب الفراء إلى أن "أجمعين" تفيد اتخاذ الوقت، والصحيح أنها ككل في إفادة العموم مطلقا، بدليل قوله:{لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 3.
الثاني: قد يتبع "أجمع" وأخواته بأكْتَع وكَتْعاء وأكتَعِين وكُتَع، وقد يتبع "أكتع" وأخواته بأبْصَع وبَصْعاء وأبصَعِين وبُصَع4.
وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته: أبْتَع وبَتْعاء وأبتَعِين وبُتَع.
وإنما لم يتعرض في النظم لذلك؛ لقلة استعماله.
الثالث: قال الشارح: ولا يجوز أن يُتعدَّى هذا الترتيب.
1 التسهيل ص165.
2 مثال ذلك قوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} .
3 من الآية 82 من سورة ص.
4 نقول: "جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ أكتعُ أبصعُ، والقبيلة كلها جمعاء كتعاء بصعاء، والقوم كلهم أجمعون أكتعون أبصعون، والهندات كلهن جُمَعُ كُتَعُ بُصَعُ".
وقال في شرح الكافية: ولا يجاء بأكتع وأخواته غالبا إلا بعد أجمع وأخواته على هذا الترتيب. انتهى.
ومراعاة هذا الترتيب هو المشهور.
وأجاز ابن كيسان أن تبدأ بأي الثلاثة شئت بعد أجمع، وهو ظاهر قوله في التسهيل1 بهذا الترتيب أو دونه.
وقال ابن عصفور: وأما أبصع وأبتع فلا تبال بأيهما قدمتَ على الآخر.
وأجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم أكتع على أجمع.
ومذهب الجمهور أنه لا يتقدم عليه.
وأجاز الكوفيون وابن كيسان أيضا الاستغناء بأكتع وأخواته عن أجمع وأخواته، ومذهب الجمهور المنع.
وقوله2: حولا أكتعا
1 التسهيل ص165.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.
وتمامه:
يا ليتني كنت صبيا مرضعا
…
تحملني الذَّلْفَاء..........
اللغة: "الذلفاء" -بفتح الذال وسكون اللام- أصله وصف لمؤنث الأذلف، وهو مأخوذ من الذلف وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة، ثم نُقل إلى العلمية فسميت به امرأة، "حولا" عاما، "أكتعا" تاما كاملا، وهو من ألفاظ التوكيد مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع أي: تام.
الإعراب: "يا" حرف تنبيه أو حرف نداء حذف المنادى منه، "ليتني" حرف تمن ونصب والنون للوقاية والياء اسمه، "كنت" فعل ماض ناقص والتاء اسمه، "صبيا" خبره، "مرضعا" نعت، وجملة كان واسمه وخبره في محل رفع خبر ليت، "تحملني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول، "الذلفاء" فاعل والجملة في محل نصب صفة ثانية لقوله:"صبيا"، "حولا" ظرف زمان متعلق بتحمل، "أكتعا" تأكيد.
الشاهد فيه: "حولا أكتعا" حيث أكد بأكتع وهو غير مسبوق بأجمع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 406/ 2، وابن عقيل 157/ 2، والسيوطي 94، والمكودي ص117، وابن الناظم. وذكره السيوطي في الهمع 123/ 2، والشاهد رقم 363 في الخزانة.
ونحوه من الضرورات "وشذ"1 قول بعضهم: "أجمع أبصع"، وإنما حق أبصع أن يجيء بعد أكتع.
وأشد منه قول بعضهم: "جُمَع بُتَع"، وإنما حق "بتع"2 وأخواته أن يجاء بهن آخرا توابع لأبصع.
الرابع: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني تأكيدا "للتأكيد"3.
الخامس: لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع، ولا إلى النصب4.
السادس: لا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض، فلا يقال:"قام زيدٌ نفسُهُ وعينُهُ"، ولا "جاء القوم كلهم وأجمعون"، وأجاز العطف بعضهم وهو قول ابن الطراوة.
السابع: ألفاظ التوكيد معارف، أما ما أُضيف إلى الضمير فظاهر، وأما أجمع "وتوابعه"5 ففي تعريفه قولان:
أحدهما: أنه بنية الإضافة، ونسب إلى سيبويه6.
والثاني: أنه بالعلمية عُلِّق على معنى الإحاطة7.
1 ب، جـ، وفي أ "وهو مثل".
2 أ، ب.
3 جـ، وفي أ، ب "التأكيد".
4 أي: على المختار لمنافاة القطع مقصود التوكيد هـ. صبان 58/ 3.
5 وفي أ "وأخواته".
6 قيل: هذا ينافي ما قدمه من امتناع حذف الضمير استغناء بنية الإضافة، والحق أنه لا منافاة؛ لأن ما تقدم في غير أجمع وتوابعه هـ. صبان 38/ 3.
7 أي: وضع على معنى هو الإحاطة، ولا يخفى أن جعل مدلوله الإحاطة يورث اختلال الكلام؛ إذ يكون حينئذ معنى "جاء القوم أجمع": جاء القوم الإحاطة، فلعل في العبارة حذف مضاف أي: ذي الإحاطة، على أن الإحاطة مصدر المبني للمفعول هـ. صبان 59/ 3.
قال محمد بن مسعود الغزني1 في البديع: وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة انتهى، ولكون هذه الألفاظ معارف منع البصريون نصبها على الحال.
وقوله:
وإن يُفِد توكيد منكور قُبِل
…
وعن نحاة البصرة المنع شمل
مذهب الكوفيين والأخفش جواز توكيد النكرة إذا كانت مؤقتة "وأجاز بعض الكوفيين مطلقا مؤقتة كانت، أو غير مؤقتة"2، ومنع ذلك البصريون3 وإلى الجواز ذهب المصنف؛ لإفادته ولورود السماع به4.
فإن قلت: على أي "المذهبين"5 يحمل كلامه؟
قلت: ظاهر النظم موافقة الثاني، إذ لم يشترط في الجواز غير الإفادة.
وقوله في التسهيل6: وإن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين، يقتضي موافقة الأول إذ الأخفش ومن وافقه من الكوفيين خصوا ذلك بالمؤقتة على ما نقل عنهم.
وقوله: "المنع شمل" المقيد وغيره.
1 محمد بن مسعود الغرني، هكذا سماه أبو حيان. وقال ابن هشام بن الذكي صاحب كتاب البديع: أكثر أبو حيان من النقل عنه، وذكره ابن هشام في المغني وقال: إنه خالف فيه أقوال النحويين.
2 قال السيوطي في البغية: ولم أعرف شيئا من أحواله.
3 أ، جـ.
4 سواء أكانت محدودة كيوم وليلة وشهر وحول، أو غير محدودة كوقت وزمن وحين، تقول:"اعتكفتُ شهرا كله".
وقوله:
لكنه شاقَهُ أَنْ قيل ذا رجب
…
يا ليت عدة حول كله رجب
5 وفي ب، جـ "المذهبين الأولين".
6 التسهيل ص165.
وقوله:
واغْنَ بكلتا في مثنى وكِلَا
…
عن وزن فَعْلَاء ووزن أَفْعَلا
استغني في تثنية المثنى بكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء، فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان، خلافا للكوفيين وابن خروف في إجازتهم تثنيتهما قياسا معترفين بعدم السماع.
فإن قلت: هل يجري خلافهم في توابع أجمع وجمعاء؟
قلت: في كلام بعضهم ما يشعر بإجراء الخلاف فيها، والقياس يقتضي إجراءه، وقوله:
وإن تؤكد الضمير المتصل
…
بالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع...........
…
.....................
يعني: "أنه"1 إذا أكد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو بالعين، فلا بد من توكيده "قبلها"2 بضمير مرفوع منفصل، فتقول:"قُمْ أنتَ نفسُكَ" و"قمت أنتَ نفسُكَ".
فإن قلت: فهل توكيده بذلك واجب؟
قلت: قال في شرح الكافية: لم يجز إلا بعد توكيده بضمير "مرفوع"3 منفصل.
فلو قلت: "قوموا أنفسكم" لم يجز، وهو موافق لنصوص غيره من النحويين.
وقال في التسهيل4: ولا يؤكد بهما غالبا ضمير رفع متصل إلا بعد توكيده
1 أ، جـ.
2 أ، جـ، وفي ب "قبلهما".
3 أ، جـ.
4 التسهيل ص165.
بمنفصل وأشار بقوله: "غالبا" إلى ما ذكره الأخفش في المسائل من أنه يجوز على ضعف "قاموا أنفسهم" وفي عبارة الفارسي لا يحسن.
"فرع":
إذا قلت: "هلم لكم أنفسكم" جاز دون توكيد للفصل الذي هو "لكم" وهذا بلا خلاف. فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد، ذكره في الارتشاف. وقد فهم من قوله:"المتصل" أن المنفصل يؤكد بهما بلا شرط.
ومن قوله: "عنيت ذا الرفع" أن المنصوب والمجرور "يؤكد"1 بهما بلا شرط، فتقول:"رأيتُكَ نفسَكَ" و"مررت بِكَ نفسِكَ".
وإن شئت أكدتهما بالمنفصل.
وقوله:
....... وأكدوا بما
…
سواهما والقيد لن يُلتزما
يعني: أن ما سوى النفس والعين من ألفاظ التوكيد إذ أكد "بها"2 ضمير الرفع المتصل، لم يلتزم توكيده بمنفصل، وهو المعني بالقيد، ولكن يجوز فتقول:"قوموا كلكم".
ولو قلت: "أنتم كلكم"، لكان حسنا.
ولما فرغ من التوكيد المعنوي، انتقل إلى التوكيد اللفظي فقال:
وما من التوكيد لفظي يجي
…
مكررا كقولك ادْرُجي ادْرُجي
التوكيد اللفظي: إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى.
فالأول كقولك: "ادرجي ادرجي" ويكون في الاسم والفعل والحرف والمركب غير الجملة، والجملة، نحو:"جاء زيد زيد".
1 أ، جـ، وفي ب "يؤكدان".
2 ب، جـ، وفي أ "بهما".
..................
…
أتاكِ أتاكِ اللاحقون1
ونَعَمْ نَعَمْ.
.............
…
وحَتَّامَ حَتَّامَ العناء المطول2
1 لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
وتمامه:
فأين إلى أين النجاة ببغلتي
…
.... احْبِسِ احْبِسِ
المعنى: أين أذهب؟ وإلى أي مكان أنجو ببغلتي؟ وقد جاء الذين يلاحقونني ويطلبونني، فلا مفر من أن يستسلم الإنسان للقدر، ويقف حيث هو وليكن ما يكون.
والظاهر أن الشاعر كان فارًّا من قومه يلاحقونه، فخاطب نفسه بذلك.
الإعراب: "فأين" اسم استفهام مبني على الفتح في محل جر بإلى محذوفة يدل عليها ما بعدها، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "إلى أين" توكيد لفظي، "النجاة" مبتدأ مؤخر، "ببغلتي" جار ومجرور متعلق بالنجاة، "أتاك" فعل ماض والكاف مفعول، "أتاك" توكيد لفظي، "اللاحقون" فاعل، "احبس" فعل أمر وفاعله مستتر فيه، "احبس" توكيد لفظي.
الشاهد فيه: "أتاك أتاك"، فقد أكد الفعل تأكيدا لفظيا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 160/ 2، وابن هشام 101/ 2، وابن الناظم.
2 قائله: هو الكميت بن زيد الأسدي، وهو من الطويل.
وصدره:
فتلك وُلَاة السوء قد طال ملكهم
اللغة: "ولاة السوء" الولاة -بضم الواو- جمع والٍ، وهو الذي يتولى أمور الناس، "حتام" بمعنى: إلى متى؛ فحتى غائية وما بعدها استفهامية، وحذفت ألفها فرقا بين الخبر والاستفهام، أي: فرقا بين "ما" الموصولة والاستفهامية، "العناء" -بفتح العين وتخفيف النون- المشقة والتعب، "المطول" الطويل.
الإعراب: "فتلك" مبتدأ، "ولاة" خبره مرفوع بالضمة الظاهرة، "السوء" مضاف إليه، "قد" حرف تحقيق، "طال" فعل ماض، "ملكهم" فاعل والضمير مضاف إليه، "حتام" حتى حرف جر وما اسم استفهام والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "حتام" جار ومجرور توكيد للأول، "العناء" مبتدأ مؤخر، "المطول" نعت للعناء.
الشاهد فيه: "حتام حتام" فإنه توكيد لفظي بإعادة الأول بلفظه، وهو من نوع توكيد المركب غير الجملة بمركب غير جملة، فإن الجار والمجرور مركب من كلمتين، ولكنه مركب غير تام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2.
.................. و
…
لكَ الله لكَ الله1
قال الشارح: وأكثر ما يجيء مؤكد لجملة.
والثاني: نحو: انزل نزال.
قال2:
.............
…
صَمِّي لما فعلت يهود صَمَام
1 قائله: لم أقف على قائله، وهو من الهزج.
2 قبله:
يا من لستُ أقلاه
…
ولا في البعد أنساه
لك الله على ذاك....
…
.........
اللغة: "أقلاه" فعل مضارع من القِلَى، وهو البغض والكراهية الشديدة في هذا الفعل.
المعنى: يدعو لمخاطبه بأن يكون الله حافظا له، وكالئا إياه، وراعيا.
الإعراب: "لك" اللام حرف جر والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "الله" مبتدأ مؤخر، "لك الله" جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، وهذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى.
الشاهد فيه: "لك الله لك الله" فإن الجملة الثانية تأكيد لفظي للجملة الأولى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2، وابن الناظم.
2 قائله: هو الأسود بن يعفر أحد شعراء العرب في الجاهلية، وكان من ندماء النعمان بن المنذر، وهو من الكامل.
وصدره:
فرت يهود وأسلمت جيرانها.....
اللغة: "يهود" اسم قبيلة، "صمي" -بفتح الصاد وتشديد الميم- فعل أمر مسند لياء المخاطبة المؤنثة، بمعنى اخرسي، "صمام" -بفتح الصاد وآخره مكسور مثل قطام- اسم علم للداهية.
الإعراب: "فرت" فعل ماض والتاء للتأنيث، "يهود" فاعل، "وأسلمت" الواو عاطفة وأسلم فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه، "جيرانها" مفعول به لأسلم منصوب وضمير الغائبة مضاف إليه، "صمي" فعل أمر مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعله، "لما" اللام حرف جر وما اسم موصول والجار والمجرور متعلق بصمي، "فعلت" فعل ماض والتاء للتأنيث، "يهود" فاعل والجملة لا محل لها صلة الموصول، "صمام" اسم فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وهذه الجملة مؤكدة توكيدا لفظيا لجملة صمي.
الشاهد فيه: "صمي صمام"، فإن "صمام" توكيد لفظي لقوله:"صمي" وهي تقوية للأول.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 409/ 2.
ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل.
ومنه قوله1:
..............
…
أَجَلْ جير إن كانت أُبيحت دعاثره
فإن قلت: عبارته ظاهرة في تناول الأول دون الثاني لقوله: "مكررا".
قلت: إذا حمل على تكرار معنى المؤكد، ولم يختص بتكرار لفظه كما ذكر الشارح تناولهما.
فإن قلت: ما إعراب صدر البيت؟
1 قائله: هو مضرس بن ربعي، وهو من الطويل.
وصدره:
وقلن على الفردوس أول مشرب
…
اللغة: "الفردوس" -بكسر الفاء وسكون الراء- البستان، وأراد به هنا روضة دون اليمامة وقيل: لبني يربوع، "أجل" حرف مثل نعم في الوزن، "جير" -بفتح الجيم وسكون الياء وكسر الراء-على ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وربما فتحوا الراء وجعلوها مثل أين وكيف وقصدوا بذلك التخفيف، "دعاثره" جمع دعثور -بضم الدال وسكون العين وضم الثاء- وهو الحوض الذي لم يتأنق صاحبه في صنعه.
الإعراب: "قلن" فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة وهي فاعل مبني على الفتح في محل رفع، "على الفردوس" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "أول" مبتدأ مؤخر، "مشرب" مضاف إليه، "أجل" حرف جواب مبني على السكون لا محل له من الإعراب، "جير" حرف جواب تأكيد لحرف الجواب الأول مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، "إن" -بكسر الهمزة- حرف شرط جازم، "كانت" فعل ماض فعل الشرط في محل جزم، "أبيحت" أبيح فعل ماض مبني للمجهول والتاء للتأنيث ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، وجملة الفعل ونائب فاعله في محل نصب خبر كان تقدم على اسمه، "دعاثره" اسم كان مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "أجل جير" لأن كلتيهما بمعنى الإيجاب، فأكد "أجل" توكيدا لفظيا بقوله:"جير"، وذلك من قبيل إعادة الأول بلفظ مرادف له في المعنى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2، وابن الناظم.
قلت: "ما" موصولة و"لفظي" خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة، و"يجي" خبر الموصول.
أي: والذي هو من التوكيد لفظي، يجيء مكررا.
قوله:
ولا تُعِدْ لفظ ضمير متصل
…
إلا مع اللفظ الذي به وُصِل
تقول: "قمتُ قمتُ" ونحوه؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الاتصال.
ثم قال:
"كذا الحروف" يعني: أن الحرف لا يعاد إلا مع ما اتصل به أولا؛ لكونه كالجزء منه نحو: "إن زيدا قائم، إن زيدا قائم" و"في الدار، في الدار زيد" ولا يعاد وحده إلا ضرورة، نص عليه ابن السراج كقوله1:
1 قائله: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي، وقيل: هو لرجل من بني أسد لم يعين.
وصدره:
فلا والله لا يُلفى لما بي
…
وهو من الوافر.
اللغة: "لا يلفى" لا يوجد، من ألفى إذا وجد، "لما بي" الذي بي.
المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند خصومه من الحقد والضغينة، علاج، وليس هناك أمل في المودة والمصالحة وإزالة الأحقاد والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.
الإعراب: "فلا" الفاء عاطفة، و"لا" زائدة لتوكيد القسم، "والله" حرف قسم وجر متعلق بفعل قسم محذوف، "لا" نافية، "يلفى" فعل مضارع مبني للمجهول جواب القسم، "لما" ما موصولة مجرورة باللام متعلق بيلفى، "بي" متعلق بمحذوف صلة، "ولا للما بهم" الواو عاطفة و"لا" زائدة لتأكيد النفي، واللام الأولى حرف جر واللام الثانية مؤكدة للأولى، وما اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام الأولى، والجار والمجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق، بهم متعلق بمحذوف صلة الموصولة، "أبدا" ظرف متعلق بيلفى، "دواء" نائب فاعل يلفى.
الشاهد فيه: "للما" فاللام الثانية توكيد للأولى الجارة، ولم يفصل بينهما فاصل مع أن اللام ليست من أحرف الجواب وهو شاذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد لا يكاد يقوم بنفسه، ولو جاء على الصواب لقال:"لما لما به".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3، وابن الناظم.
.. ولا لِلِما بهم أبدا دواء
وأجاز الزمخشري: "إن إن زيدا قائم"، وتبعه ابن هشام.
قال في شرح التسهيل: وقوله مردود؛ لعدم إمام يستند إليه وسماع يعتمد عليه.
ولا حجة له في قول الشاعر1:
إن إن الكريم يحلُم ما لم
…
يَرَيَنْ من أجاره قد ضِيما
فإنه من الضرورات.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.
اللغة: "يحلم" من الحلم وهو الأناة والتعقل، "أجاره" جعله في جواره وحمايته، "ضيم" مبني للمجهول ، أي: ظلم وبخس حقه.
المعنى: إن الكريم الخلق يتحلى بالحلم والتعقل في تصرفاته، ما لم ير أن من أجاره وجعله في حماه قد ظلم واعتدى عليه، فعند ذلك يذهب عنه حلمه ويبطش بهذا الظالم المعتدي على من التجأ إليه.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب، "إن" الثانية توكيد لها، "الكريم" اسمها، "يحلم" الجملة خبر، "ما" مصدرية ظرفية، "يرين" مضارع مؤكد بالنون الخفيفة في محل جزم بلم، و"ما" دخلت عليه في تأويل مصدر بإضافة اسم زمان منصوب بيحلم، أي: يحلم مدة عدم رؤيته، "من" اسم موصول مفعول ليرى، "أجاره" الجملة صلة، "قد ضيما" حرف تحقيق، وفعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة في محل نصب صفة لمن أو حال إن جعلت "يرى" بصرية، ومفعول ثانٍ إن كانت علمية.
الشاهد فيه: "إن إن" حيث أكد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما، مع أنه ليس من حروف الجواب، وهو شاذ لا يقاس عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
تنبيه:
قال في التسهيل1: لم يعد في غير ضرورة إلا معمولا بمثل عامله أولا أو مفصولا. ومثّل الفصل بقوله2:
حتى تراها وكأنّ وكأنْ
…
أعناقها مشددات بقرن
وبقوله3:
ليت شعري هل ثم هل آتيَنْهم
1 التسهيل ص166.
2 قائله: هو خطام المجاشعي يصف إبلا، وقيل: الأغلب العجلي، وهو من الرجز.
اللغة: "أعناقها" -جمع عنق- وهي الرقبة، "قرن" -بفتح القاف والراء- حبل تربط به الإبل ويقرن بعضها إلى بعض.
المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل يستحثونها على السير بنظام واعتدال، حتى إن من يراها يظن أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال.
الإعراب: "حتى" حرف غاية وجر، "تراها" فعل مضارع والفاعل ضمير أنت والضمير البارز مفعول وهو عائد على الإبل في بيت قبله، "وكأن" الواو للحال وكأن حرف تشبيه ونصب، "وكأن" الثانية توكيد وخُففت للقافية، "أعناقها" اسم كأنّ الأولى والهاء مضاف إليه، "مشددات" خبرها، "بقرن" متعلق بمشددات، وسكن للشعر.
الشاهد فيه: "كأن وكأن" حيث أكد "كأن" بمثلها مع عدم الفاصل بمعمول الأولى -مع أنها ليست من حروف الجواب- وهذا أخف في الشذوذ من سابقه؛ لأنه فصل هذا بواو العطف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
3 قائله: هو الكميت بن معروف، وهو من الخفيف.
وتمامه:
.........
…
أم يحولن دون ذاك الحمام
اللغة: "آتينهم" أزورهم وأراهم، "الحمام" -بكسر الحاء- الموت.
المعنى: يتلهف على أحبابه الذين فارقهم، ويتمنى أن يزورهم ويراهم أو يمنع من التمتع برؤيتهم وقوع الموت عليه أو عليهم.
الإعراب: "ليت" حرف تمن ونصب، "شعري" اسم ليت منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه، "هل" حرف استفهام، "ثم" حرف عطف، "هل" توكيد للاستفهام =
قال: ومن الفصل المسموع، الفصل بالوقف كقوله1:
= السابق، "آتينهم" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة والفاعل ضمير مستتر وضمير الغائبين مفعول به، "أم" حرف عطف، "يحولن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، "دون" ظرف متعلق بيحول، "ذاك" ذا مضاف إليه والكاف حرف خطاب، "الحمام" فاعل يحول مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "هل ثم هل" حيث أكد "هل" الأولى بهل الثانية مع الفصل بينهما بالحرف "ثم"، ولكنه لم يأت بمدخول المؤكد فاصلا وهو "آتينهم" وهذا شاذ، ومع شذوذه فهو أخف من غيره لوجود الفاصل، ولو وافق القياس لقال:"هل آتينهم، ثم هل آتينهم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.
اللغة: "ينسك" فعل مضارع أصله: النسيان، "الأسى" -بفتح الهمزة والسين مقصورا- الحزن، "تأسيا" الصبر والاقتداء بغيره من الصابرين، "حمام" -بكسر الحاء وتخفيف الميم- الموت، "مستعصما" ممتنعا.
المعنى: لا ينسك الحزن على من مات منك حسن التأسي بالصابرين؛ لأن أحدا لا يعتصم عن الموت، فلا فائدة حينئذ للجزع وترك التأسي بالصابرين.
الإعراب: "لا" ناهية، "ينسك" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف الياء والكاف ضمير المخاطب مفعول أول، "الأسى" فاعل، "تأسيا" مفعول ثانٍ لينسي منصوب بالفتحة الظاهرة، "فما" الفاء للتعليل وما حرف نفي يعمل عمل ليس، "من حمام" جار ومجرور متعلق بمستعصما، "أحد" اسم ما النافية، "مستعصما" خبر ما منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
الشاهد فيه: "فما ما" فإنه كرر الحرف الواحد للتأكيد اللفظي، ولكن فصل بينهما بالوقف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 410/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
لا يُنسِكَ الأسى تأسيا فما
…
ما من حمام أحد مستعصما
فظاهره أن مثل ذلك يجوز اختيارا.
وصرح في الكافية وشرحها بقلة:
حتى تراها وكأن وكأن
ولم يجعل للفصل فيه أثرا.
ثم استثنى من الحروف الجوابية فقال:
..... غير ما تحصلا
…
به جواب كنَعَمْ وكبَلَى
فيجوز أن يؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء فتقول: "نعم نعم" و"لا لا " و"بلى بلى".
وذلك لأن الحرف الجوابي كالمستقل؛ لصحة الاستغناء به عن ذكر المجاب به.
وقوله:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل
…
أكدْ به كل ضمير اتصل
فيؤكد به المرفوع نحو: "قمت أنت"، والمنصوب نحو:"رأيتك أنت"، والمجرور نحو:"مررت بك أنت".
وهذا من قبيل التوكيد اللفظي.
"تنبيه":
إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو: "رأيتك إياك" فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد.
قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: "فعلتَ أنتَ" والمرفوع تأكيد بإجماع.
قيل: وكأنه يعني بقوله: بإجماع أنه يجوز، لا أنه يتعين فإنهم قد أعربوا "قمت أنت" بدلا.
قلت: قوله في التسهيل1: ولا يبدل مضمر من مضمر، يمنع من إعرابه بدلا.
1 التسهيل ص172.