المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تابع القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك: ‌ ‌الجزء الثاني: ‌ ‌الفاعل: هو الاسم - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن أم قاسم المرادي]

الفصل: ‌ ‌تابع القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك: ‌ ‌الجزء الثاني: ‌ ‌الفاعل: هو الاسم

‌تابع القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك:

‌الجزء الثاني:

‌الفاعل:

هو الاسم المسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول، أو جارٍ مجراه.

"فالاسم": جنس يشمل الصريح والمؤول، و"المسند إليه" فعل مخرج لما لم يسند إليه كالمفعول، والمسند إليه غير الفعل نحو:"زيد أخوك".

"وتام": مخرج للفعل الناقص نحو: "كان" وأخواتها، فلا يسمى مرفوعها فاعلا حقيقة.

وقد سماه سيبويه1 فاعلا والخبر مفعولا على سبيل التوسع، "مقدم" يخرج نحو:"زيد قام".

قيل: "وهذا"2 حكم مختلف فيه، فلا ينبغي أن يذكر في الحد، "وغير مصوغ للمفعول" يخرج نحو:"ضُرب زيدٌ ويُضرَب" مما هو طريقة فُعِل ويُفعَل، فإن مرفوعهما نائب عن الفاعل وليس بفاعل.

قال المصنف: وقد اضطر الزمخشري إلى تسميته مفعولا بعد أن جعله فاعلا.

"والجاري مجرى الفعل" هو "اسم الفعل"3 والصفات والمصادر والظروف والمجرورات "بشرطها"4. وقد أشار إلى تعريف الفاعل بمثالين تضمنهما قوله:

الفاعل الذي كمرفوعَيْ أتى

زيد" منيرا وجهُهُ نعم الفتى

فكأنه قال: الفاعل ما كان كزيد من قولك: "أتى زيد" في كونه اسما أسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول، أو كان كوجهه من قولك "منيرا وجهه" في كونه اسما أسند إليه اسم مقدم جارٍ مجرى الفعل المذكور.

1 راجع الكتاب 1/ 21 سيبويه.

2 أ، ب. وفي جـ "وهو".

3 جـ.

4 ب، جـ.

ص: 583

وأما قوله: "نعم الفتى" فهو مثال "ثانٍ"1 كمل به البيت، والأول يغني عنه2. ثم قال:

وبعد فعلٍ فاعلٌ فإن ظهر

فهو وإلا فضمير استتر

مرتبة الفاعل أن يكون بعد فعله لكونه كالجزء منه، فإن ظهر المسند إليه بعد الفعل فهو الفاعل نحو:"قام زيد" و"قمتُ"، وإن لم يظهر بعده بل قبله نحو:"زيد قام" أو لم يظهر قبله ولا بعده نحو: "قم" فهو ضمير مستتر؛ لأن الفعل لا يخلو "من"3 "الفاعل"4، ولا يتأخر عنه5.

فإن قلت: ليس قوله: "وبعد فعل فاعل" على إطلاقه، فإن بعض الأفعال لا يرفع فاعلا فليس بعده فاعل، وذلك الفعل الزائد نحو:"كان" الزائدة، خلافا لمن قال فيها ضمير المصدر.

والمستعمل استعمال الحرف نحو: "قلما" المراد بها النفي في الأشهر، والمؤكد في نحو:"قام قام زيد" في أحد الأوجه، وللمبني للمفعول نحو:"ضرب زيد".

قلت: المراد بقوله: "وبعد فعل فاعل" أن الفاعل يكون بعد الفعل لا قبله، وليس المراد أن كل فعل يكون بعده فاعل "فيلزمه"6 ما ذكرت.

فإن قلت: لا بد في الشرط والجزاء من مغايرة ولم يفد الجزاء في البيت إلا ما أفاد الشرط؛ لأن التقدير: فإن ظهر الفاعل فهو الفاعل.

1 أ، ب. وفي جـ "ثالث".

2 قال ابن عقيل 1/ 266: "ومثل للمرفوع بالفعل مثالين: أحدهما: ما رفع بفعل متصرف نحو: "أتى زيد"، والثاني: ما رفع بفعل غير متصرف نحو: "نعم الفتى"".

3 ب، جـ. وفي أ "عن".

4 أ، ب. وفي جـ "فاعل".

5 هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فأجازوا التقديم، متمسكين بقوله: ما للجمال مشيها وئيدا، وتأوله البصريون على الابتداء وإضمار الخبر الناصب، والصحيح مذهب البصريين لقوته.

6 أ، وفي ب، جـ "فيلزم".

ص: 584

قلت: الضمير في قوله: "ظهر" للفاعل في المعنى، وخبر "هو" الفاعل في الاصطلاح "فتغايرا"1.

والمعنى: فإن ظهر بعد الفعل ما هو له في المعنى، فهو الفاعل في الاصطلاح. فإن قلت: قوله: "وإلا فضمير استتر" ليس بجيد؛ لأن الفاعل قد يكون ضميرا "بارزا"2، نحو:"فعلت".

قلت: الضمير البارز شمله قوله: "فإن ظهر"، فإن المراد بالظاهر "هنا"3 الملفوظ به، لا مقابل الضمير.

فإن قلت: مقتضى قوله: "وإلا فضمير استتر" أن الفاعل إما ظاهر وإما "مضمر"4 مستتر، وبقيت حالة أخرى، وهو أن يكون "ضميرا"5 محذوفا في باب النيابة وباب المصدر وباب التعجب.

قلت: قد ذكر ذلك في باب النيابة، وباب التعجب، وأما المصدر فلا يرد هنا6؛ لأنه إنما تكلم على فاعل الفعل على أن في التعجب والمصدر خلافا، وقد ذهب الكسائي إلى جواز حذف الفاعل مطلقا.

ثم قال:

وجَرِّدِ الفعل إذا ما أُسندا

لاثنين أو جَمْع "كفاز الشهدا

أي: إذا أسند الفعل إلى فاعل ظاهر مثنى أو مجموع، جرد في اللغة المشهورة من علامة التثنية والجمع فتقول:"فاز الشهيدان، وفاز الشهداء".

1 أ، ب. وفي جـ "مغايرا".

2 أ، جـ.

3 أ، جـ. وفي ب "هو".

4 أ، ب. وفي جـ "ضمير".

5 جـ.

6 في النائب عن الفاعل: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} ، والتعجب إذا دل عليه متقدم مثل:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} ، والمصدر نحو:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ا. هـ. تصريح الشيخ خالد بتصرف. وقال الشيخ يس في المصدر: "قال الزرقاني: فإن الفاعل فيه محذوف وليس بمضمر؛ لأن المصدر لا يتحمل الضمير، وقال السيوطي: يتحمله؛ لأن الجامد: إطعام أُوِّل بمشتق: يطعم" ا. هـ. بتصرف.

ص: 585

فإن قلت: أطلق في قوله: "لاثنين أو جَمْع"، وإنما يعني منه الظاهر.

قلت: قيد ذلك بمثاله، وأيضا بقوله في البيت الذي يليه "والفعل للظاهر بعد مسند"؛ لأن المسألة واحدة.

فإن قلت: لا فائدة في تخصيصه ذلك بالاثنين والجمع؛ لأن المسند إلى المفرد مجرد أيضا.

قلت: لم تختلف العرب في فعل المفرد، وإنما اختلفوا في فعل الاثنين والجمع، فنبه على مواضع الخلاف.

ثم أشار إلى اللغة الأخرى:

وقد يُقال: سَعِدا وسَعِدوا

والفعل للظاهر -بعدُ- مُسنَد

هذه اللغة ينسبها النحويون إلى: "أكلوني البراغيث"، وحمل المصنف عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم1:"يتعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار" 2 وقد نُوزع في ذلك.

وقال السهيلي: ألفيتُ في كتب الحديث المروية الصحاح ما يدل على كثرة هذه اللغة. وجردها، وذكر آثارا، منها قوله عليه الصلاة والسلام:"يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار" أخرجه مالك في الموطأ.

ثم قال: لكني أقول في حديث مالك: "إن"3 الواو فيه علامة إضمار؛ لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا مجردا4. فقال فيه: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم" ا. هـ.

1 أ، ب.

2 "يتعاقبون" أي: تأتي طائفة عقب أخرى، وهو حديث صحيح، رواه البزار في صحيح البخاري وأخرجه مالك في موطئه، وذكره ابن مالك في التسهيل صـ44، 226.

3 ب، جـ. وفي أ "إذ".

4 وفي جـ "مجودا" ومجردا، أي: من علامة الجمع الموجودة مع الاسم الظاهر لعدم إسناده إلى الظاهر، بل إلى الضمير. ا. هـ. صبان 2/ 33.

ص: 586

وحكى بعض النحويين أنها لغة طيئ، وحكى بعضهم أزد شَنوءَةَ ولا يقبل قول من أنكرها1.

ثم قال:

ويرفع الفاعلَ فعلٌ أُضمرا

كمثل "زيدٌ" في جواب "من قرا

يعني: أن الفاعل قد يحذف رافعه.

وحذفه، على قسمين: جائز نحو: "زيد" في جواب "من قال"2: من قرأ؟ أي: قرأ زيد. وهذا المثال يحتمل أن يكون "زيد" فيه مبتدأ محذوف الخبر، أي: زيد القارئ، وهو الأظهر؛ لأن الأولى مطابقة الجواب للسؤال. والأحسن أن يقال: كمثل زيدٌ في جواب: هل قرأ أحد؟

وواجب نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3 أي: وإن استجارك أحد. وتجوَّز المصنف فعبر عن الحذف بالإضمار.

وفهم من كلامه أن الرافع للفاعل هو "المسند"4، أعني الفعل وما جرى مجراه، وهذا أصح الأقوال5.

ثم قال:

وتاء تأنيث تلي الماضي إذا

كان لأنثى كأبت هندُ الأذى

1 راجع الأشموني 1/ 170.

2 جـ.

3 من الآية 6 من سورة التوبة.

4 أ، جـ. وفي ب "المسند إليه".

5 والأقوال هي: أحدها أن العامل المسند إليه مَن فَعل أو ما ضمن معناه.

الثاني: أن رافعه الإسناد، أي: النسبة، فيكون العامل معنويا، ورُد بأنه لا يعدل إلى المعنوي إلا عند تعذر اللفظي وهو موجود

الثالث: شبهه بالمبتدأ حيث يخبر عنه بفعله، ورد بأن الشبه المعنوي لا يستقر

الرابع: كونه فاعلا في المعنى

ورد بقولهم: "مات زيد"

ا. هـ. همع 1/ 159 بتصرف.

وأميل إلى الأول وعليه الجمهور؛ لقوته وضعف الباقي.

ص: 587

إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث، ولو بتأويل لحقته "تاء" ساكنة تدل على تأنيث فاعله.

ولحاقها على ضربين: جائز وواجب، وقد بين ذلك بقوله:

وإنما تلزم فعل مضمر

متصل أو مفهم ذات حِرِ

يعني: أن هذه التاء لا تلزم الفعل إلا في حالين:

الأول: أن يسند إلى "ضمير"1 متصل سواء كان حقيقي التأنيث نحو: "هند قامت"، أو مجازيه نحو:"الشمس طلعت".

فإن كان منفصلا نحو: ما "قام"2 إلا أنتِ، ضعف إثبات التاء.

الثاني: أن يسند إلى ظاهر حقيقي التأنيث متصل، غير جمع ولا جنس، نحو:"قامت هند"، و"قامت الهندانِ".

فإن كان مجازي التأنيث نحو: "طلعت الشمس"، أو منفصلا نحو:""قامت"3 اليوم هند"، أو جنسا نحو:"نعمت المرأة"، أو جمعا نحو:"قامت الهنود" لم تلزم التاء على "سببين"4.

وقد فهم القيد الأول وهو: أن يكون حقيقي التأنيث، من قوله:"أو مفهم ذات حر": والحر: فرج المرأة5.

1 أ، ب، وفي ج "مضمر".

2 أ، ب، وفي ج "قال".

3 ب، ج، وفي أ "قام".

4 أ، ج.

5 وأصل حر: حرح؛ فحذفت لام الكلمة بدليل تصغيره على حريح، وجمعه على أحراح، فحذفت لامه وهي الحاء اعتباطا، فبقي مثل:"يد ودم"، وقد يعوض منها راء تدغم فيها الراء، وهو بكسر الحاء: فرج المرأة كما في المصباح، لكن المراد هنا مطلق فرج معد للوطء ولو دبرا كالطير. ا. هـ. خضري 1/ 163.

ص: 588

ونبه على القيد الثاني؛ أعني الاتصال بقوله:

وقد يبيح الفصل ترك التاء في

نحو: "أتى القاضيَ بنت الواقف

ولكن يختار إثبات التاء في "غير الحقيقي المتصل، وفي الحقيقي"1 المفصول بغير "إلا".

فقولك: "أتت القاضيَ بنتُ الواقف" أحسن من "أتى".

فإن كان الفصل "بإلا" فبالعكس، وقد نبه عليه بقوله:

والحذف مع فصل بإلا فُضِّلا

كما زكا إلا فتاةُ ابن العلا

فما زكا إلا فتاة، أجود مما زكت.

وبعضهم لا يجيز ثبوتها مع الفصل "بإلا" إلا في الضرورة، والصحيح جوازه في النثر على قلة، ومنه قراءة مالك بن دينار2 وأبي رجاء الجحدري3:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} 4 ذكرها أبو الفتح.

ثم نبه على أنه قد ورد الحذف مع الحقيقي المتصل، ومع ضمير المجازي بقوله:

والحذف قد يأتي بلا فصل، ومَعْ

ضمير ذي المجاز في شعر وقعْ

أما الحذف مع الحقيقي المتصل فذكره سيبويه5، وحكى: قال فلانة.

1 أ، ج.

2 هو: أبو يحيى البصري، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، سمع أنس بن مالك. قال القتبي: كان يكتب المصاحف بالأجرة، وكان من أحفظ الناس للقرآن، وكان يقرأ كل يوم جزءا من القرآن حتى يختم، فإن أسقط حرفا، قال: بذنب مني، وما الله بظلام للعبيد. مات سنة سبع وعشرين ومائة.

3 أبو رجاء الجحدري: هو عاصم بن أبي الصباح، العجاج الجحدري البصري.

أخذ القراءة عرضا عن عيسى بن عمر الثقفي ونصر بن عاصم وغيرهما، وقال خليفة بن خياط: مات قبل الثلاثين ومائة.

وقال المدائني: سنة ثمانٍ وعشرين ومائة.

4 من الآية 25 من سورة الأحقاف.

5 قال سيبويه ج ص235: "وقال بعض العرب: قال فلان" ا. هـ.

ص: 589

وذكر المصنف أنه لغة بعضهم، وقال بعضهم: هو شاذّ، لا يجوز إلا حيث سمع.

وأما الحذف مع ضمير المجازي، فقد ورد في الشعر كقوله:

..........

ولا أرضَ أبقلَ إبقالها1

وقوله:

إن السماحة والمروءة ضمنا

قبرا بمرو على الطريق الواضح2

1 عجز بيت، قائله: عامر بن جوين الطائي، أحد الخلعاء الفتاك. يصف سحابة وأرضا مخصبة لكثرة ما بها من الغيث، وهو من المتقارب.

وصدره:

فلا مزنة وَدَقَتْ ودقها

الشرح: "المزنة" بضم الميم وسكون الزاي وفتح النون: السحابة المثقلة بالماء، و"ودقت": الودق: المطر. وفي القرآن الكريم: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} ، "أبقل": من الإبقال. يقال: أبقلت الأرض، إذا خرج بقلها، أي: أنبتت البقل، وهو النبات.

المعنى: ليس هناك من السحاب ما أمطر مطرا نافعا كهذه السحابة، ولا توجد أرض تنبت البقل كما تخرجه هذه الأرض.

الإعراب: "فلا" نافية تعمل عمل ليس، "مزنة" اسمها، وجملة "ودقت" وفاعله المستتر في محل نصب خبرها، "ودقها" منصوب على أنه مفعول مطلق، "ولا" الواو عاطفة لجملة على جملة، ولا نافية للجنس تعمل عمل "إن"، أرض اسمها، "أبقل" فعل ماضٍ والفاعل ضمير، والجملة في محل رفع خبرها، "إبقالها" مفعول مطلق.

الشاهد: في "ولا أرض أبقل" حيث حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث، ويروى: أبقلت أبقالها؛ بنقل حركة الهمزة من "إبقالها" إلى التاء في "أبقلت" وحينئذ فلا شاهد فيه.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم صـ91، وابن هشام 1/ 245، وابن عقيل 1/ 247، والأشموني 1/ 174، وداود، السندوبي، والمكودي ص51، والسيوطي ص48. وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 171، وذكره ابن يعيش في شرح المفصل 4/ 95، والشاهد رقم 2 في خزانة الأدب، وسيبويه في كتابه ج1 ص240.

2 قائله: هو زياد بن سليمان، مولى عبد القيس، أحد بني عامر بن الحارث وهو الذي يقال له: زياد الأعجم. وهو من قصيدة حائية يرثي بها زياد بن المغيرة بن المهلب. وقيل: للصلتان العبدي وليس بصحيح. والصحيح أنها لزياد بن الأعجم. وهو من قصيدة طويلة من الكامل. =

ص: 590

وقوله:

..........

فإن الحوادث أودى بها1

= الشرح: "بمرو" في محل النصب على أنها صفة لقبر، أي: قبرًا كائنًا بمدينة مرو، وهي قصبة خراسان وبها كان سرير الملك، وهي مدينة عظيمة بينها وبين نيسابور اثنا عشر يوما.

الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب، "السماحة" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة، "والمروءة" معطوف عليه، "ضمنا" ضمن فعل ماضٍ مبني للمجهول، وألف الاثنين فاعل مبني على السكون في محل رفع، وهو المفعول الأول، "قبرا" مفعول ثانٍ لضمن، "بمرو" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقبر، "على الطريق" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لقبر، "الواضح" صفة للطريق.

الشاهد: في "ضمنا"؛ فإن ضمن فعل ماضٍ مسند إلى ضمير المؤنث وهو الألف العائدة إلى السماحة والمروءة، والقياس فيه أن يقول:"ضمنتا" بتاء التأنيث؛ لأنها خبر عن السماحة والمروءة ، وهما مؤنثتان، وهو محمول على الضرورة خلافا لابن كيسان.

مواضعه: ذكره داود في شرحه للألفية، وابن هشام في شذور الذهب ص153.

1 هذا عجز بيت للأعشى بن قيس، وهو من قصيدة له يمدح فيها رهط قيس بن معد يكرب الكندى ويزيد بن عبد الدار الحارثي، وهو من المتقارب.

وصدره:

فإما تريني ولي لمة

رواية سيبويه:

فإما ترى لمتي بدلت

الشرح: لمة بكسر اللام وتشديد الميم: ما ألم وأحاط بالمنكبين من شعر الرأس، فإن زاد عن ذلك فهو الجمة -بضم الجيم وتشديد الميم- "الحوادث": جمع حادثة، وأراد بها نوازل الدهر وكوارثه التي تحدث واحدة بعد واحدة.

"أودى بها": ذهب بها وأبادها وأهلكها.

المعنى: إن رأيتني فيما مضى وأنا شاب لي لمة، فلا تعجبي من ذهابها اليوم أو من ذهاب بهجتها، فإن المصائب وكرّ الغداة والعشي أذهبتها.

الإعراب: "إما" مركبة من: إن ما، إن حرف شرط جازم وما زائد، "تريني" فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، "ولي" الواو للحال، لي جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، "لمة" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب حال، "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط.

إن: حرف توكيد ونصب، "الحوادث" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة، "أودى" فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود إلى الحوادث تقديره هو، "بها" جار ومجرور متعلق بأودى، وجملة أودى وفاعله في محل رفع خبر إن، وجملة إن واسمها وخبرها في محل جزم جواب الشرط =

ص: 591

وهو من ضرائر الشعر، خلافا لابن كيسان في القياس عليه.

ثم أشار إلى القيد الثالث -أعني: كونه غير جمع- بقوله:

والتاء مع جمع سوى السالم من

مذكر، كالتاء مع إحدى اللَّبِن

يعني: أن حكم التاء مع المسند إلى غير المذكر السالم حكمها مع المجازي التأنيث "كإحدى اللبن" وهي لبنة، فيجوز إثباتها وحذفها.

فعلى هذا تقول: قام الرجال وقامت الرجال وقام الهندات وقامت الهندات؛ لأن قوله: "سوى السالم من مذكر" يشمل الجمع المكسر والسالم من المؤنث.

فالتذكير على تأولهم بجمع والتأنيث على تأولهم بجماعة، وما ذكره في جمع التكسير متفق عليه.

وأما المؤنث السالم؛ فإما أن يكون واحده مذكرا "كالطلحات"، أو مغيرا وهو "بنات" فحكمه أيضا في جواز الأمرين حكم التكسير.

وإما أن يكون غير ذلك "كالهندات" فحكمه حكم واحده. فلا يقول: "قام الهندات" إلا من يقول: "قام فلانة"، هذا هو الصحيح وإليه ذهب في التسهيل1.

وأجاز الكوفيون: "قام الهندات" كجمع التكسير، واختاره أبو علي، واستدلوا بقوله تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} 2.

وأجيب بأن حذفها في الآية للفصل، وكلامه هنا موافق مذاهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين.

= الشاهد: في "أودى" حيث لم يلحق تاء التأنيث بالفعل الذي هو قوله: "أودى"، مع كونه مسندا إلى ضمير مستتر، عائدا إلى مؤنث وهو "الحوادث" الذي هو جمع حادثة. فإن قلت: فإني لم أجد لهذا الشاعر ضرورة ألجأته إلى حذف التاء؛ لأنه لو قال: "أودت بها" لم يتغير الوزن، قلت: الجواب عن ذلك أن ننبهك إلى هذه الألف المنطوق بها قبل الباء في "أودى بها" فالقافية مؤسسة، والتأسيس هو الألف الواقع قبل حرف الرويّ بحرف متحرك.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم، وابن هشام 1/ 355، السندوبي، الأشموني 1/ 174، ابن يعيش في شرح المفصل 4/ 95، والشاهد رقم 952 من خزانة الأدب، وسيبويه في كتابه ج1 ص339.

1 التسهيل ص75.

2 من الآية 12 من سورة الممتحنة.

ص: 592

وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز إلحاق التاء معه، إذا لم يسمع؛ ولذلك استثناه خلافا للكوفيين، فأجازوا الوجهين في الجموع الثلاثة.

ويستثنى من ذلك البنون، فحكمه حكم التكسير1 لتغير واحده.

واعلم أن اسم الجمع كالجمع المكسر.

ثم نبه على القيد الرابع، أعني: كونه غير مقصود به الجنس، بقوله:

والحذف في نعم الفتاةُ استحسنوا

لأن قصد الجنس فيه بين

يعني: أنهم استحسنوا الحذف في "نعم وبئس"، فيقول:"نعم الفتاة" من لا يقول: "قال فلانة"؛ لأن المقصود به جنس الفتاة، و"أل" فيه جنسية، خلافا لمن زعم أنها عهدية.

ولا يعني أن الحذف أحسن "من"2 الإثبات بل هو حسن، والإثبات أحسن منه.

والأصل في الفاعل أن يتصلا

والأصل في المفعول أن ينفصلا

يعني: أن الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله؛ لأنه كالجزء منه، والأصل في المفعول أن ينفصل عنه بالفاعل نحو:"ضرب زيدٌ عمرًا".

ثم قال:

وقد يُجاء بخلاف الأصل

..........

أي: يقدم المفعول على الفاعل نحو: ضرب عمرًا زيدٌ.

وتقديمه على الفاعل، على ثلاثة أقسام: جائز كما مثل، وواجب، وممتنع، وقد نبه عليها، فقال:

...........

وقد يجي المفعول قبل الفعل

وهو على ثلاثة أقسام: جائز نحو قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى} 3، وواجب

1 أ، ج. وفي ب "المكسر".

2 ب، ج.

3 من الآية 30 من سورة الأعراف.

ص: 593

نحو: "من أكرمت؟ "؛ لأن اسم الاستفهام له الصدر، وممتنع ويمنعه ما أوجب تأخره أو توسطه.

ثم قال:

وأخِّر المفعول إن لبس حُذر

أو أُضمر الفاعل غير منحصر

يجب تأخير المفعول في ثلاث مسائل:

الأولى: إذا خِيف التباسه بالفاعل؛ لخفاء الإعراب فيهما ولا قرينة، نحو:

"ضرب موسى عيسى" فيتعين كون الأول فاعلا "كذا"1 قال ابن السراج. وتظافرت2 على ذلك نصوص المتأخرين، ونازعهم في ذلك ابن الحاج3 في نقده على ابن عصفور، وقال: لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية، ولا يبعد أن يقصد قاصد "ضرب أحدهما" من غير تعيين4، فيأتي باللفظ المحتمل، ولا يمنع أن يتكلم به لغة ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة5.

نعم، يمكن أن يقال: إذا أجملا6.

فينبغي أن يبقى مع الظاهر من تقديم الفاعل، لكن ليس هذا قطعا على منعه.

قال الزجاج في معانيه7 في قوله تعالى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ 8} 9:

1 أ، ب.

2 قال الصبان 3/ 39: "هكذا اشتهر بالظاء، والصواب: تضافر بالضاد المعجمة، يقال: "تضافر القوم أي: تعاونوا"".

3 هو ابن العباس أحمد بن محمد الأزدي الإشبيلي المعروف بابن الحاج. كان عالما بالعربية محققا حافظا للغات، وله مختصر خصائص ابن جني، ونقود على الصحاح وإيرادات على المقرب لابن عصفور، وأمالي على كتاب سيبويه، وكان يقول: إذا مت يفعل ابن عصفور في كتاب سيبويه ما يشاء. ومات سنة 647هـ.

4 قال الأشموني: "ضرب أحدهما الآخر"، وهناك دليل خامس لم يذكره وذكره الأشموني والسيوطي في الهمع "فأجاز تقديم المفعول والحالة هذه، محتجا بأن العرب تجيز تصغير عمر وعمرو على عمير".

5 لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عقلا وشرعا.

6 لأن الإجمال من مقاصد العقلاء.

7 هو كتاب في معاني القرآن له.

8 من الآية 15 من سورة الأنبياء.

9 راجع الأشموني 1/ 176.

ص: 594

يجوز أن تكون "تلك" في موضع رفع على "أنها"1 اسم "زالت" وفي موضع نصب على خبر "زالت"، ولا خلاف بين النحويين في جواز الوجهين ا. هـ. مختصرا وبعضه بالمعنى.

ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية الكريمة، جواز مثل ذلك في:"ضرب موسى عيسى"؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم "زال" بخبرها، وذلك واضح2 فلو زال "الالتباس"3 بقرينة معنوية نحو:"ولدت هذه هذه" تشير بالأولى إلى الصغرى، أو بقرينة لفظية نحو:"ضربتْ"4 موسى سعدى، جاز التقديم.

الثانية: أن يكون "الفاعل"5 ضميرا "متصلا"6 غير محصور، نحو:"أكرمت زيدا"، فلو كان محصورا وجب تأخيره "نحو"7:"وما ضرب زيدا إلا أنا".

الثالثة: أن يحصر "المفعول"8 بإلا أو بإنما نحو: "ما ضرب زيد إلا عمرا"، و"إنما ضرب زيد عمرا".

ويجب تقديم المفعول على الفاعل لثلاثة أسباب:

الأول: أن يحصر "الفاعل"9 بإلا أو بإنما نحو: "ما ضرب زيدا إلا عمرو" و"إنما ضرب زيدا عمرو".

والثاني: أن يكون "المفعول"10 ضميرا متصلا وفاعله ظاهر نحو: "أكرمك زيد".

الثالث: أن يعود عليه ضمير متصل بالفاعل نحو: "ضرب زيدا غلامه" عند الأكثرين.

وقد نبه المصنف على وجوب تأخير ما حصر، فاعلا كان أو مفعولا، بقوله:

1 أ.

2 ولا أميل لرأي ابن الحاج لضعفه. قال الأشموني: "وما قال ابن الحاج ضعيف" 1/ 176؛ لأن ما ذكره في الآية من باب الإلباس، وفي غيرها من باب الإجمال.

3 أ، ج. وفي ب "اللبس".

4 أ، ب. وفي جـ "ضرب".

5 ب.

6 أ.

7 ب، جـ.

8 ب، جـ.

9 ب، جـ.

10 ب.

ص: 595

وما بإلا أو بإنما انحصر

أُخر....

فأما المحصور "بإنما" فلا خلاف في وجوب تأخيره.

وأما المحصور "بإلا" فنقل المصنف أنه يجب تأخيره خلافا للكسائي، فإنه أجاز تقديمه، فاعلا كان أو مفعولا، ووافقه ابن الأنباري على جواز تقديم المفعول "بخلاف"1 الفاعل.

والحاصل ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقا وهو مذهب الكسائي، والمنع مطلقا وهو مذهب الجمهور2، والتفصيل وهو مذهب ابن الأنباري. ونقل غيره أن مذهب البصريين والفراء والكسائي إجازة تقديم المفعول إذا حصر "بإلا""3"4.

وكلام المصنف هنا يقتضي موافقة الكسائي5.

.....

وقد يسبق إن قصد ظهر

واحترز بقوله: "إن قصد ظهر" من المحصور "بإنما"6، فإنه لا يظهر قصد الحصر معها إلا بالتأخير.

ولم ينبه على باقي أسباب تقديم المفعول، وهو مستفاد من قوله:"أو أُضمر الفاعل غير منحصر"؛ لأن العلة واحدة، وهي أن الاتصال لا يجوز مع إمكان الانفصال في غير المواضع المستثناة.

ثم قال:

وشاع نحو: "خاف ربَّه عمر

أي: كثر تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل عليه؛ لأن الفاعل في نية التقديم نحو: "خاف ربَّه عمرُ".

ثم قال:

1 أ، جـ. وفي ب "دون".

2 واختاره الجزولي والشلوبين؛ حملا لإلا على إنما.

3 لأنه في نية التأخير.

4 راجع الأشموني 1/ 177.

5 وقد ارتضيتُ مذهب الكسائي لوروده.

6 أ، ب، وفي ج "بإلا".

ص: 596

.........

وشذ نحو: زانَ نورُه الشجر

أي: شذ تقديم الفاعل الملتبس بضمير المفعول عليه؛ لما يلزم من عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة1.

قال المصنف: والنحويون -إلا أبا الفتح- يحكمون بمنع "مثل"2، هذا والصحيح جوازه3.

واستدل على ذلك بالسماع، وأنشد ستة أبيات4، وأنشد غيره أبياتا أخر.

وذكر لجوازه وجها من القياس5، وقد أجازه قبله وقبل أبي الفتح، الأخفش من البصريين، والطوال من الكوفيين6.

وتأول المانعون بعض الأبيات بما هو خلاف الظاهر، وقد أجازه بعضهم في الشعر دون النثر، وهو الإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر7، والله أعلم.

1 لأن الشجر مفعول وهو متأخر لفظا، والأصل فيه أن ينفصل عن الفعل فهو متأخر رتبة ا. هـ. ابن عقيل 1/ 280.

2 أ، ب.

3 أي: نظما ونثرا.

4 منها قوله:

ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا

من الناس أبقى مجده الدهر مطعما

وقوله:

وما نفعت أعماله المرء راجيا

جزاء عليها من سوى من له الأمر

وقوله:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمار

وقوله:

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقى نداه ذا الندى في ذرا المجد

وقوله:

جزى ربه عني عدي بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

وقوله:

لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا

وكاد لو ساعد المقدور ينتصر

5 قاسه على المواضع التي يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ا. هـ. صبان 2/ 4.

6 هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة وأحد أصحاب الكسائي والفراء. كان حاذقا بإلقاء المسائل العربية، قدم بغداد وأقرأ فيها، وحذق عن الأصمعي، ولم يشتهر له تصنيف، ومات سنة 243هـ.

7 راجع الأشموني 1/ 178.

ص: 597