الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام النكاح)
221 -
أقول: أحلَّ اللهُ لنبيّه صلى الله عليه وسلم نِكاحَ المَذْكوراتِ بِشَرطينِ: أحدهما: إذا آتاهُنَّ أجُورَهُن، وقد اتفقَ أهلُ العلمِ على أنَّ الصَّداقَ لا تَجوزُ المُواطَأَةُ على تَركِه، كان اتّفَقوا على جَوازِ تفويضِ المرأةِ لِبُضعِها، إلا أنَّ (1) الصَّداقَ لا بُذَ منهُ، فهو إما أن يَفْرِضَ لها، أو يَدخُلَ بها، ويستقرَّ عليهِ مَهْرُ نِسائها، ولها أنْ تَمْتَنِعَ منهُ إلى أن يَفْرِضَ لَها، وهذا الحكمُ شامِلٌ لهُ صلى الله عليه وسلم ولأُمتِه.
ثم خصَّهُ اللهُ بإحلالِ الزواجِ لهُ بغيرِ صَداق حالاً ومالاً، فلا يجبُ عليهِ مهرٌ، لا بموتٍ، ولا بدُخولٍ، فقالَ تَعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]،
(1) في "ب": "لأن" بدل "إلا أن".
أي: أحلَلْنا لكَ المرأةَ الواهبةَ خالِصَةً لكَ من دُونِ المؤمنين، والعاملُ في الحال (أحللنا) لا (وهبت)(1).
الثاني: أن يكُنَّ منَ المُهاجراتِ، فلا يحلُّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا لأحدٍ من أصحابه نِكاحُ كافرةٍ لم تهاجرْ؛ لمفهومِ هذهِ الآيةِ، ولقولِه تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].
فإن قلتَ: فإن كانتْ مؤمنةً لم تهاجِرْ، فهلْ يحلُّ نِكاحُها لمؤمن مُهاجِرٍ، أو لا يَحِلُّ له؟ قلتُ: لا أعلمُ فيهِ قولًا لأحدٍ من الفقهاءِ، والظاهرُ حلُّ نِكاحِها؛ لمفهوم قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وقوله:{ولَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، وقوله:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 98]، وقوله:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25].
* إذا تَمَّ هذا، فقد اختلفَ أهلُ العلم بالقرآنِ في هذهِ الآية، هلْ هيَ ناسخةٌ، أو منسوخةٌ؟ وسيأتي بيانُ ذلكَ قريَباً -إنْ شاءَ اللهُ تعالى-.
222 -
(6) قولُه جل جلاله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب: 51] الآية.
اختلفَ أهلُ العلمِ في معنى هذهِ الآيةِ.
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (3/ 559 - 560).
فقال بعضُ أهلِ التفسيرِ: أباحَ اللهُ سبحانَهُ لَهُ أن يتركَ التَّسْوِيَةَ والقَسْمَ بَيْنَ أزواجِه، حَتَّى إنَّه لَيُؤَخرُ مَنْ شاءَ منهنَّ عنْ وقتِ نَوْبَتِها (1)، ويَطَأُ مَنْ شاءَ في غير نَوْبَتِها، وجعلَ ذلكَ من خصائِصِه صلى الله عليه وسلم، فيعودُ الضميرُ إلى أزواجِه اللاتي أمِرَ بِتَخْييرِهِنَّ، وبهذا قالَ أبو سعيدِ الإِصْطَخْرِيُّ من الشافعيةِ (2).
وقالَ قومٌ: جعلَ اللهُ لهُ الخِيَرَةَ بينَ أنْ ينكِحَ، ويَتَّهِبَ مَنْ شاءَ، مِمَّنْ وَهبَتْ لهُ نفسَها، ويتركَ من شاءَ.
ففي "صحيح البخاري" و"مسلم" عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- قالت: كنتُ أَغار على اللَّاتي وَهبْنَ أَنْفُسَهُنَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأقولُ: أتهبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزلَ اللهُ عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]، قلتُ: ما أرى رَبَّكَ إلا يُسارِعُ في هواكَ (3).
وعنْ مُعاذٍ عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها-: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يستأذِنُ في اليوم المرأةَ مِنا بعد أن نزلت هذهِ الآية: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]، قلت لها: ما كنتِ تقولين؟ قالتْ: كنت أقول له: إنْ كانَ ذلكَ إِليَّ، فإنِّي لا أُريد يا رسولَ اللهِ أَنْ أُوثِر عليكَ أحدًا (4).
(1) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (3/ 538).
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (9/ 25) و (9/ 570).
(3)
رواه البخاري (4510)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ
…
}، ومسلم (1464)، كتاب: النكاح، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها.
(4)
رواه البخاري (4511)، كتاب: التفسير، باب: قوله: " {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ
…
.}، ومسلم (1476)، كتاب: الطلاق، باب: بيان أن تخيير امرأته لا=
وقد أرجَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ففي "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بنِ سعدٍ السَّاعِدِيَّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جاءَتهُ امرأةَ، فقالَتْ: إِنِّي وهبْتُ نَفْسي لَكَ، فقامَتْ، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! زَوِّجْنيها إن لم يكنْ لكَ بها حاجة، فَذَكَرَ أَنَّه زَوَّجَهُ إياها (1).
واختارَ هذا التأويلَ أبو عبدِ اللهِ الشافعيٌّ، وكذا جماهيرُ أصحابِه، فاختاروا وُجوبَ القَسْمِ عليهِ (2).
قالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما-: تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تِسْعٍ، وكانَ يقسِمُ لثمانٍ، ولا يقسِمُ لواحدةٍ (3).
وعن عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها-: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جِيْءَ به يحْمَلُ في كِساءٍ بينَ أربعةٍ، فَأُدخِلَ عَلَيَّ، فقال:"يا عائِشَةُ! أَرْسلي إلى النَّساءِ"، فلمَّا جِئْنَ، قال:"إنِّي لا أَسْتَطيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَّ لِي فَأَكونَ في بَيْتِ عائِشَةَ"، قُلْنَ: نَعم (4).
* ثم إطلاقُ هذا التخييرِ يقْتَضي (5) أَنَّ له أن يتزوَّجَ ويَتَّهِبَ ويُؤْوِيَ مَنْ يشاءُ مِمَنْ أَحَل اللهُ لهُ منْ كيرِ حَضرٍ؛ إذ جعلَ الأمرَ إلى مَشيئتِه صلى الله عليه وسلم، وهو
= يكون طلاقاً إلا بالنية، عن عائشة.
(1)
رواه البخاري (4742)، كتاب: فضائل القرآن، باب: القراءة عن ظهر قلب، ومسلم (1425)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد.
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (9/ 25)، و"المجموع" للنووي (2/ 178)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (3/ 251).
(3)
رواه البخاري (4780)، كتاب: النكاح، باب: كثرة النساء، ومسلم (1465)، كتاب: الرضاع، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها، عن ابن عباس.
(4)
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(1333)، بهذا السياق.
(5)
في "ب": "يعطي".
كذلكَ على الصحيحِ عندَ الشافعيَّةِ (1)، ورفع اللهُ سبحانَهُ عنهُ الجُناح في طَلَبِ مَنْ عَزَلَ مِنْهُنَّ، فيجوزُ أن يكونَ العَزْلُ عبارةً عن عدم الرغبةِ، فيجوز له أن يبتغيَ نِكاح مَنْ زَهِدَ في نِكاحِها، ورَغِبَ عنها، ويجوز أن تكونَ عِبارةً عن الطَّلاقِ، وهوَ الأقربُ -إنْ شاءَ اللهُ تعالى- (2).
فتدكُ الآيةُ على أَنَّهُ لا جُناح عليهِ في طَلَبِ مَغزولَتِه ثلاثاً؛ إذِ الجُناحُ مرتفعٌ عَمَّنْ سِواه فيما دُونَ الثلاثِ، وهوَ الصحيحُ من الوجهينِ للشافعيةِ أيضاً (3).
* إذا تَمَّ هذا، فقدِ اختلفَ أهلُ العلمِ بالقرآنِ في هذهِ الآيةِ، هلْ هيَ ناسخةٌ، أو منسوخَةٌ؟ وها أنا أُبيِّنُ ذلكَ في قولهِ تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] الآية، فأقولُ:
اختلفَ أهلُ العلمِ بالقرآنِ في هذهِ الآيةِ.
فرويَ عن مجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ أَنَّهما قالا: إنما حَرَّمَ اللهُ سبحانَهُ على نبيِّهِ نِكاحَ الكوافِرِ منْ أهلِ الكِتابِ، ومَعْنى (من بعد) أي: من بعد المسلمات؛ لئلا تكونَ كافرةٌ أما للمؤمنين، فذهبَا (4) إلى التأويل (5).
(1) قال الشافعي في "الأم"(5/ 141): أباح له من العدد ما حظر على غيره، وقال الماوردي في "الحاوي الكبير" (9/ 167): قد أبيح له النساء من غير عدد محصور، وما أبيح للأمة إلا عدد محصور، وليس وإن مات عن تسع يجب أن يكون هي العدد المحصور.
(2)
انظر: "تفسير السمعاني"(4/ 298).
(3)
انظر: "الحاوي الكبير"(9/ 2524).
(4)
في "أ": "فذهب".
(5)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (14/ 220)، و "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (1/ 632).
وقال جُمهورُهم: لما أمرَ اللهُ سبحانَهُ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم بتخييرِ نِسائه، وامتثلَ أَمْرَ رَبِّه، وخَيَّرَهُنَّ فاختَرْنه، جَعَلَ جَزاءَهُنَّ أنْ قَصَرَهُ عليهنَّ، وحرَّمَ عليهِ طلاقَهُنَّ بهذِهِ الآية، ومعنى (من بعد) أي: من بعدِ هؤلاءِ التسع (1).
ثم اختلف هؤلاءِ:
فقال قومٌ: الآيةُ باقية على أحكامها، غيرُ منسوخةٍ، ويروى هذا القولُ عنِ ابنِ عباسٍ، والحَسَنِ، وابْنِ سيرينَ، وقَتَادَةَ.
ثم قالَ قومٌ: بلْ هي ناسخة أيضاً لِما أباحَ اللهُ سبحانَهُ لنبيِّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تزِوُّجِ مَنْ شاءَ منَ النساءِ؛ لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51]، ولقوله تعالى:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50].
وحكي هذا القولُ عن محمدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ (2).
وقالَ قومٌ: الآيةُ منسوخةٌ غيرُ مُحْكَمَةٍ، نسخَ اللهُ سبحانَهُ التحريمَ عَنْ نبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ لتكونَ لهُ المِنَّةُ عليهِنَّ، وهذا ما اختارَهُ الشافعيُّ (3).
والنسخُ: إمَّا بالسُّنَّةِ عندَ مَنْ أجازَ النسخَ بها، ففي "صحيح مسلم" عن زيدِ بنِ أرقمَ -رضي اللهُ تعالى عنه- قال: تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ نزولِ هذهِ الآيةِ مَيْمونَةَ، ومُلَيْكَةَ، وصَفِيَّةَ، وجُوَيْرِيَةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهن- (4).
(1) انظر: "تفسير الطبري"(22/ 2928).
(2)
انظر: القولين في "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (14/ 220219)، وللوقوف على أقوال العلماء في الآية انظر:"الناسخ والمنسوخ" للنحاس (1/ 627) وما بعدها.
(3)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (14/ 219)، و"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 241)، واختيار الشافعية المشار إليه ذكره الرازي في "تفسيره"(25/ 192)، والنووي في "روضة الطالبين"(7/ 4).
(4)
لم أره في "صحيح مسلم"، وإنما ذكره الإمام النووي في "شرح مسلم"(10/ 50)، والله أعلم.
وإما بقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وهو مرويّ عن على وابنِ عباسٍ أيضاً (1).
وإمّا بقولهِ تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50]، كما قالَهُ بعضُ مُصَنِّفي الناسخِ والمنسوخ (2).
وفي "صحيح مسلم" عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها- قالت: ما ماتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحَل اللهُ لَهُ المنّسوخ (3).
قال الشافعيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: وأحسِبُ قولَ عائشةَ: حَّتى أحلَّ اللهُ لهُ النساءَ؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50]، فذكرَ اللهُ ما أحلَّ له، فذكر أزواجَهُ اللاتي آتى أُجورَهُنَّ، وذكرَ بناتِ عَمّه، وبَناتِ عَمَّاتِه، وبَناتِ خالِه، وبناتِ خالاتهِ، وامرأةً مؤمنةً إنْ وَهبْتَ نَفْسَها للنبيّ، فدلَّ ذلك على أنه أحلَّ له مع أزواجِه مَنْ ليسَ بزوجٍ يومَ أحلَّ لَهُ، وذلكَ أنه لم يكنْ عندَه من بَناتِ عَمِّه ولا بَناتِ عَمَّاته، ولا بَناتِ خالِه، ولا بَناتِ خالاته امرأةٌ، وكانَ عندَه عِدَّةُ نِسْوَةٍ (4).
* فإنْ قلتَ: فهلْ تحريمُ طَلاقِهِنَّ باقٍ، أو نُسِخَ كما نُسِخَ تَحريمُ الزواجِ
(1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (14/ 219).
(2)
انظر: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (2/ 62)، و "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (2/ 38).
(3)
لم أره في "صحيح مسلم"، وإنما رواه النسائي (3204)، كتاب: النكاح، باب: ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربة إليه، والترمذي (3216)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة الأحزاب، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 41)، وعبد الرزاق في "المصنف "(14001)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(16916)، عن عائشة.
(4)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (5/ 140 - 141).
عليهِنَّ؟ وهل تجدُ دليلاً يدلُّ على النَّسْخِ أو عدِمه (1)؟
قلتُ: للشافعيةِ في ارتفاع تحريمِ طلاقِهِنَّ وجهانِ، والراجحُ منهُما، والصوابُ عندي بقاءُ التحريمِ (2)، إذْ لا دليلَ يدل على النَّسْخِ، فلا يجوزُ أن يتركَ كتابُ اللهِ ويتبعَ خلافُه.
قال أُبَيُّ بْنُ كعبٍ: إن معنى: {ولَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52]: ليس لكَ أنْ تطلِّقَهُنَّ بعدما اخْتَرْنَ الله ورسولَهُ والدارَ الآخِرَةَ، ولكنْ لكَ أن تزَوَّجَ عليهِنَّ مَنْ شِئْت (3).
* وقَدْ قَدَّمنا (4) أقوالَ أهلِ العِلْمِ في المُراد بالإرجاء، هل هو في القَسْمِ والتَّسْوِيَة، أو في النكّاحِ والاتِّهابِ؟ ولم أعلمْ أحداً قال: إنَّ المرادَ بهِ الطلاقُ، والله أعلمُ.
(1) انظر: "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه"(ص: 45).
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (9/ 13).
(3)
لم أره بهذا اللفظ، وفي "معالم التنزيل" للبغوي (3/ 538)، و"تفسير الطبري" (29/ 22): قيل لأبي بن كعب: لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يمنعه من ذلك؟! قيل: قوله عز وجل: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} ، قال:(إنما أحل الله له ضرباً من النساء) فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} ، ثم قال:{لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} .
(4)
في "ب": "قدمت".