الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام صلاة الجمعة)
253 -
(1) قوله جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9].
أقولُ: اشتملتْ هذهِ الآيةُ على جملتين:
الجملة الأولى: الأمرُ بالسَّعْي عندَ النِّداءِ، والمرادُ بهِ التسبُّبُ والعملُ، لا السَّعْيُ على الأقدام، قالَ اللهُ تبارك وتعالى:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (1)[الليل: 4].
وإن كانَ المشيُ على القدمينِ مستحباً، فالسعيُ عليهما مكروهٌ (2)، روى أبو هُريرةَ -رضيَ الله تَعَالى عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا أُقُيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا تَأتوها وأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتوها وَعَلَيْكُمُ السَّكينَةُ، فما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وما فاتكمْ فَأَتِمُّوا؛ فإنَّ أَحَدَكمْ في صَلاةٍ ما دامَ يَعْمَدُ إلى الصَّلاةِ"(3).
(1) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (1/ 106)، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة (ص: 123)، و"تفسير الطبري"(28/ 99).
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 453)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 35).
(3)
رواه مسلم (602)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعياً.
* وقد اتفقَ الناسُ أن الأمرَ للوجوب على أعيانِ المؤمنين.
ويروى عن مالِكِ -رحمَهُ اللهُ تَعالى- روايةٌ شاذَّة: أنَّ الجمعةَ مستحبّهٌ، وأن الأَمرَ على الاستِحْباب؛ تشبيهًا لها بصلاةِ العيدِ (1).
ويروى عن بعضِ أهلِ العلمِ أنها فرضٌ على الكِفَايةِ (2).
* وقد اتفقَ أهلُ العلمِ على تَخْصيص هذا العُموِم، فأخرجَ منه المرأةُ والمريضُ.
فأما المرأةُ؛ فإنا لأنها غيرُ داخلةِ في خِطابِ الذُّكورِ، أو لأنَّ النساءَ كُنَّ يتركْنَ الحضورَ في الصَّدْرِ الأولِ، ولم يُنْكَرْ عليهِنَّ.
وأما المريضُ، فلكونهِ خارِجًا بعدَمِ استطاعةِ السعيِ (3).
* واختلفوا في المُسافِرِ والعبدِ، فذهب داودُ إلى وجوبِ الجُمعة عليهما؛ لظاهرِ الآيةِ (4).
وذهب الجمهورُ إلى عدمِ وجوبِها عليهما (5)، واستدلوا بما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه قالَ: "الجُمُعَةُ حَقٌ واجِبٌ على كُل مسلمٍ، إلَّا على أَرْبَعَةٍ:
(1) قال بعض أهل الجهل: إنه روى ابن وهب عن مالك: أن شهودها سنة، فالجواب عن ذلك: أن شهودها سنة على أهل القرى الذين اختلف السلف والخلف في إيجاب الجمعة عليهم، وأما أهل الأمصار فلا. انظر:"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 56)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 113).
(2)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 252).
(3)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 251)، "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 113)، و"الهداية" للمرغيناني (1/ 83).
(4)
انظر: "المحلى" لابن حزم (5/ 49)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 114).
(5)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 340)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 400).
عبدٍ مَمْلوكٍ، أو امرأةٍ، أو صَبِيٍّ، أو مريضٍ" (1)، وفي رواية أخرى: "إلَّا على خَمْسَةٍ" وفيه: "أو مسافر" (2) ولكنَّ الحديثَ مرسَلٌ، قال البيهقيّ: ولكنه مرسلٌ جيدٌ، وله شواهِدُ يَقْوى بها (3).
* فإن قلتُم: قد قدمت صفةَ النداءِ ووقته العام، فمتى وقتُ هذا النداء.
قلنا: وقته إذا جلسَ الإمامُ على المنبر.
روينا في "صحيح البُخاريّ" عن السائبِ بنِ يزيدَ: أنَّه قال: كان النداءُ يومَ الجُمُعَةِ إذا جلسَ الإمامُ على المنبرِ على عهدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمر، فلما كانَ زمنُ عثمانَ، وكثرَ النَّاسُ، زادَ إليه الندا (4) الثالثَ (5).
فإن قلتم: فإذا كانَ هذا وقتَ النداءِ الموجبِ للسعيِ، فيلزمُ ألاّ يجبَ السعيُ على منْ هوَ خارجَ البلدِ؛ إذ (6) لا فائدةَ لسعيِه حينئذٍ؛ لفواتِ الصلاةِ عليهِ، ولا يجبُ السعيُ قبلَه لمفهومِ خطابِ الشرعِ.
قلنا: قد قالَ قومٌ بأنهُ لا يجبُ عليهِ السعيُ.
وقالَ الجمهورُ بوجوبه (7).
(1) رواه أبو داود (1067)، كتاب: الصَّلاة، باب: الجمعة للمملوك والمرأة، والبيهقيّ في "السنن الكبرى"(3/ 172)، وفي "السنن الصغرى"(1/ 373)، وفي "فضائل الأوقات"(263)، عن طارق بن شهاب.
(2)
رواه الطّبرانيّ في "المعجم الكبير"(1257)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى"(3/ 183)، عن تميم الداري.
(3)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 183).
(4)
"النداء" ليس في "أ".
(5)
رواه البُخاريّ (870)، كتاب: الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة.
(6)
في "ب": "لأنَّه".
(7)
انظر: "شرح البُخاريّ" لابن بطال (2/ 495).
ثم اختلفَ هؤلاءِ:
فمنهم من قال: يجب عليهِ إذا كانَ بحيثُ لو انصرفَ من الجمعةِ يؤُويه الليلُ إلى أهلِه، وبِه قِالَ الأوزاعيُّ عن معاويةَ (1).
وروى ابنُ عمرَ أنَّه قال: إنَّما الغسلُ على من تجبُ عليهِ الجمعةُ، والجمعةُ على من يأتي أهلَهُ؛ أي: ليلاً (2)(3).
واستدلُّوا بما رُوي: "الجُمُعَةُ على مَنْ آواهُ اللَّيْلُ إلى أَهْلِهِ"(4)، أو كما قال.
والأثَرُ ضعيفٌ (5).
ومنهم مَنْ قالَ: تجبُ عليهِ إذا كانَ على ثلاثَةِ أميالٍ، واستدلُّوا بأنَّ أصحابَ العَوالي كانوا يأتونَ الجُمُعَةَ في زَمَنِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذلكَ على ثلاثَةِ أميالٍ (6).
ومنهم من قال: تجبُ عليه إذا كانَ بحيثُ يسمعُ النِّداءَ، واستدلُّوا بما
(1) انظر: "المحلي" لابن حزم (5/ 55)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 462).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(3015). وانظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (2/ 353).
(3)
قال التِّرمذيُّ: وهذا حديث إسناده ضعيف.
(4)
رواه التِّرمذيُّ (501)، كتاب: الصَّلاة، باب: ما جاء من كم تؤتى الجمعة؟ ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف"(1/ 499)، عن أبي هريرة مرفوعاً.
(5)
إن كان يقصد بالأثر قول ابن عمر السابق فقد صححه ابن حجر كما في "فتح الباري"(2/ 382).
(6)
وهو قول مالك والليث. انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 153)، و"المراسيل" لأبي داود (50)، و "المحلى" لابن حزم (5/ 56).
رُوي عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ: أنَّه قال: "إنَّما تجبُ الجُمُعَةُ عَلى مَنْ سَمِعَ النداءَ، فمن سمعَهُ، فلم يأتِه، فقد عَصى رَبَّهُ"(1) ورويَ عنهُ مرفوعاً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الجُمُعَةُ عَلى مَنْ يَسْمَعُ النِّداءَ"(2).
وبالأخير قال الشافعيُّ (3).
وعن مالكٍ قولانِ كالأخيرينِ (4).
* ومفهومُ الخِطاب يقتضي أنَّه لا يَجِبُ السعيُ قبلَ النِّداءِ، وإذا لم يَجِبِ السعيُ، جازَ له أن يعملَ بما يُناقِضُ السَّعْيَ ويُبْطِلهُ مثلَ السفرِ إلى مَوْضِعٍ لا جُمُعَةَ فيه.
وبهذا قالَ الشافعيُّ في أحدِ قولَيه (5)، وهو مذهبُ عمرَ -رضي الله تعالى عنه- رُويَ عنهُ أنَّه أبصرَ رَجُلاً عليهِ أُهْبَةُ السفرِ يقولُ: لولا أنَّ اليومَ يومُ جُمعةٍ، لخرجتُ، فقال: اخرجْ؛ فإن الجمعةَ لا تحبِسُ عن سَفَرٍ (6).
وروى الزهريُّ مُرْسَلاً: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ لسفرٍ يومَ الجمعةِ منْ أولِ النهار (7).
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 173)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، موقوفاً عليه من قوله.
(2)
رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 6)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى"(3/ 173)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً.
(3)
هذا لمن كان خارج المصر، أما من كان داخل المصر فتجب عليه الجمعة سواء سمع النداء أو لا، وهناك شروط أخرى. انظر:"الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 192)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 404).
(4)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 58).
(5)
انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 189).
(6)
رواه عبد الرَّزاق في "المصنف"(5537).
(7)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 187 - 188)، عن الزُّهريّ مرسلاً.
ورويَ عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وعمرَ بنِ عبدِ العزيز: أنهُ لا يُنْشِئُهُ يومَ الجمعةِ حتَّى يُصَلِّيَها (1).
ورويَ عن معاذِ بنِ جبلِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- ما دلَّ على ذلك، وبهِ قالَ الشافعيِّ في قولهِ الآخر (2).
فصل
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنَّ الجمعةَ وردَ بيانُ فعلِها من النَّبي صلى الله عليه وسلم على هيئةِ مخصوصةِ مخالفةٍ لسائرِ الصلواتِ، فصلاها ركعتينِ، وخَطب فيها خطبتين قائمًا، وقعدَ بينَهما، وفعلَها في جماعةٍ، وفي مَحَلِّ استيطانِ، وفي مسجدِ واحدِ، وكان يتطَهَّرُ لها بالاغتسالِ، ويقرأُ فيها بشيءِ مخصوصٍ، وهو: الجمعةُ، والمنافقون، وسَبِّحْ، والغاشِية.
ولما رأى أهلُ العلمِ والاستنباطِ أنَّ هذهِ الأفعالَ والأحوالَ المقترنةَ بهذه العبادةِ التي ظهرَ بقصدِ الشارع الاعتناءُ بها لها مناسبة بهذهِ العبادة، اعتبروها، واشترطوها في خصوصِ هذه العبادة، ولم يختلفوا إلَّا بحسبِ اختلافِهم فيما ظهرَ لهمْ بالدليلِ على أن قصدَ الشارع لم ينهضْ في ذلكَ سبباً للوجوب، وها أنا أتكلمُ في هذه الأمورِ بحسبِ ما يليقُ بكتابي هذا، ولا أُخليهِ عن ذلكَ؛ لعظمِ موقعِ الجمعةِ من دينِ اللهِ تبارك وتعالى، فأقول:
* أما الصلاةُ، فقد اتفقَ المسلمون على أَنَّها رَكْعتانِ.
وأمَّا الخُطْبة:
فقدِ اتفقَ جُمهورُ العلماءِ على أنها واجبة.
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 375).
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 425)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 471).
وقَال قَليلٌ منهم: الخطبةُ سُنَّةٌ، وليستْ بواجبةِ كسائرِ المواعظِ، وبه قالُ ابن الماجشون المالكيُّ (1).
وهو ضعيفٌ؛ لنقلِ الخلفِ عن السلفِ، ولأنها تخالفُ سائرَ المواعظِ؛ لترتيبِها، ولأنها داخلة في ذكرِ اللهِ سبحانَهُ الذي أمرَ بالسعيِ إليه (2).
ولهذا قال الشافعيُّ بوجوبِ الألفاظِ الراتبةِ في خطبةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ من حَمْدِ اللهِ تبارك وتعالى، والصَّلاةِ على نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والوصيةِ بتقوى اللهِ تعالى، وقراءةِ القرآنِ، وبوجوبِ الجلوسِ بينَ الخطبتين (3)، وإنْ خالفَهُ في ذلكَ مالكٌ (4).
* وأمَّا الجماعةُ فقدِ:
اتفقوا على اشتراطِها.
ولكن اختلفوا في أَقَلِّ الجمعِ بحسبِ اختلافِ أهلِ اللسانِ في ذلك، هل هو اثنان، أو ثلاثة.
ثم اختلف هؤلاء هل الإمامُ في الاثنينِ أو الثلاثةِ، أو لا؟ فمنهم من قال: يكفي واحدٌ مع الإمام (5).
(1) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 249).
(2)
انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 116)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 107).
(3)
انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 200)، و "المجموع" للنووي (4/ 435).
(4)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (2/ 165)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 117).
(5)
وهو قول الحسن بن صالح وأبو ثور. انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 409).
ومنهم من قال: لا بُدَّ من اثنين غيرِ الإمام (1).
ومنهم من قالَ: لا بدَّ من ثلاثةٍ غيرِ الإمام، وهو قولُ أبي حنيفة (2)، وربَّما استدلَّ بما رُوي مرفوعاً:"الجمعةُ واجبةٌ على كلِّ قريةٍ فيها إمامٌ، وإن لم يكونوا إلَّا أرَبعةً"(3)، ولكنه ضعيفٌ لا يَصِحُّ (4).
ولما رأى الشافعيُّ ضعفَ هذا الاستدلالِ، تَمَسَّكَ بأقلِّ ما سمع، فقال: سمعتُ عدداً من أصحابِنا يقولون: تجبُ الجمعةُ على كُلِّ أهلِ دارِ مقامٍ إذا كانوا أربعينَ رَجُلًا، وكانوا أهلَ قريةِ، فقلنا به، وكان أقل ما علمناه قيل به، ولم يجزْ عندي أن أدعَ القولَ به، وقد روي حديثٌ لا يثبتهُ أهلُ الحديثِ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَّعَ حينَ قدمَ المدينةَ بأربعينَ رجلًا (5)، ولكنه يشهدُ له ما روى عبدُ الرحمنِ بنُ كعبِ بنِ مالكٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- قال: كنتُ قائداً أبي حين ذهبَ بصره، فإذا خرجْتُ به إلى (6) الجُمعةِ، فسمع الأذانَ، صَلَّى على أبي أُمامَةَ أسعدَ بنِ زُرارةَ، واستغفرَ له، فقلتُ له: يا أبت! أَرَأَيتَ استغفارَكَ لأبي أُمامَةَ كلَّما سمعتَ الأَذانَ للجمعة، ما هو؟ فقال: أي بنيَّ!
(1) وهو قول أبي يوسف وسفيان الثوري. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 341).
(2)
انظر: "المبسوط"(1/ 361)، و "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 341).
(3)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(2/ 204)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(3401)، والدارقطني في "سننه"(2/ 7)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى"(3/ 179)، عن أم عبد الله الدوسية.
(4)
ضعفه الدارقطني والبيهقيّ.
(5)
انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 190).
(6)
في "ب": "يوم".
إنه كانَ أولَ من جَمَّعَ بنا في هَدْمٍ من حَرَّةِ بَني بياضَةَ يقالُ له: نقيع الخَضَمات، قال: قلت: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون رجلًا (1).
فإن قيلَ: هذا يعارضُه ما قالَ الزهريُّ: كانَ مُصْعَبٌ بن عمير (2) أولَ من جَمَّعَ الجمعةَ بالمدينةِ للمسلمينَ قبل أن يقدمَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنه جَمَّعَ بهم وهم اثنا عَشَرَ رجلًا (3).
قلنا: لا يعارضُه، فقولُ عبدِ الرِحمنِ مُتَّصِل، وقولُ الزهريِّ منقطعٌ، كيفَ والجمع بينهما ممكنٌ؟ وذلكَ أن النقباءَ الذين بايعوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم البيعةَ الأولى كانوا اثني عَشَرَ نقيباً، منهم أسعدُ بنُ زُرارةَ، فطلبوا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يبعثَ إليهم رجلًا من أصحابِه يُعَلِّمُهم القرآنَ، ويُفَقِّهُهم في الإسلام، ويَؤُمُّهم في صلاتِهم، فبعثَ إليهم مُصْعَباً، فالزهريُّ أضافَ التجميعَ إلى مُصْعَبٍ بمعونةِ النقباءِ، وكعب بنُ مالكٍ أضافَ التجميعَ إلى أسعدَ؛ لنزول مصعب عندَهُ أولاً، ولخروجِه إلى دُورِ الأنصارِ يدعوهم إلى الإسلام، فالزهري (4) يريد عددَ النقباءِ الذين كانوا له ظَهْراً، وكعبٌ يريدُ عددَ مَنْ صَلَّى معه مِمَّنْ أسلمَ من أهلِ المدينة مع النقباء (5).
(1) رواه أبو داود (1069)، كتاب: الصَّلاة، باب: الجمعة في القرى، وابن ماجه (1082) كتاب: إقامة الصَّلاة، باب: في فرض الجمعة، وابن حبان في "صحيحه"(7013)، والطبراني في "المعجم الكبير"(900)، والدارقطني في "سننه"(2/ 5)، والحاكم في "المستدرك"(4858)، وابن الجارود في "المنتقى"(291)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى"(3/ 176).
(2)
"بن عمير" ليس في "أ".
(3)
رواه أبو عوانة في "مسنده"(6964)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 107).
(4)
في جميع المواضع هنا في "ب": "الزبيري" بدل "الزُّهريّ".
(5)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 465).
وبقولِ الشَّافعيِّ قالَ أحمدُ (1)، وهو قولُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ (2).
وأمَّا مالِكٌ، فلاحظَ المعنى، فلم يكتفِ بالأربعةِ، ولم يوجبِ الأربعين، بل اشترط جَمْعاً يمكنُ أن يتقرب بهم قربة اعتبارًا بمكانِ يجوز فيه الجمعةُ، وبمحلِّ استيطانِها (3).
* وأمَّا محلُّ الاستيطانِ:
فقد اتفقَ عليه أهلُ العلمِ، والدليلُ عليه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم جَمَّعَ بينَ الظُّهرِ والعَصْرِ يومَ عَرَفَةَ، ثم راح إلى الموقفِ، وكانَ ذلكَ يومَ جُمعة.
قال الشَّافعي: وقد كانَتْ مِنًى ينزلُها الحاجُّ، ما علمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا أَحَداً من الأَئِمَّةِ صلَّى بها جمعةَ قطُّ، وعرفةُ هكذا أيضاً، ما علمنا أَحَداً صَلَّى بها جمعةَ قَطُّ (4).
وزادَ أبو حنيفةَ فاشترطَ المِصْرَ والسُّلطانَ زيادةَ على الاستيطانِ (5)، واستدل بما رُوي عن عَلِي -رضيَ اللهُ تَعالى عنه-: أنَّه قالَ: لا تشريقَ ولا جمعةَ إلَّا في مِصْر جامعِ (6).
* وأمَّا المسجدُ.
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 89).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 190)، وروي عنه التحديد بخمسين رجلاً.
انظر: "المحلى" لابن حزم (5/ 46)، و "المجموع" للنووي (4/ 422).
(3)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 58).
(4)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 468).
(5)
انظر "المبسوط" للسرخسي (2/ 25)، و "شرح فتح القدير" لابن الهمام (2/ 51).
(6)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5064).
فرآهُ مالِكٌ والشافعيُّ أشدَّ مناسبةً من المِصْرِ والسلطانِ (1)؛ لأنَّ المصرَ والسلطانَ غيرُ مناسبينِ لأحوالِ الصلاةِ؛ بخلافِ المسجِد، حتَّى اختلفَ أصحابُ مالكٍ في المسجدِ، هل يُشْتَرَطُ أن يكونَ راتِباً للجُمعة، وأن يكونَ مسقوفاً (2).
* وأمَّا اتِّخاذُ الجمعة:
فاشترطه مالكٌ والشافعيُّ، ولستُ أعلمُ -وقتَ كتابي لهذا الكتابِ- مَنْ خالفَهُمَا ووافَقَهما.
* وأمَّا الاغتسالُ:
فذهبَ أهلُ الظاهرِ إلى وُجوبه (3)، وهو مذهبٌ قويٌّ، وأحاديثُهُ صحيحةٌ، وتأويلُها صعبٌ، وما يُروى من قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَوَضَّأ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِها ونِعْمَتْ، ومَنِ اغْتَسَلَ، فالغُسْلُ أَفضَلُ"(4)، فضعيفٌ (5).
واستدلَّ الجمهورُ أيضاً بأنَّ عثمانَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- دخلَ، وعمرُ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهُ- يخطُب، فقال له عمرُ: أَيَّةُ ساعةٍ هذه؟ فقال: واللهِ
(1) انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 151)، و "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 193).
(2)
انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (2/ 160).
(3)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (1/ 372)، و "المحلى" لابن حزم (2/ 14).
(4)
رواه أبو داود (354)، كتاب: الطهارة، باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والنَّسائيُّ (1380)، كتاب: الجمعة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والترمذي (497)، كتاب: الصَّلاة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 8)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1757)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى"(1/ 295)، عن سمرة بن جندب.
(5)
الحديث حسنه التِّرمذيُّ، وفيه كلام. انظر:"تلخيص الحبير" لابن حجر (2/ 67).
ما زدت حينَ سمعتُ النداءَ على أنِ انقلبت فَتَوضأْتُ، ثمَّ جئتُ، فقال: والوضوءُ أيضاً، وقد علمتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يأمرُ بالغُسْلِ (1)؟!
وهذا لا دليلَ فيهِ أَيْضاً؛ لأنَّ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- لم يُقِرَّهُ، بلْ أنكرَ عليهِ ولامَهُ، واحتجَّ عليهِ بأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كانَ يأمرُ بالغُسْل.
* وأمَّا القراءةُ:
فتستحبُّ القراءةُ بما قرأَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند مالكٍ والشافعيِّ (2).
وجعلها أبو حنيفةَ كسائرِ الصَّلَواتِ (3).
الجملة الثَّانية: الأمرُ بتركِ البيعِ.
وتركهُ واجبٌ، قال ابنُ عباس: يَحْرُمُ البيعُ حينئذٍ.
وقال عَطاءٌ: تحرمُ الصناعاتُ كلُّها (4).
فإذا خالَفَ وباعَ، فقالَ قومٌ بفسخِ البيعِ (5)، وقالَ قومٌ: لا يفسخُ (6).
(1) رواه البُخاريّ (838)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، ومسلم (845)، في أوائل كتاب: الجمعة، عن عبد الله بن عمر.
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 205)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 119).
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (1/ 414)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 277).
(4)
ذكرهما البُخاريّ في "صحيحه"(1/ 307) بصيغة الجزم، وانظر:"تغليق التعليق" لابن حجر (2/ 360).
(5)
وهو قول مالك وأحمد. انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 154)، و "الكافي" لابن قدامة (2/ 40).
(6)
وهو قول أبي حنيفة والشافعيُّ. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 341)، و "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 195).
ومستندُ القولَيْن أن النهيَ في الشيءِ الحلالِ هل يقتضي فَسادَ المنهيِّ عنه، أولاً؟ وفي ذلك خلافٌ بينَ أهلِ العلمِ بالنظرِ وشرائطِ الاستدلال.
* * *
254 -
(2) قوله جل جلاله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
* أمرَ اللهُ سبحانَهُ بالانتشارِ، والأمرُ إمّا محمولٌ على الإباحةِ، أو على الاستِحباب (1)؛ لما فيهِ من فَصْلِ النافلةِ عن الفريضةِ، وذلك مستحبٌّ (2)؛ لمِا روينا في "صحيح مسلم" عن السائبِ بن يزيدَ قال: صليتُ معَ معاوية الجمعةَ في المَقْصورة، فلما سلمتُ قمتُ، من مَقامي فصليتُ، فلمَّا دخلَ، أرسلَ إليَّ فقالَ: لا تَعُدْ لِما فعلتَ، إذا صَلَّيْتَ الجمعةَ، فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتَّى تتكلمَ أو تخرجَ؛ فإن نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمرَنا بذلك أَلَّا نُوصِلَ صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلمَ أو نخرجَ (3).
ورويَ عن ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- في تطوُّعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: وكانَ لا يصلِّي بعدَ الجمعةِ حتَّى ينصرفَ، فيصلي رَكْعتين في بيته (4).
وأمَّا حملُه على الوجوبِ فلا يجوزُ؛ لِما رُوي: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جلسَ بعدَ الجمعةِ لوفدٍ قدموا عليه (5).
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 283)، و "المستصفى" للغزالي (ص: 61).
(2)
انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 109)، و "المجموع" للنووي (3/ 455).
(3)
رواه مسلم (883)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة.
(4)
رواه البُخاريّ (895)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة وقبلها، ومسلم (882)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة.
(5)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 523).
* وأمر اللهُ سبحانَه بالابتغاءِ منْ فَضْلِه، وهو التجارةُ، والأمرُ للإرشادِ (1)، ولا يجوزُ أن يُحْمَلَ على الوجوب؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَ يَبْتع تِجارةً بعد مهاجَرِه إلى المدينة.
* وأمرَ بذكرِه كثيرًا، فيحتملُ أن يكونَ أرادَ مطلقَ الذِّكْر (2).
ويحتملُ أن يكونَ أرادَ النافِلَةَ بعدَها (3)، وقد بينَ ذلكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:"إذا صَلَّى أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيصَل بَعْدَها أَرْبَعاً"(4)، وفي رواية:"مَنْ كانَ منكُمْ مُصَلِّياً، فَلْيصَلِّ، بَعْدَ الجُمُعِةَ أربعاً"، أخرجَهُ مسلم في "صحيحه".
* * *
255 -
(3) قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11].
* روينا في "صحيح مسلم": أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كانَ يخطُبُ قائِماً يومَ الجمعةِ، فجاءت عِيرٌ منَ الشامِ، فانفتلَ النَّاسُ إليها حتَّى لم يبقَ إلَّا اثنا عَشَرَ رجلًا، فأنزلتْ هذه الآيةُ التي في الجُمعة:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (5)[الجمعة: 11].
(1) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 343)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 332).
(2)
انظر: "المحلى" لابن حزم (5/ 59)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 109)، و "الأذكار" للنووي (1/ 136)، و "تفسير البيضاوي"(5/ 339)، و "تفسير ابن كثير"(4/ 368).
(3)
لم أقف على من فسر {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} على النافلة بعد الجمعة.
(4)
رواه مسلم (881)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة، عن أبي هريرة.
(5)
رواه مسلم (863)، كتاب: الجمعة، باب: في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
قال الشافعيِّ: ولم أعلمْ مُخالفاً أنها نزلت في خُطْبَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
فإن قلتَ: فقد روى البخاريُّ في "صحيحه" عن جابرِ بنِ عبد اللهِ -رضي الله تعالى عنهما- قالَ: بينما نحنُ نصلّي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبلتْ عِيرٌ تحملُ طَعاماً، فالتفتوا إليها، حتَّى ما بقيَ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلَّا اثنا عَشَرَ رجلًا، فنزلت هذه الآية:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (2)[الجمعة: 11].
قلتُ: قولُ جابرٍ مُؤَوَّلٌ على أنَّه أرادَ بالصَّلاةِ الخُطْبَةَ، أو انقضاءَ الصلاةِ؛ بدليلِ قولهِ صلى الله عليه وسلم:"فإن أَحَدَكُمْ في صَلاة ما دامَ يعمدُ إليها"(3)، وهذا هوَ اللائق بحالِ الصَّحابَةِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم- فإنهم لا يقطعونَ الصّلاةَ بعدَ الدخولِ فيها.
وقال الفاسي (4): ذَكَرَ أبو داودَ في "مراسيلِه": أنَّ خطبةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه التي انْفَضُّوا منها إنَّما كانَتْ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، وظنوا أنهم لا شيءَ عليهم في الانْفِضاضِ عن الخطبةِ، وأنه قبلَ هذهِ القصَّةِ إنَّما كان يُصَلِّي قبلَ الخُطبة (5).
قال القاضي عِياضٌ: وهذا أشبهُ بحالِ الصّحابة -رضي اللهُ تَعالى عنهم- والمَظْنون بهمَ أنهم ما كانوا يدعونَ الصلاةَ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكنهم ظَنُّوا
(1) انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (1/ 199).
(2)
رواه البُخاريّ (894)، كتاب: الجمعة، باب: إذا نفر النَّاس عن الإمام في صلاة الجمعة، فصلاة الإمام ومن بقي جائزة، عن جابر بن عبد الله.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
في "شرح مسلم" للنووي (6/ 151): "القاضي" بدل "الفاسي"، ولعلّه الصواب.
(5)
انظر: "المراسيل" لأبي داود (62).
جوازَ الانصرافِ بعدَ انقضاءِ الصَّلاة، قال (1) وقد أنكرَ بعضُ العلماءِ كونَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خطبَ بعدَ صلاةِ الجُمعة لها (2).
إذا علمتَ هذا ظهر لكَ من هذهِ القصة دلالة لمن يقولُ بانعِقاد الجمعةِ باثني عشرَ، وهي دلالةٌ قويَّةٌ، وجوابُ الشافعيِّ بأنه محمولٌ على أنهم رَجَعوا، أو رجعَ منهم تمامُ الأربعين دَعْوى لا برهانَ عليها.
* وفي الآيةِ دلالة على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخطُبُ قائماً (3)، وهو كذلكَ؛ كما قدمتُهُ من تَخْريجِ "مسلم"، ولنقلِ الخَلَفِ عن السَّلَفِ، ولا خِلافَ فيه عندَ أهلِ العلمِ.
دخل كَعْبُ بن عُجْرَةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- المسجدَ، وعبدُ الرحمن بنُ أُمِّ الحَكَمِ يخطُبُ قاعداً، فقال: انظروا إلى هذا الخبيثِ يخطبُ قاعِداً، وقد قالَ اللهُ عز وجل:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (4)[الجمعة: 11]!
* * *
(1)"قال": ليس في "أ".
(2)
نقل قول القاضي عياض الإمام النووي في "شرح مسلم"(6/ 151 - 152).
(3)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 254)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 114)، و "شرح مسلم" للنووي (6/ 152).
(4)
رواه مسلم (864)، كتاب: الجمعة، باب: في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .