المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌سُوْرَةُ الحَجِّ

- ‌(من أحكام البيت الحرام)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌سُوْرَةُ النُّورِ

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام السلام والاستئذان)

- ‌(من أحكام النظر)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌سُورَةُ القَصَصِ

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ الأَحْزَابِ

- ‌(من أحكام المواريث والولاية)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام اللباس)

- ‌سُورَةُ ص

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُورَةُ الفَتْحِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الحجرات

- ‌(من أحكام الأضحية)

- ‌(من أحكام الردة)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام البغاة)

- ‌(آداب وفضائل)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سورة النجم

- ‌(من أحكام النيابة في العبادات)

- ‌سورة الواقعة

- ‌(من أحكام مس المصحف)

- ‌سورة المجادلة

- ‌(من أحكام الظهار)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌سورة الحشر

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الممتحنة

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة الجمعة

- ‌(من أحكام صلاة الجمعة)

- ‌سورة الطلاق

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة التحريم

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌سورة المزمل

- ‌(من أحكام قيام الليل)

- ‌تراجم الأعيان في تيسير البيان

الفصل: ‌(من أحكام الطلاق)

(من أحكام الطلاق)

256 -

(1) قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].

* أقولُ: خاطبَ اللهُ سبحانَهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم، وأُمَّتُهُ مُرادةٌ معه، فأمرهم بطلاقِ النساءِ لِعِدَّتِهِنَّ، وبينَ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن عِدَّتَهنَّ هي الطهرُ (1).

روينا في "الصحيحين" عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما-: أنَّه طَلَّقَ امرأَتَهُ وهي حائضٌ، فذكرَ ذلك عمرُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فَتَغَيَّظَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"فَلْيُراجِعْها، ثم لْيُمْسِكْها حتَّى تَطْهُرَ، ثمَّ تَحيضَ فَتَطْهُرَ، فإن بَدا لَهُ أن يُطَلِّقَها، فَلْيُطَلِّقْها طاهِراً قَبْلَ أَنْ يَمَسَّها، فَتِلْكَ العِدَّةُ التي (2) أَمَرَ اللهُ"(3).

(1) انظر: "الرسالة" للإمام الشَّافعي (ص: 567)، و "تفسير الطبري"(28/ 129)، و "أحكام القرآن" للجصاص (2/ 61).

(2)

في "أ": "كما".

(3)

رواه البُخاريّ (4953)، كتاب: الطلاق، في أوله، ومسلم (1471)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها.

ص: 259

* وقد أجمعَ أهلُ العلم على العملِ بهذا البيانِ، وقَسموا الطلاقَ إلى سُنَّةٍ وبِدْعَةٍ.

فالسنَّةُ التي أمرَ اللهُ سبحانَهُ بها، وبيَّنَها رسولهُ صلى الله عليه وسلم هو أن يُطَلِّقَها في طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّها فيه.

والبدعةُ أن يطلقها في الحَيْض، أو في طُهْر مَسَّها فيه، وهو حرامٌ (1)؛ لمخالفةِ أمرِ اللهِ سبحانهَ، ولقوله تعالى:{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].

ثم اختلفَ أهلُ العلمِ في شرطينِ لطلاقِ السُّنة:

أحدهما: هل من شَرْطِه أن يقع الطلاقُ بعدَ نِكاحٍ أو رَجْعَةٍ؟ فلو طَلَّق في الطهرِ الثَّاني طلقةً ثانيةً من غيرِ أن يتقدمَها رجعة، فهو طلاقٌ لغيرِ السنَّة، أو لا؟

والثاني: هل من شرطهِ أن تقعَ تطليقةٌ واحدةٌ، وأمَّا الثلاث جملة فطلاق بدعة أو لا؟.

وباشتراطِهما قالَ مالكٌ (2)، وخالفَهُ في الأول أبو حنيفة (3)، وخالفه فيهما الشافعيُّ (4).

(1) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 114، 124)، و "المبسوط" للسرخسي (6/ 3)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 132).

(2)

انظر: "المدونة الكبرى"(5/ 419)، و "الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 140، 154)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 132)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 48).

(3)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (3/ 88)، و "الهداية" للمرغياني (1/ 229).

(4)

انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (5/ 181)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 126).

ص: 260

فإن خالفَ الرجلُ وطلَّقَ امرأتَه لغيرِ عدَّتِها التي أمرَ اللهُ تَعالى أن يطلَّق لها النساءُ؛ بأن طَلَّقها في الحَيْض؛ كما فعلَ ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما-:

فقالَ بعضُ أهل الظاهرِ: لا ينفذُ طلاقهُ (1)، وهو خَطَأٌ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَهُ بالرَّجعة، ولا تكون الرجعةُ إلَّا بعدَ وقوعِ الطلاقِ.

وفي بعض رواياتِ هذا الحديثِ عنِ ابنِ عمرَ -رضيَ الله تعالى عنهما- قال: حُسِبَتْ عليَّ بتطليقة (2).

ثم قال سائرُ أهلِ العلم: يؤمَرُ بالرجعةِ كما أمرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ابنَ عمرَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما- إمّا وُجوباً، فإذا امتنعَ أجبَرهُ السُّلطانُ كما رآهُ مالكٌ (3)، وإمّا استحباباً كما رآهُ أبو حنيفةَ، والشافعيّ، وأحمدُ (4)، والثوريُّ (5).

وقولُ مالكٍ، أظهرُ، وقولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ، أَقْيَسُ.

ثم إذا امتثلَ وراجعَ فإلى مَتى يمتدُّ تحريم الطلاق؟

ذهب مالكٌ والشافعيُّ إلى أنَّه يمتدّ إلى أن تطهرَ ثم تحيضَ، ثم تطهرَ،

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (10/ 163)، و "الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 142).

(2)

رواه البخاري (4954)، كتاب: الطلاق، باب: إذا طلقت الحائض يُعتد بذلك الطلاق.

(3)

انظر: "المدونة الكبرى"(4/ 153)، و "الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 141).

(4)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (2/ 86)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 123)، و "شرح مسلم" للنووي (10/ 60)، و "المغني" لابن قدامة (7/ 277).

(5)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 144).

ص: 261

ثم إن شاءَ طلَّق، وإن شاءَ أمسكَ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما - (1).

وقال أبو حنيفةَ وسائرُ الكوفيين وبعضُ الشافعيةِ: إذا طَهُرَتْ من تلكَ الحيضةِ، فله أن يطلِّقَ إن شاء (2)؛ لما روى يونسُ بنُ جبير قال: قلت لابن عمرَ: رجلُ (3) طلقَ امرأتَه وهي حائض، قال: تعرفُ أنَّ ابن عمرَ طلقَ امرأتَه وهي حائضٌ، فأتى عمر (4) النَّبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلكَ، وأمرَهُ أن يراجعَها، فإذا طَهُرَتُ، فأرادَ أْن يطلِّقَها، فَلْيُطَلِّقها (5).

وكذا رواهُ أنسُ بن سيرينَ، وسعيدُ بنُ جُبيرِ، وزيدُ بنُ أسلمَ، وأبو الزُّبيرِ.

فإن قلتَ: فإذا طلقها في طُهرِ مَسّها فيه، فهل يؤمَرُ بالرجعة؛ كما إذا طَلَّقها في الحيضِ؛ لأنَّه طلاقُ بدعة؟

قلت: لم يردْ فيه خبر، وأظنُّ مذهبَ مالكِ أنَّه لا يؤمرُ بالرجعة بالحيض (6)(7)، وظاهرُ مذهبِ الشَّافعي أنَّه يؤمرُ (8).

(1) انظر: "المدونة الكبرى"(5/ 423)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 124).

(2)

انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (3/ 54)، و "روضة الطالبين" للنووي (8/ 4).

(3)

في "أ": "الرجل".

(4)

"عمر" ليس في "أ".

(5)

رواه البُخاريّ (4958)، كتاب: الطلاق، باب: من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق.

(6)

"بالحيض" ليس في "أ".

(7)

انظر: "المدونة الكبرى"(5/ 423).

(8)

أي: أمر استحباب، وفيه خلاف عند الشَّافعية. انظر:"شرح السنة" للبغوي (9/ 205)، و "فتح الباري" لابن حجر (9/ 349).

ص: 262

* وقد استنبطَ الفقهاءُ من أمرِ اللهِ سبحانَهُ بطلاقِ النساءِ لعدَّتِهن أن المرأةَ التي لا عِدَّةَ عليها إذا طُلِّقَتْ أنَّه لا حَرَجَ في طَلاقِها في حالِ الحَيْضِ؛ لأنَّه لا عِدَّةَ عليها، فتطلَّقُ لَها، ولا تجبُ عليها عدَّةٌ فيطوَّل عليها (1)، والله أعلمُ.

* وأمرنا اللهُ سبحانَهُ بإحصاءِ العِدَّةِ لِيُعْرَفَ الوقتُ الذي تجوزُ فيه الرجعةُ، والوقتُ الذي لا تَجوزُ فيه، وذلك حَتّى تنقضيَ عِدَّتُها (2).

* ثم نهانا اللهُ سبحانَهُ أن نخرجَهُنَّ من بيوتهنَّ اللاتي طُلِّقْنَ فيها، ونَهاهُنَّ أن يخرجْنَ، إلَّا أن يَأتينَ بفاحشةٍ مُبيِّنَةٍ، ومن زنا (3) فإنَّها تخرجُ لإقامةِ الحَدِّ عليها (4).

وقال الشافعيِّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: الفاحشة أن تبدُوَ على أهلِ زَوْجِها، فيأتي من ذلكَ ما يُخاف منه الشِّقاقُ بينَها وبينَهم، فإذا فعلتْ، حَلَّ لهم إخراجُها (5)، وكانَ عليهم أن يُنْزِلوها منزلاً آخر (6)، وأسندَ ذلكَ إلى ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما (7) -، واستدلَّ له بحديثِ فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ

(1) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 347)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 115)، و "الكافي" لابن قدامة (3/ 160)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 153).

(2)

انظر: "تفسير الواحدي"(2/ 1106)، و "معالم التنزيل" للبغوي (4/ 356)، و "زاد المسير" لابن الجوزي (8/ 288)، و "تفسير ابن كثير"(4/ 379).

(3)

في "أ": "هنا" بدل "زنا".

(4)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (2/ 123)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 275).

(5)

انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (2/ 117).

(6)

في "ب": "منزلاً غيره".

(7)

انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (5/ 235).

ص: 263

الآتي قريباً -إنْ شاءَ اللهُ تعالى-، وسيأتي الكلامُ عليه أيضاً -إنْ شاء الله تعالى-.

* وأشارَ اللهُ سبحانَهُ إلى عِلَّةِ الحُكْم، وهو تَمامُ الِعشْرَةِ وبَقاءُ الزوجيَّةِ بينَهما بقوله تعالى:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أي: رجعةً.

فإن قلتَ: فإذا كانتِ الرجعةُ عِلَّةً لإيجابِ السُّكنى، فهلاّ كانْت علَّة لتحريمِ إيقاعِ الثلاثِ جملةً؛ لِما فيهِ من تركِ الرجعة.

قلنا: قد ذكرَ الشافعيِّ -رحمهُ اللهُ تعالى- هذه الشُّبْهَةَ، فقال للقائِل بها: فما تقولُ في المدخولِ بِها إذا أرادَ زوجُها أن يطلقها اثنتينِ، وهو يملكُ الرجعةَ؟ قال: هذا ليس بِسُنَّةٍ، قال: فيلزمُكَ أن تقولَ: سنةٌ؛ لأنَّه يملكُ الرجعة، قال: فما تقولُ في رجلٍ لم يبق له إلَّا واحدةٌ، وفي رجلٍ لم يدخلْ بامرأته؛ أيوقعَ هذان الطلاقانِ سنةً؟ قال: نعم، قال: فكيفَ يوقعُ سُنَّةً، وهو لا يملكُ الرجعة؟ (1)

* * *

257 -

(2) قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2].

* أي: فإذا شارَفْنَ انقضاءَ الِعدَّةِ، فأردتم إمساكَهُن، فأمسكوهُنَّ بمعروفٍ، وهو ألَّا يقصدوا بالرجعة ضرارَهُنَّ، كما قال تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]؛ أو {فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]،

(1) انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (5/ 459).

ص: 264

وهو تركُهُنَّ على التسريحِ من غيرِ أخذِ شيءٍ من أموالهنَّ ضِراراً لهُنَّ (1).

* وأمرَ الله سبحانَهُ بالإشهاد في الرَّجْعَةِ والفِراق.

وقد اتفقَ النَّاسُ على أنَّ الطلاقَ من غيرِ إشهادٍ جائزٌ (2).

وأمَّا الرجعةُ:

فيحتملُ أن تكونَ في معنى الطلاق؛ لأنها قَرينَتُهُ، فلا يجبُ فيها الإشهادُ، ولأنها حَقٌّ للزوج، فلا يجبُ عليهِ الإشهادُ على قبضه.

ويحتمل أن يجبَ الإشهادُ، وهو ظاهرُ الخِطاب.

وبالأول قالَ مالكٌ، والشافعيُّ في الجديد (3).

وبوجوبِ الإشهادِ قالَ في القديمِ (4)، وأجازه في روايةِ الربيعِ (5).

فمن أوجبَ الإشهادَ لزَم عندَه ألا تجوزَ الرجعةُ إلَّا بالقولِ، ولا تجوزَ بالفعلِ، ولزمَ عنده ألا تصحَّ بالكنايةِ؛ لأنَّ الشهودَ لا يَطَّلعِون على النِّيَّةِ.

والذين لم يُوجِبوا الإشهادَ اختلفوا في جَوازِ الإمساكِ بالفعلِ:

فقال الشافعيُّ: لا تَجوزُ الرجعة بالفعل (6).

(1) انظر: "تفسير الطبري"(2/ 480)، و "تفسير الواحدي"(1/ 171)، و "الكشاف" للزمخشري (1/ 305).

(2)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 350)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 157)، و "البحر المحيط" للزركشي (2/ 503).

(3)

وهو مذهب الحنفية. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 351)، و "الكافي" لابن عبد البر (ص: 264)، و "روضة الطالبين" للنووي (8/ 216).

(4)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 311).

(5)

لم أقف عليها.

(6)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 310)، و "روضة الطالبين" للنووي (8/ 217).

ص: 265

وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: تجوزُ بالوَطْءِ.

ثم اختلفا: فقالَ مالكٌ: لا تجوزُ الرجعةُ بالوَطْءِ إلَّا إذا نوى الرجعة (1).

ولم يشترطْ أبو حنيفةَ ذلك (2)؛ كالمظاهِر والمُؤْلي.

* والقول الذي تَحْصُلُ به الرجعةُ عندَ منِ اشترطَ القولَ كُلُّ لفظٍ يدلُّ على الارتجاعِ؛ كقولكَ: راجَعْتك، وارتَجَعْتك، وَرَدَدْتُكِ إليَّ.

وفي قوله: أمْسَكْتك، وَجْهانِ عندَ الشَّافعية:

أحدهما: أنَّه كنايةٌ، فلا تصحُّ به الرجعةُ إلَّا بالنيَّةِ؛ لأنهُ يُستعملُ في الاستدامَةِ والبقاءِ على الحالةِ الأولى.

والثاني: يصحُّ؛ لأنَّه عُرْفٌ في الإمساكِ وردَ بهِ القرآنُ، قال اللهُ تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229]، وقال تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (3)[الطلاق: 2].

* وقَدَّرَ اللهُ سبحانَهُ نِصابَ الشَّهادَةِ في الطَّلاقِ والرَّجْعَةِ بشاهِدَيْن، وقِسْنا عليه كُلَّ أَمْرٍ ليس بمالٍ، ولا يقصدُ بهِ المالُ (4).

* * *

(1) انظر "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 282)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 64).

(2)

انظر: "المبسوط" للسرخسي (6/ 19).

(3)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 312)، و "روضة الطالبين" للنووي (8/ 215).

(4)

انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (7/ 48)، و "المهذب" للشيرازي (2/ 333).

ص: 266

258 -

(3) قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].

معنى قوله تَعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: شَكَكْتُمْ في حُكْمِهِنَّ، لم تَعْلَموا عِدَّتَهُنَّ.

وذلك أنهم سألوا، وقالوا: عَرَفْنا عِدَّةَ التي تَحيضُ، فما عدةُ التي لا تَحيضُ، والتي لم تَحِضْ بَعْدُ؟ فبينَ اللهُ سبحانَهُ ذلكَ بهذهِ الآيةِ، فواجب على الآيسَةِ ثلاثةُ أشهُرٍ، وكذا الصغيرةُ التي لم تَحِضْ.

وعلى هذا أجمعَ المسلمونَ، حتَّى استنبطَ السَّلَفُ كابنِ عباسٍ، وجابرِ بنِ زيدٍ، والحَسَنِ، والشعبيِّ من مفهومِ هذا أنها إذا اعتَّدتْ بالأشهرِ حَتىّ شارَفَتِ انقضاءَها، ثم حاضَتْ، أنها تعتدُّ ثلاثةَ أقراء، فليست من اللائي لم يحضن (1).

وبهذا قال كثيرٌ من الشافعيةِ، والأصحُّ عندهم أن تحسُب ما مَضَى قرءاً (2).

وهذا الحكمُ في حْقَّ الحُرَّةِ.

وأمَّا الأَمَةُ:

فمن يقولُ باندِراجِها في خِطاب الحُرَّةِ في عِدَّتِها، فهذا مثلُه (3).

(1) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 352)، و "شرح فتح القدير" لابن الهمام (4/ 318).

(2)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (1/ 255)، و "روضة الطالبين" للنووي (8/ 371).

(3)

وهو مذهب الظاهرية. انظر: "المحلى" لابن حزم (10/ 306 - 311).

ص: 267

ومن يقولُ بالتشطير هناك، فقد اختلفوا هنا على (1) ثلاثة أقوالٍ:

فقال بعضُ الصحابِة: تعتدُّ بثلاثةِ أشهرٍ، وإليهِ ذهبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ (2)، والشافعيُّ في القديم (3)؛ لأنَّ الحَمْلَ لا يَتبَيَّنُ في أَقَلَّ من ثلاثةِ أشهر.

وقالَ بعضُهم: تعتدُّ بشهرٍ ونصْفِ؛ كتشطيرِ الطلاقِ والحَدِّ، وبهِ قالَ الشافعيُّ في الجديد، وقالَ: إنه أَقْيَسُ، وإن كانَ الأولُ أَحْوَطَ (4).

وقالَ عمرُ: تعتدُّ بشهرينِ (5)، وكأنَّهما عوضٌ من الحيضتينِ.

وهو قولٌ أو وَجْهٌ للشَّافعيةِ (6).

وقد تقدمَ الكلامُ على ذواتِ الحَمْلِ، واللهُ أعلمُ.

* * *

259 -

(4) قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6].

(1) في "ب": "في ".

(2)

رواه عبد الرَّزاق في "المصنف"(12893)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(16643).

(3)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (11/ 333)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (6/ 43).

(4)

انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (5/ 216)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (11/ 333).

(5)

رواه عبد الرَّزاق في "المصنف"(7/ 221)، وسعيد بن منصور في "السنن"(1/ 344).

(6)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (11/ 224).

ص: 268

* اتفقَ أهلُ العلمِ على أنَّ الرجعيَّة (1) مُرادةٌ بالآية، وأنَّ الله سبحانَهُ أوجبِ لَها السُّكنى، وإذا وَجَبَتِ السُّكنى، وَجَبَتِ النفقةُ؛ لأنها تابعة للسُّكنى، وقد اتَّفقوا على ذلكَ أيضاً (2).

* وإنَّما اختلفوا في المَبْتُوتَةِ.

فمنهم من لم يوجبْ لَها السُّكْنى، واستدلَّ بما رَوَتْ فاطمةُ بِنْتُ قيسٍ: أَنَّ أبا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ طَلَّقَها أَلْبَتَّةَ، وهو غائبٌ، فأرسلَ إليها وكيلُه بشعير، فَسَخِطَتْهُ، فقال: واللهِ مالكِ علينا مِنْ شيءٍ، فجاءتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وذكرتْ له ذلكَ، فقالَ:"ليسَ لكِ عليهِ نَفَقَة"، وفي لفظ آخر:"ولا سُكْنى"، فأمرهَا أن تعتدَّ في بيتِ أُمِّ شَريكٍ، ثم قالَ:"تِلْكَ امرأةٌ يَغْشاها أَصْحابي، اعْتدِّي عندَ ابنِ أمِّ مكتومٍ؛ فإنهُ رَجُلٌ أعَمْى، تَضَعينَ ثِيابَكِ عنْدَهُ"(3).

وإذا لم تجبْ لها السُّكْنى، لم تجبْ لها النفقةُ.

وبهذا قالَ أحمدُ (4)، وداودُ (5)، وأبو ثورٍ، وإسحاقُ (6).

وذهبَ أبو حنيفةَ وموافقوه من الكوفيين إلى أنَّه يجبُ لَها السُّكنى والنفقةُ (7).

واستدلُّوا بِعُمومِ القرآنِ.

(1) في "أ": "الرجعة".

(2)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 71)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 167).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 185).

(5)

انظر: "المحلى" لابن حزم (15/ 291)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 71).

(6)

انظر: "شرح صحيح البُخاريّ" لابن بطال (7/ 492)، و "المغني" لابن قدامة (8/ 132).

(7)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 356).

ص: 269

وبما رُوي عَنْ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّه قالَ في حديثِ فاطمةَ هذا: لا نَدَع كِتابَ رَبِّنا، وفي بعضِ ألفاظِهِ: وسُنَّةَ نَبيِّنا لِقَوْلِ امرأةٍ جَهِلَتْ أو نَسِيْتَ (1)، ويريدُ بالسُّنَّةِ وجُوبَ النفقةِ حيثُ تَجِبُ السكنى.

وبما رُوي عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها-: أنها قالت: ما لِفاطمةَ لا تتَّقي الله؟ يعني: في قولها: لا سُكْنى ولا نفقةَ (2).

وقال عروةُ بنُ الزُّبير لعائشةَ: ألمْ تَرَيْ إلى فُلانةَ بنتِ الحَكَمِ طَلَّقَها زَوْجُها أَلْبَتَّةَ، فخرجَتْ؟ فقالَتْ: بئْسَما صَنَعَتْ، قال: ألمْ تسمعي قولَ فاطمةَ؟ قالتْ: أَما إِنَّه ليسَ لَها خيرٌ في ذِكْرِ هذا الحديث (3).

ولما رأى مالِكٌ والشافعيُّ معارَضَةَ الصحابِة -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم- لحديثِ فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ إِمَّا بالرَّد كَما فعلَ عمرُ، وإمَّا بالتأويل؛ فإنه إنَّما رَخَّصَ لها لاستطالتَها على حَماتها، وبذاءةِ لِسانِها كما قالَ ابنُ عباسٍ، أو أنَّه إنَّما رَخَّصَ لها في الخروج منْ منزلها؛ لأنها كانَتْ في مكانٍ وَحْشٍ، فخيفَ على ناحيتها كما قالَتْ عائشةُ، معَ معارَضَةِ عُمومِ الكتابِ لهُ، وقيامِ الاستدلالِ بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَدَعْها تَذْهَبُ حَيْثُ شاءَتْ، وإنَّما نَقَلَها إلى منزلٍ آخرَ لأحدِ الأمرينِ، إما البذاءة، وإما الاستيحاش، فحينئذٍ عَمِلا بِدَلالةِ الكِتابِ نُطْقاً، ومفهومِه، فأوجبا لها السُّكنى؛ لعموم الآيةِ، ولم يوجِبا لها النفقة (4)؛ لمفهوم قوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، فلم يوجبِ النفقةَ إلَّا للحواملِ، فأفهمَ أن غيرَ

(1) رواه مسلم (1480)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.

(2)

رواه البُخاريّ (5016)، كتاب: الطلاق، باب: قصة فاطمة بنت قيس.

(3)

رواه البُخاريّ (5017)، كتاب: الطلاق، باب: قصة فاطمة بنت قيس، ومسلم (1481)، كتاب: الرضاع، باب: المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.

(4)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 164)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (11/ 247).

ص: 270

الحواملِ لا نفقةَ لهنَّ، حتَّى الرجعيةُ، ولكنه خرجَ من عموم هذا المفهومِ الرجعيةُ بالإِجماع، وأكدَ دلالةَ قولِه صلى الله عليه وسلم:"ليسَ لك عليهِ نَفَقَةٌ".

وأجمعوا على أن الحاملَ تستحقُّ النفقة حتَّى تَضَعَ حَمْلَها على كلِّ حال، وإذا وجبتْ لها النفقةُ، فقدْ وجبتْ لها السُّكْنى؛ لأنَّ النفقةَ تابعةٌ للسُّكْنى، والتابعُ يستلزمُ وجودَ المَتْبوعِ (1).

ثم اختلفَ قولُ الشافعيِّ هَلِ النفقةُ للحَمْلِ؛ لأنَّ المطلقةَ البائنَ لا تستحقُّ نفقةً، أو للحاملِ بسببِ الحَمْل؛ لإضافةِ الوجوبِ إليها؟ وهذا هو الراجحُ من قوله (2).

* إذا تَمَّ هذا، وعلمتم أن عِدَّة الحوامِل أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، سواءٌ كُنَّ مُطَلَّقاتٍ، أو مُتَوَفى عنهن؛ كما تقدمَ بيان ذلكَ في "سورةِ البقرةِ"، وأنَّ الحوامِلَ يستحققْنَ النفقةَ، فهل استِحْقاقُهُنَّ على كُلِّ حالٍ، سواءٌ كُنَّ مُطَلَّقاتٍ أو مُتَوَفى عنهن، كَما أنَّ هذا حُكْمُهُنَّ في العِدَّةِ؛ تقديماً لعمومِ هذهِ الآيةِ على عُمومِ آيةِ البقرةِ، فكذلك يطلَقُ عُموم هذهِ الآيةِ في الحواملِ، فيجب في الحاملِ المُتَوَفَّى عنها النفقةُ حَتَّى تضعَ، أو أَنَّه خاصٌّ بالمطلقة؟

قلنا فيه للسلفِ مذهبان:

أحدهما: التعميمُ؛ لهذهِ الآيةِ وإيجاب النفقةِ للحاملِ المتوفَّى عنها، ويروى عن عَلِيٍّ، وابنِ عمرَ، وشُرَيْحٍ، والشعبيِّ، والنَّخَعِيِّ، وابنِ سيرينَ، والثوريِّ (3).

(1) انظر: "تفسير الطبري"(28/ 146)، و "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 145).

(2)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (11/ 309)، و "روضة الطالبين" للنووي (8/ 391).

(3)

انظر: "السنن" لسعيد بن منصور (1/ 366 - 368)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 185).

ص: 271

والثاني: التخصيصُ بالمطلقةِ، وتسقطُ نفقةُ الحاملِ المتوفَّى عنها كَما يسقطُ سائرُ النفقاتِ بالموت، ولأنَّ اللهَ سبحانَهُ قد نسخَ المَتاع إلى الحَوْل في حَقِّ الحائِل، فيتبعُها الحامِلُ، ويروى هذا القولُ عن جابرٍ، وابن عباسٍ، وابن المسيِّبِ، وعطاءٍ، وحَسَنٍ (1)، وبه قال الفقهاءُ الأربعةُ (2)، وإسحاقُ (3).

* وجعل الله سبحانَهُ السُّكنى معتبرةً بوُجْدانِ الأزواجِ، فيجبُ على الأزواجِ أن يُسْكِنَّ المرأةَ على قَدْرِ سعته منزلاً يليقُ بِحالها؛ لأنَّه منَ الإمساكِ بالمعروفِ (4).

* وأوجَبَ اللهُ للوالدات المطلقاتِ إيتاءَ الأجورِ على أبِ الطفلِ إذا أرضَعَتْ له الأمّ ولدَها، وإطلاقُ الآيةِ يتناولُ ما إذا كانَ معَ الأبِ مَنْ يرضِعُهُ لَهُ بغيرِ أجرةٍ، فالأجرةُ واجبةٌ للأمِّ، وهو كذلكَ (5).

وفي وَجْهٍ للشَّافعيةِ لا تَجِبُ لَها على الأبِ في هذهِ الحالِ أجرةٌ (6)، وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَهُ أطلق لها الاستحقاقَ، ولم يُجَوِّزِ الانتقالَ إلى الأخرى إلَّا عندَ التَّعاسُرِ؛ بأنْ تطلُبَ أكثرَ منْ أُجْرَةِ المثل، ولأنَّ الأمَّ بطفلِها أرفقُ وأشفقُ.

وقَدْ تقدَّم الكلام على قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} إلى آخر الآية.

* * *

(1) انظر: "السنن" لسعيد بن منصور (1/ 366 - 368)، و "أحكام القرآن" للجصاص (9/ 535)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 185).

(2)

انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (7/ 172)، و "أحكام القرآن" للجصاص (2/ 119)، و "المدونة الكبرى"(4/ 189)، و"مسائل الإمام أحمد -رواية ابنه صالح"(3/ 31).

(3)

انظر: "مسائل الإمام أحمد وابن راهويه"(1/ 390).

(4)

انظر: "تفسير الطبري"(28/ 145)، و "تفسير الثعلبي"(9/ 340).

(5)

انظر: "تفسير الطبري"(28/ 147)، و "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 360).

(6)

انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 168).

ص: 272