المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌سُوْرَةُ الحَجِّ

- ‌(من أحكام البيت الحرام)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌سُوْرَةُ النُّورِ

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام السلام والاستئذان)

- ‌(من أحكام النظر)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌سُورَةُ القَصَصِ

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ الأَحْزَابِ

- ‌(من أحكام المواريث والولاية)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام اللباس)

- ‌سُورَةُ ص

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُورَةُ الفَتْحِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الحجرات

- ‌(من أحكام الأضحية)

- ‌(من أحكام الردة)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام البغاة)

- ‌(آداب وفضائل)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سورة النجم

- ‌(من أحكام النيابة في العبادات)

- ‌سورة الواقعة

- ‌(من أحكام مس المصحف)

- ‌سورة المجادلة

- ‌(من أحكام الظهار)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌سورة الحشر

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الممتحنة

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة الجمعة

- ‌(من أحكام صلاة الجمعة)

- ‌سورة الطلاق

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة التحريم

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌سورة المزمل

- ‌(من أحكام قيام الليل)

- ‌تراجم الأعيان في تيسير البيان

الفصل: ‌(من أحكام النظر)

(من أحكام النظر)

209 -

(9) قوله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

* أمر اللهُ سبحانه نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأمرَ المؤمنينَ بِغَضِّ البصرِ عَمّا لا يَحِلُّ؛ لما في النظر من خشيةِ الوقوع في المَحْظور، فبينَ عن اللهِ سبحانَهُ ما أمرَهُ بهِ، فأخذ بذقَنِ الفَضْل بنِ العبّاسِ يُميل وَجْهَهُ عنِ النظرِ إلى الخَثْعَمِيَّةِ التي استَفْتَتْهُ لما نظرَ إليها (1).

* وقد أجمعَ المسلمون على تحريمِ النظرِ إلى الحُرَّةِ الأجنبيةِ التي تُشْتَهى، فيما عدا الوجهَ والكفينِ، وعلى تحريمِ النظرِ إليهما عند خوفِ الفتنةِ، وعلى جوازِ النظرِ إليهما عندَ الحاجةِ، وعندَ إرادةِ نِكاحها (2)، بل قالَ قومٌ: يستحبُّ؛ لورودِ السُّنَّةِ بذلك.

واختلفوا في تفصيلِ المنظورِ منها، وفي جوازِ النظرِ إلى الوجهِ والكفينِ في غير هاتينِ الحالتين وَجْهانِ للشافعية، أصحُّهما عندَ المتقدمينَ الجوازُ،

(1) تقدم تخريجه.

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 73)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 30 - 31)، (3/ 128 - 129).

ص: 73

والمختارُ عندَ متأخِّريهم التحريمُ (1)، وهو الصوابُ، وما سواهُ خطأٌ، وسيظهرُ لكَ بيانُ خَطَئِه في الآيةِ التي تليه.

فأما المرأة إذا كانَتْ مَحْرَماً، فسيأتي الكلامُ عليها، وكذا التي لا تشتهى لِكِبَرٍ، وسيأتي الكلامُ عليها عند قوله تعالى:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60].

وأَمَّا التي لا تُشْتهى لصغرٍ، فإنه لا يحرمُ النظرُ إليها فيما دُونَ سَبْعِ سنينَ.

وفي تحريمِ النظرِ إلى فرجِ الصغيرةِ التي لا تَمييزَ لها خلافٌ عندَ الشافعيةِ أيضًا، والأَصَحٌّ التحريمُ (2).

* * *

210 -

(10) قوله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

أقولُ: أمرَ اللهُ سبحانه المؤمناتِ بغَضِّ أبصارِهن كالمُؤمنين، فلا ينظرْنَ إلى الرجالِ الأجانبِ، وهذا الأمرُ على الوجوبِ على الصَّحيحِ من الوَجْهين

(1) انظر: "روضة الطالبين" للنووي (7/ 21)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 129).

(2)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (7/ 24).

ص: 74

عندَ الشافعيةِ (1)، ويدلُّ عليهِ قولُه صلى الله عليه وسلم أزواجِهِ لَمَّا اعتذَرْنَ بأنَّ الرجلَ أعمى:"أَفَعَمْياوانِ أَنْتُما؟ أَلَسْتُما تُبْصِرانِهِ؟ "(2).

وحملَ بعضُهم الأمرَ على الاستحبابِ (3)، واستدلَّ بما خَرَّجَه البخاري ومسلمٌ من حديثِ فاطمةَ بنْتِ قَيْسٍ؛ حَيْثُ أَمَرَها أن تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ شَريكٍ، ثم قال:"تِلْكَ امرأَةٌ يَغْشاها أَصْحابي، اعْتَدِّي عندَ ابن أمِّ مكتومٍ؛ فإنُه رجلٌ أَعْمى، تَضَعينَ ثيابَكِ عندَهُ"(4)؛ وحمل الآية والحديث على النظر إلى ما لا يَحِلُّ من العَوْراتِ، أو على الاحتياطِ.

والدلالة في حديثِ فاطمةَ ضعيفةٌ؛ فإنه لا يدلُّ على أنه أذِنَ لها أن تَنْظُرَ إليه، بَلْ عَلَّلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلكَ بأَمْنِها عندَ رؤيتِه عندَ تَكَشُّفِها؛ لكونه أعمى، فيزولُ عنها مَشَقَّةُ التَّحَرُّزِ.

* ثم نهى اللهُ سبحانَه المؤمناتِ عن إبداءِ زينتهنَّ إلَّا ما ظهرَ منها: وذلك يحتملُ أن يريدَ بالزينةِ ما تَلْبَسُ من الحُلِيِّ تحتَ الثيابِ؛

(1) انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 34)، و"روضة الطالبين" للنووي (7/ 25)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 132)، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، انظر:"المغني" لابن قدامة (7/ 80 - 81).

(2)

رواه أبو داود (4112)، كتاب: اللباس، باب: في قوله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ، والترمذي (2778)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 296)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(1848)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(6922)، وابن حبان في "صحيحه"(5575)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 91)، عن أم سلمة.

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 81)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 227 - 228).

(4)

تقدم تخريج حديث فاطمة بنت قيس.

ص: 75

كالقُرْطِ (1) والدُّمْلُجِ (2) والخَلْخالِ، وما يُلْبَسُ فوقَها من الثيابِ، وهو الذي يظهرُ من الزينةِ (3).

وقد سَمَّى اللهُ سبحانَه الثيابَ زينة فقال: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، ويكون على هذا التأويلِ بدنُها عَوْرَةً.

ويحتمل أن يريدَ بالزينةِ جملةَ البَدَنِ (4).

ثم استثنى اللهُ سبحانَه أعضاءً مَخْصوصَةً، وقد فَسَّرَها ابنُ عباسٍ وعائشةُ بالوَجْهِ والكَفَّيْنِ (5).

* فإن قلتَ: فمقتضى هذهِ الآيةِ على هذا التفسيرِ أنه يجوزُ للنِّساء كشْفُ وُجوهِهِنَّ وأيديهِنَّ، واللهُ تعالى يقول:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60]، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوزُ للقواعِدِ أن يضعن ثيابَهُنَّ عَمّا عدا الوجه والكفين، وإنما رفعَ اللهُ الجُناحَ عنهنَّ في الوجهِ واليدين (6)،

(1) القُرط: هو الذي يعلق في شحمة الأذن، والجمع قِرَطة وقِرَاط. "مختار الصحاح" (مادة: قرط).

(2)

الدُّخْلُج: والدُّمْلُوج: المعْضِد من الحُلُيّ. "لسان العرب"(مادة: دملج).

(3)

وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأنس وقتادة ومجاهد والحسن، انظر:"تفسير الطبري"(18/ 117 - 119)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2573 - 2574)، و"الدر المنثور" للسيوطي (6/ 179 - 180).

(4)

انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (3/ 339)، و"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 172)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 228 - 229).

(5)

انظر: "تفسير الطبري"(8/ 2574)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 167)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 226)، و"الدر المنثور" للسيوطي (6/ 180).

(6)

في "ب" زيادة: "والكفين".

ص: 76

وهذا يدلُّ على أن الجُناحَ باقٍ في غيرِ القواعدِ (1).

قلتُ: المرادُ بهذهِ الآيةِ النهيُ لهنَّ عن إبداءِ زينتِهِنَّ، وإباحةِ ما ظهرَ منها عندَ الحاجَةِ، فأباحَ اللهُ تَعالى لهنَّ كَشْفَها في هذهِ الحالِ للحاجةِ الداعيةِ إلى كَشْفِها؛ كما وردَ من كَشْفِها في حالةِ الإِحْرامِ والصَّلاةِ، وكما تكشفُ عندَ البيعِ والشِّراءِ وتَحَمُّلِ الشهادةِ وغيرِ ذلكَ من الأمورِ، والمرادُ بآيةِ القواعدِ كَشْفُها في حالةِ الاختيارِ، فرفعَ اللهُ سبحانَهُ الجُناحَ في هذهِ الحالةِ من القواعدِ، وأن يَسْتَعْفِفْنَ فلا يُبْدينَها خيرٌ لهنَّ، ولم يرفع الحرجَ في غيرِ القواعِدِ، ولم يزلْ عملُ الناسِ على ذلك قديماً وحديثاً في جميعِ الأمصارِ والأقطارِ، فيتسامحون للعجوزِ في كَشْفِ وَجْهِها، ولا يتسامَحون للشابَّةِ، ويرونَهُ عورة مُنْكَراً.

وقد تبينَ لكَ وجهُ الجَمْعِ بين الآيتينِ، ووَجْهُ الغَلَطِ لمنْ أباحَ النظرَ إلى وَجْهِ المرأةِ لغيرِ حاجةٍ، والسَّلَفُ كَمالكٍ، والشافعيُّ، وأبي حنيفةَ، وغيرِهم لم يتكلَّموا إلا في عَوْرَةِ الصَّلاةِ، فقالَ الشافعيُّ ومالكٌ: ما عَدَا الوَجْهَ والكفينِ (2)، وزادَ أبو حنيفةَ القَدَمَيْن (3)، وما أَظُنُّ أحداً منهم يُبيحُ

(1) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 196)، و"المغني" لابن قدامة (7/ 78)، و "كشاف القناع" للبهوتي (5/ 13)، و"روضة الطالبين" للنووي (7/ 24)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 129).

(2)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 167)، و"روضة الطالبين" للنووي (1/ 283)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 185)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 83)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 194)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 349)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 226).

(3)

انظر: "الهداية" للمرغيناني (1/ 43 - 44)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (5/ 121).

ص: 77

للشابَّةِ أن تكشِفَ وَجْهَها لغيرِ حاجَةٍ، ولا يُبيحُ للشابِّ أن ينظرَ إليها لغيرِ حاجَةٍ، والله أعلمُ.

ولا بُدَّ من مزيدِ كلامٍ هناك -إن شاءَ اللهُ تعالى-.

* فإن قلتَ: فهل تدخلُ الإماءُ معَ الحرائِرِ في هذا الحُكْمِ؛ لأنهنَّ من جُمْلَةِ المُؤمنات، أو لا؛ لأنهنَّ من أهلِ الحاجاتِ والخِدْمَةِ، فلا تكونُ عورتُهُنَّ كعورةِ الحرائرِ؟

قلنا: للشافعيةِ في الأَمَةِ ثلاثَةُ أوجُهٍ:

أحدها: أَنَّها كمثِلها.

والثاني، وهو مذهبُ عمرَ -رضي الله تعالى عنه-: أن عورتَها كعورةِ الرَّجُل.

والثالث: عورتُها ما لا يبدو حالَ المِهْنَةِ (1).

* ولما كانَ رأسُ المرأةِ وعُنقُها يظهرُ في حالِ المهنةِ، أمرَ اللهُ سبحانَه النساءَ بسَتْرِه، وبَيَّنَ أنه ليسَ مُراداً بالاستثناء، فقال:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31].

قالتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها -: يرحَمُ اللهُ النساءَ المُهاجراتِ الأُوَلَ؛ لَمّا أنزلَ اللهُ تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى

(1) انظر: "المجموع" للنووي (3/ 171)، و"روضة الطالبين" للنووي (1/ 283)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 129).

وعند الحنابلة والمالكية: أنها كعورة الرجل، انظر:"المغني" لابن قدامة (1/ 351)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 265)، و"حاشية الدسوقي"(1/ 215).

وعند الحنيفة: أنها كعورة الرجل، وتزيد عليه الظهر والبطن، انظر:"الهداية" للمرغيناني (1/ 44).

ص: 78

جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، شَقَّقْنَ مُروطَهُنَّ فاخْتَمَرْنَ به (1).

* ثم استثنى اللهُ سبحانَهُ أصنافاً منَ الناسِ:

فاستَثْنى الزوجَ وكيرَهُ منَ المَحارمِ بالنَّسَبِ والمُصاهَرَةِ، وفَرَّقَ بينَهُم، وإن كانَ تفصيلُ الإبداءِ في حَقِّهِم مُخْتَلِفاً، فيجوزُ للزوجِ أن ينظرَ (2) إلى جميعِ بَدَنِها، ولا يَجوزُ للمَحْرَمِ إلَّا ما فوقَ السُرَّةِ وتَحْتَ الرُّكْبَةِ.

واستثنى أيضاً نساءَهُنَّ، فاقتضى الخطابُ بِمَفْهومه أنه لا يجوزُ لهنَّ أنْ يبدينَ زينتَهُنَّ لغيرِ نِسائهنَّ، وهُنَّ المُشْركاتُ غيرُ المؤمناتِ، وهو كذلكَ على الأَصَحِّ منَ الوَجْهَيْنِ (3)، واختارَ الغزاليُّ أنهنَّ كالمُسلماتِ (4)، وهو ضعيفٌ مُخالِفٌ للمفهوم (5)، ولِما رويَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّاب -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - أنه كتبَ إلى أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنه بَلَغَني أَنَّ نِساءً من نِساءِ المُسلمين يَدْخُلْنَ الحَمّاماتِ، ومعهنَّ نساءُ أهلِ الكتاب، فامنعْ ذلكَ، وحُلْ دُونَهُ (6).

وفي روايةٍ أُخْرى: فإنَّه لا يَحِلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِر أنْ ينظُرَ إلى عَوْرَتها إلَّا أَهْلُ مِلَّتِها (7).

(1) رواه البخاري (4480)، كتاب: التفسير، باب:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} .

(2)

في "ب": "النظر".

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 80)، و"التفسير الكبير" للرازي (23/ 176)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 131 - 132)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 233)، و"حاشية رد المحتار" لابن عابدين (6/ 371).

(4)

انظر: "الوسيط" للغزالي (5/ 30).

(5)

في "أ": "للعموم".

(6)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(1136)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 95).

(7)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 95)، عن الحارث بن قيس.

ص: 79

ومرادُ عُمرَ العَوْرَةُ الصُّغْرى، ويدلُّ عليهِ ما رُويَ عن مجاهدٍ أنه قالَ: لا تَضَعُ المسلمةُ خمارَها عندَ مشركةٍ (1).

واستثنى أيضاً ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُن، وهو عامٌّ في الإِماءِ والعَبيد، وهو كذلكَ على الأَصَحِّ المنصوص (2)، وخَصَّهُ بعضُهم بالإماءِ دُونَ العبيدِ، وحملَه على الإماءِ الكتابِيّات، وبه قالَ بعضُ الشافعيةِ (3)، وهو مردودٌ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- لمَّا سَتَرَتْ رأسَها:"إنَّهُ ليسَ عليكِ بَأْسٌ، إنَّما هُوَ أبوكِ أَوْ غُلامُكِ"(4).

واستثنى التابعينَ غيرَ أولي الإِرْبَةِ منَ الرِّجالِ، قالَ ابنُ عباسٍ: هو الرجلُ يتبعُ القومَ، وهو مُغَفلٌ في عَقْلِهِ، لا يَكْتَرِثُ النساءَ، ولا يَشْتَهيهِنَّ (5).

(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 95)، وسعيد بن منصور وابن المنذر كما في "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 183).

(2)

انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (5/ 12)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (2/ 625)، و"المهذب" للشيرازي (2/ 34 - 35)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 130)، و"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 175)، و"التمهيد" لابن عبد البر (16/ 235)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 233 - 234)، وخالف في ذلك الحنفية، انظر:"الهداية" للمرغيناني (4/ 87).

(3)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (5/ 122)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 171).

(4)

رواه أبو داود (4105)، كتاب: اللباس، باب: في العبد ينظر إلى شعر مولاته، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 305)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 95)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(1712)، عن أنس بن مالك.

(5)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(8/ 2578)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 96)، وهذا لفظ البيهقي.

ص: 80

وعنِ الحَسَنِ نَحْوُ هذا (1).

وفي معناهُ الشَّيْخُ المُسِنُّ الذي قَدْ فَقَدَ اللَّذَّةَ، والمَمْسوحُ، وهو كذلكَ على الصَّحيحِ منَ الوَجْهين، ومقابلُهُ ضعيفٌ لا وَجْهَ له (2).

وأَمّا ذو الإِرْبَةِ كالخَصِيِّ والمَجْبوبِ الذي بَقي خُصْياهُ، والعِنِّينِ والمُخَنَّثِ، فإنهم كَفُحولِ الرجالِ (3).

واستثنى الطِّفْلَ الذينَ لم يَظْهَروا على عَوْراتِ النساءِ، وعلى هذا أجمعَ المسلمونَ، ومَفْهومُ هذا الخطابِ أن المُراهِقَ الذي قَدْ ظَهَرَ على عوراتِ النساءِ، وتحرَّكَتْ شَهْوَتُهُ، واسْتَقْوَى عليها أَنَّه خارجٌ من المُسْتَثْنى، فلا يجوزُ للنساءِ الكَشْفُ عندَهُ، وهو كذلكَ عَلى أَصَحِّ الوَجْهين عندَ الشافعيةِ، والثاني يجوزُ التكشُّفُ عندَهُ (4)؛ كما يجوزُ له الدخولُ بغيرِ استِئْذان إلَّا في الأوقاتِ التي ذكرها (5) اللهُ تعالى.

وهذا الاستدلالُ باطِلٌ؛ لأن الاستئذانَ في حَقِّه أَدَبٌ، وهو حكمٌ معلق بهِ، والسترُ واجبٌ، وهو حكمٌ معلقٌ بالنِّساء.

(1) ذكره البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 96)، والجصاص في "أحكام القرآن"(5/ 176)، وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (17189) عن الحسن أنه قال: هو الذي يقولون: أحمق.

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 79)، و"كشاف القناع" للبهوتي (5/ 12)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (2/ 625)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 171)، و"الوسيط" للغزالي (5/ 32 - 33)، و"روضة الطالبين" للنووي (7/ 23)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 128).

(3)

انظر: المراجع السابقة.

(4)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (7/ 22)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 130)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (5/ 123).

(5)

في "أ": "كرهها".

ص: 81

* ثم نَهاهُنَّ اللهُ سبحانَه عن الإعلام بزينتهِنَّ الخَفِيَّةِ؛ لكَيْلا يُمِلْن الرجالَ، فيؤدِّي إلى الافتتان بهنَّ، فقال تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]؛ وهذا النهيُ للتحريم، ويدلُّ عليهِ قولُه صلى الله عليه وسلم:"صنفانِ من أهلِ النارِ لم أَرَهُما: قومٌ معهمْ سِياطٌ كأَذنْابِ البَقَرِ يُعَذِّبونَ بِها الناسَ، ونساءٌ كاسِيات عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ (1)، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيوجَدُ من مَسيرةِ كَذا وكَذا"(2).

(1) كأسنمة البخت المائلة: شبه رؤوسهن بأسنمة البخت؛ لكثرة ما وصلن به شعورهن حتى صار عليها من ذلك ما يفيِّئُها أي: تركها خيلاء وعُجباً، وهو من شعار المغنيات. "لسان العرب"(1/ 125) و (12/ 306).

(2)

رواه مسلم (2128)، كتاب: اللباس والزينة، باب: النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، عن أبي هريرة.

ص: 82