الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام الجهاد)
248 -
خَرَّجَ البخاريُّ في "جامعه" عن سفيانَ قال: ثنا عمرُو بنُ دينارِ قال: حدثني الحسنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيُّ: أنه سمعَ عبدَ اللهِ بنَ أبي رافعٍ كاتبَ عَلِيٍّ يقول: سمعتُ عَلِيًّا يقول: بَعَثَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنا والزبيرُ والمقدادُ، فقال:"انْطَلِقوا حَتَّى تَأتوا رَوْضَة خاخ، فإنَّ بها ظَعينَة مَعَها كِتابٌ، فَخُذُوه مِنْها"، فذهبنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حَتَّى أتينا الروضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينَةِ، فقلْنا: أَخْرِجي الكتابَ، قالتْ: ما معي مِنْ كتابٍ، فقلْنا لَتُخْرِجِنَّ الكتابَ، أو لنلْقِبنَّ الثيابَ، فأخرجَتْهُ منْ عِقاصِها، فأتينا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: مِنْ حاطِبِ بنِ أَبي بَلْتَعَةَ إلى أناسٍ منَ المشركينَ مِمَّن بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُم ببعضِ أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما هذا يا حاطِبُ؟ " قال: لا تعجَلْ عَلَيَّ يا رسولَ الله! قال: إني كنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُريشٍ، ولم أكنْ من أَنْفُسِهم، وكان مَنْ معكَ منَ المهاجرينَ كانَ لهم قراباتٌ يَحْمونَ بِها أَهْلَهم وأَمْوالَهم بمكةَ، فأحببتُ إذْ فاتَني من النَّسَبِ فيهم أَنْ أَصْطَنِعَ إليهم يَداً يَحْمون بها قَرابتي، وما فَعَلْتُ ذلكَ كُفْرًا ولا ارْتداداً عنْ دِيني، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّهُ قَدْ
صَدَقَكُمْ"، قال عمرُ: يا رسولَ الله! دَعْني فأضربَ عنقَهُ، قال: "فإنَّه قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْريكَ لَعَلَّ اللهَ اطلَعَ على أهلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لكُمْ" (1).
قال عَمْرو: نزلتْ فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]، قال: لا أَدري الآيةُ في الحَديثِ (2)، أو في قولِ عُمرو.
إذا علمتَ هذا، فنقول: حَرَّمَ اللهُ سبحانَهُ في هذه الآيةِ على المؤمنين أن يُوالوا المشركينَ بالمودةِ، وأن يَدُلُّوهُمْ على عورَةِ المسلمين، وأَنْ يُحَذروهم من كَيْدهِم، وجعلَ ذلكَ ضَلالا عنْ سواءِ السبيلِ، فقالَ تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)} [الممتحنة: 1] وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 9] وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
فإن قلتَ: فلمَ لمْ يخرجْ بذلك حاطِبٌ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - عن الإيمان؟
قلتُ: لأنه فَعَلَ هذا بِجَهالَةٍ وتأويلٍ، وادَّعى بقاءَهُ على الإيمان، فَصَدَّقَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ اللهَ سبحانَهُ لعله قد غفرَ لأهلِ بدرٍ ما مَضى، وما يُستقبلُ من الذنوبِ، وحاطبٌ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - قد شَهِدَ بَدْرًا، والغفرانُ يستلزمُ الإيمانَ؛ فإنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشْرَكَ به.
(1) رواه البخاري (2845)، كتاب: الجهاد، باب: الجاسوس، ومسلم (2494)، كتاب:"فضائل الصحابة" باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم.
(2)
القائل هو سفيان بن عيينة أحد رواة الحديث كما في "فتح الباري"(8/ 635).
وقد قَدَّمْتُ جُمَلاً في بيانِ حقيقةِ مُوالاةِ أعداءِ اللهِ -لَعَنَهُم اللهُ سبحانَه-.
* وقد استنبطَ الشافعيُّ -رحمَهُ اللهُ تَعالى- من هذهِ القصةِ أَنَّ الرجلَ إذا كانَ من ذَوي الهَيْئات، فَلِلإمام أن يعفوَ عنه، وإن لم يكنْ منهُم، كانَ للإمامِ عقوبَتُه (1).
* ثم بينَ اللهُ سبحانَه العِلَلَ المُنَفِّرَةَ للقُلوبِ عن موالاةِ المشركينَ، وحَثَّهم على الاقتداءِ بإبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة: 4]؛ فإنه لا يُقْتَدى بهِ في هذا، فاستثناهُ (2)، ولعلَّ هذا -واللهُ أعلمُ- كانَ من النبيِّ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُعْلِمَهُ اللهُ تبارك وتعالى أَنَّه لا يغفرُ الشِّرْكَ، أو لأمرٍ علمهُ من أبيهِ كَما قال تعالى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] ، وقد تبيَّنَ بهذا أن استغفارَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي طالبٍ ولعبدِ اللهِ بنِ أبيِّ ابنِ سلولَ إنَّما كانَ قبلَ نزولِ هذهِ الآية.
وهذه السورةُ نزلتْ في قصةِ حاطبِ بنِ أبي بلتعةَ (3)، وذلك حينَ توجَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى مكةَ غازياً غزوةَ الفَتْحِ، ولا شكَّ في أنَّ موتَ عبدِ اللهِ بنِ أبيٍّ قبلَ ذلكَ.
* * *
249 -
(2) ثم قالَ اللهُ تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8].
* رويَ عن الحسنِ أنّها نزلتْ في قومٍ بينَهم وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عهدٌ، وهم
(1) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (4/ 250).
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(28/ 63)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 227).
(3)
انظر: "تفسير الصنعاني"(3/ 286)، و"تفسير الطبري"(28/ 60).
خُزاعَةُ، وبنو عبدِ الحارثِ بنِ عبدِ منافٍ (1).
أمرَ اللهُ سبحانَهُ المؤمنينَ أن يُوفوا لهم بالعَدْلِ، وأَنْ يبرُّوهم.
ورويَ عن مجاهدِ: إنما أريدَ بها الذين لم يُقاتلوا المؤمنين، وآمنوا، وأقاموا الصلاة بمكَّةَ، ولم يُهاجروا (2).
وذهبَ قومٌ إلى أنها منسوخةٌ (3):
فقيل: بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
وقيل: بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الآية.
وقيل: بقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية.
والقولُ بالنسخِ ضعيفٌ؛ لعدمِ التعارُضِ في الآيتينِ.
والصحيحُ ما رويَ عن الحسنِ ومجاهدِ، وأحسنُهما قولُ الحسنِ؛ بدليلِ قوله تَعالى بعدَ ذلك:{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 9] وبدليل قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7] وبدليل ما روينا في "الصحيحين": أَنَّ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - كسا
(1) انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: 712)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (8/ 237).
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(28/ 65)، و"الكشاف" للزمخشري (4/ 515).
(3)
انظر: " الناسخ والمنسوخ" للزهري (ص: 25)، و "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: 56)، و"ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: 53)، و "قلائد المرجان" (ص: 167).
أخاً له مُشْرِكاً بمكَّةً حُلَّةً أعطاهُ إياها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (1) ، وغيرِ ذلك من أدلةِ الكتابِ والسُّنَّةِ.
* * *
250 -
* قال الشافعيُّ -رحمَهُ اللهُ تَعالى-: ذكرَ عدةٌ منْ أَهْلِ العلم بالمغازي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هادَنَ قُريشاً عامَ الحُدَيْبِيَة على أن يؤمِّنَ بعضهم بَعْضاً، وأَنَّ مَنْ جاءَ من المسلمين مرتدًّا، لم يردُّوه عليهم، ومنْ جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ منهم، رَدَّهُ عليهم، ولم يُعْطِهم أن يردَّ عليهم منْ خرجَ منهم مسلمًا إلى غيرِ المدينةِ من بلادِ الإِسلامِ أو الشركِ، وإن كانَ قادرًا عليه.
قال: ولم يذكرْ أحدٌ منهم أنه أعطاهُم في مسلم غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ شيئًا منْ هذا الشَّرْط، فذكروا أنه أنزلَ عليه في مهادنتهم:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] ، فتمَّ الصلحُ بينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبينَ أهلِ مكةَ على هذا، حتى جاءَتْهُ أُمُّ كُلثومٍ بنتُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ مسلمةً مهاجرةَ، فنسخَ اللهُ سبحانه وتعالى الصلحَ في النِّساء، وأنزل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} ، الآية إلى قوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا
(1) رواه البخاري (846)، كتاب: الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد، ومسلم (2068)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، عن عبد الله بن عمر.
أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] يعني: المهرَ إذا كانوا أَعْطَوْهُنَّ إياه.
قال: وجاء أَخَواها يطلبانِها، فمنعَها صلى الله عليه وسلم منهُما، وأخبرَ أن الله تبارك وتعالى نقضَ الصُّلْحَ في النساء، وحكم فيهن غيرَ حكمِه في الرجال.
قال: وإنما ذهبتُ إلى أن النساءَ كُنَّ في الصُّلحِ، وحكمَ فيهن بأنه لو لم يدخلْ رَدُّهُن في الصُّلح لم يُعْطَ أزواجُهن فيهن عِوَضًا.
وزعمَ بعضُهم أن النساءَ لم يدخُلْنَ في الصُّلحِ، واحتجَّ بما رواهُ معمرٌ عنِ الزهريِّ أنه قالَ في هذهِ القصةِ: وقال سُهَيلٌ: على أَلاّ يأتِيَكَ مِنّا رجلٌ، وإن كانَ على دينِكَ إلَّا رَدَدَتْهَ علينا (1).
فإن قلتُم: فهل يجوزُ للإمامِ اليومَ أن يعقدَ الصلحَ مع المشركينَ على ما عقدَ عليهِ النبي صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبيةِ منْ شرطِ رَدِّ المسلمينَ؟
قلتُ: أما شرطُ ردِّ المسلمات، فلا يجوزُ؛ لأنه منسوخٌ، والعملُ بالمنسوخِ غيرُ جائز (2).
وأما رَدُّ الرجالِ، فإن شرطَ، رُدَّ من لهُ عشيرة تمنع منه.
فقال الشافعي وأصحابُه: إنه يجوزُ شرطُ رَدّهِ؛ لأنه يأمن على إظهارِ دينه، وإن لم تكنْ لهُ عشيرةٌ، فلا يجوز شرطُ ردّه، وإن أطلقَ العَقْدُ فلا يجوزُ؛ لأنه دخلَ (3) فيه من يجوزُ رَدُّه ومَنْ لم (4) يجوز (5).
وفي هذا التفصيلِ نظرٌ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقَ العقدَ، ولاشكَّ أن بمكةَ كثيرًا مِمَنْ لا يقدرُ على إظهارِ دينه، ولأنه كانَ في قريشٍ من يُفْتَنُ عن دينهِ،
(1) في "ب": "إلينا". انظر: "الأم" للإمام الشافعي (4/ 191 - 193).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (4/ 191)، و"المحلى" لابن حزم (7/ 307).
(3)
في "ب": "يدخل".
(4)
في "أ": "لا".
(5)
انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 260).
ويمنع مِنْ إظهارِه، وله عشيرةٌ، فقد صاحَ أبو جَنْدَلٍ بأعلى صَوْتهِ، وهو يَرْسُفُ (1) في الحديدِ: يا معشرَ المسلمين! أُرَدُّ إلى المشركينَ يفتنوني عن دِيني؟! فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا جَنْدَلٍ اصبرْ واحتِسبْ؛ فإنَّ اللهَ جاعلٌ لكَ ولِمَنْ معكَ منَ المستضعفين فَرَجًا ومَخْرَجاً"(2)، وردَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أبا بصيرٍ، ولم يكنْ له عشيرةٌ تمنعهُ، وقتلَ أحدَ الرجلينِ اللذَيْنِ جاءا إليه، فقال: يا رسولَ الله! قد وَفَّيْتَ لَهُم، ونَجّاني اللهُ منهم، فأفهمَه أنه رادُّه إليهم مَرَّةً أخرى إِنْ جاؤوا في طَلَبه، والغالبُ على الظنِّ أنهم يقتلونه إن استَردُّوه وظَفِروه، فلحقَ بالساحلِ، وقصتهُ مشهورةٌ (3).
ويحتمل أن يقالَ: لا يجوزُ؛ لأن الله سبحانَه جعلَ لنبيه صلى الله عليه وسلم ما لَمْ يكنْ لغيرِه، وجعلَ صُلْحَ الحُديبية لهُ فتحاً مبينًا، أو لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما فعلَ ذلكَ تَعْظيماً للمسجدِ الحرامِ؛ بدليلِ قوله صلى الله عليه وسلم لَمّا حَبَسَ القَصْواءَ حابِسُ اللَّيلِ:"والله لا يَسْأَلونَني خِطَّةً يُعَظِّمونَ فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّا أَجَبْتُهُمْ إليها"(4).
وبهذا قال مالك وأصحابُه، فلا يجوزُ عندَهم رَدُّ المسلمِ بحالٍ (5).
* ثم نَصَّ اللهُ سبحانَه على تحريمِهِنَّ على المشركينَ، وعلى تحريمِ المشركينَ عليهِنَّ، وهذا أَصرَحُ في التحريمِ من الذي في سورةِ البقرةِ.
(1) رَسَفَ في القيد يرسُفُ ويرسِفُ رسَفًا ورسيفًا وسَفاناً: مشى مشْيَ المقيد. وقيل: هو المشي في القيد رويداً، فهو راسف. "لسان العرب" (مادة: رسف).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 325)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 227)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(25/ 300 - 301)، عن المسور بن مخرمة.
(3)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (4/ 248)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (9/ 144).
(4)
رواه البخاري (2581)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، عن المسور بن مخرمة.
(5)
ذكر القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(18/ 63): أن هذا مذهب الكوفيين، أما مذهب الإِمام مالك فهو الجواز.