المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(من أحكام الاستئذان) - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌سُوْرَةُ الحَجِّ

- ‌(من أحكام البيت الحرام)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌سُوْرَةُ النُّورِ

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام السلام والاستئذان)

- ‌(من أحكام النظر)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌سُورَةُ القَصَصِ

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ الأَحْزَابِ

- ‌(من أحكام المواريث والولاية)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام اللباس)

- ‌سُورَةُ ص

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُورَةُ الفَتْحِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الحجرات

- ‌(من أحكام الأضحية)

- ‌(من أحكام الردة)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام البغاة)

- ‌(آداب وفضائل)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سورة النجم

- ‌(من أحكام النيابة في العبادات)

- ‌سورة الواقعة

- ‌(من أحكام مس المصحف)

- ‌سورة المجادلة

- ‌(من أحكام الظهار)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌سورة الحشر

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الممتحنة

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة الجمعة

- ‌(من أحكام صلاة الجمعة)

- ‌سورة الطلاق

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة التحريم

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌سورة المزمل

- ‌(من أحكام قيام الليل)

- ‌تراجم الأعيان في تيسير البيان

الفصل: ‌(من أحكام الاستئذان)

(من أحكام الاستئذان)

213 -

(13) قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].

أقول: لَمَّا لطفَ اللهُ سبحانه بالمؤمنين، ورفعَ عنهم الحَرَجَ والجُناح، أباحَ لهم ولِمَنْ كان في تأديبهم من الصِّبيان والمَماليك أن يَلِجوا عليهم من غيرِ استئذانٍ؛ بخلافِ الأحرارِ البالغينِ؛ لِمَشَقَّةِ الاحترازِ منهم؛ لكثرةِ طوافِهم، ولم يحظرْ عليهم إلا في ثلاثةِ أوقاتٍ كما بَيَّنَها اللهُ تعالى، وأشار إلى علتها بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] الآية.

وهذه الأوقاتُ تُكْشَفُ فيها العوراتُ غالباً، وتقلُّ الحاجةُ إلى تطوافِ الصِّبيانِ والخَدَمِ، وتعدمُ المشقةُ التي هي سببُ رفعِ الجُناح، وقد تقدَّم شيءٌ من الكلامِ على أحكامِ العبيدِ والصِّبيانِ.

وقد اختلفَ أهلُ العلمِ بالقرآنِ في هذه الآيةِ لَمّا قَلَّ عَمَلُ الناسِ بها.

ص: 92

روي عن ابنِ عباسٍ، وسعيدِ بنِ جُبيرٍ، ويحيى بنِ يعمرَ: أنهم قالوا: ثلاثُ آياتٍ من كتاب اللهِ لا يرى أحدٌ العملَ بها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] الآية، وقوله:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8] الآية، وقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1)[الحجرات: 13].

فقال أبو قِلابَةَ: الأمرُ فيها على النَّدْبِ والاستحبابِ (2).

وقال غيرُه: بل الأمرُ فيها للوجوب (3).

ثم اختلفَ هؤلاء:

فقال قومٌ: هي منسوخةٌ (4)، ويحكى عن ابن المسيِّبِ (5).

وذهبَ أكثرُهم إلى أنها محكمةٌ (6).

ثم اختلفَ هؤلاءِ أيضاً:

فقال قومٌ شُرِعَ هذا الحكمُ لمعنَى، وقد زالَ ذلكَ المعنى، فزالَ هذا الحُكْمُ لِزوالِه.

سئلَ ابنُ عباس -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما- عن هذه الآية، فقال: لا يُعْمَلُ

(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19419)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 264)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(8/ 2632).

(2)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 302).

(3)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 303).

(4)

انظر: "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه"(ص: 43)، و"قلائد المرجان" (ص: 137).

(5)

انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: 591).

(6)

ممن قال بذلك القاسم بن محمد وجابر بن زيد والشعبي، انظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 303).

ص: 93

بها اليومَ، وذلكَ أن الناس كانوا لا سُتِرَةَ لهم، ولا حِجابَ، فربما دخلَ عليهِمُ الخدمُ والولدُ وهم في حالِ الجِماع، فأمرَ اللهُ جَل ذِكْرُهُ بالاستئذانِ في هذه الأوقاتِ المذكورةِ، ثم جاءَ اللهُ سبحانه بالسَّتْرِ، وبسطَ الرزقَ، فاتخذَ الناس الأبوابَ والسُّتورَ، فرأى الناس ذلكَ كَفاهم عنِ الاستئذانِ الذي كانوا أمروا به (1).

وكذا قالَ مالك لما سُئِلَ عن الآيةِ.

وفالَ أكثرُهم: حكمُ هذهِ الآيةِ باقٍ لم يُنْسَخْ، ولم يزلْ (2).

وقال الشعبيُّ: ليستْ هذهِ الآيةُ منسوخةَ، فقيلَ لَهُ: إن الناس لا يعملونَ بها، فقال: اللهُ المُستعانُ (3).

* فإن قلتم: فالصبي ليسَ منْ أهلِ التكليفِ، فَلِمَ كَلَّفَهُ اللهُ سبحانَهُ الامتناعَ، وألزمَهُ الاستئذان؟

قلنا: التكليفُ والخطابُ مصادمٌ للأولياءِ، لا للصبيانِ والخَدَمِ، فيجبُ على الولي تأديبُ الصبيّ كما بيَّنَهُ اللهُ سبحانهٌ هنا، وبيَّنَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ قالَ:"مُرُوهُم بالصَّلاةِ لسَبعٍ، واضرِبوهُم على تَركِها لِعَشْرٍ"(4)، فهو

(1) رواه بنحوه أبو داود (5192)، كتاب: الأدب، باب: الاستئذان في العورات الثلاث.

(2)

تقدم نقله عن القاصم وجابر بن زيد والشعبي، انظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 303).

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(17614).

(4)

رواه أبو داود (495)، كتاب: الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ والإمام أحمد في "المسند"(2/ 187)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3482)، والعقيلي في "الضعفاء"(4/ 176)، والدارقطني في "سننه"(1/ 230)، والحاكم في "المستدرك"(708)، وأبو نعيم في "حية الأولياء"(10/ 26)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 228)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"=

ص: 94

داخلٌ في خطابِ التأديبِ، خارجٌ من خطابِ التكليفِ والتأثيمِ.

ثم بيَنَ اللهُ سبحانَهُ أحكامهم إذا بَلَغُوا الحُلُمَ، وأَنَّهم كالبالغين فيما تقدَّمَ منَ الأحكام.

214 -

(14) قوله عز وجل: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60].

* اتفقَ أهلُ العلمِ بالقرآنِ على إِحكام هذهِ الآيةِ، حتى رُوي عنِ ابنِ عباسٍ أَنَّها ناسخةٌ للآيةِ الأخرى (1)، والذي يقتضيهِ النظرُ أنها غيرُ ناسخةٍ إلا أن يَثْبُتَ بتوقيفٍ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وقد قَدمتُ كيفيةَ الجَمع بينهما، وأن حكمَ هذه مختصٌّ بالقواعِد، مُخْتَصٌّ بحالةِ الاختيارِ، وأن تلكَ الآيةَ مختصَّةٌ بالشوابِّ، مختصَّةٌ بحالةِ الحاجةِ والاضْطِرار.

وكذا ما رَوَتْهُ عائشةُ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها-: أَنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ دخلَتْ على النبى صلى الله عليه وسلم، وعليها ثيابٌ رِقاقٌ، فأعرضَ عنها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقال:"يا أَسْمُاء! إنَّ المرأةَ إذا بلغَتِ المَحيضَ لَمْ يَصلُح أَنْ يُرَى مِنْها إلَّا هذا وهذا"، وأشارَ إلى وجهِهِ وكَفيْه (2)، مختصّ بحالةِ الحاجةِ إلى رُؤْيتها.

= (2/ 278)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

(1)

أي: قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا

} و {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْن

}، انظر:"المغني" لابن قدامة (7/ 78).

(2)

رواه أبو داود (4104)، كتاب: اللباس، باب: فيما تبدي المرأة من زينتها، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 373)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 226)، وفي "شعب الإيمان"(7796).

ص: 95

فإنْ قلتَ: فهل نجدُ دليلاً على التفرقِة بينَ الشابَّة والعَجوزِ مُوافِقاً لهذهِ الآيةِ من كتابٍ أو سنَّةٍ؟

قلتُ: نعم: أما دلالةُ الكتابِ، فإن الله سبحانَهُ لَمَّا أَحَل للنساءِ الشواب أن يُبْدِيْنَ زينتهُنَّ لغيرِ ذَوي الإِرْبَةِ منَ الرجال؛ كالشيخِ المُسِن، والمَعتوهِ، والمُغَفَّلِ الذي قعدَ عن النكاحِ وَيئسَ منه، فكذلكَ العجوزُ مثلُ الشيوخِ في العَكْس، كما ذكرَ اللهُ سبحانه حُكْمَهُ هنا.

وأما دلالةُ السنَّةِ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما أمرَ فاطمةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تعتدَّ عندَ أُمَّ شَريكٍ، وكانَتْ من القَواعِدِ، قالَ لها:"تلْكَ امرأةٌ يَغْشاها أَصحابي"، فأمرَها أن تعتدَّ عندَ ابنِ أُمّ مكتومٍ (1)، ففرَّقَ بينَ العَجوزِ والشابةِ، ولم يجعلْ عليها جُناحاً في غِشْيانِ أصحابِه إيّاها، ولو كانَتْ شابَّهً كفاطِمَةَ، لَمَا غَشِيَها أصحابُه، واللهُ أعلمُ.

215 -

(15) قوله جَلَّ ثَناؤُهُ: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61].

(1) تقدم تخريج حديث فاطمة بنت قيس.

ص: 96

* كان المسلمونَ يخرجون إلى الغزوِ، ويدفعونَ مفاتيحَ بُيوتهم إلى الزّمنَى الذين لا يخرُجونَ، ويقولون لهم: أَخلَلْنا لكم أن تأكُلوا مِمّا فيها، فكانوا يَتَوَقَّوْنَ ذلك، ويقولون: نَخْشى ألا تكون أَنْفُسُهم بذلك طَيِّبَة، فأنزلَ اللهُ تعالى هذهِ الآيةَ يُحِلُّ لهم ذلكَ، وهذا تفسير مرويٌّ عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها، وقالَهُ ابنُ المُسَيِّبِ (1).

وأراد بقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] أي: بيوتِ أولادِكُم، فجعلَ بيوتَ أولادِهم بيوتَهم؛ لأنَّ ولدَ الرجلِ من كَسْبِه، وبقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61] الزمنَى الذين كانوا يَخْزُنون للغزاة، فيحلُّ للرجلِ أن يأكلَ من مالِ أخيهِ وقريبهِ وصديقهِ ما أُذِنَ له فيه، وما لم يُؤْذَنْ إذا علمَ أَنَّ نفسَهُ تطيبُ بذلك.

وقيل: إن المسلمين لما تَحَرَّجوا من مُؤَاكَلَةِ الأعمى والأعرج والمريضِ عندَ نُزولِ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وقالوا: إنَّ الطعامَ من أفضلِ الأموال؛ لأنه به تقومُ الهياكلُ، وإن الأعمى لا يرى أطايبَ الطعامِ، وإن الأعرجَ لا يتمكَّنُ في المجلسِ، فيهنأ بأكلِه، وإن المريضَ لا يسهلُ لهُ الأكلُ والبَلْعُ، أنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ، ويكونُ التأويلُ: ليس على مُؤاكِلِ الأَعْمى حَرَجٌ، وهذا تفسيرٌ يُروى عنِ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- (2).

(1) رواه أبو داود في "المراسيل"(460)، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ورواه البزار في "مسنده"(7/ 83 - 84 - مجمع الزوائد)، عن عائشة.

وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 274 - 275).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره"(18/ 168)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 169)، وانظر:"الدر المنثور"(6/ 224).

ص: 97

وأمرَ اللهُ سبحانَهُ المؤمنينَ بالسلامِ على أَنْفُسِهم:

قيل: معناه: فليسلم بعضُكم على بَعْض (1)، فَبِهذا التقييدِ يخرجُ المشركُ، فلا يُسَلَّمُ عليه؛ كما في قولي تَعالى:{وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47].

وقيل: إذا دخلتُم بيوتًا خالية، فَلْيَقُلِ الداخلُ: السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين (2).

(1) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (3/ 358)، و"مغني المحتاج"(4/ 214).

(2)

قاله جابر بن عبد الله وابن عباس وعطاء وعلقمة وعكرمة وغيرهم، انظر:"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 471)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 318).

ص: 98