الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام النكاح)
211 -
(11) قوله عز وجل: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].
* أقول: أمرَ اللهُ سبحانَه أن نُنْكِحَ الأيامى إذا جاءنا خاطِبٌ لَهُنَّ، ورَغِبْنَ إليه إذا كان كُفُؤاً لهنَّ، والأمرُ في هذا على الحَتْمِ والوُجوبِ، فواجِبٌ علينا أن نُنْكِحَهُنَّ، فإنِ امتنعَ أَحَدٌ، أَجْبَرَهُ السُّلطانُ (1).
رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: "إذا جاءكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دينه وأَمانَتَهُ، فَزَوِّجوهُ، إلَّا تَفْعَلُوا، تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرْضِ وفَسادٌ عريضُ"(2)، أو كَما قالَ.
وبينَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الأَيِّمَ لا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَر (3).
(1) انظر: "التفسير الكبير" للرازي (23/ 184)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 239)، و"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 178)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (2/ 634).
(2)
رواه الترمذي (1084)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء: إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، وابن ماجه (1967)، كتاب: النكاح، باب: الأكفاء، والطبراني في "المعجم الأوسط"(446)، والحاكم في "المستدرك"(2695)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(11/ 60)، عن أبي هريرة.
(3)
تقدم تخريجه.
* وفي الآيةِ دلالةٌ ظاهرةٌ على إثباتِ الولاية (1) للأَوْلياء؛ فإنَّ اللهَ سبحانَه لم يأمرهُمْ أن يفعلُوا شيئاً لا يستحقُّونه، ولو كانَتْ عُقْدَةُ النِّكاحِ بيدِ النساء، لما وردَ الأمرُ مضافاً إلا لهنَّ.
* وفي الآيةِ دلالةٌ على أنه لا ولايةَ للمؤمن على الأَيِّم الكافِرَةِ؛ لمفهومِ التقييد بنا، ولقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73].
* وبينتِ السنَّةُ أيضاً أنه لا ولايةَ لِكافِرِ على مُسلمةٍ، فقد زَوَّجِ أبو سعيدِ بنُ العاصِ أُمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سُفيانَ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبو سُفيان حَيٌّ؛ لأنها كانتْ مسلمةً يومئذٍ (2).
ويحتملُ أن التقييدَ مختصٌّ بوصفِ الأحرارِ؛ بدليلِ ذكرِ اللهِ سبحانَهُ للعبيدِ والإماءِ بعدَ التقييد.
* ثم أمرَنا اللهُ سبحانَهُ بإنكاحِ الصالحينَ منَ العبيدِ والإماءِ: فيحتمل أن يكونَ الأمرُ في هذا على الحَتْمِ، فيجبُ على الساداتِ تزويجُ العبيدِ الصالحين إذا طَلَبوا النكاحَ (3)؛ لما فيه من العِفَّةِ لهم، وتحصينِهم من الوقوعِ في الزنى، ودفعِ مَعَرَّةِ الشهوةِ عنهم.
ويحتملُ أن يكونَ على الاختيارِ والنَّدْبِ، وبهذا قالَ مالكٌ والشافعيُّ في الصحيحِ من قوليهِ (4)؛ لقوَّةِ التصرفِ في المملوكاتِ، ولأنه لا فرقٌ بينَهُمْ
(1) في "أ": "الأولوية".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
وهو قول الحنفية والحنابلة، انظر:"المغني" لابن قدامة (7/ 43)، و"كشاف القناع" للبهوتي (5/ 489)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (2/ 634)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 237).
(4)
انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 425)، و"القوانين الفقهية" لابن جزي (ص 133)، و"الأم" للشافعي (5/ 41)، و (5/ 142 - 143)، و"التفسير الكبير" للرازي (23/ 186).
وبَين الإماءِ، ولا يجبُ على الساداتِ إنكاحُ إمائِهم اتِّفاقاً، فكذلكَ العبيدُ.
قالَ الشافعيُّ: ولم أعلمْ دليلاً على إيجابِ إنكاحِ صالحِ العبيدِ والإماءِ كَما وجدْتُ الدلالةَ على إنكاحِ الحرائرِ مطلقاً، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ ينكحَ من العبيدِ والإماء صالِحوهم خاصَّةً، ولا يتبينُ لي أن يُجْبَرَ أحدٌ عليه، ولأنَّ الآيةَ محتملٌ أن تكونَ فيها الدلالةُ على الاختيار، لا على الإيجاب (1).
* وتخصيصُ اللهِ سبحانه بهذا الحكم ذوي الصَّلاحِ يقتضي إخراجَ ذوي الفسادِ والمشركين، سواءٌ قلْنا بالوجوبِ أو الاستحبابِ (2)، وهذا بَيِّنٌ؛ إذ ليس للمشركِ على المسلمِ حقٌّ، ولا سيما المملوكِ، ولِما فيه من عدم اكتراثِه بالمعصيةِ، وعدم إلزامِه لأحكامِ الإسلام.
* فإن قلتم: فهل يقتضي هذا التقييدُ أن المسلمَ لا يُنْكِحُ أَمَتَهُ الكافِرَةَ؟
قلنا: لا؛ لأن الخِطاب إنما سيقَ لبيانِ ما يتوجَّهُ على الساداتِ للعبيدِ، لا لبيانِ ما يتوجَّه للساداتِ على العبيد، وقد دَلَّتِ الآيةُ بطريق الإشارةِ على أنّه يمنع العبدُ أن ينكحَ بغيرِ إذنِ سيدِه، وإلا لَما أمرَ اللهُ سبحانَه السيدَ بإنكاحه.
وقد بينَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الحكمَ عنِ اللهِ سبحانَهُ، فروى ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إذا نَكَحَ العبدُ بغيرِ إذنِ سَيِّدِهِ فَنِكاحُهُ باطلٌ"(3)، وعن جابرٍ إما مرفوعاً أو موقوفاً:"أيُّما مملوكٍ تَزَوَّجَ بغيرِ إذنِ سَيِّدِهِ، فهو عاهِرٌ"(4).
(1) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (5/ 41).
(2)
انظر: "التفسير الكبير" للرازي (23/ 186)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 240).
(3)
رواه أبو داود (2079)، كتاب: النكاح، باب: في نكاح العبد بغير إذن سيده، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 127)، عن عبد الله بن عمر.
(4)
رواه أبو داود (2089)، كتاب: النكاح، باب: في نكاح العبد بغير إذن سيده، =
وعلى هذا الحكمِ أجمعَ المسلمونَ (1)، هذا إذا أطلَقْنا الأيامى على النِّساءِ، وحملْنا الإنكاحَ على إيجابِ النكاحِ عليهِنَّ، وعلى العبيدِ والإماءِ، وأما إذا أطلقنا الأيامى على الرجالِ والنِّساءِ، وحملْنا الإنكاحَ على إيجابِ النِّكاح؛ للخطاب، فإنه يدلُّ على وجوبِ إجابةِ الخاطبِ المؤمنِ، وإن كانَ عبداً، إذا كان صالحاً، وأنَّ الكفاءةَ غيرُ معتبرةٍ إلَّا في التقوى، وبهذا قالَ مالكٌ -رحمهُ اللهُ تَعالى - (2)، وسيأتي القولُ عليهِ في "سورةِ الحجراتِ" - إنْ شاءَ اللهُ تعالى -.
* * *
212 -
(12) قوله جَلَّ ثَناؤُهُ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا
= والترمذي (1111)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 300)، والطيالسي في "مسنده"(1675)، وعبد الرزاق في "المصنف"(12979)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(16862)، والدارمي في "سننه"(2233)، وابن الجارود في "المنتقى"(686)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 127).
(1)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 78)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 347)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 141)، و"المغني" لابن قدامة (7/ 48)، و "الأم" للشافعي (5/ 41)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 171)، و"الهداية" للمرغيناني (1/ 215)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 233)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 513).
(2)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (13/ 278) و"شرح فتح القدير" للكمال بن الهمام (3/ 188)، و"التفسير الكبير" للرازي (23/ 184)، و"معالم التنزيل" للبغوي (3/ 341).
عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33].
* أقول: يحتملُ أن تكونَ (حَتَّى) للتعليلِ، والمعنى: ولْيَطْلُبِ العِفَّةَ الذين لا يَجِدونَ نِكاحاً بالاكتسابِ؛ لكي يُغْنيهم اللهُ من فضلهِ، فحينئذٍ يحصلُ الوعدُ من اللهِ بالغنى في طَلَبِ النكاحِ للعفَّةِ، ويكون الأمرُ على الاسْتِحْباب.
والظاهرُ أن الأمرَ للوُجوبِ، وأنَّ (حتى) للغايةِ، فأمرَ اللهُ سبحانَهُ عبادَه الذين لا يَجِدون نِكاحاً أَنْ يَسْتَعْفِفُوا، فيَحْفظوا فُروجَهم عن الزنى إلى أن يُغْنِيَهم اللهُ من فضلهِ، ويكون مفهومُ الغايةِ أنَّ اللهَ سبحانَهُ إذا أَغْناه، فلا يَسْتَعْفِفْ، بل يطلبُ النكاحَ.
وقد بينَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك.
روينا في "الصحيحين" عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- قال: قالَ لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا مَعْشَرَ الشَّبابِ! منِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فَلْيتَزَوَّجْ؛ فإنَّهُ أَغَضُّ للبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فإنَّهُ لَهُ وِجاءٌ (1) "(2) ولهذا قالَ جماعةٌ: النكاحُ أفضلُ من التَّخَلِّي للعبادَةِ (3).
(1) الوجاء: أن تُرضَّ أنثيا الفحل رضًّا شديداً، يُذهب شهوة الجماع، ويتنزل في قطعة منزلة الخصي، أراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوِجاء.
"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 151).
(2)
رواه البخاري (1806)، كتاب: الصوم، باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، ومسلم (1400)، كتاب: الحج، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه.
(3)
وهو قول الحنفية، انظر:"شرح فتح القدير" للكمال بن الهمام (3/ 188)، و"التفسير الكبير" للرازي (23/ 184)، و"معالم التنزيل" للبغوي (3/ 341).
* ثم أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى الساداتِ بِمُكاتَبَةِ مَماليكِهِم إذا ابْتَغَوْها، وعلِموا فيهم خيراً، وقد اشتملَ أمرُ اللهِ تَعالى فيه على ثلاثةِ أحكامٍ:
الحكم الأول: أمرُ اللهِ تَعالى بالكِتابة: من أهلِ العلمِ مَنْ أطلقَه على الوُجوبِ والحَتْمِ، وهو قولُ عَطاءٍ (1)، وأبي حنيفةَ، وبعضِ المالكيةِ (2)، وحَمَلهُ الجُمهورِ على النَدْب (3)؛ لأنَّه لا يجبُ على السيِّدِ أن يعتقَ مملوكَه، ولا أن يبيعَهُ، والكتابةُ عِتْقٌ أَو بَيْعٌ، وإلى هذا ذهبَ مالكٌ والشافعيُّ (4).
الحكم الثاني: الخيرُ لفظٌ مشتركٌ يقع على الخِيار، قال الله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7].
ويقع على المال، قال الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]، وقال اللهُ تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8].
ويقع على الصَّلاح، قال اللهُ تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 381)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 245).
(2)
الذي قال بالوجوب أهل الظاهر وعطاء، انظر:"المحلى" لابن حزم (9/ 222)، وانظر:"الهداية" للمرغيناني (3/ 253)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (4/ 134)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 280)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 379)، و"مواهب الجليل" للحطاب (6/ 344).
(3)
انظر: "المغني" لابن قدامة (10/ 333)، و"كشاف القناع" للبهوتي (4/ 509)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (18/ 140)، و"المهذب" للشيرازي (2/ 9)، و"مغني المحتاج" للشربيني (4/ 516).
(4)
انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 369)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (18/ 141، 142).
تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، وقال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
ويقعُ على المنفعةِ، قال الله تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36]، أي: منفعةٌ وأجرٌ.
* وقد اختلف أهلُ العلم بالقرآنِ في المرادِ بالخيرِ هنا: فقال قومٌ: هو الصَّلاحُ والدِّينُ (1).
وقال جُمهورُهم: هو المالُ، قال عبدُ الملكِ بنُ جُرَيْجِ: قلتُ لعطاءٍ: ما الخيرُ، المالُ أو الصلاحُ أم كل ذلكَ؟ فقالَ: ما نراهُ إلَّا المالَ، قال: فإن لم يكنْ عندَهُ مالٌ، وكان رَجُلَ صِدْقٍ؟ قال: ما أحسِبُ خَيْراً إلا المالَ، كائنةً أخلاقُهم ما كانتْ (2).
قال مجاهدٌ: إن علمتُم فيهم خيراً: المالُ، كائنةً أخلاقُهم وأديانُهم ما كانَتْ (3).
وذهب الشافعيُّ إلى أنه الكَسْبُ والأَمانَةُ (4).
ومفهومُ الشرطِ أَنَّا إذا لم نعلمْ فيهم خيراً، لا نكاتِبُهم وجُوباً ولا استِحْباباً، وأما مُكاتَبَتُهم جَوازاً، فلا حَجْرَ فيها، ولا مَنع منها، لكن كَرِهَ مالكٌ مُكاتبةَ الجاريةِ التي لا كَسْبَ لها؛ مخافة الزنى عليها، وهذا من بابِ عملِه بالمَصالحِ (5).
(1) انظر: "التفسير الكبير" للرازي (23/ 189).
(2)
رواه الإمام الشافعي في "الأم"(8/ 31)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(102/ 318)، عن عطاء، وعن مجاهد.
(3)
انظر: "تفسير الطبري"(18/ 129).
(4)
انظر: "الأم" للشافعي (8/ 31).
(5)
انظر: "المدونة الكبرى"(7/ 252)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 246).
نعمْ أنكرَ بعضُهم كتابةَ التي لا حِرْفَةَ لَها، ولا كَسْبَ؛ خشيةَ المَسْأَلةِ، وهذا استِحْسانٌ مردودٌ بإقرارِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِكِتابة بَرِيْرَةَ، وقد أَتَتْ عائشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها - تسألُها المُعاونةَ في كتابَتِها (1).
الحكم الثالث: أمرَ اللهُ سبحانه بإيتائهم من مالِ اللهِ.
فقالَ طائفةٌ من أهلِ العلم بإطلاقِهِ للوجوب، ثم اختلفوا:
فقال بعضُهم: يتقدَّرُ بالربع، ويروى عَنْ عَلِيٍّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - (2).
وقالَ بعضُهم: لا يتقدَّرُ، بلِ الواجبُ أَقَلُّ مالٍ (3)، وهو الظاهِرُ من إطْلاقِ الخطاب.
وقالَتْ طائفةٌ: لا يجبُ على الساداتِ للمكاتَبِ شَيْءٌ، فمنْ هؤلاءِ من حملَ الأمرَ على الاستحبابِ، ومنهم مَنْ جعلَ الخِطابَ لِذَوي الأموالِ غيرِ السادات، وحملَ الأمرَ على الوجُوب في إيتائهم من الصدقاتِ (4).
وهذا التأويلُ بعيدٌ؛ لأن الصحابةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم -، وهم أعرفُ بموارِدِ التأويلُ وَضَعوا عنِ المكاتَبِ، فكاتَبَ ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما - عَبْداً بخمسةٍ وثلاثين ألفاً، ووضعَ عنهُ خمسةَ آلاف (5)، ووَضَع عمرُ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(18/ 131)، و"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 182).
(3)
هو قول الشافعي، وقد استحسنه سفيان الثوري، انظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 252).
(4)
نُقل ذلك عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي وغيرهما، انظر:"تفسير الطبري"(18/ 131).
(5)
رواه الإمام الشافعي في "الأم"(8/ 33)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 330).
وابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما - عن المكاتَب.
* إذا تَمَّ هذا، فظاهرُ إطلاقِ الخطاب يقتضي أنَّ كتابةَ العَبْدِ المراهِق إذا كان فيهِ خيرٌ جائزةٌ، وبهذا قالَ أبو حنيفةَ (1).
واشترطَ الشافعيُّ البُلوغَ كسائِرِ العُقودِ (2).
وعن مالكٌ قَوْلانِ كالمَذْهبين (3).
(1) انظر: "الهداية" للمرغيناني (3/ 253).
(2)
انظر: "الأم" للشافعي (8/ 35).
(3)
انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 282).