المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌سُوْرَةُ الحَجِّ

- ‌(من أحكام البيت الحرام)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌سُوْرَةُ النُّورِ

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام السلام والاستئذان)

- ‌(من أحكام النظر)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌سُورَةُ القَصَصِ

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ الأَحْزَابِ

- ‌(من أحكام المواريث والولاية)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الاستئذان)

- ‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام اللباس)

- ‌سُورَةُ ص

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سُورَةُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُورَةُ الفَتْحِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الحجرات

- ‌(من أحكام الأضحية)

- ‌(من أحكام الردة)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام البغاة)

- ‌(آداب وفضائل)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌سورة النجم

- ‌(من أحكام النيابة في العبادات)

- ‌سورة الواقعة

- ‌(من أحكام مس المصحف)

- ‌سورة المجادلة

- ‌(من أحكام الظهار)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌سورة الحشر

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سورة الممتحنة

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة الجمعة

- ‌(من أحكام صلاة الجمعة)

- ‌سورة الطلاق

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌سورة التحريم

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌سورة المزمل

- ‌(من أحكام قيام الليل)

- ‌تراجم الأعيان في تيسير البيان

الفصل: ‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

‌(من أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

-)

225 -

(9) قولُه جل جلاله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56].

* أعلَمَنا اللهُ جل جلاله منزلةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فتولى الصَّلاةَ بِنَفْسِهِ عليهِ تبارك وتعالى وشَرَّفَ بها مَلائِكَتَهُ، كما قَرَنَ صَلَاتهُم بصلاتِه -جَلَّ ثناؤُه-، ثم أمرَنا بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليهِ صلى الله عليه وسلم، وجعلَ ذلكَ منْ أشرفِ الطَّاعاتِ وأَفْضَلِها لدَيْه -جَلَّ ثناؤُه سُبْحانَهُ-.

* وقد بيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفيةَ الصلاةِ عليه.

روى عبدُ الرحمنِ بنُ أبي ليلى عَنْ كَعب بنِ عُجْرَةَ قال: لما نزلتْ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب:56]، قال: قُلْنا: يا رسول الله! قد علمنا السلامَ عليكَ، فكيفَ الصلاةُ عليك؟ قال:"قُولُوا: اللَّهُمَّ صَل على مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ محَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلى إبْراهيمَ وعَلى آلِ إبْراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ على إبْراهيمَ وعَلى آلِ إبْراهيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مجيدٌ"(1).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 243)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(8631)، وابن حبان في "صحيحه"(1957)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(2587)، وابن الجارود في "المنتقى"(206).

ص: 133

* ثم ادَّعى بعضُ أهلِ العلمِ أن الصلاةَ عليهِ مُسْتَحبَّةٌ (1)، وهو خَطَأ، لا التفاتَ إليه، فلا دليلَ لهُ على دَعواه، بل هو مَحجوج بِما روى مالكُ بنُ الحَسَنِ بنِ مالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ عنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ قال: صَعِدَ النبي صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ، فَلَما رَقا عَتبَةَ، قال:"آمين"، ثُمَ رَقا عتبةَ أخرى، فقال:"آمين"، ثم رَقا عتبةَ ثالثةَ، فقال:"آمين"، ثم قال:"أتاني جِبْريلُ فقالَ: يا مُحَمَّدُ! مَنْ أَدرَكَ رَمَضانَ فَلَم يُغْفر لَهُ فَأَبْعَدهُ اللهُ، قُلْتُ: آمين، قال: ومَنْ أدركَ والِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُما، فدخلَ النارَ، فَأبْعَدَه اللهُ، قُلْتُ: آمين، قال: ومَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهَ فَلَم يُصَل عَلَيَّ، فأبعدهُ اللهُ، قُلْتُ: آمين"(2).

وبما روى أبو هريرةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَى أَخْطأ طريقَ الله"(3).

وبما رَوى عبدُ اللهِ بنُ عَلِي بنِ حُسَيْنِ بْنِ علي بن أبي طالِبِ -رضيَ اللهُ تعالى عنهم-، عن أبيه قال: قالَ عليُّ بنُ أبي طالِب: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ البَخيلَ الَّذي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَم يُصَل عَلَيَّ"(4)، خَرَّجَهُ أبو عيسى التِّرمِذِيُّ، وقالَ: حَسَنٌ صحيحٌ.

(1) الذي ادعى ذلك هو ابن جرير الطبري، وادعى الإجماع عليه، انظر: الأقوال في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في "فتح الباري"(11/ 152).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 649).

(3)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 286)، وفي "شعب الإيمان"(1574)، عن أبي هريرة، بلفظ: "

... . أخطأ طريق الجنة" بدل "أخطأ طريق الله".

(4)

رواه الترمذي (3546)، كتاب: الدعوات، باب: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل"، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 201)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(432)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8100)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(6776)، والبزار في "مسنده"(1342)، والحاكم في "المستدرك"(2015)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1566).

ص: 134

* ثم اختلفَ هؤلاءِ في الأمرِ هلْ هوَ على التَّكرارِ، أو لا؟

فذهبَ أبو إسحاقَ الإسفرايينيُّ إلى أَنَّهُ على التكْرارِ، فتجبُ الصَّلاةُ عليهِ كُلَّما ذُكر صلى الله عليه وسلم (1).

وقالَ أبو بكرِ بنُ أحمدَ بنِ بكيرٍ القاضي: افترضَ اللهُ سبحانَهُ على خَلْقِه أنْ يُصلُوا على نَبيهِ ويُسَلِّموا تسليمًا، ولم يَجْعَلْ لذلكَ وقتًا معلوماً، فالواجبُ أن يُكْثِرَ المَرءُ منهما، ولا يغفُلَ عنهُما (2).

وذهبَ بعضُهم إلى أَنَّه ليسَ على التكْرارِ، فلا يجبُ في العُمُرِ أكثرَ من مَرَةٍ (3).

وكِلا القَوْلَين إمَّا تفريطٌ، أو إفراطٌ؛ فإنَّ الله سبحانَهُ لم يوجِبْ على عِباده ذِكْرَهُ إِلَّا في خَمسَةِ أوقاتٍ، فقالَ سبحانه وتعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقال تبارك وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]، وقالَ تبارك وتعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18]، وقال تَعالى يذكر نبيَّه صلى الله عليه وسلم مِنَّةً عليه:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]،

(1) لم أر من نسب هذا القول لأبي إسحاق، غير أنه نسب إلى جماعة من الشافعية كالحليمي، وجماعة من الحنفية كالطحاوي، وكاللخمي من المالكية، وابن بطة من الحنابلة، انظر:"فتح الباري" لابن حجر (11/ 153)، و"حاشية رد المحتار" لابن عابدين (1/ 516)، و"إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (2/ 73).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 153).

(3)

وجوبها في العمر مرة هو قول الأكثرين ومنهم الكرخي، انظر:"إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (2/ 73)، و"الهداية" للمرغيناني (1/ 52).

ص: 135

قال مجاهد: أي: لا أُذْكَرُ إلَّا وتُذْكَرُ مَعي (1).

فإذا وَجَبَ على العِبادِ ذِكْرُ اللهِ سبحانه في أوقاتٍ مَخْصوصةٍ، وجبَ ذكرُ رَسولهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ في تِلْكَ الأوقاتِ، فلا يُقْصَرُ بهِ عَنْها، بل يبلغُ بهِ من المنَّةِ التي مَنَّ اللهُ تعالى عليهِ نِهايَةَ المِنَّةِ وغايَةَ الرِّفْعَةِ، فَكما لا يَصِحُّ إسلامٌ، ولا يَتِمُّ إيمان إِلَّا بذكرِه صلى الله عليه وسلم مَعَ ذكرِ ربه، وكما لا يَكْمُلُ أَذان ودُعاءٌ إلى الصلاةِ إلا بذكرِه صلى الله عليه وسلم، كذلكَ لا تتمُّ صلاةٌ يَجِبُ فيها ذكرُ اللهِ تعالى إلا بذكرِه، فمن أوجَبَ الصلاةَ عليهِ مَرَّةً واحدةً، لم يَسْتَوْفِ لهُ تمامَ الرِّفْعَةِ، ومَنْ أَوْجَبَ تكرارَها مُطْلَقاً، فقد بالَغَ وغَلا، فلف يَجْعَلِ اللهُ ذلكَ لهُ تبارك وتعالى.

فإنْ قلتَ: فَقَدْ أوجَبَ اللهُ ذِكْرَهُ صلى الله عليه وسلم في التشهُّدِ، فإيجابُ الصَّلاةِ عليهِ أَمْر زائدٌ على ذكرِهِ.

قلتُ: ذكرُه في التشهدِ جاءَ مُتابِعًا لذكرِ اللهِ سُبْحانَهُ الذي لا يَتِمُّ الإيمانُ إِلَّا بالإقرارٍ بهِ، وذكرُ الله سبحانه في الصَّلاةِ من التكبيرِ والتَّحْميدِ (2) أمرٌ زائدٌ على الشهادِة لهُ بالوحدانِيةِ، فوجَبَ علينا أن نذكرَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم معَ ذِكْرِهِ سبحانَهُ باللَّفْظِ الذي أَمَرَنا بهِ، وخَصَهُ بهِ، وشَرَّفَهُ ورَفَعَهُ.

وإلى إيجابِ الصَّلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم في الصَّلَواتِ الخمس ذَهبَ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وبعضُ المالكيةِ (3).

(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 209) و (9/ 286)، و"معرفة السنن والآثار"(1/ 64) و (1/ 437)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (8/ 548).

(2)

في "ب": "والتمجيد".

(3)

انظر: "الأم" للشافعي (1/ 117)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (2/ 137)، و"المجموع" للنووي (3/ 430)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 318)، و (الاستذكار) لابن عبد البر (1/ 317) وما بعدها.

ص: 136

ويُروى عن الشعبيِّ وعمرَ بنِ الخطابِ وابنهِ -رضي الله تعالى عنهم-.

فإن قلتَ: فهل نجدُ دليلاً من السنَّةِ يدلُّ على أنَّ الصلَواتِ مَحَلٌّ للصلاةِ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم غيرَ ما ذكرتَ؟ قلتُ: نعم، رَوى أبو مسعودٍ الأنصاريُّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- قال: أقبلَ رَجُل حتى جَلَسَ بين يَدَيْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ونحنُ عندَهُ، فقال: يا رسولَ اللهِ! أَمَّا السلامُ عليكَ، فَقَدْ عَرَفْناهُ، فكيفَ نُصَلِّي عليكَ إِذا نَحْنُ صَلَّيْنا عَلَيْكَ في صَلاتِنا صَلَّى اللهُ عليكَ؟ فَصَمَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى أحْبَبْنا أنَّ الرجلَ لم يسألْه، ثم قالَ:"إذا أنتمْ صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَقُولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمدٍ النَّبِيِّ الأمِّيِّ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيْتَ على إبْراهيمَ وعَلى آلِ إبْراهيمَ، وبَارِكْ على مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأميِّ وآلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ على إبْراهيمَ وعَلى آلِ إبْراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ"(1)، فالسائِلُ إنَّما سألَه عن صِفَةِ الصَّلاةِ عليهِ، لا عَنْ مَشْروعِيَّتِها، وكلامُ الصَّحابِيِّ يدلُّ على أنَّ الصلاةَ عليهِ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاةِ أَمْرٌ مشروعٌ مقررٌ معهودٌ، فافتقرَ إلى السُّؤالِ عنْ صِفَتِها الكامِلَة، ولم يفتقرْ إلى السُّؤالِ إلى أصلِ مشروعيتِها.

فإن قلتَ: فهل نجدُ دَليلاً أَبْيَنَ من هذا؛ فإنه يحتملُ أن يكونَ معنى قولِ السائلِ: كيفَ نُصَلِّي عليكَ إذا نحنُ صَلَّيْنا عليكَ في صَلاتِنا باختيارِنا، لا بِعَزيمةٍ علينا؟

قلنا: روى عبدُ الرحمنِ بنُ أَبي لَيْلى، عَنْ كعْبِ بنِ عُجْرَةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّه كانَ يقولُ في الصَّلاةِ: "اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحمد وآلِ مُحَمَّدٍ كَما صلَّيْتَ عَلى إبْراهيمَ وآلِ إبْراهيمَ، وبارِكَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ كما بارَكْتَ

(1) تقدم تخريجه.

ص: 137

على إبْراهيمَ وآلِ إبْراهيمَ إنكَ حَميدٌ مَجيدٌ" (1)، وهذا مَعَ قولهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كما رَأَيْتُموني أُصَلِّي (2) يَدُلُّ على الوُجوب.

فإن قلتَ: الصلاةُ على آلِه، غيرُ واجبةٍ، وقدْ صَلَّى على آلِه فكذلك الصلاةُ عليه صلى الله عليه وسلم.

قلتُ: من أهل العلمِ من أوجَبَها على آلِه؛ كأبي عبدِ اللهِ الشافعيِّ في أَحَدِ قولَيْه (3)، وإنَّما لم تجبْ؛ لأَنها خَرَجَتْ من الوجوبِ؛ بدليلٍ، فدليلُها مقصورٌ عليها، ويدلُّ لهُ (4) أيضاً وجوبُ الصَّلاةِ عليهِ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاةِ الوفاقُ من المخالِف في وُجوبِ الصلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم على إيجابِ التسليمِ الذي أَمَرَ اللهُ تَعالى به المؤمنينَ في الصَّلاةِ؛ حيثُ يقولُ كُل مُصَل من المؤمنينَ في تشَهُّدِهِ: السلامُ عليكَ أَيُّها النبي الكريمُ (5) ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

فإنْ تَعسَّفَ مُتَعسفٌ وقالَ: السلامُ الذي أمرَ اللهُ بهِ المؤمنينَ هو قولُ القائلِ خارجَ الصَّلاةِ: صلى الله على النبيِّ وسلم.

قلنا له: الصلاةُ والسلامُ أَمَرَ الله بهما المؤمنين أمراً واحِداً، وبدأ بالصلاةِ منهما، وقرنَ بينَهما، ولم يفرِّقْ بينَهما في أمرٍ، وأنتَ فَرَّقْتَ بينهما، فأوجبتَ السلامَ داخلَ الصلاةِ وخارجَها، ولم توجِبِ الصَّلاةَ إلا خارِجَها، وهلْ هذا إلا تَحَكُّمَ أو زيادةٌ على ما أمرَ اللهُ تعالى به؟ ألم ترَ إلى قولِ السائلِ: يا رسولَ الله! أما السَّلامُ عليكَ، فقد عرفناه، أي: في التّشَهُّدِ

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (1/ 263).

(4)

"له": ليس في "ب".

(5)

"الكريم" ليس في "ب".

ص: 138

الذي عَلَّمتَنا كما تُعَلِّمُنا السورةَ من القرآنَ، فكيفَ نُصَلِّي عليك؟ فَهلْ تَرَى السَّلامَ الَّذي عَرَّفَهُ بلامِ العَهْدِ غيرَ السلام (1) الذي يكونُ مع الصلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم.

ولما انتهى بنا النظرُ والتحقيقُ إلى هذهِ الغايةِ التي هي سَواءُ الطريق، اخْتَرْنا موافقةَ أبي عبدِ اللهِ الشافعيِّ، وذهبنا إليه؛ خلافاً لمنْ نسبَهُ إلى الشذوذِ -رحمه الله تعالى- (2).

* إذا تَمَّ هذا فقدْ علمتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَعَ الصلاةَ على آلِه معَ الصَّلاةِ عليهِ تشريفاً لَهُم بشِرَفِهِ صلى الله عليه وسلم، وَجزاهُ عنّا أفضلَ الجَزاءِ، وآتاهُ الوسيلةَ والفَضيلةَ بِمَنِّه وكَرَمِه.

وقد اختلفَ الناسُ في الآل على أقوالٍ، وأما في هذا المَقام، فالمرادُ بهمْ أزواجُهُ وأهلُ بَيْتِهِ وعِتْرَتُهُ (3).

(1)"السلام": ليس في "أ".

(2)

الذي نسب الشافعي إلى الشذوذ هو القاضي عياض في "الشفا"(2/ 62) فراجعه.

(3)

انظر: "المجموع" للنووي (3/ 431).

ص: 139