المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَي ابْتِدَاء النِّكَاح (بِقدر آخر) من الْمهْر (بعد الِانْفِسَاخ) أَي - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٢

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌مسئلة

- ‌تَتِمَّة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌المعرفات للمجاز

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌مسَائِل الْحُرُوف

- ‌حُرُوف الْعَطف

- ‌مسئلة

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌حُرُوف الْجَرّ: مسئلة

- ‌(مسئلة)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌أدوات الشَّرْط

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الظروف

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْمقَالة الثَّانِيَة: فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع

- ‌الْبَاب الأول

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌(تَقْسِيم)

- ‌للْوَاجِب بِاعْتِبَار تقيده بِوَقْت يفوت بفواته، وَعدم تقيده بذلك

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌تذنيب

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْقسم الثَّالِث

- ‌الْقسم الرَّابِع

- ‌مَبْحَث الْوَاجِب الْمُخَير

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَبْحَث الرُّخْصَة والعزيمة

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

الفصل: أَي ابْتِدَاء النِّكَاح (بِقدر آخر) من الْمهْر (بعد الِانْفِسَاخ) أَي

أَي ابْتِدَاء النِّكَاح (بِقدر آخر) من الْمهْر (بعد الِانْفِسَاخ) أَي انْفِسَاخ عقد الْفُضُولِيّ وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا إجَازَة العقد الْمَوْقُوف على إِجَازَته لَا إنْشَاء عقد آخر بِمهْر آخر (بِخِلَاف) قَوْله (لَا أجيزه) أَي النِّكَاح (بِمِائَة لَكِن) أجيزه (بمائتين) فَإِن النَّفْي الدَّاخِل على الْمُقَيد بتوجه على الْقَيْد وَهُوَ هَهُنَا قَوْله بِمِائَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَن التَّدَارُك) بلكن (فِي قدر الْمهْر لَا أصل النِّكَاح) فَيكون متسقا.

‌مسئلة

(أَو قبل مُفْرد لإِفَادَة أَن حكم مَا قبلهَا ظَاهر لأحد الْمَذْكُورين) اسْمَيْنِ كَانَا أَو فعلين. قَوْله ظَاهرا قيد للإفادة بِاعْتِبَار كَون المفاد ثُبُوت الحكم لأَحَدهمَا: إِذْ بِحَسب التَّحْقِيق والمآل تَارَة يُسْتَفَاد كَونه لكل مِنْهُمَا كَمَا إِذا وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي، ثمَّ بَين الْمَذْكُورين بقوله (مِنْهُ) أَي مِمَّا قبلهَا (وَمَا بعْدهَا وَلذَا) أَي ولكونها لإِفَادَة الحكم لأَحَدهمَا لَا على التَّعْيِين (عَم) الحكم كل وَاحِد مِنْهُمَا (فِي) سِيَاق (النَّفْي) لِأَن مَفْهُوم أَحدهمَا يصدق على كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخُصُوصِهِ فَهُوَ أَعم من كل بِخُصُوصِهِ وَنفي الحكم عَن الْأَعَمّ يسْتَلْزم نَفْيه عَن الْأَخَص (و) كَذَا فِي (شبهه) أَي شبه النَّفْي وَهُوَ النَّهْي (على الِانْفِرَاد) مُتَعَلق بعم وعمومه على الِانْفِرَاد أَن يتَحَقَّق فِي كل مِنْهُمَا منتقلا فَقَوله تَعَالَى: و {لَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} وَكَذَا قَول الْحَالِف وَالله (لَا أكلم زيدا أَو بكرا منع) للمخاطب والحالف (من كل) أَي من إطاعة كل من الآثم والكفور فِي الأول، وَفِي تكليم كل من زيد وَبكر فِي الثَّانِي لِأَن التَّقْدِير والمآل لَا تُطِع (وَاحِدًا مِنْهُمَا) وَلَا أكلم وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي وَالنَّهْي فتعم (لَا) أَن التَّقْدِير لَا تُطِع وَلَا أكلم (أَحدهمَا ليَكُون معرفَة) فَلَا يعم، وَذَلِكَ لعدم الْإِضَافَة على التَّقْدِير الأول ووجودها على الثَّانِي (وَحِينَئِذٍ لَا يشكل بِلَا أقرب) أَي بوالله لَا أقرب (ذى أَو ذى) إِشَارَة إِلَى زوجيته بِأَن يُقَال أَو لأحد الْأَمريْنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَن لَا يصير موليا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَحكم المسئلة أَنه (يصير موليا مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ فِي معنى وَاحِدَة مِنْهُمَا وَالْمعْنَى لَا يشكل بِأَن يُقَال لَا أقرب ذى أَو ذى مثل: لَا أقرب أحدا كَمَا لِأَن أَو لأحد الْأَمريْنِ، فَلم قُلْتُمْ فِي الأول يصير موليا مِنْهُمَا؟ (فتبينان) مَعًا عِنْد انْقِضَاء مُدَّة الْإِيلَاء: وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر من غير فَيْء (وَفِي) قَوْله لَا أقرب (أحدا كَمَا) يصير موليا (من إِحْدَاهمَا) لَا مِنْهُمَا، وَذَلِكَ لِأَن إِحْدَى بِسَبَب الْإِضَافَة صَارَت معرفَة فَلَا تعم فِي سِيَاق النَّفْي (بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف الْمَنْع من الْأَمريْنِ (بِالْوَاو) بدل أَو كلا أكلم زيدا وعمرا (فَإِنَّهُ) أَي الْمَنْع بِالْوَاو (من الْجمع) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَهُ فَيتَعَلَّق بالمجموع (لعُمُوم الِاجْتِمَاع)

ص: 87

خبر بعد خبر لِأَن: أَي لَيْسَ لعُمُوم الِانْفِرَاد كَمَا فِي أَو فَتبقى صور الِاجْتِمَاع كلهَا وَلَا تبقى صور الِانْفِرَاد فيكلم أَحدهمَا دون الآخر كَمَا قَالَ (فَلَا يَحْنَث بِأَحَدِهِمَا) أَي بِكَلَام أَحدهمَا (إِلَّا بِدَلِيل) يدل على أَن المُرَاد الِامْتِنَاع من كل مِنْهُمَا فَيحنث بِأَحَدِهِمَا (كلا تزن وتشرب) الْخمر فَإِنَّهُ يَأْثَم بِكُل مِنْهُمَا للقرينة الدَّالَّة على الِامْتِنَاع من كل مِنْهَا وَهِي حُرْمَة كل مِنْهُمَا (أَو يَأْتِي بِلَا) الزَّائِدَة الْمُؤَكّدَة للنَّفْي، مَعْطُوف على قَوْله بِدَلِيل، تَقْدِيره إِلَّا بِدَلِيل أَو بِأَن يَأْتِي بِلَا مثل مَا رَأَيْت (لَا زيدا وَلَا بكرا وَنَحْوه) مِمَّا يُفِيد هَذَا (وتقييده) أَي تَقْيِيد كَون الْمَنْع بِالْوَاو من الْجمع (بِمَا إِذا كَانَ للاجتماع تَأْثِير فِي الْمَنْع) أَي فِي منع الْحَالِف مثلا من تنَاول الْأَمريْنِ كَمَا إِذا حلف لَا يتَنَاوَل السّمك وَاللَّبن لما فِي اجْتِمَاعهمَا من الضَّرَر (بَاطِل) خبر تَقْيِيده (بِنَحْوِ لَا أكلم زيدا وعمرا وَكثير) مِمَّا هُوَ للْمَنْع من الْجمع مَعَ أَنه لَا تَأْثِير للاجتماع فِي الْمَنْع (والعموم) المُرَاد (بِأَو) أَي مَا يشْتَمل عَلَيْهِ (فِي الْإِثْبَات كلا أكلم أحدا إِلَّا زيدا أَو بكرا) إِذْ النَّفْي قد انْتقض بِالِاسْتِثْنَاءِ فَيحنث بِتَكْلِيم غَيرهمَا لَا بتكليمهما وَلَا بِتَكْلِيم أَحدهمَا، إِنَّمَا يفهم (من خَارج) وَهُوَ الْإِبَاحَة الْحَاصِلَة من الِاسْتِثْنَاء من الْحَظْر لِأَنَّهَا إِطْلَاق وَرفع قيد، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالْأَظْهَر أَنه للْإِبَاحَة لِأَن الْكَلَام الْمُشْتَمل على الِاسْتِثْنَاء تكلم بِمَا بَقِي بعد الثنيا، فالمنفي إِنَّمَا هُوَ كَلَام من عداهما، وَأَيْضًا الْمُسْتَثْنى كَلَام أَحدهمَا سَوَاء كَانَ فِي ضمن الِانْفِرَاد والاجتماع وَهُوَ على سَبِيل منع الْخُلُو لَا الْجمع إِذْ علم من استثنائه أَنه لَا يكره كَلَامهمَا، وَلَيْسَ فِي الْجمع بَينهمَا مَا يُوجب كَرَاهَته (فَهِيَ) أَي أَو (للأحد فيهمَا) أَي النَّفْي وَالْإِثْبَات، غير أَنه يُسْتَفَاد الْعُمُوم تَارَة بسياق النَّفْي وَتارَة بِغَيْرِهِ كَمَا عرفت (فَمَا قيل) كَمَا ذكره فَخر الْإِسْلَام وَمن تبعه من أَن أَو (تستعار للْعُمُوم تساهل) إِذْ هِيَ لم تسْتَعْمل فِي الْعُمُوم إِذْ هُوَ يُسْتَفَاد من الْخَارِج غير أَنه لما كَانَ مُتَعَلقا فِي بعض الْموَاد محلا للْعُمُوم الْحَاصِل من غَيرهَا، قيل يستعار لَهُ مُسَامَحَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل يثبت) الْعُمُوم (مَعهَا لَا بهَا وَلَيْسَت) أَو (فِي الْخَبَر للشَّكّ أَو التشكيك) كَمَا ذكره أَبُو زيد وَأَبُو إِسْحَاق الاسفرايني وَجَمَاعَة من النُّحَاة لانْتِفَاء كَونهَا لما ذكر (لَا لِأَن الْوَضع) أَي وضع الْأَلْفَاظ (للإفهام وَهُوَ) أَي الإفهام (مُنْتَفٍ) فِي الشَّك والتشكيك (لِأَنَّهُ إِن أُرِيد) بالإفهام الْمَذْكُور (إفهام الْمعِين) الَّذِي لَا إِبْهَام فِيهِ (منعنَا الْحصْر) وَيُقَال لَا، ثمَّ أَن الْوَضع لَيْسَ إِلَّا للإفهام كَيفَ والإجمال مِمَّا وضع لَهُ وَهُوَ غير معِين (أَو) أُرِيد بِهِ الإفهام (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مُبْهما أَو معينا (لم يفد) التَّعْلِيل الْمَذْكُور الْمَطْلُوب، لِأَن الإفهام الْمُطلق حَاصِل فِي الشَّك والتشكيك إِذْ رَأَيْت زيدا أَو عمرا أَفَادَ تَعْلِيق الرُّؤْيَة بِوَاحِدَة مِنْهُمَا لَا على التعين، وَالشَّكّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْخُصُوص (بل) يَنْفِيه (لِأَن الْمُتَبَادر) من الْكَلَام الْمُشْتَمل عَلَيْهَا (أَولا إِفَادَة النِّسْبَة إِلَى أَحدهمَا)

ص: 88

أَي المتعاطفين بأولا على التَّعْيِين، والتبادر دَلِيل الْحَقِيقَة فَهُوَ الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ (ثمَّ ينْتَقل) الذِّهْن بعد ذَلِك (إِلَى كَون سَبَب الْإِبْهَام أَحدهمَا) أَي الشَّك من الْمُتَكَلّم إِن لم يكن عَالما والتشكيك إِن كَانَ عَالما بِطرف النِّسْبَة عينا وَأَرَادَ أَن يلبس على السَّامع (فَهُوَ) أَي الشَّك والتشكيك مَدْلُول (التزامي) للْكَلَام (عادي لَا عَقْلِي) لِإِمْكَان انفكاكهما بِأَن يَسْتَفِيد السَّامع نِسْبَة الْمَجِيء إِلَى أَحدهمَا مُبْهما من غير أَن ينْتَقل ذهنه إِلَى سَبَب الْإِبْهَام إِلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِإِمْكَان عدم إخطاره) كَذَا فِي نُسْخَة، وَفِي نُسْخَة أُخْرَى عدم إِحْضَاره (وَعنهُ) أَي وَعَن كَون الشَّك أَو التشكيك مدلولا التزاميا عاديا لأو (تجوز بِأَنَّهَا للشَّكّ) قَالَ الشَّارِح لعلاقة التلازم العادي فَكَأَنَّهُ لم يفرق بَين تجوز بهَا عَن الشَّك وَتجوز بِأَنَّهَا للشَّكّ.

وَأَنت خَبِير بِأَن التَّجَوُّز على الأول فِي أَو، وعَلى الثَّانِي فِي أَنَّهَا للشَّكّ: أَي فِي هَذَا الحكم إِذْ هِيَ فِي الْحَقِيقَة لما يلْزمه الشَّك عَادَة لَا لنَفس الشَّك (وَقد يعلم بِخَارِج التَّعْيِين) أَي قد يعلم طرف النِّسْبَة بِعَيْنِه من الْخَارِج فَلَيْسَ المُرَاد إِفَادَة كَون أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين) طرف النِّسْبَة إِذْ لَا حاجه إِلَيْهِ كَمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَّا إِفَادَة كَون أَحدهمَا بِعَيْنِه طرفها (فَيكون) أَو حِينَئِذٍ (للإنصاف). أَي لإِظْهَار النصفة حَتَّى أَن كل من سَمعه من موَالٍ ومخالف يَقُول لمن خُوطِبَ بِهِ قد أنصفك الْمُتَكَلّم نَحْو قَوْله تَعَالَى - (وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ الْآيَة){لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} - قَالَ الْعَلامَة الْبَيْضَاوِيّ: أَي وَأَن أحد الْفَرِيقَيْنِ من الْمُوَحِّدين المتوحد بالرزق وَالْقُدْرَة الذاتية بِالْعبَادَة، وَالْمُشْرِكين بِهِ الجماد النَّازِل فِي أدنى الْمَرَاتِب الإمكانية لعلى أحد الْأَمريْنِ من الْهدى والضلال الْمُبين وَهُوَ بعد مَا تقدم من التَّقْرِير البليغ الدَّال على من هُوَ على الْهدى وَمن هُوَ فِي ضلال أبلغ من التَّصْرِيح لِأَنَّهُ فِي صور الْإِنْصَاف المسكت للخصم المشاغب انْتهى فَإِن قلت أَن الْإِنْصَاف إِنَّمَا يحصل بالترديد فِي جَانب الْمسند بتجويز الْهِدَايَة والضلال صُورَة فِي الموحد والمشرك فَمَا وَجه الترديد فِي جَانب الْمسند إِلَيْهِ، وَلم لم يقل إِنَّا وَإِيَّاكُم؟ وَأَيْضًا كَون أحد الْفَرِيقَيْنِ مَوْصُوفا بِأحد الْأَمريْنِ بديهي جلي فَمَا فَائِدَة الْأَخْبَار بِهِ؟ قلت فَائِدَته التَّنْبِيه على أَن الْعَامِل إِذا علم أَن أمره دَار بَين السَّعَادَة الأبدية والشقاوة السرمدية يجب عَلَيْهِ بذل الوسع جَمِيع الْعُمر فِي استكشاف طَرِيق النجَاة، والترديد فِي جَانب الْمسند إِلَيْهِ يزِيد فِي الْإِنْصَاف لما يُوهِمهُ الترديد من التَّسْوِيَة بَين شقيه بِصُورَة المعادلة بَينهمَا وَتَحْقِيق الْجَواب عَنْهُمَا أَنه قصد بِهَذَا الْكَلَام معنى لَا يحصل إِلَّا بالترديدين مَعًا، وَهُوَ أَن الْفَرِيقَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ على الْهِدَايَة وَلَا على الضَّلَالَة فَلَو قَالَ إِنَّا وَإِيَّاكُم إِلَى آخِره لَكَانَ الْمَعْنى إِنَّا لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين وَأَنْتُم كَذَلِك وَهَذَا لَا يُفِيد الْمَقْصُود لجَوَاز اجْتِمَاعهمَا على أحد شقي الترديد، بِخِلَاف وَأَنا وَإِيَّاكُم فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل

ص: 89

ذَلِك، فَإِن قيل هَذَا إِذا جعل قضيتين: إِحْدَاهمَا، إِنَّا وَإِيَّاكُم لعلى هدى على سَبِيل منع الْجمع وَالْأُخْرَى إِنَّا أَو إيَّاكُمْ لفي ضلال كَذَلِك، فَحِينَئِذٍ لَا يُمكن اتِّفَاقهمَا على الْهِدَايَة وَلَا على الضَّلَالَة، وَالظَّاهِر أَنه قَضِيَّة وَاحِدَة مرددة الْمَوْضُوع والمحمول حاصلها الحكم على أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأحد الْأَمريْنِ على سَبِيل منع الْجمع، فَلَو فرض كَونهمَا جَمِيعًا على الْهِدَايَة مثلا صدقت قُلْنَا لَا نسلم أَن ظَاهره مَا ذكرت، بل هُوَ عرفا عبارَة عَن تينك القضيتين واختصار لَهما وَالله أعلم، ثمَّ عطف على قَوْله قبل مُفْرد (وَقبل جملَة لِأَن الثَّابِت) أَي لإِفَادَة أَن الثَّابِت (أحد المضمونين وَكَذَا تجوز) أَي كَمَا تجوز بِأَن لَو للتشكيك أَو الشَّك وَهُوَ تساهل كَذَلِك تجوز (بِأَنَّهَا للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة بعد الْأَمر) فَفِيهِ تساهل أَيْضا (وَإِنَّمَا هِيَ لإيصال معنى الْمَحْكُوم بِهِ) كالرؤية (إِلَى أَحدهمَا) كزيد أَو عَمْرو فِي رَأَيْت زيدا أَو عمرا (فَإِن كَانَ) الْمَحْكُوم بِهِ (أمرا) كالضرب زيدا أَو عمرا، وَالْمرَاد بِهِ الْمسند إِذْ لَا حكم فِي الْأَمريْنِ (لزم أَحدهمَا) أَي لزم إِيقَاع الْفِعْل مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا (وَيتَعَيَّن) كل من الْإِبَاحَة والتخير (بِالْأَصْلِ فَإِن كَانَ) الأَصْل (الْمَنْع فتخيير) أَي فَلَا يتَعَيَّن تَخْيِير (فَلَا يجمع) الْمُخَاطب بَينهمَا (كبع عَبدِي ذَا أَو ذَا) فيبيع أَحدهمَا لِأَن بيع مَمْلُوك الْغَيْر مَمْنُوع، والمستفاد من اللَّفْظ الْإِذْن فِي بيع أَحدهمَا فَمَا زَاد عَلَيْهِ على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْمَنْع (أَو) كَانَ الأَصْل (الْإِبَاحَة فإلزام أَحدهمَا) أَي فَالْمُرَاد إِلْزَام إِيقَاع الْفِعْل مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا (وَجَاز الآخر بِالْأَصْلِ) أَي بِمُوجب الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (وَفِي) قَوْله لعبيده الثَّلَاثَة (هَذَا حر أَو هَذَا) بأوو (ذَا) بِالْوَاو (قيل لَا عتق إِلَّا بِالْبَيَانِ لهَذَا) أَي كَانَ يُشِير إِلَى وَاحِد بِعَيْنِه للْبَيَان وَبِقَوْلِهِ هَذَا حر (أَو هَذَانِ) أَي يُشِير إِلَى اثْنَيْنِ بعينهما وَيَقُول هَذَانِ حران وَهَذَا إِذا كَانَ قَوْله لهَذَا إِلَى آخِره تصويرا للْبَيَان، وَالْأَوْجه أَن يَجْعَل مقيسا عَلَيْهِ يَعْنِي حكم هَذِه المسئلة عدم الْعتْق إِلَّا بِالْبَيَانِ كَمَا أَن حكم مسئلة هَذَا حر وَهَذَانِ كَذَلِك بالِاتِّفَاقِ وَذَلِكَ لِأَن الْجمع بِالْوَاو بِمَنْزِلَة الْجمع بِأَلف التَّثْنِيَة فَيتَخَيَّر بَين الأول والآخرين، وَهَذَا قَول زفر وَالْفراء ذكره الشَّارِح (وَقيل يعْتق الْأَخير) فِي الْحَال وَيتَخَيَّر فِي الْأَوَّلين يعين أَيهمَا شَاءَ (لِأَنَّهُ) أَي القَوْل الْمَذْكُور (كأحدهما) أَي كَقَوْلِه أَحدهمَا حر (وَهَذَا) وَفِي القَوْل يعْتق الْأَخير وَيتَخَيَّر فِي الْأَوَّلين، فَكَذَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور (وَرجح) القَوْل الثَّانِي والمرجح صدر الشَّرْعِيَّة (باستدعاء) القَوْل (الأول تَقْدِير حران) لِأَن الْخَبَر الْمَذْكُور وَهُوَ حر لَا يصلح خَبرا لاثْنَيْنِ (وَهُوَ) أَي تَقْدِير حران (بِدلَالَة) الْخَبَر (الأول) وَذَلِكَ أَن الْعَطف للتشريك فِي الْخَبَر أَو لإِثْبَات خبر آخر مثله (وَهُوَ) أَي الأول (مُفْرد) فَيلْزم عدم الْمُنَاسبَة بَين الدَّال والمدلول (وَيُجَاب) والمجيب الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (بِأَنَّهَا) أَي صِحَة دلَالَة

ص: 90

الْخَبَر على الْمُقدر (تَقْتَضِي اتِّحَاد الْمَادَّة لَا الصِّيغَة قَالَ الشَّاعِر:

(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا

عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)

(وَلَو سلم) اقْتِضَاء اتِّحَاد الصِّيغَة (فَإِنَّمَا يلْزم) كَون الْخَبَر مثله (لَو ثنى مَا بعد أَو) لم يثن هَاهُنَا (فالمقدر مُفْرد فِي كل مِنْهُمَا) أَي هَذَا وَذَاكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حر أَو هَذَا حر وَذَا حر، لَا يُقَال يلْزم كَثْرَة الْحَذف لِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام فَتَأمل (و) رجح أَيْضا (بِأَن أَو مُغيرَة) لِمَعْنى هَذَا حر (فتوقف عَلَيْهِ) أَي على مَا بعْدهَا (الأول) أَي حكم مَا قبلهَا وَبعد ذكره يصير مَعْنَاهُ أَحدهمَا (لَا الْوَاو) أَي لَيست بمغيرة لما قبلهَا لِأَنَّهَا (للتشريك) فَيَقْتَضِي بَقَاء حكم الأول ومشاركة مَا بعْدهَا لَهُ فِي الحكم (فَلَا يتَوَقَّف) الأول على قَوْله: وَهَذَا حر فَيتم الترديد قبلهَا (فَلَيْسَ) الثَّالِث (فِي حيّز أَو فَينزل) مَا قبل الْوَاو لعدم التَّوَقُّف على مَا بعْدهَا، وَيثبت التَّخْيِير بَين الأول وَالثَّانِي فَيصير مَعْنَاهُ: أَحدهمَا حر، وَهَذَا حر (وَيمْنَع) هَذَا التَّرْجِيح (بِأَنَّهُ) أَي قَوْله وَهَذَا (عطف على مَا بعد أَو فشرك) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي مَا بعد الْوَاو (فِي حكمه) أَي مَا بعد أَو فِي (ثُبُوت مَضْمُون الْخَبَر) وَهُوَ الْحُرِّيَّة (للأحد) ثمَّ بَين الْأَحَد الْمُثبت لَهُ الْمَضْمُون بقوله (مِنْهُ) أَي مِمَّا بعد أَو (وَمِمَّا قبله) مرجع هَذَا الضَّمِير مرجع الأول، أَو كلمة أَو بِتَأْوِيل وَالْحَاصِل أَن حكم مَا بعد أَو قبل عطف الثَّالِث عَلَيْهِ كَونه أحد شقي الترديد مُسْتقِلّا بعد مَا عطف عَلَيْهِ أَن يكون مَعَ مَا عطف عَلَيْهِ أحد شقي الترديد، فلولا هَذَا التَّشْرِيك كَانَ لَهُ أَن يخْتَار الثَّانِي وَحده وَبعده لَيْسَ لَهُ ذَلِك بل يجب عَلَيْهِ اخْتِيَار الْأَخيرينِ مَعًا (فتوقف) مَا قبل الْوَاو (عَلَيْهِ) أَي على مَا بعْدهَا لكَونه مغيرا لَهُ كَمَا عرفت (وَلم يعْتق) أحدهم (إِلَّا باختيارهما) أَي الثَّانِي وَالثَّالِث، الشق الثَّانِي فِي الترديد فيعتقان (أَو) بِاخْتِيَار (الأول) من الترديد فَيعتق وَحده (فَصَارَ كحلفه لَا يكلم ذَا أَو ذَا أَو ذَا لَا يَحْنَث بِكَلَام أحد الْأَخيرينِ) وَإِنَّمَا يَحْنَث بكلامهما أَو الأول، وروى الشَّارِح عَن مُحَمَّد من طَرِيق ابْن سَمَّاعَة كَون الطَّلَاق وَالْعتاق كاليمين فِي هَذَا الحكم، وروى أَن ظَاهر الْعبارَة عتق الآخر وَطَلَاق الْأَخِيرَة وَالْخيَار فِي الْأَوليين، ثمَّ ذكر زِيَادَة تَفْصِيل لَا يحْتَاج إِلَيْهَا حل الْمَتْن، ثمَّ لما توهم بعض الْمُعْتَزلَة منع التَّكْلِيف بِوَاحِد مُبْهَم من أُمُور مُعينَة لكَونه مَجْهُولا حَتَّى ذهب إِلَى أَن الْوَاجِب الْجَمِيع، وَيسْقط بِوَاحِد وَكَانَ هَذَا من لَوَازِم التَّخْيِير أَشَارَ المُصَنّف إِلَى رده، فَقَالَ (وَمنع صِحَة التَّكْلِيف مَعَ التَّخْيِير فَحكم بِوُجُوب خِصَال الْكَفَّارَة) وَهِي الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة والتحرير (وَيسْقط) وجوبهما بِالنّصب عطفا على الْوُجُوب بِتَقْدِير أَن (بِالْبَعْضِ) منعا (بِلَا مُوجب لِأَن صِحَّته) أَي التَّكْلِيف (بِإِمْكَان الِامْتِثَال وَهُوَ) أَي إِمْكَانه (ثَابت مَعَ التَّخْيِير لِأَنَّهُ) أَي الِامْتِثَال (بِفعل إِحْدَاهمَا) أَي

ص: 91

الْخِصَال، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى (والإنشاء كالأمر) فأوفيه للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة (فَلِذَا) أَي لكَون أَو للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة فِي الْإِنْشَاء (وَعدم الْحَاجة) أَي تحمل الْجَهَالَة (أبطل أَبُو حنيفَة التَّسْمِيَة وَحكم مهر الْمثل فِي التَّزَوُّج على كَذَا) أَي الْألف مثلا (أَو كَذَا) كألفين (لِأَنَّهُ) أَي كَون الْمهْر أمرا مَجْهُولا لكَونه أحد الْأَمريْنِ (جَهَالَة لَا حَاجَة إِلَى تحملهَا إِذْ كَانَ لَهُ) أَي لقعد النِّكَاح (مُوجب أُصَلِّي) مَعْلُوم يلْزم بِدُونِ الذّكر إِذا لم يكن الْمهْر مَعْلُوما، وَهُوَ مهر الْمثل، وَمعنى تحكيم مهر الْمثل هَهُنَا أَنه ينظر إِلَى مِقْدَار مهر الْمثل، فَإِن كَانَ ألفي دِرْهَم أَو أَكثر، فَإِن شِئْت أخذت الْألف الْحَالة أَو الْأَلفَيْنِ عِنْد حُلُول الْأَجَل لِأَنَّهَا التزمت أحد الْوَجْهَيْنِ، وَإِن كَانَ أقل من ألف دِرْهَم فَأَيّهمَا شَاءَ أَعْطَاهَا، وَإِن كَانَ بَينهمَا كَانَ لَهَا مهر الْمثل (وصححاه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مَا سمى على وَجه التَّخْيِير، فَيكون الْمهْر أحد الْمَذْكُورين وَالِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج (إِن أَفَادَ التَّخْيِير) أَي إِن كَانَ التَّخْيِير مُفِيدا لكل من الزَّوْج وَالزَّوْجَة، أَو للزَّوْج نوع تيسير وَذَلِكَ (باخْتلَاف الْمَالَيْنِ) الْمَذْكُورين بَينهَا أَو (حلولا وأجلا) نصبهما على التَّمْيِيز عَن نِسْبَة الِاخْتِلَاف إِلَى الْمَالَيْنِ: أَي من حَيْثُ الْحُلُول والتأجيل: يَعْنِي أَن الْمُصَحح هَذَا الِاخْتِلَاف وَلَا يلْزم مِنْهُ عدم اخْتِلَافهمَا من وَجه أخر كعلي ألف حَالَة أَو أَلفَانِ إِلَى سنة، فَفِي الْألف يسر للزَّوْج بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَلفَيْنِ، وللزوجة بِالنِّسْبَةِ للحول، وَفِي الْأَلفَيْنِ يسري للزَّوْج من حَيْثُ التَّأْجِيل، وللزوجة من حَيْثُ التكثير (أَو) باخْتلَاف الْمَالَيْنِ (جِنْسا) كعلي ألف دِرْهَم أَو مائَة دِينَار إِذْ قد يكون تَحْصِيل أَحدهمَا على الزَّوْج أيسر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن التَّخْيِير مُفِيدا لما ذكر بِأَن يَقع بَين أَمريْن لَيْسَ فِي كل مِنْهُمَا نوع يسر بِأَن يتَعَيَّن الْيُسْر فِي أَحدهمَا كعلي ألف أَو أَلفَانِ (تعين الْأَقَل) لتعين اخْتِيَار مَا هُوَ الأرفق بِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة ذكر الْأَقَل بِدُونِ الترديد، هَذَا وَذكر المَال فِي النِّكَاح لَيْسَ من تَمَامه وَمن ثمَّة لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْتِزَام مَال ابْتِدَاء من غير عقد، فَيجب الْقدر الْمُتَيَقن (كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّة وَالْخلْع وَالْعِتْق) بِأَن أقرّ لإِنْسَان أَو وصّى لَهُ بِأَلف أَو أَلفَيْنِ أَو خَالعهَا أَو اعْتِقْ على ألف أَو أَلفَيْنِ، فَإِن الْأَقَل مُتَعَيّن فِي الْجَمِيع (وَلُزُوم الْمُوجب الْأَصْلِيّ) فِي النِّكَاح بِغَيْر مهر الْمثل إِنَّمَا هُوَ (عِنْد عدم تَسْمِيَة مُمكنَة) من مُطَالبَة مَال معِين، وَهِي هَهُنَا متحققة وَظَاهر هَذَا الْكَلَام تَرْجِيح قَوْلهمَا (وَفِي وكلت هَذَا أَو هَذَا صَحَّ) التَّوْكِيل (لِإِمْكَان الِامْتِثَال) يَعْنِي أَن التَّوْكِيل بِالْبيعِ مثلا أَمر للْوَكِيل بِأَن يَبِيع عَبده وَصِحَّته بِإِمْكَان امْتِثَال الْمَأْمُور بِأَن يفعل مَا أَمر بِهِ، ثمَّ بَين الْإِمْكَان بقوله (بِفعل أَحدهمَا) أَي بِأَن يفعل الْمَأْمُور بِهِ أحد الشخصين إِذْ الْإِذْن لأَحَدهمَا غير معِين فِي معنى قَوْله أَيهمَا بَاعَ، فَهُوَ مَأْذُون من عِنْدِي ممتثل

ص: 92

لأمري (وَلَا يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا) بِأَن يُبَاشر البيع مَعًا، فَكَانَ فعلهمَا جَمِيعًا امتثالا لأمر الْمُوكل قِيَاسا على فعل أَحدهمَا، وَذَلِكَ لِأَن التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر مَمْنُوع غير مُبَاح إِلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذا أذن لأَحَدهمَا ثَبت للأحد الْإِبَاحَة فِي التَّصَرُّف، لِأَنَّهُ رَضِي بتصرفه، وَإِذا رَضِي بِتَصَرُّف كل مِنْهُمَا مُنْفَردا دلّ ذَلِك على رِضَاهُ بتصرفهما مَعًا بِالطَّرِيقِ الأول، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَهُوَ) أَي الحكم بِإِبَاحَة تصرفهما مَعًا (تَسْوِيَة) بَين تصرفهما مَعًا وَتصرف أَحدهمَا فَقَط فِي الْإِبَاحَة الْحَاصِلَة من إِذن الْمَالِك (مُلْحق) على صِيغَة الْفَاعِل والتذكير بِاعْتِبَار الْمصدر: أَي يلْحق إِبَاحَة صُورَة الِاجْتِمَاع (بِالْإِبَاحَةِ) المنصوصة فِي صُورَة الِانْفِرَاد أَو على صِيغَة الْمَفْعُول وَالْمعْنَى فَهُوَ أَي التَّخْيِير مُلْحق بِالْإِبَاحَةِ فِي جَوَاز الِاجْتِمَاع (بِخَارِج) أَي بِدَلِيل خَارج من لفظ الْمُوكل، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْخَارِج بقوله (للْعلم) بِأَنَّهُ أَي الْمُوكل إِذا رضى بِرَأْي أَحدهمَا فَهُوَ (برأيهما أرْضى) لِاجْتِمَاع الرأيين (بِخِلَاف) قَوْله (بِعْ ذَا أَو ذَا) مُشِيرا إِلَى عَبْدَيْنِ مثلا (يمْتَنع الْجمع) بَينهمَا فِي البيع (لانتفائه) أَي الرِّضَا ببيعهما جَمِيعًا (وَالْقِيَاس الْبطلَان) أَي بطلَان الطَّلَاق (فِي هَذِه طَالِق أَو هَذِه لايجابه) الطَّلَاق (فِي الْمُبْهم وَلَا يتَحَقَّق) الطَّلَاق (فِيهِ) أَي الْمُبْهم (لكنه) أَي قَوْله هَذِه طَالِق، وَكَذَا هَذِه حرَّة (شرعا إنْشَاء عِنْد عدم احْتِمَال الْأَخْبَار) وَلَا يحْتَمل هَهُنَا (بِعَدَمِ قيام طَلَاق إِحْدَاهمَا) قبل التَّكَلُّم بِهَذَا الْكَلَام (وَعدم) قيام (حريتها) أَي إِحْدَاهمَا (فِي هَذِه حرَّة أَو هَذِه مُوجب) بِالرَّفْع صفة إنْشَاء توَسط بَينهمَا الظّرْف وَمَا يتَعَلَّق بِهِ (للتعيين) صلَة مُوجب، فَيجْبر الْمُطلق وَالْمُعتق أَن يعين المُرَاد من الْمُبْهم حَال كَون التَّعْيِين (إنْشَاء من وَجه لِأَن بِهِ) أَي بِالتَّعْيِينِ ينزل (الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق وَالْعتاق، إِذْ قبل التَّعْيِين لَا يصلح الْمحل للوقوع لإبهامه، ثمَّ رتب على كَونه إنْشَاء من وَجه آخر قَوْله (فَلَزِمَ قيام أَهْلِيَّته) أَي الْموقع للطَّلَاق وَالْعتاق (ومحليتهما) أَي شقي الترديد (عِنْده) أَي التَّعْيِين، لِأَن الْإِنْشَاء لَا بُد لَهُ من أَهْلِيَّة المنشئ حَال الْإِنْشَاء وصلاحية الْمحل للمحلية (فَلَا يعين) الْمُطلق وَالْمُعتق إِذا مَاتَ إِحْدَى الزوجتين أَو الجاريتين (الْمَيِّت) بِأَن يَقُول كَانَ مرادي من أَحدهمَا هَذِه الْميتَة لانْتِفَاء محليتها للوقوع حِينَئِذٍ (و) لزم (اعْتِبَاره) أَي الْإِنْشَاء (فِي) صُورَة (التُّهْمَة) أَي فِيمَا كَانَ الْمُطلق مُتَّهمًا فِي جعله إِخْبَارًا لغَرَض يرجع إِلَيْهِ (فَلم يَصح تزوج أُخْت الْمعينَة من المدخولتين) اللَّتَيْنِ قَالَ فيهمَا هَذِه طَالِق أَو هَذِه، ثمَّ عين إِحْدَاهمَا وَأَرَادَ أَن يتَزَوَّج بأختها من غير مُضِيّ الْعدة بعد التَّعْيِين (أَخْبَارًا من وَجه) لِأَن الصِّيغَة صِيغَة أَخْبَار (فأجبر عَلَيْهِ) أَي على الْبَيَان إِذْ لأجبر فِي الإنشاءات بِخِلَاف الْإِقْرَار، فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِمَجْهُول صَحَّ وأجبر على بَيَانه (وَاعْتبر) الْأَخْبَار (فِي

ص: 93

غَيرهمَا) أَي المدخولتين (فصح ذَلِك) أَي تزوج أُخْت الْمعينَة: يَعْنِي إِذا طلق إِحْدَى زوجتيه بِغَيْر عينهَا وَلم يكن دخل بهَا، ثمَّ تزوج أُخْت إِحْدَاهمَا، ثمَّ بَين الطَّلَاق فِي أُخْتهَا لعدم التُّهْمَة لقدرته على إنْشَاء الطَّلَاق فِي الَّتِي عينهَا وَعدم الْعدة لَهَا لكَونهَا غير مدخولة، وَلَا يخفى أَن فرض كَونهمَا غير مدخولتين اتفاقي وَلَا يَكْفِي كَون مَحل التَّعْيِين غير مدخولة، ثمَّ لما كَانَ يشكل على كَون أَو للتَّخْيِير فِي الْإِنْشَاء آيَة الْمُحَاربَة، فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَة على أَو، وَهِي إنْشَاء، وَلم يُؤَخر التَّخْيِير فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الحكم، أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (وَترك مقتضاها) أَي وَلُزُوم ترك مُقْتَضى أَو الْوَاقِعَة فِي الْإِنْشَاء فِي آيَة الْمُحَاربَة " إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض " (للصارف) عَن الْعَمَل (لَو لم يكن أثر) مُفِيد لمُخَالفَته أَيْضا: يَعْنِي لَو فرض عدم الْأَثر يَكْفِي الصَّارِف الْمَذْكُور (وَهُوَ) أَي الصَّارِف (أَنَّهَا) أَي آيَة الْمُحَاربَة (أجزية بِمُقَابلَة جنايات لتصور الْمُحَاربَة) أَي لِأَن الْمُحَاربَة تتَصَوَّر: أَي تتَحَقَّق (بصور) شَتَّى (أَخذ) لِلْمَالِ الْمَعْصُوم فَقَط بدل بعض من صور (أَو قتل) للنَّفس المعصومة فَقَط (أوكليهما) أى أَخذ وَقتل (أَو إخافة) للطريق فَقَط (فَذكرهَا): أَي الأجزية من حَيْثُ أَنَّهَا أجزية (مُتَضَمّن ذكرهَا) أَي الْجِنَايَات، فَكَأَنَّهَا ذكرت أَيْضا (ومقابلة مُتَعَدد بمتعدد ظَاهر فِي التَّوْزِيع، وَأَيْضًا مُقَابلَة أخف الْجِنَايَات بالأغلظ وَقَلبه) أَي مُقَابلَة أغْلظ الْجِنَايَات بالأخف (ينبو) أَي يبعد (عَن قَوَاعِد الشَّرْع) كَيفَ، وَقد قَالَ تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} فَوَجَبَ الْقَتْل بِالْقَتْلِ وَقطع الْيَد) الْيُمْنَى (وَالرجل) الْيُسْرَى (بِالْأَخْذِ) لِلْمَالِ الْمَعْصُوم إِذا أصَاب كل مِنْهُم نِصَابا، وَمَالك شَرط كَون الْمَأْخُوذ نِصَابا فَصَاعِدا أصَاب كل نِصَاب أَولا، وَإِنَّمَا قطعناهما مَعًا فِي الْأَخْذ مرّة وَاحِدَة بِخِلَاف السّرقَة، لِأَنَّهُ أغْلظ من أَخذ السّرقَة، حَيْثُ كَانَ مجاهرة ومكابرة مَعَ إشهار السِّلَاح (والصلب) حَيا، ثمَّ يعج بَطْنه بِرُمْح حَتَّى يَمُوت كَمَا عَن الْكَرْخِي وَغَيره، أَو بعد الْمَوْت كَمَا عَن الطحاوى وَهُوَ الأوضح وأيا مَا كَانَ بعد قطع يَده وَرجله من خلاف أَو لَا، وَالْقَتْل بِلَا صلب وَلَا قطع على حسب اخْتِيَار الإِمَام كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَزفر، و (بِالْجمعِ) بَين الْقَتْل وَالْأَخْذ، وَقَالا لَا بُد من الصلب (وَالنَّفْي) من الأَرْض أَي الْجِنْس (بالإخافة فَقَط، فأثر أبي يُوسُف عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه صلى الله عليه وسلم وادع الخ) أَي أَبَا بردة هِلَال بن عريم الْأَسْلَمِيّ، فجَاء أنَاس يُرِيدُونَ الْإِسْلَام، فَقطع عَلَيْهِم أَصْحَاب أبي بردة الطَّرِيق، فَنزل جِبْرِيل عليه السلام على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْحَدِّ: أَن من قتل وَأخذ المَال صلب، وَمن قتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل

ص: 94

وَمن أَخذ مَالا وَلم يقتل قطعت يَده وَرجله من خلاف، وَمن جَاءَ مُسلما هدم الْإِسْلَام مَا كَانَ مِنْهُ فِي الشّرك وَفِي رِوَايَة عَطِيَّة عَن ابْن عَبَّاس: وَمن أَخَاف الطَّرِيق وَلم يقتل وَلم يَأْخُذ المَال نفي (على وَفقه) أَي الصَّارِف، وَقَوله أثر أبي يُوسُف مُبْتَدأ خَيره (زِيَادَة) أَي زَائِد على الصَّارِف فِي دفع الْإِشْكَال (لَا يَضرهَا) أَي الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة (التَّضْعِيف) بِمُحَمد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ لاتهامه بِالْكَذِبِ: إِذْ الْأَثر وَإِن كَانَ ضَعِيفا يصلح لتقوية مَا هُوَ مُسْتَقل فِي إِفَادَة الْمَقْصد (فَكيف وَلَا يَنْفِي) أَي التَّضْعِيف (الصِّحَّة فِي الْوَاقِع) لجَوَاز إجَازَة التَّضْعِيف فِي خُصُوص مَرْوِيّ (فموافقة الْأُصُول) الْمُعْتَبرَة شرعا من رِعَايَة الْمُنَاسبَة بَين الْجِنَايَة وَالْجَزَاء والمماثلة بَينهمَا بِمُوجب قَوْله تَعَالَى - {وَجَزَاء سَيِّئَة} - الْآيَة وَغَيره (ظَاهر فِي صِحَّتهَا) أَي الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ الْأَثر الْمَذْكُور، الْمشَار إِلَيْهِ بقوله لَو لم يكن أثر (وَإِذ قبلت) أَو (معنى التَّعْيِين) أَي معنى الْإِبْهَام فِيهِ، وقبولها إِيَّاه اسْتِعْمَالهَا فِي مَوضِع الْإِبْهَام فِيهِ لَا باستعمالها فِيهِ: إِذْ التَّعْيِين يَأْتِي من الْخَارِج كَمَا سيصرح بِهِ، غير أَنهم أَرَادوا بِالْقبُولِ استعمالهما فِيهِ كَمَا يدل عَلَيْهِ آخر الْكَلَام (كالآية) أَي آيَة الْمُحَاربَة (وَصُورَة الْإِنْصَاف){كَانَا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} - (وَجب) الْمعِين أَي إِرَادَته مِنْهَا (فِي) صُورَة (تعذر) مَعْنَاهُ (الْحَقِيقِيّ) الَّذِي هُوَ أحد الْأَمريْنِ، لِأَنَّهُ أولى من إِلْغَاء الْكَلَام (فَعَنْهُ) أَي عَن وجوب الْمجَازِي عِنْد تعذر الْحَقِيقِيّ (قَالَ) أَبُو حنيفَة (فِي هَذَا حر أَو ذَا لعَبْدِهِ ودابته يعْتق) عَبده (وألغياه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا الْكَلَام (لعدم تصور حكم الْحَقِيقَة) وَهُوَ عتق أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمحل للْإِيجَاب: لِأَن أَحدهمَا، وَهِي الدَّابَّة لَيْسَ بِمحل لِلْعِتْقِ شرعا، وَقَالَ الشَّارِح: أَن شمس الْأَئِمَّة أَشَارَ إِلَى أَنه لَا يعْتق العَبْد عِنْدهمَا بِالنِّيَّةِ أَيْضا، لِأَن اللَّغْو لَا حكم لَهُ أصلا (كَمَا هُوَ أَصلهمَا) من أَن خَليفَة الْمجَاز للْحَقِيقَة بِاعْتِبَار الحكم، فَلَا بُد من إِمْكَان حكم الْحَقِيقَة، وَلِهَذَا لَا يرد الْحُرِّيَّة فِي هَذَا ابْني للأكبر مِنْهُ سنا (لَكِن) لَا يرد (عَلَيْهِ) أَي على قَول أبي حنيفَة (أَنهم) أَي الْحَنَفِيَّة (يمْنَعُونَ التَّجَوُّز فِي الضِّدّ) شرعا (والمعين ضد الْمُبْهم بِخِلَاف ابْني للأكبر لَا يضاد حَقِيقَة مجازيه وَهُوَ) أَي مجازيه (الْعتْق فَالْوَجْه أَنَّهَا) أَي أَو (دَائِما للأحد) أَي أحد الْأَمريْنِ (وَفهم التَّعْيِين أَحْيَانًا بِخَارِج) من اللَّفْظ (من غير أَن يسْتَعْمل) أَو (فِيهِ) أَي فِي التَّعْيِين، فَفِي قَوْله لعَبْدِهِ ودابته هَذَا حروذا بفهم التَّعْيِين من لُزُوم صون عبارَة الْعَاقِل مهما أمكن، وَقد أمكن إِذْ عرف أَن أَو يَقع فِي موقع يتَعَيَّن فِيهِ المُرَاد.

ص: 95