الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قسيمة) أَي الْوَاجِب (مندرج مَعَه) أَي مَعَ الْوَاجِب (تَحت رجنسهما إِطْلَاق الْفِعْل) عطف بَيَان لجنسهما، وَهُوَ إِذن فِي الْفِعْل غير مُقَيّد بِالْإِذْنِ فِي التّرْك وَعَدَمه (لمبيانته) أَي الْمُبَاح للْوَاجِب (بفصله) أَي الْمُبَاح (إِطْلَاق التّرْك) فِيهِ كإطلاق الْفِعْل، إِذْ الْوَاجِب غير مُطلق التّرْك (وَتقدم) فِي مسئلة لاشك فِي تبادر كَون الصِّيغَة فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب مجَازًا (فِي) بحث (الْأَمر مَا يرشد إِلَيْهِ) أَي إِلَى كَونه مباينا لما قُلْنَا فَليرْجع إِلَيْهَا.
مَبْحَث الرُّخْصَة والعزيمة
(تَقْسِيم للحنفية: الحكم إِمَّا رخصَة وَهُوَ) أَي الرُّخْصَة (مَا) أَي حكم (شرع تَخْفِيفًا لحكم) آخر (مَعَ اعْتِبَار دَلِيله) أَي الحكم الآخر (قَائِم الحكم) لبَقَاء الْعَمَل بِهِ (لعذر خوف) فَوَات (النَّفس أَو الْعُضْو) وَلَو أُنْمُلَة، فَخرجت الْعَزِيمَة لِأَنَّهَا لم تشرع تَخْفِيفًا لحكم، بل شرعت ابْتِدَاء لَا بِعَارِض، وَمِنْهَا خِصَال الْكَفَّارَة الْمرتبَة وَالتَّيَمُّم عِنْد فقد المَاء (كإجراء الْمُكْره بذلك) مُتَعَلق بالمكره أَي بِمَا يحصل بِهِ خَوفه على نَفسه أَو عضوه (كلمة الْكفْر) على لِسَانه وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان، مفعول إِجْرَاء، (وجنايته) أَي الْمحرم الْمُكْره بذلك (على إِحْرَامه) سَوَاء كَانَت الْجِنَايَة الْإِفْسَاد أَو بِمَا يُوجب الدَّم كَمَا هُوَ الظَّاهِر من إِطْلَاقه (ورمضان) أَي وَجِنَايَة الصَّائِم فِي رَمَضَان صَحِيحا مُقيما مكْرها بذلك بالإفساد (وَترك الْخَائِف على نَفسه الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَالصَّلَاة) الْمَفْرُوضَة مَعْطُوف على الْأَمر (وَتَنَاول الْمُضْطَر مَال الْغَيْر) مَعْطُوف على إِجْرَاء (وَهُوَ) أَي هَذَا النَّوْع من الرُّخْصَة (أَحَق نوعيها) أَي أولاهما حَقِيقَة باسم الرُّخْصَة لقِيَام دَلِيل الْعَزِيمَة فِيهِ، وَقيام حكمه من غير دَلِيل دَال على تراخيه عَنهُ، وَكلما قوي جَانب الْعَزِيمَة قوي فِي جَانب خِلَافه معنى الرُّخْصَة المثبتة عَن كَونه معدولا إِلَيْهِ عَن الأَصْل للضَّرُورَة، وَحِينَئِذٍ (فالعزيمة) أَي الْعَمَل بالعزيمة (أولى) لما ذكر من قيام دليلها، وَبَقَاء حكمهَا من غير مُوجب للتراخي (وَلَو مَاتَ بِسَبَبِهَا) أَي الْعَزِيمَة فإمَّا قيام دَلِيل وجوب الْإِيمَان إِلَى آخِره فَلِأَنَّهُ قَطْعِيّ لَا يتَصَوَّر تراخي حكمه عَنهُ عقلا وَلَا شرعا فيدوم بدوامه، وَإِنَّمَا رخص فِي إِجْرَاء تِلْكَ الْكَلِمَة فِي تِلْكَ الْحَالة لِئَلَّا يفوت حَقه صُورَة وَمعنى بتخريب الْبدن، وزهوق الرّوح مَعَ أَن حق الله لَا يفوت معنى لاطمئنان الْقلب بِالْإِيمَان غير أَن الْعَزِيمَة أولى لما فِيهِ من رِعَايَة تَعْظِيم الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى، وَحُصُول الشَّهَادَة، والْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة شهيرة، وعَلى هَذَا الْقيَاس قيام دَلِيل النَّافِي وَبَقَاء حكمه من غير تراخ، وأولوية الْعَزِيمَة فِيهِ على مَا تبين فِي مَحَله وَقَالُوا فِي حُرْمَة أكل الْميتَة وَلحم الْخِنْزِير، وَشرب الْخمر إِمَّا فِي حَالَة الِاخْتِيَار، وَإِمَّا فِي حَالَة الِاضْطِرَار فَهِيَ
على الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة حَتَّى قيل أَنه لَو لم يَأْكُل حَتَّى يَمُوت كَانَ آثِما (أَو) مَا شرع تَخْفِيفًا لحكم آخر مَعَ اعْتِبَار دَلِيله (متراخيا) حكمه (عَن محلهَا) أَي الرُّخْصَة (كفطر الْمُسَافِر) أَي كرخصة فطره وَالْمَرِيض فِي رَمَضَان، فَإِن دَلِيل وجوب صَوْمه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} - قَائِم، لَكِن تراخي حكمه عَن مَحل الرُّخْصَة، وَهُوَ السّفر وَالْمَرَض لقَوْله تَعَالَى - {فَعدَّة من أَيَّام أخر} -: وَقد يُقَال أَن قَوْله تَعَالَى " فليصمه " لَا يعم الْمُسَافِر بِقَرِينَة آخر الْكَلَام فَلَا يتَحَقَّق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ دَلِيل مُتَأَخّر الحكم، وَيُجَاب بِأَنَّهُ يدل على أَنه لَوْلَا وجود عذره لَكَانَ مثل غَيره فِي طلب الصَّوْم، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار جعل دَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَيْضا غير أَنه متراخ الحكم (والعزيمة) فِي هَذَا النَّوْع (أولى مَا لم يستضر) بهَا نظرا إِلَى قيام السَّبَب، وَأما إِذا استضر فَلَا أَوْلَوِيَّة للعزيمة، وَقد روى عَنهُ صلى الله عليه وسلم " هِيَ رخصَة من الله فَمن أَخذ بهَا فَحسن، وَمن أحب أَن يَصُوم فَلَا جنَاح عَلَيْهِ ". وَصَامَ صلى الله عليه وسلم فِي السّفر أَيْضا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَإِن مَاتَ بهَا) أَي بالعزيمة (أَثم) لقَتله نَفسه بِلَا مُبِيح، فَمَا فِي صَحِيح مُسلم من أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج عَام الْفَتْح إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان حَتَّى بلغ كرَاع الغميم، ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فَشرب بِهِ، فَقيل لَهُ إِن بعض النَّاس قد صَامَ، فَقَالَ أُولَئِكَ العصاة مَحْمُول على أَنهم استضروا بِهِ بِدَلِيل مَا فِي لفظ لَهُ، فَقيل أَن النَّاس قد شقّ عَلَيْهِم الصَّوْم (والعزيمة ذَلِك الحكم) الْمعبر عَنهُ بقوله تَخْفِيفًا لحكم وَلَا يخفى أَن الْأَنْسَب ذكره قبل قَوْله، فالعزيمة أولى لكنه أَخّرهُ لما ذكر بعده مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ (فتقيد) الْعَزِيمَة (بِمُقَابلَة رخصَة، وَقد لَا تقيد) بمقابلتها (فَيُقَال) الْعَزِيمَة (مَا شرع ابْتِدَاء غير مُتَعَلق بالعوارض) فتعم مَا كَانَ فِي مُقَابلَة رخصَة وَمَا لم يكن (وتعرف الرُّخْصَة بِمَا تغير من عسر إِلَى يسر من الْأَحْكَام وَقسم كل) من الْعَزِيمَة الرُّخْصَة بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين (أَرْبَعَة) من الْأَقْسَام فقسم (الْعَزِيمَة إِلَى فرض) وَهُوَ (مَا) أَي حكم (قطع بلزومه) مَأْخُوذ (من فرض) بِمَعْنى قطع (وواجب بِمَا) أَي حكم (ظن) لُزُومه، سمي وَاجِبا (لسُقُوط لُزُومه) أَي وُقُوعه (على الْمُكَلف بِلَا علم) لَهُ بِثُبُوتِهِ علما قَطْعِيا فَهُوَ مَأْخُوذ (من وَجب) بِمَعْنى (سقط) قَالَ تَعَالَى فِي الْهدى بعد النَّحْر - {فَإِذا وَجَبت جنوبها} -: أَي سَقَطت، وَيحْتَمل أَن تكون التَّسْمِيَة بِاعْتِبَار دَرَجَته عَن مرتبَة الْعلم غير أَنه لَا يلائم إِلَّا الْحَنَفِيَّة (و) قَالَ (الشَّافِعِيَّة) بل الْجُمْهُور الْفَرْض وَالْوَاجِب اسمان (مُتَرَادِفَانِ) لفعل مَطْلُوب جزما (وَلَا يُنكرُونَ) أَي الشَّافِعِيَّة (انقسام مَا لزم) فعله (إِلَى قَطْعِيّ) أَي ثَابت بِدَلِيل قَطْعِيّ دلَالَة وسندا (وظني) أَي ثَابت بِدَلِيل ظَنِّي دلَالَة وسندا (وَلَا) يُنكرُونَ (اخْتِلَاف حَالهمَا) أَي الْقطعِي والظني من حَيْثُ إِلَّا كفار لمنكره وَعَدَمه وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن الاسمين هَل هما لِمَعْنى وَاحِد يتَفَاوَت فِي بعض الْأَحْكَام بِالنّظرِ إِلَى طَرِيق
ثُبُوته أَو كل مِنْهُمَا لقسم مِنْهُ مُغَاير للْآخر بِاعْتِبَار طَريقَة (فَهُوَ) نزاع (لَفْظِي غير أَن إِفْرَاد كل قسم باسم أَنْفَع عِنْد الْوَضع) لموضوع المسئلة (للْحكم) عَلَيْهِ فَإنَّك حِينَئِذٍ تضع الْفَرْض مَوْضُوع مسئلة لتَحكم عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبه وتضع الْوَاجِب كَذَلِك، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا مترادفين فَإنَّك حِينَئِذٍ تحْتَاج إِلَى نصب قرينَة بِحَسب الْمَوَاضِع (وَإِلَى سنة) أَي (الطَّرِيقَة الدِّينِيَّة) المأثورة (مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَو) الْخُلَفَاء (الرَّاشِدين) كلهم (أَو بَعضهم) الَّتِي يُطَالب الْمُكَلف بإقامتها من غير افتراض وَلَا وجوب، وَلم يذكر هَذَا الْقَيْد لظُهُوره بِقَرِينَة التقابل. وَعنهُ صلى الله عليه وسلم " عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ ": حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ. وَأخرجه ابْن مَاجَه وَأحمد وَأَبُو دَاوُد، وهم: أَبُو بكر، وَعمر وَعُثْمَان، وَعلي رضي الله عنهم كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ وَغَيره لما صَححهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث سُفْيَان " الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة، ثمَّ تكون ملكا ". وَاحْتج بِهِ أَحْمد وَغَيره على خلافتهم فقد كَانَت مدتهم هَذِه إِلَّا سِتَّة أشهر مُدَّة الْحسن ابْن عَليّ رضي الله عنهما (وينقسم مُطلقهَا) أَي السّنة (إِلَى سنة هدى) وَهُوَ مَا يكون إِقَامَتهَا تكميلا للدّين، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَيرد عَلَيْهِ أَن مَا سَيَأْتِي من السّنَن الزَّوَائِد كثير مِنْهَا مَا يصدق عَلَيْهِ هَذَا التَّعْرِيف إِذا قصد بِهِ اتِّبَاعه صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المنظور قَصده صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لم يقْصد بالزوائد ذَلِك (تاركها) بِلَا عذر (مضلل ملوم كالأذان) للمكتوبات على مَا ذهب إِلَيْهِ كثير من الْمَشَايِخ، وَذهب صَاحب الْبَدَائِع إِلَى وُجُوبه، وَمَال إِلَيْهِ المُصَنّف لمواظبته صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ من غير ترك (وَالْجَمَاعَة) عَن ابْن مَسْعُود " من سره أَن يلقى الله غَدا فليحافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادي بِهن، فَإِن الله تَعَالَى شرع لنبيكم سنَن الْهدى وانهن من سنَن الْهدى، وَلَو أَنكُمْ صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم، وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ ". وَفِي رِوَايَة " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم علمنَا سنَن الْهدى، وَأَن من سنَن الْهدى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي يُؤذن فِيهِ ". رَوَاهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن (وَإِنَّمَا يُقَاتل المجمعون على تَركهَا) أَي سنة الْهدى كَمَا قَالَ مُحَمَّد فِي أهل بَلْدَة تركُوا الْأَذَان وَالْإِقَامَة أمروا بهما فَإِن أَبَوا قوتلوا بِالسِّلَاحِ (للاستخفاف) لِأَن مَا كَانَ من إِعْلَام الدّين فالإصرار على تَركه استخفاف بِالدّينِ، فيقاتلون على ذَلِك، ذكره فِي الْمَبْسُوط، فَهَذَا الْقِتَال يدل على وجوب الْأَذَان كَمَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم، وَيشكل على هَذَا قَوْله وَلَو تَركه وَاحِد ضَربته وحبسته. وَفِي شرح مُخْتَصر الْكَرْخِي عَنهُ أَنه قَالَ " لَو ترك أهل كورة سنة من سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عَلَيْهَا، وَلَو ترك رجل وَاحِد ضَربته وحبسته " لِأَن السّنة لَا يضْرب وَلَا يحبس عَلَيْهَا إِلَّا أَن يحمل على مَا إِذا كَانَ مصرا على التّرْك من غير عذر فَإِنَّهُ استخفاف كَمَا فِي الْجَمَاعَة المصرين
عَلَيْهِ من غير عذر، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَنه يحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى الْفرق بَين إِصْرَار الْكل وإصرار الْبَعْض حَيْثُ يُقَاتل فِي الأول، وَيضْرب وَيحبس فِي الثَّانِي فَلْيتَأَمَّل (وَقَول الشَّافِعِي مُطلقهَا) أَي السّنة إِذا أطلقها الصَّحَابِيّ أَو الْمُتَكَلّم بِلِسَان الشَّرْع (منصرف إِلَيْهِ) أَي إِلَى مسنونه صلى الله عليه وسلم صَحِيح فِي عرف الْآن، وَالْكَلَام فِي عرف السّلف ليعْمَل بِهِ فِي نَحْو قَول الرَّاوِي) صحابيا كَانَ أَو غَيره (السّنة أَو من السّنة. وَكَانُوا) أَي السّلف (يطلقونها) أَي السّنة على (مَا ذكرنَا) أَي سنته صلى الله عليه وسلم وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، فَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَليّ رضي الله عنه فِي قصَّة جلد الْوَلِيد بن عقبَة من شرب الْخمر " لما أَمر الجلاد بالإمساك على الْأَرْبَعين " جلد النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكل سنة: وَهَذَا أحب إِلَيّ ". وَقَالَ مَالك: قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز " سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الْأَمر من بعده سننا الْأَخْذ بهَا اعتصام بِكِتَاب الله تَعَالَى، وَقُوَّة على دين الله تَعَالَى ". وَنقل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم وَغَيره مَا يُوَافق الشَّافِعِي، ذكر الشَّارِح تَفْصِيله (وَإِلَى) سنَن (زَائِدَة كَمَا فِي أكله وقعوده ولبسه) صلى الله عليه وسلم قَالُوا أَخذهَا حسن وَتركهَا لَا بَأْس بِهِ: أَي لَا يتَعَلَّق بِهِ كَرَاهَة وَلَا إساءة (وَإِلَى نفل) مَعْطُوف على قَوْله إِلَى فرض، وَهُوَ الْمَشْرُوع زِيَادَة على الْفَرَائِض والواجبات وَالسّنَن لنا لَا علينا (يُثَاب على فعله) لِأَنَّهُ عبَادَة (فَقَط) وَلَا يُعَاقب على تَركه (وَمِنْه) أَي النَّفْل الركعتان (الأخريان) من الرّبَاعِيّة (للْمُسَافِر) إِذْ يُثَاب على فعلهمَا غير أَنه يصير مسيئا بِتَأْخِير السَّلَام وَلَا يُعَاقب على تَركهمَا (فَلم ينوبا عَن سنة الظّهْر) على الصَّحِيح، لِأَن السّنة بالمواظبة، والمواظبة عَلَيْهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بتحريمة مُبتَدأَة وَإِن لم يحْتَج إِلَى نِيَّة السّنة فِي وُقُوعهَا سنة على مَا هُوَ الْمُخْتَار، ثمَّ عطف على الأخريان (وَمَا تعلق بِهِ دَلِيل ندب يَخُصُّهُ، وَهُوَ الْمُسْتَحبّ وَالْمَنْدُوب) كالركعتين أَو الْأَرْبَع قبل الْعَصْر وَالسّنة بعد الْمغرب: كَذَا ذكره الشَّارِح. وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة: اخْتلف فِي الْأَفْضَل بعد رَكْعَتي الْفجْر. قَالَ الْحلْوانِي: رَكعَتَا الْمغرب، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يدعهما سفرا وَلَا حضرا، ثمَّ الَّتِي بعد الظّهْر لِأَنَّهَا سنة مُتَّفق عَلَيْهَا، وَقيل الَّتِي قبل الْعشَاء، وَالَّتِي قبل الظّهْر وَبعده وَبعد الْمغرب كلهَا سَوَاء (وَثُبُوت التَّخْيِير) شرعا (فِي ابْتِدَاء الْفِعْل) للنفل بَين التَّلَبُّس بِهِ، وَعدم التَّلَبُّس (لَا يسْتَلْزم عقلا وَلَا شرعا استمراره) أَي التَّخْيِير (بعده) أَي بعد الِابْتِدَاء والشروع فِيهِ (كَمَا قَالَ الشَّافِعِي) وَإِذا لم يستلزمه (فَجَاز الِاخْتِلَاف) بَين حالتيه: مَا قبل الشُّرُوع وَمَا بعده بِاعْتِبَار التَّخْيِير وَلُزُوم الْإِتْمَام (غير أَنه) أَي الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك (يتَوَقَّف على الدَّلِيل وَهُوَ) أَي الدَّلِيل (النَّهْي عَن إبِْطَال الْعَمَل) الثَّابِت بِنَصّ الْقُرْآن، وَالْقِيَاس على الْحَج النَّفْل (فَوَجَبَ الْإِتْمَام فَلَزِمَ الْقَضَاء بالإفساد، و) قسمت (الرُّخْصَة
إِلَى مَا ذكر) فِي أول التَّقْسِيم من الْقسمَيْنِ وَوصف أَولهمَا بِأَنَّهُ أَحَق نوعيها (و) إِلَى (مَا وضع عَنَّا من إصر) أَي حكم مغلظ شاق (كَانَ على من قبلنَا) من الْأُمَم (فَلم يشرع عندنَا) أَي فِي ملتنا أصلا تكريما لنبينا صلى الله عليه وسلم وَرَحْمَة لنا (كقرض مَوضِع النَّجَاسَة) من الثَّوْب وَالْجَلد (وَأَدَاء الرّبع فِي الزَّكَاة) لتَعلق الْوُجُوب بِربع المَال، وَاشْتِرَاط قتل النَّفس فِي صِحَة التَّوْبَة، وَبت الْقَضَاء بِالْقصاصِ عمدا كَانَ الْقَتْل أَو خطأ، وإحراق الْغَنَائِم، وَتَحْرِيم الْعُرُوق فِي اللَّحْم، وَتَحْرِيم السبت وَتَحْرِيم الطَّيِّبَات بِسَبَب الذُّنُوب، وَأَن لَا يطهر من الْجَنَابَة وَالْحَدَث غير المَاء، وَكَون الْوَاجِب من الصَّلَاة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمسين، وَعدم جَوَازهَا فِي غير الْمَسْجِد، وَحُرْمَة الْجِمَاع بعد الْعَتَمَة فِي الصَّوْم وَالْأكل بعد النّوم فِيهِ. قَالَ الشَّارِح: وَكِتَابَة ذَنْب المذنب لَيْلًا على بَاب دَاره صباحا وَلَا يخفى أَنه مِمَّا نَحن فِيهِ (و) إِلَى (مَا) أَي حكم (سقط: أَي لم يجب مَعَ الْعذر مَعَ شرعيته فِي الْجُمْلَة) وَتسَمى رخصَة إِسْقَاط (وَهَذَانِ) يَعْنِي مَا وضع عَنَّا وَمَا سقط مَعَ الْعذر إِلَى آخِره جعلا قسمَيْنِ مِنْهَا (بِاعْتِبَار مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الرُّخْصَة) فَقَط سَوَاء كَانَ بطرِيق الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز من غير اعْتِبَار حَقِيقَتهَا، وَهُوَ أَن يشرع تَخْفِيفًا لحكم مَعَ اعْتِبَار دَلِيله قَائِم الحكم لعذر، أَو متراخيا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا حَقِيقَتهَا كالقصر) للصَّلَاة الرّبَاعِيّة للْمُسَافِر، وَإِنَّمَا حكمنَا بِكَوْن الْقصر لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَة الرُّخْصَة (لإِيجَاب السَّبَب الْأَرْبَع فِي غير الْمُسَافِر) فالسبب الْمُوجب للأربع، وَهُوَ النَّص الدَّال على وجوب الْأَرْبَع لَيْسَ فِي مَحل الْقصر (و) إِيجَاب السَّبَب (رَكْعَتَيْنِ فِيهِ) أَي فِي الْمُسَافِر، وَذَلِكَ (بِحَدِيث عَائِشَة) رضي الله عنها فِي الصَّحِيحَيْنِ " فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فأقرت صَلَاة السّفر وزيدت فِي الْحَضَر (وَسُقُوط حُرْمَة الْخمر وَالْميتَة للْمُضْطَر) إِلَى شرب الْخمر وَأكل الْميتَة مَخَافَة الْهَلَاك على نَفسه من الْعَطش والجوع فَإِن دَلِيل الْحُرْمَة لم يقم فِي مَحل الرُّخْصَة، وَهُوَ الِاضْطِرَار (وَالْمكْره) على شرب الْخمر وَأكل الْميتَة بِالْقَتْلِ، وَقطع الْعُضْو فحرمتهما سَاقِطَة مَعَ عذر الِاضْطِرَار وَالْإِكْرَاه ثَابِتَة عِنْد عدمهما على مَا هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة (للاستثناء) فِي قَوْله تَعَالَى - {إِلَّا مَا اضطررتم} - بعد قَوْله تَعَالَى - {وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم} - إِذْ الِاسْتِثْنَاء من الْحَظْر إِبَاحَة (فَتجب الرُّخْصَة) هَهُنَا كَمَا يجب شرب الْخمر وَأكل الْخِنْزِير لدفع الْهَلَاك (وَلَو مَاتَ للعزيمة) هَهُنَا بِأَن يمْتَنع عَن شرب الْخمر وَأكل الْميتَة عِنْد الِاضْطِرَار وَالْإِكْرَاه (أَثم) بإلقائه بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة من غير ملجئ، لَكِن هَذَا إِذا علم بِالْإِبَاحَةِ فِي حق هَذِه الْحَالة لخفاء انكشاف الْحُرْمَة، فيعذر بِالْجَهْلِ، وَلَا يَحْنَث بأكلها مُضْطَرّا إِذا حلف لَا يَأْكُل الْحَرَام، وَذهب كثير مِنْهُم أَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة إِلَى أَن الْحُرْمَة لَا ترْتَفع، بل إثمها يرْتَفع كَمَا فِي الْإِكْرَاه على الْكفْر فَلَا يَأْثَم بالامتناع، وَيحنث فِي الْحلف الْمَذْكُور، فعلى هَذَا يكون من الْقسم الأول لقَوْله
تَعَالَى - {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم} - وَالْمَغْفِرَة إِنَّمَا تكون بعد الْإِثْم وَالْجَوَاب أَن الْمَغْفِرَة بِاعْتِبَار التَّنَاوُل الْمُقدر الزَّائِد على مَا لَا بُد مِنْهُ فِي بَقَاء المهجة: إِذْ يعسر على الْمُضْطَر رِعَايَة ذَلِك (وَمِنْه) أَي من هَذَا الْقسم الْأَخير من الرُّخْصَة (سُقُوط غسل الرجل مَعَ الْخُف) فِي مُدَّة الْمسْح، لِأَن استتار الْقدَم بالخف منع سرَايَة الْحَدث إِلَيْهَا، فوجوب الْغسْل الَّذِي هُوَ الْعَزِيمَة لَيْسَ فِي مَحل الرُّخْصَة، فَغسل الرجلَيْن فِي هَذِه الْحَالة سَاقِط وَالْمسح شرع ابْتَدَأَ تيسيرا، لِأَن الْغسْل يتَأَدَّى بِالْمَسْحِ (وَقَوْلهمْ) أَي جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة فِي هَذِه المسئلة (الْأَخْذ بالعزيمة) وَهُوَ غسل الرجلَيْن (أولى) من الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ، وَهُوَ الْمسْح (مَعْنَاهُ إمَاطَة) أَي إِزَالَة (سَبَب الرُّخْصَة بالنزع للخف ليغسلهما أولى من عدمهَا وَالْمسح على الْخُف، هَذَا وَذكر الزَّيْلَعِيّ أَن كَون الْمسْح على الْخُف من هَذَا النَّوْع سَهْو، لِأَن من شَأْن هَذَا النَّوْع عدم بَقَاء مَشْرُوعِيَّة الْعَزِيمَة مَعَه، لَكِن الْغسْل مَشْرُوع وَإِن لم ينْزع الْخُف: وَلذَا يبطل مَسحه إِذا خَاضَ فِي المَاء وَدخل فِي الْخُف حَتَّى انغسل أَكثر رجلَيْهِ، وَكَذَا لَو تكلّف وَغسل رجلَيْهِ من غير نزع الْخُف أَجزَأَهُ عَن الْغسْل حَتَّى لَا يبطل بِانْقِضَاء الْمدَّة انْتهى قَوْله أَجزَأَهُ عَن الْغسْل أَي عَن الْغسْل بعد النزع، وَقَوله حَتَّى لَا يبطل إِلَى آخِره يرد عَلَيْهِ أَن الْغسْل لَا معنى لبطلانه أَيْضا لِأَنَّهُ اضمحل مَعَ وجود هَذَا الْغسْل: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَوَهَّم لهَذَا الْغسْل مُدَّة كَمَا للمسح لَا يخفى مَا فِيهِ. وَقَالَ الشَّارِح، وَتعقبه المُصَنّف: بِأَن مبناه على صِحَة هَذَا الْفَرْع، وَهُوَ مَنْقُول فِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة، لَكِن فِي صِحَّته نظر فَإِن كلمتهم متفقة على أَن الْخُف اعْتبر شرعا مَانِعا سرَايَة الْحَدث إِلَى الْقدَم فَتبقى الْقدَم على طَهَارَتهَا، وَيحل الْحَدث بالخف فيزال بِالْمَسْحِ، وبنوا عَلَيْهِ منع الْمسْح للمقيم والمعذورين بعد الْوَقْت وَغير ذَلِك من الخلافيات، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن غسل الرجل فِي الْخُف وَعَدَمه سَوَاء إِذا لم يبتل بِهِ ظَاهر الْخُف فِي أَنه لم يزل بِهِ الْحَدث، لِأَنَّهُ غير مَحَله إِلَى قَوْله وَالْأَوْجه كَون الْأَجْزَاء إِذا خَاضَ النَّهر لابتلال الْخُف ثمَّ إِذا انْقَضتْ الْمدَّة إِنَّمَا لم يتَقَيَّد بهَا لحُصُول الْغسْل بالخوض، والنزع إِنَّمَا وَجب للْغسْل وَقد حصل انْتهى. ثمَّ ذكر رِوَايَات من الْكتب الْمُعْتَبرَة تفِيد مَا ذكره المُصَنّف: مِنْهَا مَا فِي فتاوي الإِمَام مُحَمَّد بن الْفضل لَا ينْتَقض مَسحه على كل حَال، لِأَن استتار الْقدَم بالخف يمْنَع سرَايَة الْحَدث إِلَى الرجل فَلَا يَقع هَذَا غسلا مُعْتَبرا فَلَا يُوجب بطلَان الْمسْح، وَمَا فِي المجتبي من أَنه لَا ينْتَقض وَإِن بلغ المَاء الرّكْبَة، ثمَّ ذكر أَن الَّذِي يظْهر لَهُ أَنه يجب عَلَيْهِ غسل رجلَيْهِ ثَانِيًا إِذا نزعهما وَانْقَضَت الْمدَّة وَهُوَ غير مُحدث، لِأَن عِنْد النزع أَو انْقِضَاء الْمدَّة يعْمل ذَلِك الْحَدث السَّابِق عمله فيسرى إِلَى الرجلَيْن فَيحْتَاج إِلَى مزيل لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ للْإِجْمَاع على أَن المزيل لَا يظْهر عمله فِي حدث طَارِئ بعده، ثمَّ قَالَ فَلْيتَأَمَّل،