الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضعا (شخصيا وَالْكَلَام فِيهِ) أَي فِي الْوَضع الشخصي (وَأَيْضًا إِن اعْتبر الْمجَاز فِيهِ) أَي فِي شابت لمة اللَّيْل (فِي الْمُفْرد) أَي فِي شابت بِأَن أُرِيد بالشيب حُدُوث بَيَاض الصُّبْح فِي آخر سَواد اللَّيْل، وَفِي لمة بِأَن أُرِيد بهَا سَواد آخر اللَّيْل وَهُوَ الْغَلَس (منعنَا عدم حَقِيقَة شابت أَو لمة) لاستعمالهما فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهَا من بَيَاض الشّعْر، وَالشعر المجاور على شحمة الْأذن فِي غير هَذَا الْمركب (أَو) اعْتبر الْمجَاز فِيهِ (فِي نسبتهما) أَي النِّسْبَة الإسنادية للشيب إِلَى اللمة، وَالنِّسْبَة الإضافية للمة إِلَى اللَّيْل (فَلَيْسَ) الْمجَاز فيهمَا (النزاع) لِأَنَّهُ مجَاز عَقْلِي، والنزاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْمجَاز فِي الْمُفْرد (وَأما منع الثَّانِي) أَي الْمجَاز فِي النِّسْبَة بِأَن يُقَال: لَا مجَاز فِي النِّسْبَة (لِاتِّحَاد جِهَة الْإِسْنَاد) كَمَا سبق فِي تَنْبِيه قَول الْحَنَفِيَّة: وَالْمجَاز على غير الْمُفْرد (فَغير وَاقع لما تقدم) هُنَاكَ وأوضحناه فَليُرَاجع (وَأَيْضًا) وضع (الرَّحْمَن لمن لَهُ رقة الْقلب وَلم يُطلق) إطلاقا (صَحِيحا إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى) وَالله منزه عَن الْوَصْف بهَا (فَلَزِمَ) أَن يكون إِطْلَاقه عَلَيْهِ تَعَالَى (مجَازًا بِلَا حَقِيقَة بِخِلَاف قَوْلهم) أَي بني حنفية فِي مُسَيْلمَة الْكذَّاب (رَحْمَن الْيَمَامَة). وَقَول شَاعِرهمْ:
(وَأَنت غيث الورى لَا زلت رحمانا
…
)
فَإِنَّهُ لم يُطلق عَلَيْهِ إطلاقا صَحِيحا لمُخَالفَته اللُّغَة إِذا انفق أَهلهَا أَن لَا يُطلق إِلَّا على الله سُبْحَانَهُ، أوقعهم فِيهِ لحاجهم فِي الْكفْر (وَلِأَنَّهُم لم يُرِيدُوا بِهِ) أَي بِلَفْظ رَحْمَن فِي إِطْلَاقه على مُسَيْلمَة الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ من رقة الْقلب) بل أَرَادوا أَن يثبتوا لَهُ مَا يخْتَص بالإله بعد مَا أثبتوا لَهُ مَا يخْتَص بالأنبياء وَهُوَ النُّبُوَّة وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُم لم يستعملوا الرَّحْمَن الْمُعَرّف بِاللَّامِ، وَإِنَّمَا استعملوه مُعَرفا بِالْإِضَافَة من رَحْمَن الْيَمَامَة، ومنكرا فِي لازلت رحمانا، ودعوانا فِي الْمُعَرّف بِاللَّامِ (قَالُوا) أَي الملزمون (لَو لم يسْتَلْزم) الْمجَاز الْحَقِيقَة (انْتَفَت فَائِدَة الْوَضع) وَهِي الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ (وَلَيْسَ) هَذَا (بِشَيْء) يعْتد بِهِ (لِأَن التَّجَوُّز) بِاللَّفْظِ (فَائِدَة لَا تستدعى غير الْوَضع) أَي تتَحَقَّق هَذِه الْفَائِدَة بِمُجَرَّد الْوَضع، وَلَا تتَوَقَّف على الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ: فَإِذا كَانَت هَذِه الْفَائِدَة حَاصِلَة بِمُجَرَّد الْوَضع كفى بِهِ فَائِدَة للوضع وَالله أعلم.
مسئلة
(الْمجَاز وَاقع فِي اللُّغَة وَالْقُرْآن والْحَدِيث خلافًا للاسفرايني فِي الأول) أَي اللُّغَة، وَحكى السُّبْكِيّ النَّفْي لوُقُوعه مُطلقًا عَنهُ وَعَن الْفَارِسِي، وَحكى الأسنوي عَنهُ وَعَن جمَاعَة (لِأَنَّهُ قد يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال بغرض الْوَضع) وَهُوَ فهم الْمَعْنى: يَعْنِي وُقُوعه يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال فِي الْجُمْلَة فِي بعض الصُّور (لخفاء الْقَرِينَة) الدَّالَّة على الْمَعْنى الْمجَازِي، وَمَا يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال لَا وُقُوع لَهُ فِيمَا يقْصد بِهِ الإفادة
والاستفادة (وَهُوَ) أَي خِلَافه فِي وُقُوعه (بعيد) لَا يشْتَبه وُقُوعه (على بعض المميزين) وَذكر لفظ الْبَعْض الَّذِي يعم من لَهُ أدنى تَمْيِيز مُبَالغَة، فَالْمَعْنى لَا يشْتَبه على من لَهُ أدنى تَمْيِيز وَلَا يصدر عَنهُ (فضلا عَنهُ) أَي فضلا عَن صدوره عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق، ثمَّ علل الْبعد بقوله (لِأَن الْقطع بِهِ) أَي بِوُقُوع الْمجَاز فِي اللُّغَة (أثبت من أَن يُورد لَهُ مِثَال) أَي الْقطع الْحَاصِل بِوُجُودِهِ بِدُونِ إِيرَاد الْمِثَال لَهُ أثبت من الْقطع الْحَاصِل بِوُجُودِهِ بسب إِيرَاد الْمِثَال أَو الْمَعْنى الْقطع بِهِ متجاوز عَن إيرادا لمثال لكَونه مغنيا عَنهُ، فَإِن أفعل التَّفْضِيل يلْزمه تجَاوز الْمفضل عَن الْمفضل عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لكثرته وَكَمَال ظُهُوره (وَيلْزمهُ) أَي يلْزم دَلِيل النَّافِي (نفي) وُقُوع (الْإِجْمَال مُطلقًا) فِي اللُّغَة، وَالْكتاب، وَالسّنة للإفضاء إِلَى الْإِخْلَال بفهم الْمَعْنى المُرَاد، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ (و) خلافًا (للظاهرية فِي الثَّانِي) أَي الْقُرْآن. قَالَ الشَّارِح وَكَذَا فِي الثَّالِث إِلَّا أَنهم غير مطبقين على إِنْكَار وُقُوعه فيهمَا، وَإِنَّمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو بكر بن دَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ الظَّاهِرِيّ فِي طَائِفَة مِنْهُم (لِأَنَّهُ) أَي الْمجَاز (كذب لصدق نقيضه) إِذْ يَصح أَن يُقَال لمن قَالَ للبليد أَنه حمَار كذبت: إِذْ البليد لَيْسَ بِحِمَار (فيصدقان) أَي النقيضان إِذا وَقع فِي الْقُرْآن، أما صدق الْكَلَام الْمُشْتَمل على الْمجَاز فلاستحالة الْكَذِب فِي حق الله تَعَالَى، وَأما صدق نقيضه فلصدق نفي مَدْلُول اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل مجَازًا بِحَسب نفس الْأَمر (قُلْنَا جِهَة الصدْق مُخْتَلفَة) فمتعلق الْإِثْبَات الْمَعْنى الْمجَازِي ومتعلق النَّفْي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ. فزيد حمَار صَادِق من جِهَة الْمَعْنى الْمجَازِي، وَزيد لَيْسَ بِحِمَار صَادِق من جِهَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَلَا مَحْذُور فِيهِ لما ذكر أَن الْمجَاز صَادِق أَرَادَ أَن يُحَقّق منَاط صدقه فَقَالَ (وتحقيقي صدق الْمجَاز التَّشْبِيه وَنَحْوه من العلاقة) فَإِذا صدق كَون زيد شَبِيها بالأسد بِأَن يكون شبهه بِهِ متحققا فِي نفس الْأَمر بِأَن يكون شجاعا صدق قَوْلنَا زيد أَسد، وَإِذا صدق كَون زيد منعما عَلَيْك، صدق قَوْلك: لَهُ على يَد (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ منَاط صدق الْمجَاز صدق التَّشْبِيه هِيَ مبناه ومآله (وَهُوَ) أَي الْمجَاز (أبلغ) من الْحَقِيقَة لما فِيهِ من تصرف عَقْلِي لَيْسَ للْحَقِيقَة مثله (وَقَوْلهمْ) أَي الظَّاهِرِيَّة (يلْزم) على تَقْدِير وُقُوع الْمجَاز فِي كَلَامه تَعَالَى (وَصفه تَعَالَى بالمتجوز) لِأَن من قَامَ بِهِ فعل اشتق لَهُ مِنْهُ اسْم فَاعل وَاللَّازِم بَاطِل لِامْتِنَاع إِطْلَاقه عَلَيْهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا (قُلْنَا إِن) أدرتم لُزُومه (لُغَة منعنَا بطلَان اللَّازِم) إِذْ لَا مَانع لَهُ مِنْهُ لُغَة (أَو) أردتم لُزُومه (شرعا منعنَا الْمُلَازمَة) لِأَن كَونه مَوْصُوفا بالْكلَام الْمُشْتَمل على الْمجَاز لَا يَقْتَضِي صِحَة إِطْلَاق المتجوز عَلَيْهِ شرعا، لِأَن صِحَة إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِ مَشْرُوط بِأَن لَا يكون موهما لما لَا يَلِيق بِهِ، وَلَفظ المتجوز يُوهم أَنه يتسمح ويتوسع فِيمَا لَا يَنْبَغِي من الْأَفْعَال والأقوال، وَهُوَ نقص (وَلنَا الله نور السَّمَوَات) فَإِن النُّور فِي الأَصْل: كَيْفيَّة
تدركها الْأَبْصَار أَولا وبواسطتها سَائِر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لَهما، وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك فَهُوَ على التَّجَوُّز بِمَعْنى منور السَّمَوَات وَقد قرئَ بِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى نورها بالكواكب وَمَا يفِيض عَنْهَا من الْأَنْوَار وبالملائكة والأنبياء إِذْ عَم النُّور، أَي بِمَعْنى مدبرها، من قَوْلهم للرئيس الْفَائِق فِي التَّدْبِير: نور الْقَوْم، لأَنهم يَهْتَدُونَ بِهِ فِي الْأُمُور أَو موجدها: فَإِن النُّور ظَاهر بِذَاتِهِ مظهر لغيره، وأصل الظُّهُور: هُوَ الْوُجُود كَمَا أَن أصل الخفاء هُوَ الْعَدَم وَهُوَ تَعَالَى مَوْجُود بِذَاتِهِ موجد لما عداهُ إِلَى غير ذَلِك (ومكر الله) لِأَن الْمَكْر فِي الأَصْل يجلب بهَا مضرَّة الْغَيْر وَهُوَ منزه سُبْحَانَهُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يسند إِلَيْهِ على سَبِيل الْمُقَابلَة والازدواج (الله يستهزئ بهم) لِأَن الِاسْتِهْزَاء السخرية ينْسب إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مشاكلة، أَو اسْتِعَارَة لما ينزل إِلَيْهِم من الحقارة والهوان الَّذِي هُوَ لَازم الِاسْتِهْزَاء إِلَى غير ذَلِك (فاعتدوا عَلَيْهِ) بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم (و) جَزَاء (سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا) وَلَيْسَ جَزَاء الاعتداء اعتداء، بل هُوَ عدل، وَلَا جَزَاء السَّيئَة سَيِّئَة، فهما من إِطْلَاق اسْم أحد الضدين على الآخر بِجَامِع الْمُجَاورَة فِي التخيل (وَكثير) مِمَّا لَا يُحْصى عدده، فَلَا يَنْفَعهُمْ التَّأْوِيل فِي بعض الْأَمْثِلَة، كَأَن يُقَال: النُّور حَقِيقَة هُوَ الظَّاهِر فِي نَفسه الْمظهر لغيره، لَا الْعرض الْمَذْكُور فإطلاقه عَلَيْهِ تَعَالَى حَقِيقَة، وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: الْمَكْر إِيصَال الْمَكْرُوه خُفْيَة، والاستهزاء إِظْهَار الْإِكْرَام وإخفاء الأهانة فَيجوز صدورهما مِنْهُ تَعَالَى، وَقَوله - {أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين} - لَا يدل على أَن كل استهزاء جهل، والاعتداء إِيقَاع الْفِعْل المؤلم، أَو هتك حرمه الشَّيْء، والسيئة مَا يسوء من ينزل بِهِ، وَلَا مجَاز فِي شَيْء مِنْهَا، (وَأما واسئل الْقرْيَة فَقيل) الْقرْيَة (حَقِيقَة) وَأمر بَنو يَعْقُوب أباهم أَن يسْأَلهَا (فتجيبه) أَي الْقرْيَة بإنطاق الله إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ كَانَ زمَان النُّبُوَّة وخرق العوائد، وَضعف بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقع للنَّبِي عِنْد التحدي وَإِظْهَار المعجزة، وَفِي غير ذَلِك لَا يَقع عَادَة وَإِن أمكن (وَقد مناه) أَي بَيَان مَا يتَعَلَّق بِهِ وَأَن لفظ الْقرْيَة (حَقِيقَة مَعَ حذف الْأَهْل) وَفِي قَوْلهم كنافيها إِشْعَار بِأَن المُرَاد سُؤال الْأَهْل أَن جَمِيع الجمادات مُتَسَاوِيَة فِي الشَّهَادَة عِنْد الْإِطْلَاق خرقا للْعَادَة إِظْهَارًا لصدقهم (وَلَيْسَ كمثله شَيْء) لَيْسَ (من مَحل النزاع) وَهُوَ مجَاز العلاقة لِأَنَّهُ من مجَاز الزِّيَادَة، أَلا ترى إِلَى تَعْلِيلهم: أَي الظَّاهِرِيَّة بِأَنَّهُ كذب، إِذْ لَا كذب فِي مجَاز الزِّيَادَة (وَقد أُجِيب) أَيْضا من قبلهم بِغَيْر هَذَا، فَأُجِيب (تَارَة بِأَنَّهُ) أَي لَيْسَ كمثله شَيْء لنفي التَّشْبِيه (حَقِيقَة) فالكاف مستعملة فِي مفهومها الوضعي (والمثل يُقَال لنَفسِهِ) أَي لنَفس الشَّيْء وذاته فَيُقَال (لَا يَنْبَغِي لمثلك) كَذَا: أَي لَك، قَالَ الله تَعَالَى - {فَإِن آمنُوا} - (بِمثل مَا آمنتم بِهِ) أَي بِمَا آمنتم بِهِ: وَهُوَ الْقُرْآن وَدين الْإِسْلَام، فَالْمَعْنى لَيْسَ كذاته شَيْء (وَتَمَامه) أَي تَمام هَذَا الْجَواب (باشتراك) لفظ (مثل) بَين النَّفس والتشبيه
إِذْ لَا ريب فِي كَونه حَقِيقَة فِي التَّشْبِيه، فَإِن كَانَ حَقِيقَة فِي النَّفس أَيْضا ثَبت الِاشْتِرَاك (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي النَّفس حَقِيقَة بل كَانَ مجَازًا (ثَبت نقيض مطلوبهم) أَي الظَّاهِرِيَّة، وَهُوَ وجود الْمجَاز فِي الْقُرْآن (وَهُوَ) أَي الِاشْتِرَاك (مَمْنُوع) أَي غير وَاقع عَدمه وَالْمجَاز أولى مِنْهُ (وَتارَة) بِأَن لَيْسَ كمثله شَيْء (حَقِيقَة) على أَن الْكَاف بِمَعْنى مثل وكل مِنْهُمَا غير زَائِد (إِمَّا لنفي مثل مثله وَيلْزمهُ) أَي وَيلْزم (نفي) مثل (مثله وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يلْزمه (تنَاقض لِأَنَّهُ) تَعَالَى (مثل مثله) تَوْضِيحه أَنه على تَقْدِير نفي مثل مثله لَو تحقق مثله لزم اجْتِمَاع النقيضين: انْتِفَاء وجود مثل الْمثل، وَوُجُود مثل الْمثل، أما الأول فَلِأَنَّهُ الْمَنْطُوق الْمَدْلُول لقَوْله - {لَيْسَ كمثله} - وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مَوْجُود وَهُوَ مثل مثله الْمَفْرُوض وجوده (وللزوم التَّنَاقُض) على تَقْدِير أَن لَا يلْزمه نفي مثله (انْتَفَى ظُهُوره) أَي ظُهُور نفي مثل مثله) (فِي إِثْبَات مثله) دفع لما قيل من أَنه يلْزم على تَقْدِير كَون الْكَاف بِمَعْنى الْمثل إِثْبَات الْمثل من حَيْثُ دلَالَة اللَّفْظ ظَاهر إِذْ لَا يَنْفِي عَادَة نَظِير الشَّيْء الا اذا كَانَ ذَلِك الشئ مَعْلُوم الْوُجُود، وَإِنَّمَا جعل دلَالَته ظَاهرا لَا نصا لجَوَاز عقلا نفى نَظِير الشئ مَعَ كَون ذَلِك الشَّيْء مَعْدُوما (وَبِه) أَي بِلُزُوم التَّنَاقُض على تَقْدِير وجود الْمثل مَعَ نفي الْمثل (ينْدَفع دَفعه) أَي دفع هَذَا الْجَواب الْقَائِل أَن الْكَاف بِمَعْنى الْمثل، وَلَيْسَ زَائِدا والدافع ابْن الْحَاجِب (باقتضائه) أَي الْجَواب الْمَذْكُور: وَهُوَ صلَة الدّفع (إِثْبَات الْمثل فِي مقَام نَفْيه) أَي نفي الْمثل (و) إِذْ قد عرفت أَن لُزُوم التَّنَاقُض صرف عَن حمل التَّرْكِيب على إِثْبَات الْمثل بِهِ ينْدَفع (ظُهُوره) أَي ظُهُور لَيْسَ كمثله على تَقْدِير كَون الْكَاف بِمَعْنى الْمثل (فِيهِ) أَي فِي إِثْبَات الْمثل (وَجعل هَذَا) الدّفع (مُرَتبا على الْجَواب الأول) كَون الْمثل بِمَعْنى الذَّات على مَا وَقع فِي حَوَاشِي الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (سَهْو) لِأَن نفي مثل ذَاته لَا يَقْتَضِي إِثْبَات الْمثل فِي مقَام نَفْيه (وَأما لنفي شبه الْمثل) مَعْطُوف على قَوْله: أما لنفي مثل مثله لَا فرق بَينهمَا بِاعْتِبَار إِرَادَة الْمثل من الْكَاف لَكِن الثَّانِي اعْتبر فِيهِ الْمَعْنى الكوني وَحَاصِله أَنه تَارَة ينْسب إِلَى مثل الشَّيْء أَمر إِذا نظرت فِيهِ وجدته أليق انتسابا إِلَى ذَلِك الشَّيْء فَيكون الحكم بِهِ على الْمثل كِنَايَة عَن الحكم بِهِ على ذَلِك الشَّيْء كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فينتفى الْمثل بِأولى) أَي بطرِيق أولى (كمثلك لَا يبخل) فَإِن مثله من حَيْثُ أَنه مثله إِذا انْتَفَى عَنهُ الْبُخْل كَانَ ذَاته أولى بانتفائه، وَهَهُنَا إِذا فرض لذاته المقدسة نَظِير تَعَالَى شَأْنه كَانَ ذَلِك الْمَفْرُوض عديم النظير، فَكيف يتَصَوَّر أَن لَا يكون هُوَ تَعَالَى عديم النظير (وَلَا شكّ أَن اقْتِضَاء شبه صفته انْتِفَاء الْبُخْل) إِنَّمَا أضَاف اقْتِضَاء انْتِفَاء الْبُخْل إِلَى شبه صفته، لَا إِلَى شبهه كَمَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر، لِأَن الْبُخْل الْمَنْفِيّ عَن شبهه إِنَّمَا هُوَ مُقْتَضى صفة كَمَال فِي ذَات الْمُشبه وَتلك الصّفة شَبيهَة صفة من قصد انْتِفَاء بخله أَصَالَة فَافْهَم (أولى) خبر أَن (مِنْهُ)
أَي من قصد اقْتِضَاء شبه صفته انْتِفَاء الْبُخْل (اقْتِضَاء صفته) انْتِفَاء الْبُخْل، وَقَوله اقْتِضَاء فَاعل أولى، هَذَا على رَأْي بعض النُّحَاة، وَأما على رَأْي الْأَكْثَر، فَالْخَبَر الْجُمْلَة اقْتِضَاء صفته مُبْتَدأ وَأولى خَبره أَو الْعَكْس كَمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ (لَكِن لَيْسَ مِنْهُ) أَي من بَاب مثلك لَا يبخل (مَا نَحن فِيهِ من نفي مثل الْمثل) لينتفي الْمثل، كلمة من لبَيَان الْمَوْصُول (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يكون مَا نَحن فِيهِ من ذَلِك الْبَاب (لم يَصح نفي مثل لِثَابِت) مُتَعَلق بِمثل الثَّانِي: أَي لشخص ثَابت لَهُ مثل فَاعل ثَابت وَاحِد فضلا عَن الْأَكْثَر لكنه: أَي نفي مثل لما هُوَ ثَابت (لَهُ مثل وَاحِد لكنه) أَي نفي مثل هُوَ لما ثَابت لَهُ مثل (صَحِيح فَإِذا قيل لَيْسَ مثل مثل زيد أحد) اسْم لَيْسَ قدم عَلَيْهِ خَبره (اقْتضى ثُبُوت مثل لزيد) وَلقَائِل أَن يَقُول يجوز أَن يكون لَيْسَ كمثله من قبيل مثلك لَا يبخل وَلَا يلْزم مِنْهُ عدم صِحَة نفي مَا ذكره لجَوَاز أَن يسْتَعْمل لَيْسَ مثل مثله تَارَة لنفي الْمثل وَتارَة لنفي مثل الْمثل مَعَ وجود الْمثل وَيتَعَيَّن كل مِنْهُمَا بِحَسب الْقَرَائِن، فَفِي مثلك لَا يبخل الْعلم بِوُجُود الْمثل حَاصِل، والقرينة دَالَّة على أَن المُرَاد نفي الْبُخْل عَمَّن أضيف إِلَيْهِ الْمثل بطرِيق أولى، فَعِنْدَ اسْتِعْمَال لَيْسَ كمثله إِن كَانَ الْعلم بِوُجُود الْمثل حَاصِلا لم يكن المُرَاد نفي الْمثل بطرِيق أولى، وَإِن لم يعلم وجود الْمثل وَكَانَ سوق الْكَلَام لنفي الْمثل كَانَ المُرَاد نَفْيه بطرِيق أولى، نعم يتَّجه أَن يُقَال هَذَا التَّأْوِيل وَإِن جَازَ على سَبِيل التَّكْلِيف، لَكِن الْمُتَبَادر من اللَّفْظ نفي مثل الْمثل مَعَ وجود الْمثل كَمَا لَا يخفى على من لَهُ ذوق الْعَرَبيَّة، وسيشير إِلَيْهِ (وَصرف) مَا حققناه من أَن مُقْتَضى لَيْسَ مثل زيد ثُبُوت مثل لزيد وَأَنه يسْتَلْزم ثُبُوت زيد أَيْضا (لُزُوم التَّنَاقُض) اللَّازِم من نفي مثل مثله على مَا بَيناهُ (إِلَى نفي مثل) آخر (غير زيد) أَي صرف مَا ذكر انصراف النَّفْي عَمَّا يسْتَلْزم التَّنَاقُض من نفي مُطلق مثل الْمثل إِلَى نفي الْمثل الْخَاص (فَلم يتحد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات) فَمحل النَّفْي مثل الْمثل الذى غير زيد، وَمحل الْإِثْبَات مثل الْمثل الَّذِي هُوَ زيد، وَيحْتَمل أَن يكون لُزُوم التَّنَاقُض فَاعل صرف، الْمَعْنى صَار لُزُوم التَّنَاقُض الْمَذْكُور قرينَة صارفة لحمل النَّفْي عَن الْإِطْلَاق إِلَى التَّخْصِيص (وَهُوَ) أَي الصّرْف الْمَذْكُور (أظهر من صرفه) أَي من صرف لُزُوم التَّنَاقُض (السَّابِق) أَي الَّذِي سبق ذكره القَوْل الْمَذْكُور، يَعْنِي لَيْسَ كمثله (عَن ظُهُوره) أَي القَوْل الْمَذْكُور (فِي إِثْبَات الْمثل) إِلَى نفي الْمثل مُطلقًا (لأسبقية هَذَا) أَي إِثْبَات الْمثل إِلَى الْفَهم (من التَّرْكِيب) الْمَذْكُور غير أَن الصّرْف السَّابِق بِهِ يفتح جَوَاب الظَّاهِرِيَّة وَهَذَا يُبطلهُ كَمَا لَا يخفى (فَالْوَجْه ذَلِك الدّفع) أَي دفع دفع ابْن الْحَاجِب كَون التَّرْكِيب لنفي مثل مثله وَيلْزمهُ نفي مثله باقتضائه إِثْبَات الْمثل فِي مقَام نَفْيه بِجعْل لُزُوم التَّنَاقُض قرينَة صارفة عَن ظُهُور التَّرْكِيب فِي إِثْبَات الْمسند.