الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَون الْوَاجِب أَحدهمَا بِعَيْنِه (مَحل النزاع) فَلَا يثبت إِلَّا بدليله وَمَا ذكر لَا يصلح دَلِيلا (إِنَّمَا ذَاك) أَي وجوب أَحدهمَا بِعَيْنِه فِي الْمصلى (عِنْد التَّضْيِيق) فِي الْوَقْت بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُ إِلَّا مَا يَسعهَا وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ (وَفِي البديع) فِي جَوَاب القَاضِي (لَو كَانَ الْعَزْم بَدَلا) عَن الصَّلَاة (سقط بِهِ) أَي الْعَزْم (الْمُبدل) وَهُوَ الصَّلَاة (كَسَائِر الأبدال) كالمسح وَغَيره وَلَيْسَ كَذَلِك (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا (منع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم سُقُوط الْمُبدل مُطلقًا بالإتيان بِالْبَدَلِ مُطلقًا لجَوَاز أَن يكون الْبَدَل بَدَلا من كل وَجه، فَلَا نقُول أَن الْعَزْم بدل عَن الصَّلَاة من كل وَجه فَلَا يلْزم سُقُوطهَا مُطلقًا (بل اللَّازِم سُقُوط وُجُوبهَا فِي ذَلِك الْوَقْت والبدلية لَيست إِلَّا فِي هَذَا الْقدر) أَي فِي سُقُوط الْوُجُوب فِي ذَلِك الْوَقْت فَيسْقط الْوُجُوب فِيهِ بالعزم فِيهِ على الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال كَمَا يسْقط بالإتيان بِالصَّلَاةِ فِيهِ، قيل وَأَيْضًا هُوَ لم يَجْعَل الْعَزْم وَحده بَدَلا بل الْعَزْم مَعَ الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال، فمجرد الْعَزْم لَا يُوجب السُّقُوط (بل الْجَواب) عَن القَاضِي (أَن الْكَلَام فِي الْوَاجِب بِالْوَقْتِ وَلَا تعلق لوُجُوب الْعَزْم بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ (بل وجوب الْعَزْم على فعل كل وَاجِب) موسعا كَانَ أَو مضيقا إِجْمَالا عِنْد الِالْتِفَات إِلَيْهِ إِجْمَالا وتفصيلا عَن التَّفْصِيل حكم (من أَحْكَام الْإِيمَان) يثبت مَعَ ثُبُوت الْإِيمَان سَوَاء دخل الْوَقْت الْوَاجِب أَو لَا، فَهُوَ وَاجِب مُسْتَمر قبل وُجُوبه وَمَعَهُ بِحَسب الِالْتِفَات إِلَيْهِ ليتَحَقَّق التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ الإذعان وَالْقَبُول غير مُخْتَصّ بِالصَّلَاةِ وَلَا بدلية عَنْهَا (هَذَا، وَلَا يبعد أَن مَذْهَب القَاضِي أَن الْوَاجِب بأوّل الْوَقْت الصَّلَاة أَو الْعَزْم على فعلهَا) أَي الصَّلَاة (بعده) أَي أوّل الْوَقْت (فِيهِ) أَي الْوَقْت (كَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن الْمُتَكَلِّمين) فِي برهَان إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالَّذِي أرَاهُ أَنهم لَا يوجبون تَجْدِيد الْعَزْم فِي الْجُزْء الثَّانِي، بل يحكم بِأَن الْعَزْم الأوّل ينسحب على جَمِيع الْأَزْمِنَة الْمُسْتَقْبلَة: كانسحاب النِّيَّة على الْعِبَادَة الطَّوِيلَة (إِلَّا أَن كل جُزْء يلْزم فِيهِ الْفِعْل أَو الْعَزْم المستلزم لاستصحاب الْعَزْم من أول الْوَقْت إِلَى آخِره لِأَنَّهُ بعيد) قَالَ الشَّارِح: لِأَن أحد لَا يَقُول بِأَن الْعَزْم فِي الْجُزْء الْأَخير كَاف، ثمَّ نقل عَن القَاضِي أَن هَذَا التَّخْيِير عِنْده فِي غير الْجُزْء الْأَخير، أما فِي الْجُزْء الْأَخير فَيتَعَيَّن الْفِعْل قطعا انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن سَبَب الْبعد مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله لَا أَن كل جُزْء إِلَى قَوْله المستلزم إِلَى آخِره وَهُوَ ظَاهر.
مسئلة
(تثبت السَّبَبِيَّة لوُجُوب الْأَدَاء) فِي الْوَاجِب البدني (بأوّل الْوَقْت موسعا كَمَا ذكرنَا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق فِي تَفْسِير سببيته للْوُجُوب الموسع من قَوْله بِمَعْنى أَنه عَلامَة على تعلق وجوب الْفِعْل مُخَيّرا فِي أَجزَاء زمَان مُقَدّر يَقع أَدَاء فِي كل مِنْهَا (عِنْد الشَّافِعِيَّة بِخِلَاف الماليّ ليثبت بالنصاب)
أَي بِملكه (وَالرَّأْس) الَّذِي يمونه ويلي عَلَيْهِ على قَول (أَو الْفطر) أَي غرُوب الشَّمْس آخر يَوْم من رَمَضَان على الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَالدّين) الْمُؤَجل إِلَى وَقت معِين (أصل الْوُجُوب) لِلزَّكَاةِ وَصدقَة الْفطر وتفريغ الذِّمَّة (وَتَأَخر وجوب الْأَدَاء) إِلَى تَمام الْحول وطلوع فجر أول يَوْم من شَوَّال وحلول الْأَجَل (بِدَلِيل السُّقُوط) لهَذِهِ الْأَشْيَاء عَن الْمُكَلف (بالتعجيل) لَهَا (وَهُوَ) أَي سُقُوطهَا (فرع سبق الْوُجُوب) لَهَا (و) فرع (تَأَخّر وجوب الْأَدَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة كَذَلِك) أَي قَائِلُونَ بانفصال الْوُجُوب عَن وجوب الْأَدَاء (فِي البدني أَيْضا) كَمَا فِي المالي (فَثَبت بِالْأولِ) من أَجزَاء الْوَقْت (أصل الْوُجُوب فَيعْتَبر حَال الْمُكَلف فِي) الْجُزْء (الْأَخير) من الْوَقْت (من الْحيض) بَيَان لحاله (وَالْبُلُوغ) يرد عَلَيْهِ أَن قَوْله فَيثبت بِالْأولِ أصل الْوُجُوب إِن أَرَادَ بِهِ ثُبُوته بِشَرْط أَن يكون أَهلا لَهُ لزم وجود الْبَالِغ فِي الْجُزْء الأول بِلَا معنى لاعْتِبَار حَاله فِي الْجُزْء الْأَخير من حَيْثُ الْبلُوغ، وَإِن لم يكن أَهلا لزم إِثْبَات الحكم بِدُونِ الْأَهْلِيَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَقُول بأهلية الصَّبِي الْمُمَيز لوُجُوب الصَّلَاة كَمَا قيل فِي حق وجوب أصل الْإِيمَان، وَفِيه تَأمل (وَالسّفر وأضدادها) أَي الطَّهَارَة وَالصبَا وَالْإِقَامَة (فَلَو كَانَت طَاهِرَة أول الْوَقْت فَلم تصل حَتَّى حَاضَت آخِره لَا قَضَاء) عَلَيْهَا سَوَاء كَانَ الْبَاقِي مَا يسع الصَّلَاة أَو تحريهما فَقَط. وَقَالَ زفر: إِن بَقِي مَا يَسعهَا لَا قَضَاء وَإِلَّا فعلَيْهَا الْقَضَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي إِن أدْرك من عرض لَهُ أحد هَذِه الْعَوَارِض يَعْنِي الْحيض وَالنّفاس وَالْجُنُون وَنَحْوهَا قبل عروضها أخف مَا يُمكنهُ فعله وَجب وَإِلَّا فَلَا (وَفِي قلبه) أَي فِيمَا إِذا كَانَت حَائِضًا أول الْوَقْت ثمَّ طهرت آخِره (قلبه) أَي قلب نفي الْقَضَاء وَهُوَ الْقَضَاء. قَالَ الشَّارِح لَو كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت قدر مَا يسع التَّحْرِيمَة عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة إِذا كَانَ حَيْضهَا عشرَة أَيَّام فَإِن كَانَ أقل وَالْبَاقِي قدر الْغسْل مَعَ مقدماته كالاستقاء وخلع الثَّوْب والستر عَن الْأَعْين والتحريمة فعلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا انْتهى. وَقَالَ زفر لَا يثبت الْوُجُوب مَا لم يدْرك مَا يسع جَمِيع الْوَاجِب وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا زَالَ الْكفْر وَالْجُنُون وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر التَّحْرِيمَة يجب عِنْد الثَّلَاثَة وَلَا يجب عِنْد زفر. وَقَالَ الشَّافِعِي يجب إِذا زَالَت هَذِه الْعَوَارِض وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة (وَلَا يُنكرُونَ) أَي الْحَنَفِيَّة (إِمْكَان ادِّعَاء الشَّافِعِيَّة) أَي أَن مَا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيَّة من أَن الْوَقْت سَبَب لوُجُوب الْأَدَاء موسعا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور أَمر مُمكن يصلح للاعتبار، و (لَكِن ادعوهُ) أَي لَكِن الْحَنَفِيَّة يدعونَ كَونه (غير وَاقع بِدَلِيل وجوب الْقَضَاء على نَائِم) استغرق نَومه (كل الْوَقْت) من الْجُزْء الأول إِلَى الْجُزْء الْأَخير (وَهُوَ) أَي وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ (فرع وجود) أصل (الْوُجُوب) عَلَيْهِ إِذْ وجوب الْقَضَاء فرع كَون الأَصْل وَاجِبا، أَلا ترى أَن من حدث لَهُ أَهْلِيَّة بعد مُضِيّ الْوَقْت بِإِسْلَام أَو بُلُوغ لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء إِجْمَاعًا، وَقد يفرق بَينهمَا مَعَ قطع النّظر عِنْد
وجود الْوُجُوب بِوُجُوب الْأَهْلِيَّة فِي النَّائِم دونهمَا وَلَا سَبِيل إِلَى القَوْل بِوُجُوب الْأَدَاء على النَّائِم الْمَذْكُور اتِّفَاقًا، إِذْ النَّائِم لَا يصلح للخطاب فَكيف يطْلب مِنْهُ أَدَاء الْفِعْل مُنجزا أورد عَلَيْهِ أَن وجوب الْقَضَاء بِالنَّصِّ ابْتِدَاء لما صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم " فَإِذا نسى أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا " وَأجِيب بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَا مَا روى فِيهِ شَرَائِط الْقَضَاء كنية الْقَضَاء وَغَيرهَا وَدفع بِأَن عِنْد الحضم لَا فرق بَين الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي النِّيَّة لَا فِي الصَّلَاة وَلَا فِي الصَّوْم بل يحْتَاج إِلَى أَن يَنْوِي مَا عَلَيْهِ فيهمَا (وَلَا اعْتِبَار بقول من جعله) أَي الْقَضَاء الْمَذْكُور (أَدَاء مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة. قَالَ فَخر الْإِسْلَام: النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ إِذا مر عَلَيْهِمَا جَمِيع وَقت الصَّلَاة وَجب الأَصْل وتراخى وجوب الْأَدَاء وَالْخطاب انْتهى، فَإِذا لم يجب الْأَدَاء فِي الْوَقْت لَا يتَحَقَّق بعده الْقَضَاء إِذْ هُوَ فرع وجوب الْأَدَاء فِيهِ (والاتفاق على انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء عَلَيْهِ) أَي النَّائِم الْمَذْكُور، وَفِي الْكَشْف الْأَدَاء نَوْعَانِ: أَحدهمَا مَا يكون الْمَطْلُوب فِيهِ نفس الْفِعْل فيأثم بِتَرْكِهِ وَلَا بُد فِيهِ من سَلامَة الْآلَات والأسباب، وَالثَّانِي مَا يكون الْمَطْلُوب فِيهِ خَلفه لَا نَفسه، وَهُوَ الْقَضَاء مَبْنِيّ على وجوب الْأَدَاء بِالْمَعْنَى الثَّانِي والمتفق على انتفائه وُجُوبه بِالْمَعْنَى الأول وَلَا يخفى عَلَيْك أَن أصل الْوُجُوب غير هَذَا: إِذْ لَيْسَ فِيهِ تعرض للْأَدَاء بِأحد النَّوْعَيْنِ فَتَأمل. وَفِي التَّلْوِيح لقَائِل أَن يمْنَع عدم الْخطاب، وَإِنَّمَا يلْزم اللَّغْو لَو كَانَ مُخَاطبا بِأَن يفعل فِي حَالَة النّوم مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مُخَاطب بِأَن يفعل بعد الانتباه، وَالْعجب أَنهم جوزوا خطاب الْمَعْدُوم بِنَاء على أَن الْمَطْلُوب صُدُور الْفِعْل حَالَة الْوُجُوب. وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة من شَرط وجوب الْأَدَاء الْقُدْرَة الممكنة إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط وجودهَا عِنْد الْأَمر: بل عِنْد الْأَدَاء فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى النَّاس كَافَّة، وَصَحَّ أمره فِي حق من وجد بعده ويلزمهم الْأَدَاء بِشَرْط أَن يبلغهم ويتمكنوا من الْأَدَاء انْتهى. وَهَذَا لَا يُنَافِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور، لِأَن المُرَاد مِنْهُ انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء تنجيزا، وجوازه إِنَّمَا هُوَ وُجُوبه تَعْلِيقا فَإِن قلت الْمَعْدُوم والنائم مَعَ قطع النّظر عَن عدم قابليتهما بالإتيان بالمأمور بِهِ لَا يفهمان الْخطاب، فَلَا يخاطبان بِالْخِطَابِ التعليقي أَيْضا قلت يفهمان فِيمَا بعد، وَإِن لم يفهما فِي زمن الْخطاب فَتَأمل، وَفِي الْخُلَاصَة وَالْمُخْتَار أَن النَّائِم الْمَذْكُور عَلَيْهِ الْقَضَاء وَنَقله عَن أبي حنيفَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قَول من جعله أَدَاء غير مُعْتَبر بِأَن يَجْعَل وُجُوبه ابْتِدَاء (كَانَ الْوُجُوب مُطلقًا لَا موقتا) وَقد قَالَ تَعَالَى - {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} -، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى وَإِن لم ينتف وجوب الْأَدَاء بِأَن يجب الْأَدَاء فِي أول الْوَقْت كَانَ ذَلِك الْوُجُوب غير موقت، لِأَن الْمَفْرُوض استغراق النّوم الْوَقْت، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ وجوب الْأَدَاء فِي وَقت مَا فَتدبر (وَكَذَا صِحَة صَوْم الْمُسَافِر عَن الْعرض) أَي فرض رَمَضَان
(فرع الْوُجُوب عَلَيْهِ) أَي على الْمُسَافِر لعدم وُقُوع مَا لَيْسَ بِفَرْض عَن الْفَرْض، وعَلى تقدري عدم الْوُجُوب يلْزم عدم فرضيته (وَعدم إثمه) أَي الْمُسَافِر (لَو مَاتَ بِلَا أَدَاء) الصَّوْم (فِي سَفَره) الَّذِي أفطر فِيهِ، وَقَوله عدم إثمه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَعنِي دَلِيل عدم وجوب الْأَدَاء عَلَيْهِ والقرينة قَوْله وَكَذَا، تَوْضِيحه انه ذكر فِيمَا سبق أَمريْن: أَحدهمَا دَلِيل سبق الْوُجُوب وَهُوَ وجوب الْقَضَاء على النَّائِم الْمَذْكُور، وَالثَّانِي دَلِيل انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء وَهُوَ الِاتِّفَاق، أَو كَونه موقتا على مَا ذكر، وَهَهُنَا ذكر أَمريْن: أَحدهمَا دَلِيل سبق الْوُجُوب وَهُوَ صِحَة صَوْمه عَن الْفَرْض، وَالثَّانِي دَلِيل عدم وجوب الْأَدَاء، وَهُوَ عدم الْإِثْم فالمشبه والمشبه بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله، وَكَذَا مَجْمُوع الْأَمريْنِ (وصرحوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بِأَن لَا طلب فِي اصل الْوُجُوب، بل هُوَ) أَي أصل الْوُجُوب (مُجَرّد اعْتِبَار من الشَّارِع أَن فِي ذمَّته) أَي الْمُكَلف (جبرا الْفِعْل) فَقَوله الْفِعْل اسْم أَن، وَفِي ذمَّة خَبَرهَا وَهِي مَعَ اسْمهَا وخبرها مفعول اعْتِبَار، وجبرا نصب على الْمصدر: أَي جبر الْمُكَلف على شغل الذِّمَّة جبرا (كالشغل بِالدّينِ) أَي شغل ذمَّته كشغلها بدين النَّاس فِي أَن كلا مِنْهُمَا اعْتِبَار شَرْعِي (وَهُوَ) أَي الدّين (فعل عِنْد أبي حنيفَة) هُوَ تمْلِيك المَال أَو تَسْلِيمه: إِذْ يُوصف بِالْوُجُوب وَهُوَ صفة الْأَفْعَال، وَمعنى أَو فِي الدّين، أَتَى بِهَذَا الْفِعْل: أَي تمْلِيك المَال أَو تَسْلِيمه، وَمعنى قَوْله عَليّ ألف وَاجِبَة وَاجِب أَدَاؤُهَا (وَقد يشكل المذهبان) مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (بِأَن الْفِعْل) أَي فعل الْمُكَلف لقصد أَدَاء مَا فِي الذِّمَّة بعد أصل الْوُجُوب قبل وجوب الْأَدَاء (بِلَا) سبق (طلب كَيفَ يسْقط الْوَاجِب وَهُوَ) أَي الْوَاجِب إِنَّمَا يكون وَاجِبا (بِالطَّلَبِ والسقوط) إِنَّمَا يكون (بتقدمه) أَي الطّلب أَيْضا (وَقصد الِامْتِثَال) وَهُوَ إِنَّمَا يكون (بِالْعلمِ بِهِ) أَي بِالطَّلَبِ، فإسقاط الْوَاجِب يستدعى سبق الطّلب من الْوُجُوه الثَّلَاثَة فَكيف تثبته الْحَنَفِيَّة بِمُجَرَّد سبق الْوُجُوب الْخَالِي عَن الطّلب 0 وَالشَّافِعِيَّة إِن أرادوه) أَي أَرَادوا نفس الْوُجُوب فِي مَحل أثبتوه مَا أَرَادَ الْحَنَفِيَّة بِهِ (فَكَذَلِك) أَي ورد عَلَيْهِم مَا ورد على الْحَنَفِيَّة من أَنه إِسْقَاط قبل الطّلب (وَإِن دخله) أَي أصل الْوُجُوب (طلب) لأصل الْفِعْل، وَالْجُمْلَة معطوفة على قَوْله وصرحوا بِهِ إِلَى آخِره: فَهَذَا فرض لما يُقَابل مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمَا بَينهَا مُتَعَلق بالشق الأول (قُلْنَا لَا يعقل طلب فعل بِلَا طلب) أَدَائِهِ (و) بِلَا طلب (قَضَائِهِ لِأَنَّهُ) أَي الْفِعْل (إِمَّا مُطلق عَن الْوَقْت وَهُوَ) أَي الْمُطلق عَنهُ (مَطْلُوب الْأَدَاء فِي الْعُمر، أَو مُقَيّد بِهِ) أَي الْوَقْت (فَهُوَ مَطْلُوب الْأَدَاء فِيهِ) أى فى وقته الْمَحْدُود لَهُ (مُخَيّرا فِي الْأَجْزَاء) أى فِي ايقاعه فِي أى جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوَقْت (وَهُوَ) أَي الْوَاجِب (الموسع) فِيهِ وَهَذَا التَّوَسُّع قبل أَن يتضيق الْوَقْت (ثمَّ) يجب (مضيقا) بِغَيْر تَخْيِير مُوجب للسلعة وَذَلِكَ عِنْد ضيق الْوَقْت (وَقَول
الْحَنَفِيَّة يتضيق) الْوُجُوب (عِنْد الشُّرُوع) فِي الْفِعْل (وتقرر السَّبَبِيَّة للَّذي يَلِيهِ) الشُّرُوع (يلْزمه) أَي القَوْل الْمَذْكُور (كَون الْمُسَبّب هُوَ الْمُعَرّف للسبب، وَهُوَ) أَي كَون الْمُسَبّب هُوَ الْمُعَرّف للسبب (عكس) فِي (وَضعه) أَي الْمُسَبّب لِأَن شَأْنه أَن يكون مُعَرفا لَا مُعَرفا (و) عكس (وضع الْعَلامَة) لِأَن الْعَلامَة هِيَ الْمعرفَة لما هِيَ عَلامَة لَهُ كَمَا أَن السَّبَب هُوَ مَا يعرف للمسبب. وَفِي بعض النّسخ (ومفوتا لمقصودها) وَهِي مَا عَلَيْهِ الشَّارِح، وَقَالَ الظَّاهِر ومفوت وَلَيْسَ فِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمادي عَلَيْهَا هَذِه الزِّيَادَة، وَهُوَ أولى إِذْ لَيْسَ فِي تِلْكَ النُّسْخَة زِيَادَة فَائِدَة، أَو فسر مقصد الْعَلامَة بالتعريف لما هِيَ عَلامَة لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنى يفهم بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَة (وَبِه) أَي بِكَوْن الْمُسَبّب هُنَا هُوَ الْمُعَرّف للسبب (يصير) هَذَا القَوْل (أبعد من الْمَذْهَب المرذول) رذل ككرم وَعلم بِمَعْنى ذل، ورذله غَيره وأرذله عدَّة رذلة وَهُوَ (أَن التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل) لَا قبله (لقَولهم) أَي الْحَنَفِيَّة تَعْلِيل لبَيَان وجوب الْمَذْهَب المرذول (أَن الطّلب) الَّذِي هُوَ التَّكْلِيف (لم يسْبقهُ) أَي الْفِعْل (إِذْ لَا طلب فِي أصل الْوُجُوب كَمَا ذكرنَا) على مَا مر فِي قَوْله وصرحوا الخ (فَهُوَ) أَي أصل الْوُجُوب (السَّابِق) على الْفِعْل لَا طلبه إِذْ هُوَ مَعَ الْمُبَاشرَة، وَإِنَّمَا كَانَ أبعد لتَضَمّنه كَون التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل لُزُوم عكس وضع السَّبَب والعلامة (وَالْوَجْه أَن مَا أمكن فِيهِ اعْتِبَار وجوب الْأَدَاء بِالسَّبَبِ موسعا اعْتبر) وجوب أَدَائِهِ بذلك السَّبَب على الْوَجْه الْمَذْكُور (كَالدّين الْمُؤَجل يثبت بِالشغلِ) أَي شغل ذمَّة الْمَدْيُون بذلك الدّين (وجوب الْأَدَاء موسعا: أَي مُخَيّرا) فِي أَدَاء الدّين فِي أَي جُزْء شَاءَ من الْمدَّة المحدودة (إِلَى الْحُلُول) أَي حُلُول الْأَجَل (أَو) إِلَى (الطّلب بعده) أَي الْحُلُول (فيتضيق) فَإِن قلت أَن وجوب الْأَدَاء قد انْتقل عَن التَّوَسُّع إِلَى التَّضْيِيق بِمُجَرَّد حُلُول الْأَجَل فَمَا معنى حُدُوث التَّضْيِيق بعده الْمُسْتَفَاد من عطف الطّلب على الْحُلُول قلت هَذَا على تَقْدِير رضَا الدَّائِن بِالتَّأْخِيرِ عَن الْأَجَل (وكالثوب المطار) أَي الَّذِي أطارته الرّيح (إِلَى إِنْسَان يجب) أَدَاؤُهُ بِمَعْنى تَسْلِيمه للْمَالِك (كَذَلِك) أَي وجوبا موسعا (إِلَى طلب مَالِكه) فيتضيق حِينَئِذٍ (ومالا) يُمكن فِيهِ اعْتِبَار وجوب الْأَدَاء بِالسَّبَبِ موسعا (كَالزَّكَاةِ عِنْد الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُ لَو وَجب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا، فَأَما إِلَى الْحول فيتضيق، وَأما إِلَى آخر الْعُمر، وَالْأول) أَي وجوب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى الْحُلُول (فيتضيق مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَي وجوب الْأَدَاء (بعد الْحول على التَّرَاخِي على مَا اختاروه، وَكَذَا الثَّانِي) أَي وجوب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى آخر الْعُمر (لِأَن حَاصِلَة) أَنه (وَاجِب موسع من حِين الْملك إِلَى آخر الْعُمر فيضيع معنى اشْتِرَاط الْحول، نعم يتم) كَون الزِّيَادَة وَاجِبَة الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى الْحول (على) قَول (الْمضيق) للْوُجُوب (بالحول والمصرف) ثمَّ قَوْله