الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآلتين اقْتَضَت ثُبُوت مَا ثَبت بِالْمَاءِ فِي الصَّعِيد، كَذَلِك إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ اقْتَضَت أَن يرتب على التيميم مَا كَانَ يَتَرَتَّب على الْوضُوء من الطَّهَارَة الْحكمِيَّة إِلَى وجود الناقض بِمُقْتَضى الخلفية فَمَا الْفرق بَين الاعتبارين، وَالْجَوَاب أَنَّهَا إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ ثَبت ضَرُورَة الْحَاجة إِلَى إِسْقَاط الْفَرْض عَن الذِّمَّة مَعَ قيام الْحَدث كطهارة الْمُسْتَحَاضَة، وَيلْزمهُ عدم جَوَاز تَقْدِيمه على الْوَقْت وَعدم جَوَاز مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل بِخِلَاف مَا إِذا اعْتبرت بَين الآلتين، فَإِنَّهَا تثبت حِينَئِذٍ مُطلقَة يرْتَفع بِهِ الْحَدث وَيلْزمهُ جَوَاز مَا ذكر فَإِن قلت مَا السرّ فِي ثُبُوتهَا على وَجه الضَّرُورَة إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ دون الآلتين مَعَ اشْتِرَاك مَا يَقْتَضِي اعْتِبَار الضَّرُورَة، وَهُوَ قَوْله - {فَلم تَجدوا مَاء} - فِي الْوَجْهَيْنِ (قلت الضَّرُورَة الَّتِي اقتضاها القَوْل الْمَذْكُور اعتبرناها فيهمَا والضرورة الَّتِي هِيَ مَحل النزاع لَا يقتضيها القَوْل الْمَذْكُور، بل يقتضيها خُصُوصِيَّة الأَصْل وَاعْتِبَار الخلفية بَين الْفِعْلَيْنِ، بَيَان ذَلِك أَن التُّرَاب فِي حدّ ذَاته مغبر مَحْض لَا يحصل حِكْمَة الْأَمر بالتطهير وَهُوَ تَحْسِين الْأَعْضَاء فاللائق بِشَأْنِهِ أَن يكون الْحَاصِل بِهِ مجرّد إِبَاحَة الصَّلَاة كطهارة من بهَا الِاسْتِحَاضَة غير أَن للشارع ولَايَة أَن يَجْعَل طَهَارَته كَامِلَة مثل المَاء على خلاف قِيَاس الْعقل، فالشأن فِي معرفَة اعْتِبَار الشَّارِع، وَذَلِكَ بِقَرِينَة اعْتِبَار الخلفية، فَإِن اعتبرها بَين المَاء وَالتُّرَاب كَانَ ذَلِك عَلامَة إِعْطَائِهِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة لكَون أَصله مَعْرُوفا بالطهورية شرعا وعقلا، وَأَن اعتبرها بَين الْفِعْلَيْنِ كَانَ ذَلِك قرينَة إِعْطَائِهِ إِيَّاه مجرّد الْإِبَاحَة للصَّلَاة لعدم مَا هُوَ صَارف عَن اعْتِبَار مَا يَلِيق بِشَأْنِهِ من كَون الأَصْل مَعْرُوفا بِمَا ذكر حِينَئِذٍ (وَلَا بدّ فِي تَحْقِيق الخلفية من عدم الأَصْل) حَال انْتِقَال الحكم عَن الأَصْل إِلَى الْخلف إِذْ لَا معنى إِلَى الْمصير إِلَى الْخلف مَعَ وجود الأَصْل (و) من (إِمْكَانه) أَي الأَصْل لينعقد السَّبَب، ثمَّ بِالْعَجزِ عَنهُ يتحوّل الحكم عَنهُ إِلَى الْخلف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الأَصْل مُمكنا لأمر مَا (فَلَا أصل) أَي فَلَا يُوصف ذَلِك الْأَمر بِالْأَصَالَةِ لغيره، وَإِذ لَا أصل لَهُ (فَلَا خلف) أَي فَلَا يُوصف ذَلِك الْغَيْر بالخلفية عَنهُ، وَمن هُنَا لزم التَّكْفِير من حلف ليمسنّ السَّمَاء لِأَنَّهَا انْعَقَدت مُوجبَة للبرّ لَا مَكَان مسّ السَّمَاء فِي الْجُمْلَة، لِأَن الْمَلَائِكَة يصعدون إِلَيْهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صعد إِلَيْهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج إِلَّا أَنه مَعْدُوم عرفا وَعَادَة، فانتقل الحكم مِنْهُ إِلَى الْخلف الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَة، وَلم يلْزم من حلف على نفي مَا كَانَ، أَو ثُبُوت مَا لم يكن فِي الْمَاضِي لعدم إِمْكَان الأَصْل.
الْفَصْل الثَّالِث
فِي (الْمَحْكُوم فِيهِ) الْمَحْكُوم فِيهِ مُبْتَدأ وَقَوله (وَهُوَ) أَي الْمَحْكُوم فِيهِ (أقرب من الْمَحْكُوم
بِهِ) مُعْتَرضَة وَخَبره (فعل الْمُكَلف) يُرِيد أَن التَّعْبِير عَن فعل الْمُكَلف بالمحكوم فِيهِ أقرب من حَيْثُ الْمُنَاسبَة، وَأولى من التَّعْبِير عَنهُ بالمحكوم بِهِ كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة والبيضاوي وَغَيرهمَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: إِذا لم يحكم الشَّارِع بِهِ على الْمُكَلف، بل حكم فِي الْفِعْل بِالْوُجُوب، بِالْمَنْعِ، بِالْإِطْلَاقِ، وَالظَّاهِر أَن لَيْسَ مَنعه حكم بِهِ على الْمُكَلف وَلَا فِي إِطْلَاقه وَالْإِذْن فِيهِ، وَإِنَّمَا يخال ذَلِك فِي إِيجَابه، وَعند التَّحْقِيق يظْهر أَن لَيْسَ إِيجَابه: أَي إِيجَاب الشَّارِع فعله حكما بِنَفس الْفِعْل، وَلَو سلم كَانَ بِاعْتِبَار قسم يُخَالِفهُ أَقسَام (مُتَعَلق الْإِيجَاب) حَال من الْخَبَر (و) الْعَامِل معنوي (هُوَ الْوَاجِب) أَي يُسمى الْوَاجِب (لم يشتقوا لَهُ) أَي لفعله الْمَذْكُور (بِاعْتِبَار أَثَره) أَي الْإِيجَاب الْمُتَعَلّق بِهِ اسْما (إِلَّا اسْم الْفَاعِل) وَأما الْبَاقِي (فمتعلق النّدب وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة مفعول) اشتق لمتعلقها بِاعْتِبَار أَثَرهَا اسْم مفعول، وَهُوَ (مَنْدُوب مُبَاح مَكْرُوه و) اشتقوا (كلا) من اسْمِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول (لمتعلق التَّحْرِيم) فَقَالُوا هُوَ (حرَام محرّم تَخْصِيصًا بالاصطلاح فِي الأول) أَي وَقع تَخْصِيص فِي مُتَعَلق الْإِيجَاب بالاقتصار على اسْم الْفَاعِل (و) فِي (الْأَخير) يَعْنِي مُتَعَلق التَّحْرِيم بِأَن وَسعوا لَهُ فِي الِاشْتِقَاق لَا لغيره، وكل ذَلِك بمجرّد الِاصْطِلَاح، لَا لموجب اقْتضى ذَلِك (ورسم الْوَاجِب بِمَا) أَي فعل (يُعَاقب تَاركه) على تَركه، قَوْله رسم الْوَاجِب مُبْتَدأ خَبره (مَرْدُود بِجَوَاز الْعَفو) عَنهُ: أَي سَبَب الرّد أَنه لَيْسَ الْعقَاب من لوازمه لجَوَاز أَن يعفي عَنهُ فَلَا يُعَاقب (و) رسمه (بِمَا أوعد) بالعقاب (على تَركه، إِن أُرِيد) بِالتّرْكِ التّرْك (الأعمّ من ترك) مُكَلّف (وَاحِد أَو) ترك (الكلّ) أَي كلّ الْمُكَلّفين فِي تِلْكَ النَّاحِيَة (ليدْخل الْكِفَايَة) أَي الْوَاجِب كِفَايَة فِي التَّعْرِيف (لزم التوعد بترك وَاحِد فِي الْكِفَايَة) مَعَ فعل غَيره (أَو) أُرِيد بِهِ (ترك الكلّ خرج مَتْرُوك الْوَاحِد) فِي الْوَاجِب عينا أَن لم يبين حكمه (أَو) أُرِيد بِهِ تَركه (الْوَاحِد خرج الْكِفَايَة، وَأما ردّه) أَي التَّعْرِيف الْمَذْكُور (بِصدق إيعاده كوعده فيستلزم الْعقَاب) يَعْنِي أَن الْعُدُول عَن المعاقبة إِلَى الإيعاد الْمعبر عَنهُ بأوعد لَا يصحح التَّعْرِيف للُزُوم وُقُوع مُتَعَلق الإيعاد، فَلَا فرق فِي الْمَآل بَين قَوْلكُم يُعَاقب وقولكم أوعده الله بالعقاب على التّرْك، فَكَمَا أَن ذَلِك مَرْدُود بِجَوَاز الْعَفو كَذَلِك هَذَا (فيناقض تجويزهم الْعَفو) إِذا أوعد تَارِك الْوَاجِب مُطلقًا بالعقاب، وقلتم إيعاده يسْتَلْزم الْعقَاب، فَلم يبْق لجَوَاز الْعَفو مجَال (وَهُوَ) أَي هَذَا الردّ (بالمعتزلة أليق) لِاسْتِحَالَة الْخلف فِي وعيده تَعَالَى عِنْدهم، بِخِلَاف أهل السّنة، ثمَّ إِن التَّنَاقُض يلْزم من ظنّ كَون الإيعاد الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف مستلزما للعقاب فِي جَمِيع الْأَوْقَات (إِلَّا) وَقت (أَن يُرَاد) بالإيعاد الْمَذْكُور (إيعاد ترك وَاجِب الْإِيمَان) فَإِن الْخلف فِيهِ غير جَائِز قطعا لقَوْله تَعَالَى - (إِن الله لَا يغْفر أَن
يُشْرك بِهِ} - وَأما الإيعاد على ترك وَاجِب غَيره فَيجوز الْخلف فِيهِ لقَوْله تَعَالَى - {وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} -، وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَا يجوز أَن يُرَاد هَذَا الإيعاد الْخَاص من التَّعْرِيف إِذْ لَا دلَالَة للعام على الْخَاص بِوَجْه (فَلَا يبطل التَّعْرِيف إِلَّا بِفساد عَكسه بِخُرُوج مَا سواهُ) أَي مَا سوى وَاجِب الْإِيمَان، لَا بِخُرُوج كلّ وَاجِب، وَقَالَ الشَّارِح: إِن ظَاهر المواقف والمقاصد أَن الأشاعرة على جَوَاز الْخلف فِي الْوَعيد، لِأَنَّهُ يعدّ جودا وكرما لَا نقصا، وَإِن فِي غَيرهمَا الْمَنْع مِنْهُ معزوّا إِلَى الْمُحَقِّقين، فَإِن الشَّيْخ حَافظ الدّين نصّ على أَنه الصَّحِيح، وَأَن الْأَشْبَه أَن يُقَال بِجَوَازِهِ فِي حق الْمُسلمين خَاصَّة جمعا بَين الْأَدِلَّة انْتهى.
قلت والحقّ أَن من الْوَعيد مَا فِيهِ تفاصيل كَثِيرَة كتخاصم أهل النَّار وحكاية أسئلتهم وأجوبتهم وتقريعات الْمَلَائِكَة وَغَيرهم عَلَيْهِم وتأسفاتهم على مَا فاتهم من طلب الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا، فَعدم تحقق مثله مِمَّا يحيله الْعقل عَادَة إِذْ لَا يَلِيق بجنابه الْإِخْبَار عَن الْمُسْتَقْبل بِتِلْكَ التفاصيل من غير أَن يكون لَهُ مصداق، وَيُشبه أَن يكون تَجْوِيز مثل هَذَا الِاحْتِمَال من بَاب الْغرُور، وَإِنَّمَا يجوز الْخلف فِي مثل قَول الْملك لأَقْتُلَنك، وشتان بَينهمَا (وَأما) ردّ هَذَا التَّعْرِيف (بِأَن مِنْهُ) أَي الْوَاجِب (مَا لم يتوعد عَلَيْهِ) أَي على تَركه فَلَا يصدق عَلَيْهِ مَا أوعد على تَركه (فمندفع بِثُبُوتِهِ) أَي الإيعاد على التّرْك (لكلها) أَي الْوَاجِبَات (بالعمومات) أَي بالنصوص الْعَامَّة كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعدّ حُدُوده يدْخلهُ نَارا} {} (وَمن يعْمل مِثْقَال ذرّة شرّا يره} - (ورسم) الْوَاجِب أَيْضا (بِمَا يخَاف الْعقَاب بِتَرْكِهِ، وأفسد طرده) أَي كَون هَذَا التَّعْرِيف مَانِعا (بِمَا لَيْسَ بِوَاجِب) أَي لم يثبت وُجُوبه شرعا (وَشك فِي وُجُوبه) فَإِن الْمَشْكُوك فِي وُجُوبه يخَاف على تَركه لاحْتِمَال كَونه وَاجِبا فِي نفس الْأَمر فَيصدق عَلَيْهِ الحدّ دون الْمَحْدُود، لِأَن الْمُعَرّف مَا ثَبت وُجُوبه شرعا (وَيدْفَع) هَذَا الْإِفْسَاد (بِأَن مَفْهُومه) أَي مَا يخَاف الْعقَاب بِتَرْكِهِ (مَا) أَي فعل (بِحَيْثُ) يخَاف الْعقَاب بِتَرْكِهِ: يَعْنِي أَن هَذِه الْحَيْثِيَّة لَازِمَة لَهُ (فَلَا يختصّ) ذَلِك الْفِعْل (بخوف وَاحِد دون آخر) بِأَن يخَاف بعض النَّاس الْعقَاب بِتَرْكِهِ وَلَا يخَاف بعض آخر، بل يعمّ الْخَوْف كلّ أحد (وَلَا خوف للمجتهد فِي ترك مَا شكّ فِيهِ) بعد الِاجْتِهَاد، وَذَلِكَ ليأسه عَمَّا يُفِيد زَوَال الشَّك بعد بذل الوسع فَلَا يصدق التَّعْرِيف على الْمَشْكُوك فِي وُجُوبه لما عرفت من اعْتِبَار عُمُوم الْخَوْف فِيهِ (و) أفسد (عَكسه) أَي جامعية التَّعْرِيف الْمَذْكُور (بِوَاجِب) أَي بِمَا ثَبت وُجُوبه شرعا غير أَنه (شكّ فِي عدم وُجُوبه) فَإِن قلت الشَّك عبارَة عَن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ، فالشك فِي عدم الْوُجُوب شكّ فِي الْوُجُوب قلت الشَّك كَمَا قلت غير أَن الشُّبْهَة طارئة فِي الأول على أَمر ثَبت وُجُوبه بدليله، وَفِي الثَّانِي على أَمر ثَبت عدم وُجُوبه. فَعبر عَن كلّ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيق بِهِ