الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي
ابن الحاكم بأمر الله أبي علي منصور
أمه أم ولد تدعى رقية، ويقال اسمها آمنة بنت الأمير عبد الله بن المعز، وإن ست الملك سلطانة، أخت الحاكم، كانت تعادي آمنة هذه. ومولده بالقصر من القاهرة على مضي ثلاث ساعات من ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان، سنة خمس وتسعين وثلمثائة؛ وبويع بالخلافة في يوم عيد الأضحى سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وله من العمر ست عشرة سنة وثلاثة أشهر واتفق في هذا اليوم أن صلى للحاكم في خطبة العيد، ثم بويع الظاهر بعد عودة القاضي من المصلى، فكان بين الدعاء في الخطبة للحاكم وبين أخذ البيعة للظاهر ثلاث ساعات، ولم يتفق مثل ذلك.
وتوفي ببستان الدكة خارج القاهرة، في ليلة الأحد النصف من شعبان سنة سبع
وعشرين وأربعمائة، وعمره إحدى وثلاثون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام. ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيام، كانت فيها قصص وأنباء.
ذلك أنه لما فقد الحاكم استدعت السيدة ست الملك سيف الدولة حسين بن علي بن دواس الكتامي إلى حيث كانت جالسة وقالت له: المعول في قيام هذه الدعوة عليك، وهذا الصبي ولدك، وينبغي أن تتولى الخدمة إلى غاية وسعك وتبذل فيها كل ما عندك. فقبل الأرض وشكر ودعا، ووعد بالإخلاص في الطاعة، وبلوغ ما في القدرة والاستطاعة. فأخرجت علي بن الحاكم بأمر الله ولقبته الظاهر لإعزاز دين الله؛ وألبسته تاج المعز جد أبيه، وهو تاج مرصع بالجواهر الفاخرة، وجعلت على رأسه مظلة مرصعة. وأركبته فرسا رائعا بمركب ذهب مرصع، وأخرجت بين يديه الأمير الوزير رئيس الرؤساء خطير الملك أبا الحسن عمار بن محمد ونسيماً صاحب السيف، في عدة من الأستاذين تخدم. فلما برز وشوهد تقدم الوزير وصاح: يا عبيد الدولة، مولاتنا تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلموا عليه، فقبل ابن دواس الأرض ومرغ خديه بين يديه، وفعل ما يتلوه من سائر طبقات العسكر مثل ذلك؛ وضربت البوقات والطبول، وعلا الصياح بالتكبير والتهليل، والظاهر يسلم على الناس يمينا وشمالا. وفتحت أبواب القصر، وأدخل الناس على العموم حتى سلموا ومدحوا؛ ولم يزل واقفاً لهم إلى الظهر. ثم صرفوا وجمعوا من غد وأخذت البيعة عليهم، ووضع العطاء، وأطلق مال الفضل للجند كافة؛ ولم يجر خلاف من أحد، إلا أن غلاما تركيا كان يحمل الرمح بين يدي الحاكم قال لا أبايع حتى أعرف خبر مولاي؛ فأخذ وسحب على وجهه وغرق في النيل؛ وقامت الهيبة.
وكتب إلى بلاد الشام والمغرب بوفاة الحاكم وقيام الظاهر، ورسم لهم أخذ البيعة على نفوسهم ومن عندهم من سائر طبقات الناس. وأقيمت المآتم على الحاكم في القصور والقاهرة ثلاثة أيام. وجمعت السيدة عامة أهل مصر وخاطبتهم بالجميل والملاطفة، ووعدتهم حسن السيرة والمعاملة، وأمرتهم بذكر حوائجهم ومصالحهم في كل وقت، والمطالعة بحيف إن لحقهم من عامل أو ناظر ليفعل في ذلك ما توجبه السياسة العادلة. وأطلقت للنساء الخروج من منازلهن والتصرف في أمورهن. وارتجعت جواهر كان الحاكم وهبها، وحلت إقطاعا، أقطعها ورتبت الأمور ترتيبا أصلحها وهذبها.
وزارت ابن دواس في منزله، وجعلت مصادر التدبير على يده. فلما أحكمت ما أحكمته وأكدت ما أكدته، أحضرت ابن دواس وقالت له: قد علمت ما بيني وبينك من المواثيق والعهود، وأنا امرأة، وإنما أريد هذا الملك لهذا الصبي؛ وقد أحسن الله المعونة، وأجرى الأمور على المحبة، وأنت زعيم الدولة فيها والمنظور إليه منها؛ وقد رأيت أن أنجز وعدك وأظهره، وأرد إليك أمر السيادتين، مضافا إلى الشرطتين، وأجعل أمرك في الأمور والخزائن نافذا، ورأيك في التقريرات والتدبيرات معتمدا، إذ كنت المولى المخلص والشريك المخالط؛ وأشرفك بخلع وحملان يظهر للخاص والعام بها موضعك ومحلك، وتخصصك وتحققك. فادخل الخزائن واختر كل ما تريد لفخامته ولجلالته، واطلب يوماً تختار لتفاض فيه عليك الخلع ويقرأ العهد بتقليدك. فلما سمع من ذلك ما سمع سر به وقبل الأرض شكرا عليه. وشاع هذا الحديث فركب الناس إليه وهنئوه بالنعم المتجردة له.
وأحضرت السيدة بعد ذلك كاتب ابن دواس وقالت له: قد تقدمنا إلى سيف الدولة بما عرفته، وبما اعتمد التخفيف فيما أطعمه أو وقف فيه دون الغاية التي نريدها، وينبغي لك أن تعمل أنت تذكرة بجميع ما يستوفي فيه شروط المنزلة التي قدمناه إليها، والحال
التي أهلناه لها، وتستظهر له لا عليه في ذلك، وتحضرها لنقف عليها وننجز ما فيها. فقبل الأرض وقال: السمع والطاعة. فقالت له واكتب أيضا رقعةً واذكر فيها مبلغ جاريك لنوقع بإضعافه، وقد أمرنا عاجلاً باعطائك ألف دينار وعشرين قطعةً ثياباً وبغلين بمركبين. فأعاد الشكر والدعاء، وصار إلى ابن دواس فأعلمه ما خوطب به وعومل به من حسن الاعتقاد فيه؛ فتضاعف سروره بذلك، ووافقه على ما كتب به التذكرة من الثياب، والسيوف المحلاة، والمناطق المرصعة، والدواب والمراكب الذهب الثقيلة، وغير ذلك من أسباب التشريفات الزائدة؛ وعاد الكاتب بها فعرضها، وتقدم باعداد جميع ما فيها، وكتب له العهد. وأحضر ابن دواس وبنو عمه وكاتبه، وامتلأ القصر بالخاصة والعامة، وخرج معضاد الخادم، وكان قريبا من السيدة، وهو أستاذ الظاهر، فحمل ابن دواس إلى الخزانة حتى يشاهد ما أعد له، وكان عظيما جليلا، وقال له: السيدة تقول لك إن أردت مزيدا فاطلبه، فقبل الأرض ودعا، وعاد فجلس في صفة على باب الستر ووجوه الدولة بين يديه، وكل منهم يتطأطأ له ويعطيه من نفسه كل ما يتقرب إليه به.
فلما تعالى النهار خرج نسيم الصقلبي صاحب الستر والسيف، وبين يديه مائة رجل تعرف بالسعدية، يختصون بركاب السلطان ويحملون سيوفا محلاة بين يديه، ويعرفون لأجلها بأصحاب سيوف الحلي؛ وقد جرت عادتهم في أيام الحاكم بأن يتولوا قتل من يؤمر بقتله. وقال لابن دواس: أمير المؤمنين يسلم عليك. فقام وقبل الأرض، وفعل الناس مثل ما فعله؛ وقال: قد جعل هؤلاء القوم يعني أصحاب السيوف برسمك إكراما لك وتنويها بك. فقبل الأرض ثلاثا ومرغ خديه، ودعا هو والحاضرون للظاهر بما يدعى لمثله به؛ ووقف القوم قياما بين يديه. فعاد نسيم فألقى ما جرى، فرسمت له السيدة أن يخرج ويضبط أبواب القصر بالخدم والصقالبة، ففعل. وقالت له بعد ذلك، اخرج وقف بين يدي ابن دواس وقل: يا عبيد مولانا، أمير المؤمنين يقول لكم هذا قاتل مولانا