الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة
في سابع المحرم قرىء سجل القاضي أبي محمد اليازوري بالوزارة، ولقب بالوزير الأجل المكين، سيد الوزراء، تاج الأصفياء، قاضي القضاة، وداعي الدعاة، علم المجد، خالصة أمير المؤمنين؛ وخلع عليه. فنظر في الوزارة وليس من أهلها، ولا من أرباب الكتابة، فمضى فيها مضي الجواد، ونهض مسرعاً نهوضا عز به في وجوه من تقدمه، مع ما بيده من قضاء القضاء، والدعوة، والنظر في ديوان السيدة. وكاتب ملوك الأطراف، فأجابوه، بوفور حقه، إلا معز الدولة بن باديس الصنهاجي صاحب إفريقية، فإنه قصر في المكاتبة عما كان يكاتب به من تقدم من الوزراء، فإنه كان يكاتب كلا منهم بعبده فجعل مكاتبته صنيعته. فاستدعى الوزير أبا القاسم ابن الإخوة، وكيل ابن باديس بمصر، وعتب صاحبه عنده، وقال: أن معزاً ينقصني عمن تقدمني؛ إذا لم أكن من أهل صناعة الكتابة، وإن لم أكن أوفى منهم فما أنا دونهم؛ ومن رفعه السلطان ارتفع وإن كان خاملاً، ومن وضع اتضع وإن كان جليلا نبيلاً؛ فاكتب إليه بما يرجعه إلى الصواب. فكتب إليه بذلك؛ وقد أذكى الوزير عليه عيونا يطالعونه بأنفاسه. فلما وقف على كتاب ابن الإخوة قال: ما الذي يريد مني هذا الفلاح؛ لا كنت عبده ولا كان؛ هذا
لا يكون أبدا، وما كتبت إليه فكثير. فطالعه عيونه بقوله؛ فأحضر ابن الإخوة وقال له: قد جرى صاحبك على عادته في الجهل، فاكتب إليه بما يردعه فيه، وإلا عرفته بنفسي إذ لم يعرفني. فكتب إليه بذلك، فأجاب بما هو أقبح من الأول. فدس إليه الوزير من تلطف في أخذ سكين دواته؛ فلما وصلت إليه أحضر ابن الإخوة وقال له: كنت أظن بصاحبك أن الذي حمله على ما كان منه ثروة الشبيبة، وقلة خبره بما تقضي به الأقدار، وأنه إذا نبه تنبه، فإذا الجهل مستول عليه، وظنه أن بعد المسافة بيننا وبينه يمنع من الانتصاف منه والوصول إليه بما يكره؛ وقد تلطفنا في أخذ سكين دواته، وها هي ذي، فأنفذها إليه وأعلمه أنا كما تلطفنا في أخذها أنا نتلطف في ذبحه بها. ودفعها إليه. فكتب ابن الإخوة بذلك، فازداد شراً وبطراً. فدس عليه من أخذ نعله، وكان يمشي في الأحذية السندية، فلما وصلت إليه أحضر ابن الإخوة وقال له: اكتب إلى هذا البربري الأحمق، وقل له إن عقلت وأحسنت أدبك، وإلا جعلنا تأديبك بهذه. فجرى على عادته في القول القبيح.
وفيها توسل ثمال بن صالح في الصفح عنه وأطلق المأسورين، وسعى في ذلك علي ين عياض قاضي صور؛ وسير ثمال زوجته علية بنت وثاب بن جعفر النميري وولده وثابا إلى القاهرة، ومعهما مال سنتين، أربعون ألف دينار. فقام اليازوري بأمرهم، فقبلهم المستنصر، وبالغ في الإحسان إليهم، وزاد في ألقاب ثمال وألقاب مقلد ابن عمه، ولقب قاضي صور عين الدولة.
وفيها ملك المستنصر حصن المنيعة بالشام.