الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ستين وأربعمائة
في المحرم خرج الأتراك مبرزين إلى الرملة حين قتل شهاب الدولة، وقد بلغت نفقه المستنصر فيهم ألف ألف دينار.
وفيه اشتد البلاء على المستنصر بقوة الأتراك عليه وطمعهم فيه، فانخرق ناموسه، وتناقصت حرمته، وقلت مهابته؛ وتعنتوا به في زيادة واجباتهم. وكانت مقرراتهم في كل شهر ثمانية وعشرين ألف دينار، فبلغت في هذه السنة إلى أربعمائة ألف دينار في كل شهر، فطالبوا المستنصر بالأموال.
وركب ناصر الدولة الحسين بن حمدان ومعه جماعة من قواد الأتراك، وحصروا المستنصر وأخذوا جميع الأموال، ثم اقتسموا الأعمال؛ وركبوا إلى دار الوزير ابن أبي كدينة يريدون الأموال، فقال: وأي مال بقى؟ الريف في يد فلان والصعيد في يد فلان والشام في يد فلان. فقالوا: لا بد أن تنفذ إلى مولانا وتطلب منه وتعلمه بحضورنا. فكتب الوزير إلى المستنصر رقعة يذكر فيها حضورهم بألقابهم وما يطلبون؛ فخرجت الرقعة بخط المستنصر فيها مكتوب:
أصبحت لا أرجو ولا أتّقي
…
إلا إلهي، وله الفضل
جدّي نبيّي، وإمامي أبي
…
وقولي التوحيد والعدل
المال إلى الله، والعبد عبد الله، والإعطاء خير من المنع. " وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ ينْقَلِبُون ". واعتذر بأنه لم يبق عنده شيء. فاضطروه إلى إخراج ذخائره وذخائر
آبائه وبيعها، فأخذ يخرج ذلك شيئا بعد شيء، وهم يأخذونها لأنفسهم بأيديهم ويثمنونها بأقل القيم وأبخس الأثمان.
وسار ابن حمدان بجماعة الأتراك إلى الصعيد يريد محاربة العبيد، وكان قد كثر شرهم وتزايد ضررهم، وعم الكافة أذاهم وإفسادهم؛ فاجتمعوا لحربه واستعدوا للغاية. فسار إليهم في شهر رمضان وقد بلغت النفقة عليه وعلى من معه ألف ألف دينار؛ وكانت بينهما حروب عظيمة ووقائع عديدة انجلت عن كسرة الأتراك وهزيمتهم إلى الجيزة. فتلاقى بعضهم ببعض وصاروا يداً واحدة على المستنصر، وألبوا عليه، واتهموه بأنه بعث إلى العبيد بالأموال في السر ليقويهم على محاربة الأتراك، وجهروا له بالسوء من القول فقال لهم إنه لم يبعث إليهم بشيء ولا أمدهم بمعونة. وأخذ الأتراك في لم شعثهم والتأهب لمحاربة العبيد، حتى تهيأ أمرهم بعد أن أنفق المستنصر فيهم عوضا عما نهب السودان لهم وضاع من أموالهم ألف ألف دينار. وساروا إلى قتالهم مرة ثانية، فالتقوا بهم وصابروهم القتال ووالوا عليهم الكرات حتى انهزم العبيد منهم، وقتل كثر من أعدادهم، بحيث لم ينج منهم إلا القليل، وزالت حينئذ دولتهم.
وعظم أمر ناصر الدولة واستبد بالأمور، فصرف ابن أبي كدينة من الوزارة وأعاد المليجي فلم يبق غير خمسة وصرف: وأعيد ابن أبي كدينة، وجمع له بين الوزارة والقضاء معاً في ربيع الأول، فأقام فيهما إلى جمادى الأولى؛ وصرف عن القضاء بجلال الملك، فأقيم في منصب القضاء إلى سلخ رمضان، فصرف عن القضاء بالمليجي. فأقام المليجي قاضيا إلى يوم عيد النحر، وصرف، وتولى ابن أبي كدينة.
وفيها كانت بدمشق حروب بين أمير الجيوش بدر وبين عسكريته، فكانت الحروب طول السنة في بلاد الشام وديار مصر قائمة لا تهدأ.
وسار الأمير قطب الدولة باز طغان إلى ولاية دمشق، ومعه أبو الطاهر حيدرة بن مختص الدولة أبي الحسين، ناظراً في أعمالها.
وفيها زلزلت مصر زلزلةً عظيمة، حتى طلع الماء من الآبار وهلك عالم عظيم تحت الردم. وزال البحر بفلسطين من الزلازل وبعد عن الساحل مسيرة يوم، ثم رجع فوق عالم كبير خرجوا يلتقطون من أرضه. وخربت الرملة خراباً لم تعمر بعده.
وفيها أنفق في غير استحقاق لمدة خمسة عشر شهراً، أولها عاشر صفر سنة ستين، مبلغ ثلاثين ألف ألف دينار.