الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وتسعين وثلثمائة
في سابع محرم قرئ سجل في الجوامع يأمر اليهود والنصارى بشد الزنار ولبس الغيار، وشعارهم بالسواد شعار الغاصبين العباسيين.
وفيه فحش كثير وقدح في حق الشيخين رضي الله عنهما.
وقرئ سجل في الأطعمة بالمنع من أكل الملوخية المحببة كانت لمعاوية بن أبي سفيان، والبقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة رضي الله عنها، والمتوكلية المنسوبة إلى المتوكل. وفيه المنع من عجن الخبز بالرجل، والمنع من أكل الدلنيس، والمنع من ذبح البقر التي لا عاقبة لها إلا في أيام الأضاحي، وما سواها من الأيام لا يذبح منها إلا ما لا يصلح للحرث.
وفيه التنكير على النخاسين والتشديد عليهم في المنع من بيع العبيد والإماء لأهل الذمة.
وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصلاة الظهر في أول الساعة السابعة، ويؤذن لصلاة العصر في أول الساعة التاسعة. وإصلاح المكاييل والموازين والنهي عن البخس فيهما، والمنع من بيع الفقاع وعمله ألبتة لما يؤثر عن علي رضي الله عنه من كراهة شرب الفقاع.
وضرب في الطرقات بالأجراس ونودي ألا يدخل الحمام أحد إلا بمئزر؛ وألا تكشف امرأة وجهها في طريق ولا خلف جنازة، ولا تتبرج. ولا يباع شيء من السمك بغير قشر،
ولا يصطاده أحد من الصيادين. وتتبعت الحمامات وقبض على جماعة وجدوا بغير مئزر فضربوا وشهروا.
وفيه برزت العساكر لقتال بني قرة وسارت.
وكتب في صفر على سائر المساجد، وعلى الجامع العتيق من ظاهره وباطنه في جميع جوانبه، وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر والصحراء بسب السلف ولعنهم، ونقش ذلك ولون بالأصباغ والذهب؛ وعمل كذلك على أبواب القياسر وأبواب الدور، وأكره على عمل ذلك. وأقبل الناس من النواحي والضياع فدخلوا في الدعوة، وجعل لهم يوم وللنساء يوم؛ فكثر الازدحام ومات في الزحمة عدة.
ولما دخل الحاج نالهم من العامة سب وبطش؛ فإنهم طلبوا منهم سب السلف ولعنهم، فامتنعوا.
ونودي في القاهرة: لا يخرج أحد بعد المغرب إلى الطريق ولا يظهر بها لبيع ولا شراء فامتثل الناس لذلك.
وفي ربيع الأول تتبعت الدور ومن يعرف بعمل المسكرات، وكسر من أوعيتها شيء كثير.
وفيه أمر الحاكم بشونة تحت الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفاء؛ فتخوف الناس كافة، من يتعلق بخدمة الدولة من الأولياء والقواد والكتاب، وسائر الرعية من العوام. وقويت الشفاعات وكثر الاضطراب، فاجتمع سائر الكتاب والمتصرفين من المسلمين والنصارى، وخرجوا بأجمعهم في خامسة إلى الرياحين بالقاهرة؛ وما زالوا يقبلون الأرض
حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يدعون ويتضرعون، ويضجون ويسألون العفو عنهم، ومعهم رقعة قد كتبت عن الجميع. ثم دخلوا باب القصر وهم يسألون أن يعفى عنهم ولا يسأل فيهم قول ساع يسعى فيهم. وسلموا رقعتهم لقائد القواد، فأوصلها إلى الحاكم، فعفا عنهم وأمرهم على لسان قائد القواد بالانصراف والبكور لقراءة سجل بالعفو عنهم؛ فانصرفوا بعد العصر. وقرئ من الغد سجل كتب نسخة للمسلمين ونسخة للنصارى ونسخة لليهود بالأمان والعفو عنهم.
وفي ليلة التاسع منه ولد للحاكم ولد، فجلس في صبيحتها للهناء، وأمر بإحراق الشونة فأحرقت. وكان سابع المولود، فأخرج على يد خادم إلى قائد القواد، فتسلمه حتى أعد المزين شعره؛ وذبح عنه الشريف أبو الحسن النرسي العقيقة بيده، وحمل عثمان الحاجب الدم والعقيقة، فأمر له بألف دينار وفرس ملجم وعدة ثياب من أجل حمل الدم والعقيقة؛ ودفع إلى المزين مائتا دينار وفرس. وسمى المولود بالحارث وكنى بأبي الأشبال.
وخرج قائد القواد إلى سائر الأتراك والديلم والعرفاء وقال: مولانا يقرأ عليكم السلام ويقول قد سميت مولاكم الأمير الحارث وكنيته أبا الأشبال. فقبل الجميع الأرض وأكثروا الدعاء، وانصرفوا. وزينت البلد أربعة أيام.
وفيه رسم الحاكم لجماعة من الأحداث أن يتقافزوا من موضع عال في القصر، ورسم لكل منهم بصلة؛ فحضر جماعة وتقافزوا، فمات منهم نحو ثلاثين إنسانا من أجل سقوطهم خارجاً عن الماء على صخر هناك؛ ووضع لمن قفز ماله.
وفي ربيع الآخر اشتد خوف كافة الناس من الحاكم، فكتب ما شاء الله من الأمانات للغلمان الأتراك الخاصة وزمامهم ومن معهم من الحمدانية، والبكجورية، والغلمان العرفاء،
والمماليك، وصبيان الدار، وأصحاب الإقطاعات، والمرتزقة، والغلمان الحاكمية القدم. وكتب أمان لجماعة من خدم القصر الموسومين بخدمة الحضرة بعد ما تجمعوا وساروا إلى تربة العزيز وضجوا بالبكاء وكشفوا رؤوسهم. وكتبت عدة سجلات بأمانات للديلم والخيل والغلمان الشرابية، والغلمان المرتاحية، والغلمان البشارية، والغلمان المفرقة العجم وغيرهم، والنقباء، والروم المرتزقة. وكتبت عدة أخرى بأمان الزويلين، والمنادين، والبطالين، والبرقيين، والعطوفية، والجوانية، والجودرية، والمظفرية، والصنهاجيين، وعبيد الشراء بالحسينية، والميمونية، والفرجية. وكتب أمان لمؤذني أبواب القصر، وأمانات لسائر البيازرة والفهادين والحجالين، وأمانات أخر لعدة أقوام، كل ذلك بعد سؤالهم وتقربهم.
وفيه أمر بقتل الكلاب، فقتل منها ما لا يحصى حتى لم يبق منها بالأزقة والشوارع شيء، وطرحت بالصحراء وبشاطىء النيل؛ وأمر بكنس الأزقة والشوارع وأبواب الدور في كل مكان، ففعل ذلك.
وفي جمادى الآخرة فتحت دار الحكمة بالقاهرة، وجلس الفقهاء فيها، وحملت الكتب إليها، ودخلها الناس للنسخ من كتبها وللقراءة. وانتصب فيها الفقراء والقراء والنحاة وغيرهم من أرباب العلوم، وفرشت، وأقيم فيها خدام لخدمتها، وأجريت الأرزاق على من بها من فقيه وغيره؛ وجعل فيها ما يحتاج إليه من الحبر والأوراق والأقلام.
وفيه اشتد الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب بعد أن قتل منهم في يومين أكثر من خمسين نفسا فتغيبوا؛ وامتنع أحد من الناس أن يمشي بين يديه غلام أو شاكري، فكانت القواد ومن جرى رسمه أن يكونوا بين يديه يسيرون وحدهم، وإذا نزل أحدهم للسلام أمسك خادمه الدابة؛ ثم عفى عنهم وكتب لهم أمان. وكتب لعدة من الناس عدة أمانات.
وفيه منع كل أحد ممن يركب أن يدخل من باب القاهرة راكبا؛ ومنع المكاريون أن يدخلوا بحميرهم؛ ومنع الناس من الجلوس على باب الزهومة من التجار وغيرهم؛ ومنع كل أحد أن يمشي ملاصق القصر من باب الزهومة إلى باب الزمرد. ثم أذن للمكاريين في الدخول وكتب لهم أمان. وتخوف الناس، فخرج أهل الأسواق على طبقاتهم، كل طائفة تسأل كتابة أمان، فكتب ما ينيف عن المائة أمان لأهل الأسواق خاصة، قرئت كلها في القصر ودفعت لأربابها، وكلها على نسخة واحدة. وهي بعد البسملة: هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي علي الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، لأهل مشهد عبد الله إنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين، وأمان سيدنا محمد خاتم النبيين، وأبينا علي خير الوصيين، وذرية النبوة المهديين آبائنا، صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين. وأمان أمير المؤمنين على النفس والأهل والدم والمال. لا خوف عليكم، ولا تهديد بسوء إليكم، إلا في حد يقام بواجبه، وحق يوجد لمستوجبه. فليوثق
بذلك وليعول بأمان الله. وكتب في جمادى الآخرة سنة خمسين وتسعين وثلثمائة. والحمد لله وصلى الله على محمد سيد المرسلين، وعلى خير الوصيين، وعلى الأئمة المهديين ذرية النبوة، وسلم تسليما.
وفي يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان ولد للحاكم ولد ذكر، فجلس الحاكم يوم الخميس للهناء. وكان السابع يوم الثلاثاء، فحمله شكر الخادم، وحضر أبو الحسن علي ابن إبراهيم النرسي وعق عنه، وحضر المزين فحلق شعره وتناول ماله من الرسم. وسماه الحاكم عليا وكناه أبا الحسن؛ وهو الذي ولي الخلافة وتلقب بالظاهر.
وفيه فرش جامع راشدة. وركب الحاكم يوم عيد الفطر وعليه ثوب مصمت أصفر، وعلى رأسه منديل منكر، وهو محنك بذؤابة والجوهر بين عينيه. وقيد بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجوهر، وست فيلة، وخمس زرافات؛ فصلى بالناس صلاة العيد وخطبهم، فلعن في خطبته ظالمه حقه والمرجفين به؛ وأصعد معه قائد القواد وقاضي القضاة عز الدين.
وفيه اضطرب السعر واختلف الناس في الدراهم والصرف، فكانت المعاملة بالدراهم الزائدة والقطع، واستقر سعرها على ستة وعشرين درهما بدينار.
وفي أول ذي القعدة برزت قافلة الحاج إلى مصلى القاهرة، ثم رفعت إلى جب عميرة في سابعه، وسارت ليلة العاشر منه بالكسوة للكعبة والرسوم على العادة.
وفيه كسر الخليج والماء على خمسة عشر ذراعا وسبعة أصابع، وهو آخر يوم من مسرى. وحضر الحاكم وعلى رأسه تاج مكلل بالجواهر. ونودي في الناس بأن يلعبوا بالماء في النوروز على عادتهم، ففعلوا.
ونزل الحاكم يوم النحر إلى المصلى، فصلى بالناس وخطب، ونحر بها ثلاث بدن، وعاد إلى القصر فحضر السماط، ثم نحر في الملعب إحدى وعشرين بدنة؛ وواصل النحر أياماً.
وفيها قتل القاضي حسين بن النعمان؛ ضربت رقبته ثم أحرق بالنار. وذلك أن متظلما رفع رقعةً إلى الحاكم يذكر فيها أن أباه توفي وترك له عشرين ألف دينار. وأنها في ديوان القاضي، وقد أخذ منها رزق أوقاف معلومة، وأن القاضي حسين بن النعمان عرفه أن ماله قد نجز. فدعا به وأوقفه على الرقعة، فقال كقوله للرجل من أنه قد استوفى ماله من أجرة. وأمر بإحضار ديوان القاضي، فأحضر من ساعته، فوجد أن الذي وصل إلى الرجل أيسر ماله. فعدد على القاضي حسين ما أقطعه وأجرى له وما أزاح من علله لئلا يتعرض إلى ما نهاه عنه من هذا وأمثاله. فقال: العفو والتوبة؛ فأمر به فضربت عنقه وأحرق.
وقتل عدة أناس يزيد عددهم على مائة نفس؛ ضربت أعناقهم وصلبوا، وقتل عبد الأعلى بن هاشم من القرابة، لأنه كان يتحدث بأنه يلي الخلافة، وأنه كان يجمع قوما ويعدهم بولاية الأعمال. وقد تقدم خبره.