الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
فيها جهزت الأموال لأبي الحارث البساسيري، فخرج بها المؤيد في الله عبد الله بن موسى، وجملتها ألفا ألف وثلثمائة ألف دينار، العين ألف ألف وتسعمائة ألف دينار، والعروض أربعمائة ألف دينار.
وكان من خبره أنه كان من جملة المماليك الأتراك فصار إلى بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه، رجل من أهل فسا، إحدى مدائن فارس، فلذلك قيل له البساسيري؛ وتنقل في الخدم حتى صار مقدم الأتراك ببغداد في أيام الخليفة القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن أحمد القادر، وتلقب بالمظفر. وكان القائم لا يقطع أمراً دونه. فطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم، ودعى له على منابر العراق والأهواز، وتجبر. وأراد في سنة ست وأربعين من الخليفة أن يسلم إليه أبا الغنائم وأبا سعد ابني المحلبنا، صاحبي قريش ابن بدران صاحب الموصل، فلم يمكنه من ذلك. فسار إلى الأنبار ونصب عليها المجانيق، وهدم سورها وأخذها قهرا، وأسر أبا الغنائم ابن المحلبان ومائة رجل من بني خفاجة، وكثيراً من أهل الأنبار. ورجع إلى بغداد وأبو الغنائم بين يديه على جمل في رجليه قيد؛ فصلب كثيراً من الأسرى.
واتفق في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وصول زورق فيه ثمر للبساسيري، فخرج إليه ابن سكرة الهاشمي في جماعة، فأراقوه ونهبوا دوره وأخذوا دوابه؛ وكان هو إذ ذاك في نواحي واسط. فلما بلغه ذلك نسبه إلى الوزير رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة، فعظمت الوحشة بين وبين الوزير. وسار إلى دبيس بن بدران وهو مستوحش، فوافت رسل طغرلبك بن ميكال بن سلجوق إلى الخليفة القائم بإظهار الطاعة، فتقرر الأمر مع الملك الرحيم خسرو فيروز بن أبي كاليجار المرزبان ابن سلطان الدولة أبي شجاع، على أن يخطب لطغرلبك ببغداد؛ فخطب له لثمان بقين من شهر رمضان منها.
ثم إنه قدم إلى بغداد وقبض على الملك الرحيم وعلى جماعة، ثم بعث به إلى قلعة السيروان، وفر منه قريش، ثم إنه خلع عليه ورده إلى أهله، وأخذ أموال الاجناد البغداديين وأمرهم بالسعي في طلب الرزق؛ فسار أكثرهم إلى البساسيري. وبعث طغرلبك إلى الأمير نور الدين دبيس بن بدران أن يحضر إليه البساسيري، فالتزم له بذلك. وبلغ البساسيري الخبر، فسار إلى رحبة مالك بن طوق، وكاتب المستنصر يطلب منه الإذن له في الدخول إلى حضرته؛ فأشير على المستنصر بألا يمكنه من الحضور، وأن يعده بما يرضيه، وسير إليه الخلع. فبعث يسأل في النجدة، ويلتزم بأخذ بغداد وإقامة الخطبة بها للمستنصر وإزالة دولة بني العباس، وأنه يكفي في رد طغرلبك عن قصده البلاد الشامية. فجهزت إليه خزائن الأموال العظيمة على يد المؤيد في الدين أبي نصر هبة الله بن موسى في سنة ثمان وأربعين، حيث لم يترك في خزائن أموال القصر شيء ألبتة.
وخرج خطير الملك محمد بن الوزير من القاهرة في تجمل عظيم، ومعه من كل ما يريد،
حتى أخذ أحواض الخشب وفيها الطين المزروع فيه سائر البقول برسم مائدته. ومعه من خزائن الأموال والأسلحة والآلات والأمتعة ما يجل وصفه. فسار إلى القدس، ورحل منها إلى اللاذقية يريد فتحها. فلما كان في شوال منها واقع البساسيري ودبيس قريش ابن بدران العقيلي صاحب الموصل وقتلمش ابن عم طغرلبك، وكان طغرلبك قد سيره إلى سنجار في ألفين وخمسمائة فارس. فكانت الوقعة المشهورة التي لم يفلت منها إلا مائتا فارس أو دونها. وانهزم قريش وقتلمش، واستولى البساسيري ودبيس على الموصل وأقاما بها الدعوة للمستنصر، وكتبا إليه بذلك؛ فسيرت إليهما الخلع ولجماعة أمراء العرب.
وعمل الشعر في هذه الواقعة. فمن مليح ما قيل لابن حيوس:
عجبت لمدّعى الآفاق ملكا
…
وغايته ببغداد الرّكود
ومن مستخلفٍ، بالهون يرضى
…
يذاد عن الحياض ولا يذود
وأعجب منهما شعبٌ بمصر
…
تقام له بسنجار الحدود
وبلغ ذلك طغرلبك، فسار يريد الموصل حتى بلغ نصيبين، فأوقع بالعرب وألقاهم بين يدي الفيلة، فقتلهم شر قتلة. وبعث إليه دبيس وقريش بالطاعة فقبل منهما. وسار إلى دياربكر؛ وجهز أخاه داود إلى الموصل، فتسلمها وعاد إلى بغداد.