الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وخمسين وأربعمائة
فيها قويت شوكة الأتراك واشتد بأسهم وطلبوا الزيادات في واجباتهم ورواتبهم؛ وساءت أحوال العبيد وكثر ضررهم وهم يتزايدون، حتى صار منهم بالقاهرة ومصر وما في ظواهرهما من القرى نحو الخمسين ألف عبد، ما بين فارس وراجل. وخلت خزائن أموال المستنصر وضعفت الدولة. فبعثت السيدة أم الخليفة المستنصر إلى قواد العبيد تغريهم بالأتراك، وتحثهم على الإيقاع بهم ومحاربتهم وإخراجهم من مصر؛ فجمع قواد العبيد وحشدوا طوائفهم، وصاروا إلى شبرا دمنهور، وساروا إلى الجيزة؛ فخرج إليهم الأتراك يريدون محاربتهم؛ وقد بلغت النفقة في تعديتهم إلى الجيزة ألف ألف دينار. فالتقى الفريقان، وكانت بينها حروب انجلت عن كسرة السودان وهزيمتهم إلى الصعيد.
وكان مقدم طوائف الأتراك يومئذ ناصر الدولة أبو علي الحسن بن الأمير أبي الهيجاء ابن حمدان؛ فرجع بالأتراك إلى القاهرة وقد قويت نفسه وعظم قدره، واشتدت شوكته، وثقلت وطأته. وتلاحق العبيد بعضهم ببعض واجتمعوا في بلاد الصعيد وهم في عدد يتجاوز الخمسة عشر ألف ما بين فارس وراجل؛ فساء ذلك الأتراك وأقلقهم، فصار أكابرهم إلى المستنصر وشكوا إليه أمر العبيد. فأمرت أم المستنصر جماعة ممن كان عندها من العبيد أن يقتحموا على الأتراك فهاجموهم على حين غفلة وقتلوا منهم جماعة. ففر ابن حمدان حينئذ إلى ظاهر القاهرة، وتسارع إليه الأتراك وقد استعدوا لمحاربة العبيد؛ فخرج إليهم عدة من العبيد الذين كانا بالقاهرة ومصر. فكانت بين الطائفتين حروب شديدة مدة أيام، فحلف منذ ذلك ابن حمدان أنه لا ينزل عن فرسه حتى ينفصل إما له أو عليه. وثبت كل منهما، فكانت الكرة لابن حمدان على العبيد، فوضع السيف فيهم وتجاوز الحد في كثرة
قتلهم، وتتبعهم في كل مكان حتى لم يدع في القاهرة ومصر منهم إلا قليلا، وهم مقيمون بالصعيد والاسكندرية. فرأى ابن حمدان أن يبدأ محاربة من في الاسكندرية منهم، فسار إليها ونازلها مدة، وحصر العبيد بها، وألح في مقاتلتهم حتى طلبوا منه الأمان، فأقام على ولايتها رجلاً من ثقاته. وانقضت هذه السنة كلها في قتال العبيد والأتراك.
وفي يوم عيد الفطر أفرج عن حميد بن محمود بن الجراح وحازم بن علي بن الجراح، الطائيين، من خزانة البنود بعد ما أقاما محبوسين مدة طويلة.
وفيها قطعت دعوة المستنصر من اليمن بقتل الصليحي وأعيدت دعوة بني العباس.
وأما الوزراء فإن ابن أبي كدينة صرف في ثامن المحرم، وولى أبو القاسم عبد الحاكم المليحي، فأقام إلى سابع جمادى الآخرة، وصرف؛ وأعيد ابن أبي كدينة، فأقام أياماً وصرف؛ وأعيد المليحي فلم يقم سوى ليالي يسيرة وصرف؛ وأعيد ابن أبي كدينة فأقام إلى ثامن عشري ذي القعدة، وصرف بجلال الملك بن عبد الحاكم.
وفيها قتل فتوح الشامي أحد قواد العبيد، وكان المنفق حين قتل خمسمائة ألف دينار.