الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وثلاثين وأربعمائة
فيها قطع المعز بن باديس الخطبة للمستنصر، ودعا ببلاد إفريقية للخليفة القائم بأمر الله العباسي، فبعث إليه الخلع من بغداد على طريق القسطنطينية.
سنة ست وثلاثين وأربعمائة
فيها توفى الوزير الأجل أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي، يوم الأربعاء سادس شهر رمضان. والحاصل يومئذ في بيت المال البراني، تحت يد أمين الدولة مسرة الرومي، برسم النفقات، ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار وستمائة دينار وواحد وعشرون ديناراً ونصف وثمن دينار. ووجد له سبعمائة صينية من ذهب وفضة، ومائة ألف مثقال من العنبر، وغير ذلك. وكان عالما فطناً نحريرا؛ وقع مرة بين يدي الظاهر لإعزاز دين الله على مائة كتاب، فلم تتشابه فيها لفظة بلفظة. وكانت مدة ولايته للظاهر والمستنصر سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وثمانية عشر يوما.
ووزر بعده أبو علي الحسن بن علي الأنباري، فانفسد أمره بسبب أبي سعيد سهل بن
هرون التستري وأخيه أبي ثمر إبراهيم، اليهوديين. وكان من أمرهما أن أبا سعيد هذا كان قد استخدمه الظاهر لبيوعه، فباع عليه في جملة ما باع جارية سوداء تحظاها الظاهر، فولدت له المستنصر؛ فراعت ذلك لأبي سعيد وقدمته عند ولدها المستنصر لما صارت الخلافة إليه ورتبته فيما يخصها؛ فعظم شأنه إلى أن صار ناظراً في جميع أمور الدولة. فلما وزر الأنباري قصده أبو ثمر إبراهيم، فجبهه غلام له، فأحفظه، وأعلم أخاه أبا سعيد؛ فثنى رأى المستنصر عن ابن الأنباري لهذا السبب، وأشار عليه أن يستوزر أبا نصر صدقة بن يوسف الفلاحي، وكان يهودياً قد أسلم، فاستوزره بعد الجرجرائي في يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رمضان، ولقب بالوزير الأجل، تاج الرئاسة، فخر الملك، مصطفى أمير المؤمنين. وكان يهودياً موصوفاً بالبراعة في ضروب الكتابة. ولى أولاً نظر الشم؛ ثم خاف أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري ففر منه؛ وقد اجتهد في طلبه فلم يظفر به. وقدم إلى القاهرة، فرعى له الجرجرائي حرمة انفصاله عن الدزبري، ورقاه، وأشار في مرضه بأن يستوزر من بعده. فلما تقررت له الوزارة أملى سجل تقليده ليلة اليوم الذي خلع عليه فيه. وتولى أبو سعيد التستري الإشراف عليه. وقبض على ابن الأنباري، وصودر، حتى هلك تحت العقوبة، ودفن بخزانة البنود وكان مسجوناً بها. وصار الفلاحي لا يعمل إلا بما يحده له أبو سعيد ويمثله.
وكان المستنصر قد بث دعاته سراً إلى الآفاق يدعون إليه، ويستميلون من تصل القدرة إلى استمالته. فلما كان في هذه السنة دفع جماعةً منهم إلى ما وراء النهر، ودعوا هناك بعد أن
دعوا بخراسان؛ فاستجاب لهم طوائف من الناس. وحصلوا عند بغراخان، أخي رسلان خان صاحب ما وراء النهر. فلما علم بهم تلطف في الكشف عنهم بأن استمالهم وقربهم، وأطمعهم أنه يريد الدخول فيما هم فيه؛ فأنس به طائفة منهم، وأرادوا أن يأخذوا عليه العهود والمواثيق، فخدعهم بإطلاق المال، واستخبر به ما عندهم، حيث إنه أنفق عليهم في مدة سنتين ثلثمائة ألف درهم، حتى اطلع على عددهم، وعرف مواضعهم؛ وهم يطالبونه باليمين والعهد إلى أن أجابهم على شرط أن يكتبوا أيمانهم، ويطلعوه على باطنهم. فكتبوا ذلك ودفعوه إليه ليتفكر به، وقد كتب كتاباً على قدر كتابهم وشكله، يقسم فيه بالأيمان المغلظة أنه متى انكشف له من أمرهم ما يدل على الإلحاد والخروج عن تشريع الإسلام ذبحهم بيده تقرباً إلى الله تعالى. ثم استدعاهم وأعلمهم استجابته إلى ما دعوه إليه، ورد إليهم الكتاب حتى شاهدوه وعرفوه، واستعاده ليحلف به. فلما حصل في يده أخرج الكتاب الذي كتبه وحلف أنه يفي بجميع ما تضمنه ولا يعدل عنه؛ فوثقوا بذلك، وخفى عليهم فرق ما بين الكتابين.
ثم جمعهم وقال لهم ما أتمكن من إظهار نفسي والمبادرة بنصرتكم إلا في عدد قوي، فإن بلاد الترك تشتمل على ثلثمائة ألف سيف مشهور تخالف هذا المذهب؛ فإن كنتم في عدد قويت به. فذكروا له دعاتهم ببلاد المشرق وسموهم له، وأفضوا إليه بجميع سرهم، ودفعوا إليه كتبهم إلى جميع أصحابهم بما استقر العزم عليه. ثم جمعهم وأحضر فقهاء بلده لمناظرتهم، وفيهم عبد الملك بن محمد البلخي الفقيه بن محمد شيخ البلد، ونصر بن عطاء، وجعلهما
من وراء ستر؛ فذكر الدعاة أسرار مذهبهم على غرة منهم وغفلة بما دبر عليهم، وبغراخان يستخبرهم حتى صرحوا بعقائدهم. فأخرج حينئذ عبد الملك ونصراً، وقبض على الدعاة وقيدهم، ونادى في الناس ليجتمعوا، وقد نصب جذعا، وصلب عليه الدعاة واحدا بعد واحد، ورماهم بالنشاب، فقتل منهم ستة عشر رجلا، وذبح منهم واحدا بين يديه، ذبحه بعض عبيده فأعتقه؛ وتصدق بمائة ألف درهم. وتتبع كل من في أعماله من الدعاة، فقبض على مائة وثلاثة وثلاثين رجلا، وأوثقهم بالحديد، وألقاهم في جب مظلم؛ وكتب إلى جميع بلاد ما وراء النهر بقتل من عندهم من هذه الطائفة. وكتب إلى بغداد بما فعله، فقدم رسوله في هذه السنة، فأجيب بالشكر والثناء.
وفيها سير المستنصر إلى قرواش بن المقلد أعلاماً وخلعاً، فلبسها؛ فأنفذ إليه الخليفة القائم من بغداد يعاتبه على ذلك؛ فاعتذر، ولبس السواد، ورجع عن دعوة المستنصر.