الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
فيها سارت العساكر من مصر إلى دمشق، وكتب لناصر الدولة أبي علي الحسين بن حمدان أن يكون قائد الجيش؛ فسار من دمشق بعسكر كبير في سادس ربيع الأول يريد محاربة أهل حلب. وكانت مدينة حلب قد أقيمت فيها الدعوة الفاطمية، وأسقطت بها دعوة بني العباس إلى أيام الظاهر بن الحاكم، فتغلب عليها صالح بن مرداس، أحد أمراء الكلابيين، وكثف أمره بها حتى استولى على دمشق أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري، أحد الغلمان الأتراك، فساس الأمور، وأطاعه كل مارق؛ وراسل الملوك. فنابذه صالح بن مرداس وجمع له العرب، وفيهم عدة الدولة حسان بن جراح، وسار لمحاربته، فكانت بينهما وقائع انهزم فيها حسان إلى بلاد الروم، وتفرق الجمع. ثم مات صالح وقام من بعده ابنه شبل الدول نصر بن صالح في حلب، فقام بمنابذة أمير الجيوش كما كان أبوه، وسار لقتاله، فقتل، وملك أمير الجيوش حلب فأقام بها رضي الدولة منجوتكين، أحد غلمانه، فأقام بها سنين. ومات أمير الجيوش فغلب على حلب ثمال بن صالح بن مرداس وملكها؛ ولم يقم أحد بعد أمير الجيوش مقامه.
فلما كانت وزارة الجرجرائي غمض طرفه عن ثمال، ورأى أن موادعته أخف من إنفاق الأموال في محاربته، فكتب بولايته وقرر عليه الحمل في كل سنة. وتمادى ذلك إلى أيام وزارة اليازوري فلم يرض بهذا، ورأى أن الحيلة أبلغ فيما يؤثره، لأنه إن رام صرفه لم يطق ذلك، وإن نابذه ألزم كلفاً كثيرة. فاستعمل السياسة والتدبير الخفي، وندب لذلك رجلا من أهل صور له بها رئاسة ووجاهة، يقال له عين الدولة علي بن عياض، قاضي صور، فساس الأمر وأحكم التدبير فيما قرره مع كاتب ثمال بن صالح وما وعده به، حتى
نزل من قلعة حلب وسلمها إلى مكين الدولة الحسن بن علي بن ملهم والي الخليفة المستنصر. وسار من حلب يريد مصر للقاء الحضرة؛ فلما بلغ رفح اتصل به خبر القبض على اليازوري، فقال والله إني أموت بحسرة ونظرة إلى من استلبني من ذلك الملك، وأخرجني بلا رغبة ولا رهبة إلا بحسن السياسة، وإن رام ذلك مني فليس يتعذر عليه.
ورجع ثمال إلى حلب، فاتفق في غيبته قيام أهل حلب وتسليم البلد إلى عز الدولة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس، في مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة، فحضر ابن ملهم بالقلعة إلى أن سار إليه ناصر الدولة بن حمدان، فكانت بينهما حروب كبيرة على قنسرين آلت إلى أن انكسر ناصر الدولة كسرة عنيفة، فأصابته ضربة شلت منها يده؛ ورجع منهزماً في مستهل شعبان. فقال عبد العزيز العكيك الحلبي وقد مدح ناصر الدولة فلم يجزه.
ولئن غلطت بأن مدحتك، طالبا
…
جدواك، مع علمي بأنّك باخل
فالدّولة الزهراء قد غلطت، بأن
…
نعتتك ناصرها، وأنت الخاذل
إن تمّ أمرك مع يدٍ لك أصبحت
…
شلاّء فالأمثال عندي باطل
وأما ابن ملهم فإنه بعث إلى أسد الدولة أبي ذؤابة عطية بن صالح فسلمه حلب، ودخلها في عاشر شعبان هذا، وأقام بها يوم ثم خرج عجزاً عنها؛ فوصل محمود في ثاني عشره وملكها.
وفي تاسع رمضان صرف أبو الفرج ابن المغربي عن الوزارة، وأعيد إليها أبو الفرج عبد الله بن محمد البابلي. وصرف عن قضاء القضاة عبد الحاكم بن وهب في جمادى الآخرة، واستقر عوضه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أبي ذكرى، في حادي عشري رجب.
وفيها قدمت هدية المعز بن باديس، فقومت بأربعين ألف دينار. منها درقة مرصعة بالجوهر كانت للمهدي.
وفيها قدم كتاب علي بن محمد الصليحي بما هو عليه من القوة وإقامة الدعوة؛ واستأذن في المسير إلى تهامة وأخذها؛ فأجيب بذلك؛ فسار إليها وأخذها.
وفيها نزل محمود بن شبل الدولة ثمال بن صالح بن مرداس على حلب، ومعه منيع بن سيف الدولة، سبعة أيام ثم رحل، وعاد إليها وأخذها يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة، وحصر القلعة إلى سادس رجب ورحل؛ فملكها أصحاب المستنصر. وفيها التقى ناصر الدولة بن حمدان مع محمود بن شبل الدولة على الفنيدق، فانكسر ابن حمدان؛ ودخل عطية حلب وخرج منها؛ وتسلمها محمود يوم السبت ثاني شعبان؛ ثم وصل عمه معز الدولة فحاصر حلب مدة.
وفي هذه السنة سقط تنور قبة صخرة بيت المقدس وفيه خمسمائة قنديل، فتطير الناس وقالوا ليكونن في الإسلام حادث عظيم.