الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخوارج الذين يبالغون في تكفير المسلمين بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب والمعاصي، وإن كان بحثنا ليس في الذنب والمعصية وإنما هو في الكفر لكننا نفرق بين الكفر المقصود قلباً وبين الكفر الذي لم يُقْصَد قلباً، وإنما قالباً وفعلا، هذا ما أردت التذكير به.
" الهدى والنور"(820/ 03: 46: 00)
[584] باب خطورة الخوض في التكفير بدون علم
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن مشكلة الساعة هي هذه الفتنة التي يصدق فيها أنها دخلت كل بيت من بيوت المسلمين، وقبل أن ندلي برأينا فيها وقد تكرر البحث حولها مراراً وتكراراً، ولكن لابد مما لابد منه من على الأقل من إيجاز واختصار الكلام حول هذا الموضوع موضوع الساعة، ولكن لابد لي بين يدي ذلك أن أتكلم عن مسألة فقهية أصولية طالما وقع في مخالفتها جماهير المسلمين قديماً وحديثاً، وبخاصة في هذه الفتنة.
هذه المقدمة هي أنه لا يجوز للمسلم الذي يخشى الله عز وجل ويتقيه أن يتكلم في مسألة شرعية في التحريم أو في التحليل بل في التكفير والتضليل إلا
على بينة من الله ورسوله؛ لقوله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36)، ومعلوم من علم أصول الفقه أن المسائل الشرعية تدور على أصول أربعة مقطوع بها عند أهل السنة والجماعة حقاً، ألا وهي الكتاب والسنة الصحيحة، وليس كل ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصحيح، ولذلك نقول في الأصل الثاني: السنة الصحيحة،
ثم الإجماع علماً أنه ليس كل إجماع يُدعى يكون إجماعاً صحيحاً واقعاً، فالإجماع الذي هو حجة هو ما يساوي قول بعض أهل العلم: ما كان معلوماً
من الدين بالضرورة، فهذا هو الدليل أو المرجع الثالث والمصدر الثالث من المصادر الأربعة.
رابعها وآخرها: القياس، والقياس منه ما هو جلي ومنه ما هو خفي.
وإذا عرفنا أن أدق هذه المراجع أو هذه الأصول الأربعة هي القياس وعرفنا أن منه ما يكون خفيًّا أي: لا يظهر لكل أهل العلم فضلاً عن غيرهم حينئذٍ نأخذ من هذه المقدمة النتيجة التالية، ألا وهي أنه لا يجوز للمسلم حتى ولو كان طالب علم أن يقول: أنا أرى كذا، إلا إذا كان لديه نص صريح من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة كما قلنا، فهنا من الممكن لطالب العلم القوي أن يقول: أنا أعتقد أو أرى كذا وكذا، بناء على قول الله تبارك وتعالى كذا، أو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويذكره.
أما أن يدعي أو يتبنى رأياً له في مسألة ليس عليها نص صريح من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة وإنما هناك يمكن أن يكون إجماعاً أو أن يكون هناك قياساً، فاللجوء والاعتماد على هذين المصدرين إنما هو من شأن أهل العلم
المتخصصين في دراسة الكتاب والسنة، فإن هؤلاء فقط هم الذين يستطيعون أن يثبتوا إجماعاً صحيحاً، وهم الذين فقط يستطيعون أن يقيسوا النظير على النظير، والمثيل على المثيل، أما من دونهم من طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس الذين ليس لهم صلة بالعلم مطلقاً فهؤلاء وهؤلاء لا يجوز لهم أن يتدخلوا في مثل هذه المسائل التي تبنى إما على الإجماع وإما على القياس.
إذا عرفنا هذه المقدمة وهي مقدمة لا يمكن أن يناقش فيها أحد من أهل العلم؛ لأنها قضية مسلمة لا نزاع فيها.
إذا عرفنا ذلك حينئذٍ ندخل في صلب هذه الفتنة التي ألمت بالعالم الإسلامي العربي خاصة، ثم الإسلامي عامة فإننا سنجد أن من آثار هذه الفتنة أن يتكلم فيها من لا علم عنده مطلقاً بالشريعة، فيقول: هذا فيه فلان من الناس إنه كافر أو في فلان من الناس: إنه مجاهد، أو فلان أصاب وفلان أخطأ، هؤلاء الناس لا يجوز لهم أن يصدروا رأياً لهم فيكونون والحالة هذه قد خالفوا الآية السابقة:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36)، كما أنهم يخالفون قول الله عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43) والرسول عليه السلام يأمر أهل العلم بأن يجيبوا إذا سئلوا، وألا يكتموا العلم الذين أعطوا كما قال عليه الصلاة والسلام:«من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار» والناس اليوم إما عالم وإما غير عالم، ولا حالة وسطى بين هؤلاء وهؤلاء.
وربنا عز وجل قد أوضح السبيل لكل من الطائفتين في قوله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43) فأهل الذكر عليهم البيان،