الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعمل بما يؤمن به، من هنا قال أهل العلم: بأن الإيمان يزيد، وينقص وزيادته الطاعة، ونقصانه المعصية.
"الهدى والنور"(218/ 01: 28: 00)
[626] باب رد فهم مغلوط لقوله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ
.. }
سؤال: يا شيخنا بارك الله فيكم، بعض أفراد الجماعات الإسلامية كحزب التحرير مثلاً، يؤولون قول الله جل جلاله:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، وهناك آيات أخرى مشابهة لهذا التكفير: كالظالمون، والفاسقون مثلاً، يؤولون هذا التأويل على أن هذه الآيات بين قوسين يكون معناها للحاكم فقط دون غيره ممن يصنع ما يصنع الحاكم من الفسوق والعصيان، فأرجو بيان ذلك بارك الله فيكم. جزاكم الله خير؟
الشيخ: عفواً يبدو لي توضيح: هل يعنون بالحاكم مطلق حاكم، أم يعنون بالحاكم يعني الملك أو الخليفة؟
مداخلة: هو كذلك يعني الملك أو الخليفة أو الرئيس الدولة.
الشيخ: رئيس الدولة؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: يعني مثلاً: واحد مثلي أنا ابتلي بأن يتصدر هذا المكان فسئل عن حكم الله عز وجل في مسألة ما، فخالف حكم الله وهو يعلم، لا ينطبق عليه الآية السابقة فيما تنقل عنهم؟
مداخلة: فيما أنقل عنهم لا ينطبق.
الشيخ: لا ينطبق بس؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: هذا الذي أردت استيضاحه.
لا شك أن قصر الآية أو قصر دلالة الآية على الملوك والرؤساء وحكام الشعوب والدول الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، لا شك أن في هذا القصر للآية شطب وضرب للقسم الأكبر من معناها، ذلك أن الآية أولاً من حيث دلالتها تشمل كل حاكم، سواء كان رئيساً أو كان مرؤوساً، سواء كان والياً على المسلمين ولاه المسلمون أو كان والياً من طرف هذا الملك أو هذا الإمام الأعلى، كما هو شأن مثلاً القضاة في كل زمان ومكان هم يأتمرون بأمر الحاكم الأعلى من البشر أو الرئيس أو الملك أو الخليفة، فقوله تبارك وتعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} (المائدة:44) يشمل كل هؤلاء الحكام، سواء الأعلى أو الأدنى، أولاً: لعموم الدلالة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} (المائدة:44)، وهناك ما هو أقوى في الدلالة أيضاً من عموم النص ألا وهو سبب ورود النص، هناك مقولة للفقهاء تعتبر قاعدة علمية فقهية ينبغي على طلاب العلم أن يكونوا أولاً على معرفة بها، وثانياً: على التزام منهم لها، وهي: قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهنا عموم اللفظ يشمل كل حاكم، ولو كان السبب ورد بالنسبة للحاكم الأعلى لقلنا: العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، لكن الواقع هنا على العكس تماماً، أي: أن سبب ورود هذه الآية ليس بالنسبة للرئيس الأعلى الحاكم الأعلى، وإنما هو بالنسبة لبعض أفراد الشعب، ذلك أنه جاء في سبب ورود هذه الآية: أن اليهود
كانوا طائفتين: طائفة تنظر إلى نفسها أنها طائفة عليا، وطائفة أخرى ينظر إليها من الطائفة الأولى بأنها طائفة دنيا، يعني: أشبه ما يكون بالأحرار والعبيد لكن كلهم أحرار، إلا أنهم كانوا ينظرون إلى طائفة نظرة أرستقراطية كما يقولون اليوم، والأخرى نظرة شعبية، يعني: دون أولئك، وترتب من وراء هذا التمايز بين هذه الطائفة وتلك بعض الأحكام في القصاص، فلو أن الطائفة العليا قتلت قتيلاً من الطائفة الدنيا فلا يؤخذ بثأر هذا القتيل، وبالعكس يؤخذ، عاش اليهود ما شاء الله وهم على هاتين القسمتين، إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، فوقع في اليهود مشكلة من هذه النوعية، فتنازعت الطائفتان، فبعد أن تناقشوا في الموضوع وتدابروا وتباغضوا اتفقوا على أن يحكموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من خبثهم وضلالهم؛ لأنهم أولاً: كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146)، ومع ذلك لم يؤمنوا به، وثانياً: مع كفرهم به أرادوا أن يحكموه فما وقع بينهم الخلاف، ولكن فيما بينهم ماذا قالوا؟ هنا الشاهد: قالوا: إن حكم لنا قبلنا حكمه، وإن حكم علينا رفضناه، فأنزل الله عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44).
إذاً: الآية بدلالتيها: بدلالة عموم اللفظ، ودلالة سبب الورود، تدل أنه ليس المقصود بها فقط الملوك والرؤساء، وإنما كل من يحكم بغير ما أنزل الله؛ لأن هؤلاء لما لجؤوا إلى رئيسهم، فالرئيس قال: نحكم محمداً فإن حَكَمَ لنا قبلنا وإلا رفضنا، لا هي الطائفة التي ترى نفسها أعلم من الأخرى هي التي قالت
هكذا. نعم.
مداخلة: يشمل هذا بارك الله فيكم أرباب الأسر وأرباب العمل مثلاً؟
الشيخ: بلا شك، لكن أنا أريد أن أقول: المسألة هي خاصة من ناحية وهي عامة من ناحية أخرى، هي خاصة في الحكم في .. الحكم، ليست خاصة في التطبيق، فمن حكم .. مثلاً: المعروف، ماذا يسمونه هؤلاء البدو لما يصطلحوا بين بعضهم البعض على ..
مداخلة: عشائري.
الشيخ: نعم؟
مداخلة: صلح عشائري.
الشيخ: صلح عشائري، فهؤلاء يصطلحون على أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، هؤلاء بلا شك تشملهم الآية، لكن مثلاً الذي يسرق .. الذي ينهب .. والذي يفعل كل ما يخالف الشرع هذا لا يقال فيه: حكم بغير ما أنزل الله، ..
مداخلة: مثلاً: رب الأسرة يطلب من بناته أن يتزين وأن يلبسن القصير، وأنه ينبذ المتحجبات ويقول لبناته: هذا لباس قبيح، فيأمرهم بالمنكر، يعني هذه صورة من الصور يا شيخنا بارك الله فيك هل يشمل هذا؟
الشيخ: لا لا، هذا ما يدخل في الحكم، هذا يدخل في ..
مداخلة: القضاء.
الشيخ: لا، في اتباع الهوى، يدخل في اتباع الهوى، الحكم كما قلنا هو القضاء كما قال يعني؛ ولذلك قال عليه السلام في الحديث الذي في البخاري:«إذا شهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» (1)، هذا له علاقة
(1) صحيح الجامع (رقم493) بلفظ: «إذا حكم» .
في الحكم وهو القضاء.
مداخلة: نعم.
الشيخ: أما أن يعرف الإنسان حكم الله وشريعة الله ثم يتبع هواه مخالفاً لشريعة الله، هنا تأخذ المسألة طوراً آخر كما تعرفون من تقسيم الكفر: إلى كفر اعتقادي، وكفر عملي، فإذا كان هذا الشخص الذي أشرت إليه بأنه يقبح الحجاب الشرعي، ويزين التبرج للنساء .. وما شابه ذلك، هو في قرارة قلبه يرى هذا، فهذا مرتد عن دينه، أما إذا كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والله هذا يريد جهاد ويريد صبر وو .. إلى آخره.
مداخلة: والبنات تتأخر حتى يتزوجوا مثلاً.
الشيخ: إلى آخره، فهذا يكون كفره كفراً عملياً وليس كفراً اعتقادياً.
مداخلة: نعم.
الشيخ: خلاصة المثال الأخير الذي طرحته لا يدخل فيما نحن في صدده، إنما الذي يجب أن نفهمه هو ما ذكرته آنفاً وخلاصته، وأذيل عليه بشيء آخر، الخلاصة: أن هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) تشمل كل حاكم، سواء كان رئيساً أو مرؤوساً، ما دام أنه يخالف شرع الله وهو يعلم.
أما التذييل الذي أشرت إليه فهو: أننا وجدنا في زمن أصبنا فيه بمختلف الفتن التي ما كان المسلمون الأولون على ما كان بينهم من خلافات وفتن يعرفون هذه الأنواع من الفتن.
لا شك أنكم تعلمون أن المسلمين اختلفوا منذ القرن الأول من الخوارج ومن دونهم وتفرقوا في دينهم شيعاً وأحزاباً، لكن المصيبة اليوم تضخمت جداً بحيث أن المسلمين بالإضافة إلى ما توارثوه من مذهب وطرق مختلفة ومتدابرة ومتباغضة، وكل حزب بما لديهم يفرحون، فقد تجدد فيهم التحزب وتكتل جديد اقترن به أنه أصبح كل فرد ينتمي إلى حزب يتبنى أفكاراً معينة، ليس لأنه على علم بالكتاب والسنة، وإنما بأن حزبه الذي هو ينتمي إليه يرى هذا الرأي.
فأنا أردت أن أذيل بهذا التذييل بناء على ما سمعت آنفاً من السؤال، حزب التحرير يتبنى رأياً مثلاً، أو جماعة التبليغ أو الإخوان المسلمين .. إلى آخره، هذا التحزب وهذا التكتل الذي طرأ على الجماعات الإسلامية اليوم هو توسيع لدائرة التفرق الذي ورثناه خلفاً عن سلف، فأصبح الفرد الواحد الذي ينتمي إلى حزب قد يعد الألوف بل الملايين يتبنى رأي الرئيس الذي أسس هذه الجماعة أو رئس على هذه الجماعة دون أن يكون على علم من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأمثلة كثيرة، ولا أريد الخوض إنما أردت التذكير، فالمثال بين أيديكم الآن، الآية مطلقة لكن الحزب الفلاني قصر معناها على الحاكم الرئيس الأعلى؛ لماذا؟ لأن هذا الحزب أو ذاك نصب نفسه لمحاربة الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، ثم نسي أن الحكم بغير ما أنزل الله لا ينكر فقط على هذا الرئيس، وإنما ينكر أيضاً على كل من له حكم على طائفة أو جماعة، لنقل: رئيس الحزب الفلاني، فهو أيضاً يصدق عليه مثل تلك الآية إذا ما حكم بغير ما أنزل الله عز وجل، فهذا الفرد من أفراد الحزب تبنى فهم الآية على خلاف ما عليه علماء المسلمين كما ذكرت لكم آنفاً، عموم النص يدل على أن من لم يحكم بما أنزل الله يشمل كل حاكم، وسبب ورود النص كذلك يشمل من هو دون الحاكم الأعلى.