الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو عليه الصلاة والسلام يجعل اختلاف الناس بالصف الواحد تقدماً وتأخراً سبب لفساد القلوب، والعكس بالعكس، تسوية الصفوف سبب شرعي لإصلاح ما في القلوب، لهذا ينبغي الاهتمام كل الاهتمام بإصلاح الظواهر ومنها عند القيام إلى الصلاة بتسوية الصفوف كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسويها، ويأمر بتسويتها، هذه كلمة بين يدي تلك الحلقة التي كانت متباعدة، والآن إن شاء الله كما اقتربنا، أو اقترب بعضنا إلى بعض بالأبدان، فنرجوا أن يكون من ثمرة ذلك أن ترتبط قلوبنا بعضنا مع بعض إن شاء الله تبارك وتعالى.
"الهدى والنور"(201/ 57: 00: 00)
[508] باب التلازم بين الظاهر والباطن
[قال الإمام]:
أقول: حينما يكون الجمع جمعاً كثيراً مباركاً ويكونون متفرقين ومبتعدين عن مجلس الشيخ المزعوم (1) أنه شيخ قد يكون حقاً وقد يكون كذباً، فأنا أقول بهذه المناسبة أن هذا التفرق وهذا التوسيع لدائرة الحلقة خلاف السنة، أما من حيث التفرق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد يوماً فرآهم متفرقين فقال لهم:«مالي أراكم عزين» بالعين والزاي أي متفرقين، وقد وصل اهتمام الرسول عليه السلام بالنهي عن التفرق في المكان وعن ابتعاد الناس بعضهم عن بعض إلى درجة أنه نهاهم عن ذلك حتى في الصحراء، حتى في السفر فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد قوي عن أبي ثعلبة الخشني قال: كنا إذا
(1) كان العلامة الألباني كثيراً ما يُطلق هذا اللقب "الشيخ المزعوم" على نفسه، فتأمَّل
…
ولا تعليق!!!
سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلنا في الوديان والشعاب فقال لنا يوماً: «إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان» قال أبو ثعلبة: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان اجتمعنا، أي انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا» ، ولذلك التقارب في الجلوس وعدم ابتعاد الناس بعضهم عن بعض هو اقتراب من الجنة بسبب تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى الجنة، أنا أقتبس هذا من مثل قوله عليه السلام:«من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» (1) ومن قوله عليه السلام وهو حديث عجيب قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» (2).
يقول أهل العلم: يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين فيجرونهم مغللين في السلاسل إلى بلاد الإسلام، وهناك يوزعون حسب التقسيم الشرعي للمكاسب والغنائم على الغارمين، فيدخلون بيوت المسلمين وهم بعد أن كانوا مغللين يصبحون شبه أحرار، أقول: شبه؛ لأنهم في الواقع من حيث حرية العمل حتى بقاء أحدهم على دينه الباطل كانوا أحراراً لكنهم لا يزالون أرقاء، إلا أن الله عز وجل بما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الأحكام التي وجهها إلى أتباعه عليه السلام من العناية والوصاية الطيبة بالأسرى وبالعبيد صار هؤلاء العبيد كأنهم أحرار، وحسبكم في هذا الصدد دلالة قوله عليه السلام:«أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون» (3) إلى آخر الحديث الذي لا أذكره الآن بتمامه (4) ، الشاهد أن هؤلاء الأسرى دخلوا حياة جديدة غير الحياة التي كانوا
(1) صحيح الجامع (رقم6297).
(2)
البخاري (رقم2848).
(3)
مسلم (رقم4403).
(4)
يحيونها وهم أحرار دخلوا حياة جديدة وهم عبيد، ولكنهم في حياتهم خير مما كانوا عليه وهم كانوا أحراراً، ذلك لأنهم تداخلوا مع المسلمين في بيوتهم، في أسواقهم، في مساجدهم .. فعرفوهم وعرفوا أخلاقهم، وعرفوا تأثير دينهم في تربيتهم عن كثب وعن قرب، فتجلى لهم عملياً ما هو الدين الحق فآمنوا غير مكرهين، وآمنوا بقلوبهم بوازع من شخصهم، وليس كأولئك الذين يؤمنون رغم أنوفهم إما خلاصاً من القتل إذا ما وقفوا أمام الدعوة الإسلامية، أو خلاصاً من دفع الجزية عن يد وهم صاغرون .. ، أما هؤلاء قد أسلموا طواعية وبإخلاص من قلوبهم ودخلوا في الإسلام، ولا شك أن من دخل في الإسلام دخل الجنة بسلام إلى هذه الحقيقة التي لو أراد الإنسان أن يشرحها شرحاً مبسطاً موسعاً لكان من ذلك كتاب إلى هذه الحقيقة أشار عليه السلام في الحديث السابق:{إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل} فإذاً الأسباب التي تكون مشروعة فهي تؤدي إلى الجنة، ومن هذه الأسباب طلب العلم ومن وسائل طلب العلم هو طلبه مع الجماعة، وهذه الجماعة ينبغي عليهم حسب ما عرفتم أن يكونوا متقاربين في أبدانهم كما يجب عليهم أن يكونوا متقاربين متوادين متحابين في قلوبهم ..
فكثير من الناس لا ينتبه وقد لا يعلم مطلقاً تأثير الظاهر على الباطن، قد لا يعلم أن الأمور الظاهرة لها أكبر تأثير في القلوب الباطنة المكنونة في الصدور سواء كانت هذه الأمور الظاهرة حسنة خيرة أو كانت باطلة سيئة، فكل من النوعين يؤثر في القلب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذه حقيقة شرعية قبل أن تُصبح حقيقة علمية نفسية؛ ذلك لأن الإسلام سبق كل العلوم التي قد تصل مع الزمن القصير أو المديد إلى حقائق كان الناس عنها غافلين، سابقهم الإسلام إلى هذه الحقائق قبلهم بسنين وبكثير من الأيام، قلت: إن تأثير الظاهر على الباطن هذه حقيقة علمية شرعية قبل أن تصبح حقيقة علمية تجربية، وقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم -
أشد الحرص على غرس هذه الحقيقة في قلوب أتباعه بمناسبات شتى فقد كان عليه السلام يقول كما قد تسمعون أحياناً قليلاً هذا التوجيه النبوي الكريم من بعض أئمة المساجد المهتمين باتباع سنة سيد المرسلين، تسمعون من هذا البعض حينما يقوم إلى الصلاة لا يباشر الصلاة فوراً بعد انتهاء المقيم من الإقامة لا يقول: الله أكبر كما يفعل الجهلة، وكما يفعل أولئك الأئمة الذين لا يهتمون بإحياء السنة ونشرها بين الأمة إنما يفعل هذا الذي ألمحنا إليه آنفاً بعض الحريصين على اتباع السنة حينما يقف في المقام الذي يصلي فيه ولا أقول في المحراب لأنني لو قلت إذا أقام في المحراب أقررت المحراب وهو بدعة في المساجد لم تكن في مسجد الرسول عليه السلام ولا في المساجد التي كانت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا قام الإمام في مقام الإمام لا يباشر الصلاة وتكبيرة الإحرام وإنما يلتفت يمنةً ويسرةً ويأمرهم بتسوية الصفوف ويقول لهم ما كان الرسول عليه السلام يقول لأصحابه «سووا صفوفكم، أو .. » وهنا الشاهد «ليخالفن الله بين وجوهكم» وفي رواية «بين قلوبكم» الشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ربط تسوية الصف وهي التسوية عمل ظاهري بدني، لكنه قد رتب على ذلك إما اتفاق القلوب إذا ما تحققت التسوية أو اختلاف القلوب إذا ما اختلفت الصفوف ولم تحقق التسوية فقال عليه السلام:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» ، فهنا إذاً ربط بين الظاهر والباطن الذي هو القلوب، وكان الربط في الحالتين حالتا تسوية الصفوف أو الإخلال بهذه التسوية، فهدد عليه الصلاة والسلام الذين لا يسوون الصفوف ويجعلونها مضطربةً متقدمةً ومتأخرةً بأن ذلك وسيلة شرعية للاضطراب في القلوب والاختلاف فيها، وقد أشار إلى هذه الحقيقة بجملة نبوية هامة حين قال في الحديث المشهور وهو في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الابن والأب صحابيان ..
النعمان صحابي وأبوه بشير
صحابي قال النعمان بن بشير: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله ما حرمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» قال عليه السلام في تمام هذا الحديث وهو الشاهد: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد كله ألا وهي القلب» أنتم ترون معي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربط صلاح القلب بصلاح البدن ويجب أن نعلم أن هذا الصلاح المذكور في الحديث هنا ليس صلاحاً مادياً طبياً وإن كان الأمر كذلك طبياً لكنه عليه السلام هنا أراد الصلاح إذا صح تعبيرنا بالصلاح الروحي المعنوي الإيماني «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» أي صلحت أعمال الجسد الصادرة منه كلها، «وإذا فسدت» هذه المضغة فسدت أعمال الجسد كله؛ ما هي؟ قال عليه السلام:«ألا وهي القلب» إذاً هذا يؤكد بأن الظواهر مرتبطة بالبواطن، فمهما كان القلب صالحاً كان ما يخرج من جسد هذا القلب الصالح صالحاً والعكس بالعكس تماماً «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد القلب كله ألا وهي القلب» .
لذلك - والبحث في هذا طويل وطويل جداً - على المسلمين أن لا يغتروا بقول بعض القائلين أن العبرة بما في القلب تمويهاً على الناس نحن نقول معهم العبرة بما في القلب ولكننا نزيد عليهم فنقول: لا يمكن أن يكون ما في القلب صلاح ثم يظهر من الجسد طلاح، والعكس بالعكس .. لا يمكن أن يكون ما في القلب طلاح ويظهر من الجسد صلاح هذا أمر غير سليم وغير صحيح إطلاقاً شأن ذلك شأن القلب مع الجسد من الناحية الطبية إذا كان القلب سليماً لا يمكن أن يكون القلب مريضاً، والعكس أيضاً بالعكس إذا كان القلب مريضاً من الناحية الطبية لا يمكن أن يكون الجسد سليماً، أمر مضطرد سلباً وإيجاباً، طباً بدنياً وطباً