الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال الإمام]:
ولتمام الفائدة لا بد من ذكر الآيات الأربع بتمامها، وهي في (آل عمران:86 - ـ89): {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُون، إِلَاّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم} . ولا ينافي ذلك قوله تعالى بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّون، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين} (آل عمران:90، 91). ذلك؛ لأن المقصود: لن تقبل توبتهم عند الممات كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:18).
قاله الحافظ ابن كثير.
"الصحيحة"(7/ 1/184، 186 - 187).
[592] باب الفرق بين الإقرار والاستحلال، وهل يكفر المقر والمستحل وبيان الفرق بين الكفر العلمي والاعتقادي
سؤال: ما الفرق بين الإقرار والاستحلال؟
الشيخ: عفواً الإقرار والاستحلال؟
الملقي: والاستحلال.
الشيخ: في فرق كبير جداً، الإقرار أن يرى الشيء ويقره واقعياً، ولكن قد يكون في قرارة قلبه غير مقر بهذا الذي أقره. مثلاً: قوله عليه السلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (1)، فإذا وقع منكر بين يديه ما أنكره بيده ولا أنكره بلسانه إذاً هذا يمكن أن يقال في الظاهر إنه أقر ذلك نعم.
السائل: ما الفرق بين الإقرار والاستحلال؟ وهل يحكم فيهما جميعاً على المعين بعد إقامة الحجة بالكفر؟ تتمة السؤال السابق.
الشيخ: نحن قلنا إن الكفر نوعان كفر اعتقادي وكفر عملي، والكفر الاعتقادي لا سبيل لمعرفته إلا بأن يعرب الذي صدر منه الكفر عن كفره بلسانه، أما أن نحكم عليه بما صدر منه من عمله [الذي] هو موصوف بأنه كفر في الشرع فهذا لا يلزم منه أن نصفه بأنه كفر باطناً، كما كفر ظاهراً، وكنت آنفاً وأنا أتحدث عن موضوع التعبير عن الفرقة الناجية وعن الطائفة المنصورة بالعبارة المتداولة اليوم ومنذ مئات السنين أهل السنة والجماعة، كنت أتحدث بأن الإسلام من كماله أنه جاء لإصلاح الظواهر والبواطن، لم يأت فقط الإسلام لإصلاح البواطن دون الظواهر، وإنما عني بإصلاح الأمرين كليهما، والسبب في هذا واضح جداً لمن له عناية خاصة بتتبع كثير من الأحكام الشرعية التي تنص على ارتباط الباطن بالظاهر وارتباط الظاهر بالباطن، من ذلك مثلاً حديث النعمان بن بشير المتفق عليه بين الشيخين وهو حديث فيه بعض الطول، وفيه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد
(1) صحيح مسلم (رقم186).
كله؛ ألا وهي القلب»، وكما جاء أيضاً في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من هديه حينما يقوم ليصلي إماماً بأصحابه أن يأمرهم بتسوية الصفوف ويرهبهم ويخيفهم أن لا يُخلُّوا بشيء من تسوية الصفوف بمثل قوله عليه السلام:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» ، فالاختلاف في تسوية الصف أمر ظاهري اعتبره الشارع الحكيم سبباً لاختلاف القلوب، فإذاً الظاهر مربوط بالباطن، وهذه حقيقة عليها أدلة كثيرة جداً من الشريعة الإسلامية كتاباً وسنة، والذي أريد أن أصل إليها هو أن الألفاظ يجب الاهتمام بها؛ لأنها من الأمور الظاهرة، وأن لا نقول كما يقول بعض الجهلة: يا أخي العبرة بما في القلب؛ لا، قد سمعنا آنفاً أنه إذا صلح القلب صلح البدن، صلح الباطن صلح الظاهر، صلح الظاهر صلح الباطن، فسبحان الذي ربط الظاهر بالباطن فكل منهما يمد الآخر إمداداً عجيباً غريباً جداً، ما تدري آلقلب ينصلح قبل الظاهر؟ أم الظاهر قبل الباطن فهما متشابكان تمام التشابك.
فالشاهد نريد أن نقول بأن الكفر قد يكون لفظاً وقد يكون قلباً، ومن الأحاديث المشهورة في الكفر اللفظي دون الكفر القلبي أنه كما جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله، بالسند الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في أصحابه يوماً فقام رجل من أصحابه ليقول له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فغضب عليه السلام وقال:«أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده» ، وفي الحديث الآخر أن رجلاً رأى رؤيا في المنام أنه بينما كان يمشي في بعض طرق المدينة لقي رجلاً من اليهود، قال له: نعم القوم أنتم معشر اليهود لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: عزير ابن الله، فأجابه اليهودي بقوله: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مضى، فلقي رجلاً من النصارى فقال له: نعم القوم أنتم معشر
النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عيسى ابن الله، فقال النصراني للمسلم: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد؛ فلما أصبح به الصباح جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقص عليه الرؤيا، فقال له عليه السلام:«هل قصصتها على أحد» ، قال: لا، فخطبهم عليه الصلاة والسلام فقال لهم ما معناه:«طالما كنت أسمعكم تقولون كلمة فأستحي منكم؛ فلا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل: ما شاء الله وحده. أو: ما شاء الله ثم شاء محمد» . الشاهد: في كل من الحديثين أن الرجل الأول حينما خاطبه الرسول عليه السلام بقوله: أجعلتني لله نداً إنما يعني: جعله لله نداً لفظاً؛ لأنه لو جعله لله نداً قلباً لحكم عليه بالردة، ولفرق بينه وبين الزوجة، ولا بد من تجديد الإسلام والنكاح.
لكن يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا الصحابي ما آمن بالله ورسوله إلا فراراً من الشرك، ولكن لم ينتبه لسوء اللفظ وسوء التعبير، الذي يدل على أن إرادة الله مقرونة بإرادة رسول الله، أو أن إرادة رسول الله مقرونة بإرادة الله، لو اعتقد إنسان هذا لَكَفَرَ ولا ريب، لكن ما خطر في باله هذا المعنى، ولذلك اكتفى عليه الصلاة والسلام بالإنكار اللفظي أيضاً؛ لأن الرجل إنما وقع في الكفر اللفظي، ولم يقع في الكفر القلبي؛ لذلك اكتفى عليه السلام بأن ينكر عليه لفظاً، الرجل الذي رأى تلك الرؤيا في المنام، فيها أن الرسول قال له:«هل قصصت على أحد؟» قال: لا، قال مخاطباً لأصحابه، كان يسمعهم يقولون هذه الكلمة فيستحي منهم، لو كان يعلم أنهم يقولونها قاصدين وهو الشرك بعينه لما استحيا منهم، لكن لما كان قد لاحظ عليه الصلاة والسلام أنهم على جاهليتهم السابقة من التهاون في التعبير كما ذكرنا آنفاً أن أحدهم كان يقول: لقست نفسي، خبثت نفسي، فأصلح ذلك الرسول منهم، وقال:«ليقول: لقست نفسي» ، كذلك كانوا يستعملون مثل هذه العبارات حتى فيما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى، فهنا الآن الإقرار والاستحلال، كلٌ من
الأمرين قد يكون عملياً وقد يكون قلبياً، الاستحلال يقول الرسول عليه السلام في حديث البخاري الصحيح، وإن كان صورته عند بعض المحدثين صورة الحديث المعلق:«ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، يمسون في لهو ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير» (1)، هذا الاستحلال يمكن أن يقع من هؤلاء الممسوخين استحلالاً اعتقادياً، وهذا هو الظاهر لشدة العقوبة التي يخبر الرسول عليه السلام عنها في هذا الحديث، ويمكن أن يكون استحلالاً قلبياً، وكل عاصٍ لا بد له من استحلال على وجه من الوجهين المشار إليهما، كل عاصٍ الذي يشرب الخمر، والذي يسرق، والذي يزني، والذي يأكل الربا، كل هؤلاء بلا شك فساق وعصاة وبعض هذه الأمور من أكبر الكبائر كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، فهل هؤلاء يحكم عليهم أنهم كفار؛ لأنهم استحلوا ارتكاب ما حرم الله عز وجل؟ الجواب: لا، لا نقول هذا، ولا نقول خلافه، وإنما لابد من التفصيل، من واقع شيئاً من هذه المحرمات، وهو يعترف بمخالفته لربه فهو كفره كفر عملي، ومن يستحل ذلك قلباً وقالباً فكفره كفر اعتقادي، هكذا يقال عن الشخص يقر المعصية أي لا ينكر، أو يستحلها عملياً في نفسه، فإما أن يكون هذا الإقرار وذاك الاستحلال قلباً فهو الكفر بعينه، أو بدناً فهو الكفر دون كفر، كما صح عن ابن عباس.
الملقي: قلتم بأن القلب يعكس على الظاهر، وأنهما توأمان، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر» (2)، فإذا كان إنسان بظاهر أعماله يدل على الكفر عملاً فكيف نوفق يعني إذا كيف نقول بأنهما قرنا
(1) البخاري (رقم5268).
(2)
صحيح الترغيب والترهيب (رقم2636).
جميعاً، وأنهما قالباً واحداً، والآن نقول كفر عملي واعتقادي بارك الله فيكم.
الشيخ: نحن ما نقول اجتهاداً كفر عملي وكفر اعتقادي، هذا لا بد لكل مسلم أن يعتقد كذلك، أما الحديث الذي أنت تعني تنزع إليه أو تستدل به فليس فيه ما ينافي هذا التفصيل الذي ذكرناه آنفاً، ولا علمت أحداً من العلماء يقول بأن هذا الحديث يقطع بأن مرتكب المعصية هو كافر قلبياً، وهذا معلوم أنه مذهب الخوارج، قديماً والإباضية منهم حديثاً، فلا يمكن لمسلم إلا أن يقع في معصية، فإذا فهمت أن هذا الحديث يعني خلاف هذه الحقائق التي لا يسع المسلم إلا أن يعترف بها، معنى ذلك أنه لا يبقى على وجه الأرض مسلم؛ لأنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يعني مثلاً قصة الإفك العظيمة الخطيرة هذه، لما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصله خبر بعض المنافقين الذين أشاعوا الفاحشة كان موقفه من عائشة ليس موقف المتصل بوحي السماء وهو متصل بذلك دائماً إلا ما شاء الله، إنما كان ينتظر من السماء الخبر اليقين، كان موقفه موقف أي بشر، الشاهد من هذه القصة أنه أخذ يسأل الرسول عليه السلام من له صلة بالسيدة عائشة من النساء والجواري والأقارب كعلي .. إلى آخره، الشاهد أن الرسول دخل عليها فقال: يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فهل معنى ذلك لو أنها لا سمح الله وقعت في الفاحشة أنها ارتدت عن دينها، الجواب لا، إذاً أوِّل حديثك بأي تأويل لا يتنافى مع الأساطين هذه من الحقائق الشرعية التي لا خلاف بين المسلمين إلا الغلاة من الخوارج الذين يكفرون المسلم بارتكاب كبيرة من الكبائر.
وأنا أنصح بهذه المناسبة أن المتمسكين اليوم أو الذين يدعون التمسك
بالكتاب والسنة عليهم أن يفهموا الكتاب والسنة على ما كان عليه سلفنا الصالح، وفي مقدمتهم عبد الله بن عباس ترجمان القرآن الذي كان له الفضل في تفتيح أذهان المسلمين لهذه الحقيقة الشرعية أن هناك كفر دون كفر، فقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، الواقع يشهد أن كثيراً ممن يحكمون سواءً كان حكمهم على أنفسهم أو على شعبهم أو على أمتهم، إنهم لا بد أن يكون كفرهم إما كفراً خروجاً عن الملة أو كفراً دون كفر، ذلك لما أشرت إليه آنفاً أن ما منا من أحد إلا وهو يعصي الله عز وجل، فهل نتصور أن كل عاص لا بد أن يكون كافراً كفر ردة، وهو في نفسه يعترف بأنه عصى الله، أو عصى رسول الله، يعترف في هذه الحقيقة وقد يستغفر حينما يستيقظ من غفلته هذا لا يقال إنه كفر كفر ردة، وإنما كفر كفراً دون كفر كما قالها عبد الله بن عباس، لهذا يجب أن نأخذ عقيدتنا من سلفنا الصالح؛ لأنهم هم الذين فهموا كتاب الله، وسنة رسول الله ونقلوا هذه المفاهيم الصحيحة إلينا، فلا يجوز لمسلم أن يركب رأسه اليوم لا سيما إذا كان في ابتداء طلبه للعلم، ويقول: أنا أفهم من آية كذا أنه هؤلاء الحكام مثلاً كلهم كفار مرتدون عن دينهم، وأنه يجب الخروج عليهم، وهو لا يستطيع الخروج على أهله، مش يخرج على الحكام، فعلى هذا ينبغي أن نفهم
هذا الموضوع.
الملقي: شيخنا بارك الله فيكم، أيضاً بس يعني شبهة في هذا الموضوع: لو كان هذا الإنسان يرتكب الكفر العملي هذا دأبه، أيضاً هذا يشمله أن لا نستطيع بأن نقول إنه كافر؟
الشيخ: نعم هو كذلك.
الملقي: لأنه مرتبط القلب مع الظاهر.
الشيخ: نعم لا نستطيع.
الملقي: جزاكم الله خير.
الشيخ: إلا إذا عبر بلسانه كما قلت آنفاً.
الملقي: بارك الله فيكم.
الشيخ: والآن المسألة واضحة، رجل يقضي بالشرع مش بالقانون، لا بالنظم المستوردة، قاض يحكم بـ قال الله قال رسول الله، لكن في حكومةٍ ما اتبع هواه، أعطى الحق لغير أهله، هذا حكم بما أنزل الله؟
الملقي: لم يحكم.
الشيخ: طيب، ماذا نقول فيه؟ ارتد عن دينه.
الملقي: لا.
الشيخ: ما ارتد عن دينه؟
الملقي: لا ..
الشيخ: لا أنا ما أقول هكذا، انتبه.
الملقي: إن كان وإن كان.
الشيخ: أيوه، بارك الله، ماشي، طيب، نفترض الآن من شان أتوصل للإجابة عن سؤالك، إنه هذا الذي يتكرر منه المعصية ومخالفة الشرع، فزيد من الناس ممن يحكمون عادة بالكتاب والسنة، في حكومة ما حكم بغير الشرع، نقول: إن
استحل ذلك قلباً فقد كفر وارتد عن دينه، وإلا فكفره كفر دون كفر، إذا كان من هذا النوع الثاني، هذا القاضي كان حكمه الأول من النوع الثاني، أي: لم يرتد عن دينه؛ لأنه كفره كان كفراً عملياً، مرة أخرى بعد مسافة طويلة قصيرة مش مهم، مرة أخرى في قضية أخرى أيضاً اتبع هواه، وحكم بغير ما أنزل الله، أنقول إنه قد ارتد؟
الملقي: لا.
الشيخ: طيب، أنقول: لم يرتد؟ هاه انتبه.
الملقي: نركب القاعدة: كفر دون كفر.
الشيخ: هذا هو.
الملقي: جزاكم الله خيراً.
الشيخ: هذا هو. طيب تصور بقى انته مهما تكرر هذا الفعل منه، الجواب لا يختلف أبداً، فإذاً لا فرق بين لم يتكرر، وبين تكرر، لا فرق بين تكرر قليلاً أو كثيراً، الضابط هو أن يستحل ذلك بقلبه أو لا؟ فمهما كان الحكم كثيراً، وهو في قرارة نفسه يقول: يا رب اغفر لي، فهذا ليس كافراً، هذا فاسق، هذا عاص لله عز وجل، في حكم واحد قال: يا أخي الزمن تغير والإسلام ما عاد يصلح للحكم إلى آخره، حكم واحد كفر وارتد عن دينه؛ لماذا؟ لأنه استحل مخالفة الشرع بقلبه.
الملقي: كيف يحكم الناس عليه إن لم يقل؟
الشيخ: نحن الآن لسنا بارك الله فيك في صدد الناس، نحن في صدد من هو الكافر عند الله عز وجل، قد يكون هو كافر عند الله، ولا تستطيع أنت أن تحكم عليه بأنه كافر.
مداخلة: كحال المنافقين.
الشيخ: هذا هو، ففي الإسلام الأول كان هناك منافقون.
مداخلة: لعل الصورة أيضاً تزداد وضوحاً شيخنا.
الشيخ: نعم.
الملقي: إذا قلنا بأن رجلاً كافراً هو قاض من القضاة، ويقضي في الناس، وهذا الرجل أعجبه أن يقضي بنظام الإسلام أو بقضاء الإسلام، ولكنه كافر نصراني مثلاً،
الشيخ: ما يفيده شيء
الملقي: فأعجبه أن يقضي بنظامه فهل يصبح مثلاً هذا ينفعه.
الشيخ: أبداً.
الملقي: في شبهة يا شيخ.
الشيخ: اسمعونه.
الملقي: هي التي يعني يدندنون لها يقولون: فرق بين من قضى في قضية لهواه، وبين من نسف الشريعة جملةً وتفصيلاً، وجعل بدلاً منها القوانين.
الشيخ: نعم.
الملقي: هذا بدل الدين. وأما هذا لا.
الشيخ: نعم، أنا لا أزال أقول: هذا الذي بدل إذا صح هذا التعبير، أي أقام القوانين مقام الشريعة الإسلامية كلها، تبنى القانوني الفرنسي أو السويسري أو أو إلى آخره، وأعرض عن الإسلام بالكلية، الجواب: هو ما سبق تماماً، إن كان يتبنى ذلك استحلالاً قلبياً وليس اتباعاً لهوىً، مثلاً محافظة على الكرسي، محافظة على
السلطة وعلى الرياسة وو ونحو ذلك، لكن الله عز وجل يعلم منه بأنه في قرارة قلبه يعترف بأنه مخطئ، نحن الآن أخونا أبو فارس آنفاً خلط شيئاً بشيء، نحن الآن بحثنا فيما يتعلق بإيمان المرء وكفره، وحسابه عند ربه، من هو الكافر عند الله، ومن ليس بالكافر سبق الكلام؟
الملقي: نعم.
الشيخ: الآن الصورة التي تفضلت بها آنفاً، وهي شبه تذكر حقيقة، نحن نقول الحديث صريح: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما لم تروا كفراً بواحاً» ، إذاً هؤلاء لو فرضنا أنهم في قرارة نفوسهم كفرهم كفر عملي وليس اعتقادي، لكن منعوا الناس من الصلاة والاجتماع في المساجد، وإقامة شعائر الدين والزكاة ونحو ذلك، هذا كفر بواح لنا أن نقاتلهم وحسابهم.
الملقي: إلى الله.
الشيخ: إلى الله، إذاً في فرق بين بين منزلة هذا الذي يحكم بغير ما أنزل الله عند الله فيأتي التفصيل السابق، أما من حيث لنا الخروج على هؤلاء الحكام أو ليس لنا الخروج، الجواب في الحديث، «ما لم تروا كفراً بواحاً» ، فإذا رأينا هذا الكفر جاز لنا الخروج، لكن نحن نقول هنا: يجوز الخروج كما يجب الجهاد اليوم يجوز الخروج كما يجب الجهاد فهل نحن نجاهد اليوم؟ الجواب: لا، فهل إذا كنا لا نقوم بما يجب؟ هل نقوم بما يجوز؟
الملقي: لا.
الشيخ: من باب أولى، لماذا لا نجاهد وهو فرض واجب علينا؛ لأننا لا نستطيع؛ إذاً نستطيع أن نخرج، نستطيع أن نخرج على حكامنا وهنا اليهود
بجوارنا؟! فإذاً يجب الفصل تماماً بين الحكم على شخص أو أشخاص بأنهم كفار عند الله فالضابط هو الاستحلال القلبي أو العملي، وبين هل لنا الخروج على هؤلاء الذين ظهر منهم الكفر البواح؟ الجواب: نعم لنا الخروج، لكن من الذي يخرج؟ هو الذي يجاهد، من الذي يجاهد؟ هو الذي يستطيع الجهاد ويعد العدة ويتخذ الأسباب التي نتكلم عنها دائماً وأبداً. فإذاً هنا لا يجوز الخلط بين هذا
وبين هذا.
الملقي: إذاً صار الخروج ليس أسلوباً شرعياً.
الشيخ: نعم؟
الملقي: إذاً صار الخروج ليس أسلوباً شرعياً.
الشيخ: راح يكون كذلك.
الملقي: نعم.
الشيخ: لأنه.
مداخلة: وكذلك نستطيع نقول أن نقول يا شيخنا بارك الله فيكم أن الكفر البواح هو كمنعهم قيام الصلاة.
الشيخ: أي نعم.
الملقي: بارك الله فيكم.
الشيخ: لكن أنا أدندن: لا يصلح أن يكون هذا عذراً مسوغاً لكثير من المسلمين المتحمسين الذين يخالفون الحكمة التي نكررها في كثير من المجالس وهي: من استعجل الشيء قبل أوانه؛ ابتلي بحرمانه، هذا مأخوذ من حديث:
«ولكنكم قوم تستعجلون» (1)، ولذلك فلا يجوز الاستعجال للقيام بما فرض الله من الجهاد قبل اتخاذ العدة الواجبة، سواءً كانت معنوياً أو مادياً.
الملقي: بقي نقطة واحدة.
الشيخ: تفضل.
الملقي: هل يجب علينا أن نعتقد أن هذا القانون كفر أكبر، بحيث تعامل هذه الدولة على أنها ليست دولة إسلام؟ أو أنه كفر دون كفر كما تفضلت.
الشيخ: هو كذلك. كفر دون كفر، خاصة إذا كان كما جاء في السؤال في أحكام شرعية في أحكام قانونية غير شرعية.
الملقي: آه.
مداخلة: شيخنا بارك الله فيكم، لو كان تبين للمسلمين أن هذا العمل الذي يعني يحق للمسلمين الخروج على حاكمهم أنه كفر اعتقادي؛ فكيف يكون خروجهم؟ بتنسيق مع العلماء مثلاً، كيف يكون الخروج يا شيخنا بارك الله فيك؟
الشيخ: الخروج بإعداد العدة للجهاد، فمن كان مستعداً للجهاد يخرج هذا الخروج وإلا فلا.
"الهدى والنور"(751/ 40: 49: 00) و (752/ 15: 11: 00) و (752/ 31: 15: 00) و (752/ 10: 18: 00) و (752/ 24: 20: 00)
(1) صحيح الجامع (رقم8578) بلفظ: «ولكنكم تستعجلون» .