الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين)؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ".
هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054).
"الصحيحة"(7/ 1/105 - 116).
[506] باب حكم ترك الأعمال
سؤال: السؤال الأول: هل صحيح أن من مات على التوحيد وإن لم يعمل بمقتضاه وأول مقتضى التوحيد إقامة الصلاة .. هل يكفر ويخلد مع الخارج الكافر في نار جهنم أم لا؟
الشيخ: السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل فجعلوا العمل شرط كمال في الإيمان ولم يجعلوه شرط صحة خلافاً للخوارج، واضح هذا الجواب؟!
مداخلة: ما قولكم في تأويلهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم أن كلمة: من لم يعمل أو جملة: «من لم يعمل خيراً قط» ليست على ظاهرها.
الشيخ: طيب! ولماذا؟
مداخلة: لأنها جاءت من باب إفهام القارئ أنها من جملة نفي كمال العمل ليس جنسه.
الشيخ: نطور السؤال: ما الدليل؟
مداخلة: الدليل من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» .
الشيخ: طيب! هل الكفر حينما يطلق يراد به الكفر المقارن بالردة؟
مداخلة: لا، هم يقولون: لا لكن الصلاة ..
الشيخ: معليش معليش. إذا قالوا: لا، فما هو الحد الفاصل بين كفر في نص ما أي: القائل إنه كفر ردة، وفي نص آخر ليس كفر ردة، وكل من الأمرين المذكورين في النصين عمل، ما الفرق بين هذا وهذا؟
مداخلة: الفرق كثير جداً يطول تفصيله عندهم بتأويلات أن من ترك جزء العمل ليس كمن ترك كل العمل، أو أن من شابه ببعض الأعمال الكافرين ليس كما يشابه بعض أفعالهم التي نص عليها الشارع أنها كفر يخرج من الملة.
الشيخ: هل أجبت عن السؤال؟
مداخلة: هذا جوابهم.
الشيخ: لا ما أريد جوابهم، هل أنت شعرت بأن هذا الذي تقول جوابهم هو
جواب سؤالي ..
مداخلة: لا.
الشيخ: إذاً ما الفائدة يا أخي، أنا أريد أن يتنبه إخواننا الطلاب أنه ليس بمجرد الدعوى تثبت القضية، أنا أقول: ما الفرق بين كفر يذكر في مثل هذا الحديث وبين كفر يذكر في حديث آخر، وكل من الأمرين الذي أنيط به الكفر في كل من النصين
…
أي: الجامع هو العمل فلماذا هذا العمل كفر ردة وذاك العمل ليس كفر ردة مثلاً قال عليه السلام: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» هل هذا كفر أم دون ذلك؟ كذلك مثلاً قوله عليه السلام والأحاديث في هذا الصدد كثيرة جداً: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ما هو الفارق بين كفر في حديث الصلاة وكفر في حديث القتال؟ لا بد أن يكون هناك دليل يعتمد عليه الذي يفرق.
أهل السنة والجماعة الذين نقلنا عنهم آنفاً أن العمل ليس شرط صحة وإنما هو شرط كمال، ولا يفرقون بين عمل وعمل آخر بشرط أن يكون المؤمن قد آمن بذلك الحكم الذي تساهل في القيام به والعمل به، وما نقلته عنهم آنفاً لم يعمل خيراً قط هذا تأويل وإذا صح التأويل في نص كهذا ممكن أن يصح التأويل في نصهم أيضاً.
وأنا أريد الآن أن ألفت النظر بأن هؤلاء الذين يأتون بمفاهيم جديدة تدندن حول تكفير المسلمين بسبب إهمالهم بقيام عمل أمر الشارع الحكيم به، هؤلاء ينبغي أن لا يأتوا بشيء نابع من أهوائهم أو لنقل من جهلهم، بل لنقل من علمهم؛ لأن علمهم مهما كان صحيحاً ودقيقاً فهو لا يساوي هذه المسألة.
وهنا لا بد من أن نذكر بما أذكره دائماً وأبداً حول قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) هؤلاء
يتبعون غير سبيل المؤمنين .. هؤلاء لا يقيمون وزناً لهذا المقطع من هذه الآية الكريمة يعني: عندهم الآية سواءً آمنوا في هذا المقطع ومعناه أو لم يؤمنوا به لا فرق عندهم بين أن تكون الآية: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) لا فرق عندهم بين ما لو كانت هكذا الآية وبين ما هي عليه أنزلت، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} فنحن نسألهم: هذه التآويل وهذه التفاسير التي تأتون بها من حيث اللغة العربية الأمر واسع جداً، ولا يستطيع أحد أبداً أن يوقف باب التأويل أمام الناس وبخاصة إذا كان أهل الأهواء.
إذاً: ما هو الأمر الفاصل القاطع في الموضوع؟ هو الرجوع إلى ما كان عليه السلف، هؤلاء كما أنهم لا يؤمنون بمعنى هذه القطعة من الآية {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هم أيضاً أنا على مثل اليقين لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام حينما سئل عن الفرقة الناجية، قال:«هي الجماعة» ؛ لأنهم خرجوا عن الجماعة، وكالرواية الأخرى:«هي ما أنا عليه وأصحابي» لا يقيمون وزناً إطلاقاً لما كان عليه السلف الصالح، هذا يكفينا في بيان خروجهم عن مفاهيم السلف الصالح وبالتالي خروجهم عن الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، كأنه عندك شيء؟
مداخلة: عندي جواب على سؤالك شيخ يقول الطبري
…
أَذْكُرُه؟
الشيخ: تفضل.
مداخلة: ينقلون ويتكئون على كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الاقتضاء» يقول فيها: أن لفظة كفر إذا جاءت منكرة تدل على أنها كفر اعتقادي، أما إذا جاءت معرفة بأل ومصدراً فإنها تدل الكفر العملي .. الحديث الكفر: «بينه
وبين الكفر ترك الصلاة»
…
فلم يقل كُفْر قال: الكفر فهذا هو الكفر الاعتقادي ..
الشيخ: معليش .. المسألة هنا تكون فرعية والموضوع ليس فرعياً وإنما
هو أصل ..
مداخلة: صح.
الشيخ: نعم، فنحن نعلم أن بعض الحنابلة لا يزالون إلى اليوم يفتون بأن ترك الصلاة كفر ردة، لكنهم ليسوا خوارج ولا يتعدون الخط الذي يمشون عليه الخوارج فلو سلمنا لهم جدلاً بمثل هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغضضنا النظر عن النصوص الأخرى التي نذكرها خاصة في رسالة الصلاة التي تعرفها فإذا صرفنا النظر عن هذه المسألة بالذات؛ لأن الأدلة فيها متقاربة متشابهة، لكن المهم أنهم إذا وفقوا للصواب في تكفير تارك الصلاة فذلك لا يعني فرض تكفير المؤمن في أي عمل فرض عليه لا يقوم به، فهنا المعنى: أن القاعدة سليمة لكن لكل قاعدة شواذ، كما يقول الحنابلة مثلاً .. هم لا يقولون بصحة مذهب الخوارج بل هم ضد هذا المذهب لكنهم التقوا مع هؤلاء أو بعبارة أصح هؤلاء التقوا مع الحنابلة في القول بتكفير تارك الصلاة، لكنهم خرجوا عن الحنابلة وعن الشافعية والمالكية والحنفية وعن بقية المسلمين في قولهم بتكفير التارك للعمل كما قلت أنت أن الإيمان لا يكفي نقلاً طبعاً عنهم .. لا يكفي إنما مقتضاه العمل، بينما الأحاديث التي تعرفونها جيداً والتي من بعض أجزاء أحاديث الشفاعة أن الله عز وجل يأمر بإخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة .. مثقال ذرة من إيمان، هذا الإيمان هو الذي ينجي من الخلود في النار وهذا هو من معاني قوله تعالى، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48).
"الهدى والنور"(830/ 02: 28: 00)