المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[516] باب منه - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٤

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌كتابالإسلام والإيمان

- ‌جماع مقدمات في مسمى الإيمان والإسلام والفرق بينهما وبعض المسائل المتعلقة بالإيمان

- ‌[474] باب تعريف الإسلام وبيان ما يخرج المرء منه

- ‌[475] باب معنى «الدين الحنيف»

- ‌[476] باب الإسلام نسخ ما قبله من شرائع

- ‌[477] باب هل تسمى اليهودية والنصرانية وغيرها بالديانات

- ‌[478] باب هل يقبل الله تعالى من الناس ديناً غير الإسلام

- ‌[479] باب مسمى الإيمان غير مسمى الإسلام

- ‌[480] باب منه

- ‌[481] باب منه

- ‌[482] باب هل حب الوطن من الإيمان

- ‌[483] باب منه

- ‌[484] باب المؤمن كلما كان أقوى إيماناً ازداد ابتلاءً

- ‌[485] باب الفرق بين العقيدة والإيمان

- ‌[486] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك

- ‌جماع أبواب أركان الإيمان

- ‌[487] باب قول القلب وعمله ركن في الإيمانوالرد على غلاة المرجئة في ذلك

- ‌[488] باب العمل سبب لابد منه لدخول الجنة

- ‌[489] باب الإيمان بدون عمل لا يفيد

- ‌[490] باب لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، وبيان أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة كثرةً وقلة

- ‌[491] باب العمل الصالح سبب لدخول الجنة

- ‌[492] باب الرد على من أخرج العمل من مسمى الإيمانوبيان أن الخلاف بين أهل السنة وبين الحنفية والماتريديةحقيقيًّا لا صورياًّ

- ‌[493] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان

- ‌[494] باب الاعتقاد بأن الإيمان مجرد التصديقدون الأعمال من أقبح الغلط وأعظمه

- ‌[495] باب الإيمان الذي وقر في القلبلا بد من أن يظهر على البدن والجوارح

- ‌[496] باب أهمية العمل وخطر التواكل

- ‌[497] باب التفاضل يكون بالإيمان والعمل الصالح

- ‌[498] باب المدح والقدح للإنسانإنما يكونان على العمل الصالح

- ‌[499] باب العمل على قدر العلم بالله

- ‌[500] باب بيان أن العمل الصالح من الإيمان

- ‌[501] باب أحوال العمل مع الإيمان

- ‌[502] باب هل الأعمال الواجبة شرط صحة في الإيمان

- ‌[503] باب الإيمان الكامل يستلزم العمل

- ‌[504] باب الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال الجوارح الواجبة

- ‌[505] باب بيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال

- ‌[506] باب حكم ترك الأعمال

- ‌(جماع أبواب الكلام حول تلازم الظاهر والباطن)

- ‌[507] باب التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌[508] باب التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌[509] باب منه

- ‌[510] باب منه

- ‌[511] باب منه

- ‌[512] باب منه

- ‌[513] باب منه

- ‌[514] باب منه

- ‌[515] باب منه

- ‌[516] باب منه

- ‌[517] باب الإيمان يزيد وينقص

- ‌[518] باب منه

- ‌[519] باب منه

- ‌[520] باب منه

- ‌[521] باب منه

- ‌[522] باب رد قول من أنكر أن الإيمان يزيد وينقص

- ‌[523] باب الرد على قول الحنفية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

- ‌[524] باب القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقصمخالف للكتاب والسنة وأقوال السلف

- ‌[525] باب ضلال من يعتقد أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

- ‌[526] باب نقاش حول زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌[527] باب جواز الاستثناء في الإيمان وذكر من أنكر ذلك

- ‌[528] باب منه

- ‌[529] باب منه

- ‌[530] باب منه

- ‌جماع أبوابالرد على المرجئة والأحناف في مسائل الإيمان

- ‌[531] باب تعريف المرجئة

- ‌[532] باب ذكر بعض طوائف المرجئة وبيان بطلان مذهبهم

- ‌[533] باب بدعة الشهادة من بدع المرجئة

- ‌[534] باب رد قول المرجئة:لا يضر مع الإيمان ذنب، وبيان خطورة قولهم

- ‌[535] باب رد قول المرجئةأن الإيمان واحد وأهله في أصله سواء

- ‌[536] باب بيان بطلان عقيدة الأحناف في الإيمان

- ‌[537] باب الرد على من أخرج العمل من مسمى الإيمانوبيان أن الخلاف بين أهل السنة وبين الحنفية والماتريدية حقيقيًّا لا صورياًّ

- ‌[538] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان

- ‌[539] باب الرد على قول الحنفية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

- ‌[540] باب القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقصمخالف للكتاب والسنة وأقوال السلف

- ‌[541] باب ضلال من يعتقد أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

- ‌[542] باب التحذير من أحاديث موضوعة تشهد لبدعة الإرجاء

- ‌[543] باب ما كل حديث تُحَدَّثُ به العامةكأن يكون ظاهر الحديث يقوي بدعة الإرجاء

- ‌[544] باب منه

- ‌[545] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك

- ‌[546] باب الرد على غلاة المرجئة الذين لا يشترطون العمل القلبي في الإيمان

- ‌[547] باب الرد على من حصر الإيمان في المعرفة

- ‌(جماع أبوابالرد على من اتهم الشيخ وأهل السنة بالإرجاء)

- ‌[548] باب الرد على بعض من غمز الشيخ بالإرجاء

- ‌[549] باب منه

- ‌[550] باب الرد على من اتهم أهل السنة بالإرجاء

- ‌[551] باب التحرير لأصول التكفير وفيه كلمة حول موقع العمل من الإيمان [مجلس مع الأستاذ خالد العنبري]

- ‌كتابالكفر والتكفير والنفاق

- ‌جماع أبواب مقدمات هامة في تعريف الكفر، والكلام على التكفير وشروطه وموانعه، وخطورة الخوض فيه بغير علم، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالموضوع

- ‌[552] باب الشرك هو الكفر

- ‌[553] باب كل كفر شرك

- ‌[554] باب هل بين الكفر والشرك فرق

- ‌[555] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

- ‌[556] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر والشرك

- ‌[557] باب هل كان الناس على الإيمان أم الكفر

- ‌[558] باب هل يفسر الكفر بالجحود فقط

- ‌[559] باب لا يُكَفَّر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله

- ‌[560] باب منه

- ‌[561] باب منه

- ‌[562] باب حد الكبيرة

- ‌[563] باب لا يُشهد لأحد من أهل القبلة بجنة ولا بنار إلا من شُهد له، وحكم قول بعضهم عن الميت: «المغفور له» وما شابهه

- ‌[564] هل يدخل الكافر كفراً اعتقاديّاً الجنة

- ‌[565] باب الكافر هل يجازى على عمله الصالح

- ‌[566] باب منه

- ‌[567] باب منه

- ‌[568] باب منه

- ‌[569] باب معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر»

- ‌[570] باب تعريف الإسلام، وبيان ما يُخرجُ المرء منه

- ‌[571] باب متى يخرج المسلم من إسلامه

- ‌[572] باب ذكر الحد الفاصل بين الإسلام والكفر

- ‌[573] باب هل وضع العلماء شروطًا للتكفير

- ‌[574] باب من لم يوف بالميثاق

- ‌[575] باب لا ينجِّي العمل الصالح مع الكفر ولو في الجاهلية

- ‌[576] باب لِمَن يكون الحكم على المعين بالتكفير؟وما هي شروط ذلك وضوابطه

- ‌[577] باب أهمية التفريق بين الحكم على عملٍ ما بأنه كفر، وبين الحكم على من تلبس به بأنه كافر

- ‌[578] باب الفرق بين لفظة كافر وكفر

- ‌[579] باب حول فتنة التكفير

- ‌[580] باب حكم تكفير المعين

- ‌[581] باب خطورة الخوض في التكفير بغير علم

- ‌[582] باب بيان خطأ التكفير بالجملة

- ‌[583] باب كلمة حول خطورة التوسع في التكفير

- ‌[584] باب خطورة الخوض في التكفير بدون علم

- ‌[585] باب الرد على غلاة التكفير

- ‌[586] باب من ضلال فرق التكفير

- ‌[587] باب في الرد على الخوارج المكفرين

- ‌[588] باب قاعدة التفريق بين " كفر دون كفر

- ‌[589] باب هل يلزم إيقاع الوعيد

- ‌[590] باب قبول توبة الكافروإزلة إشكالات حول ذلك

- ‌[591] باب منه

- ‌[592] باب الفرق بين الإقرار والاستحلال، وهل يكفر المقر والمستحل وبيان الفرق بين الكفر العلمي والاعتقادي

- ‌[593] باب تعريف الإلحاد وبيان حُكْمِهِ

- ‌[594] باب تعريف دار الكفر ودار الإسلام

- ‌[595] باب في مصطلح «جاهلية القرن العشرين»

- ‌[596] باب قد تطلق الجاهلية ويراد النسبية

- ‌[597] باب كيف الجمع بين قوله تعالى: «لا إكراه في الدين» وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس

- ‌[598] باب تعريف المنافق وعلامات نفاقه

- ‌[599] باب هل يحكم على أعيان الناس الذين لا يشهدون صلاة الفجر أو العصر في جماعة بالنفاق

- ‌[600] باب الغناء ينبت النفاق في القلب

- ‌[601] باب هل صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رأس المنافقين

- ‌جماع أبواب الكلام على حكم تارك الصلاة-غير ما تقدم

- ‌[602] باب حديثُ الشفاعةوأنَّها تشملُ تاركي الصلاةِ منَ المسلمين

- ‌[603] باب منه

- ‌[604] باب منه

- ‌[605] باب منه

- ‌[606] باب منه

- ‌[607] باب منه

- ‌[608] باب منه

- ‌[609] باب منه

- ‌[610] باب حكم من ترك الصلاة عنادًا واستكبارًا

- ‌[611] باب نقاش حول حكم تارك الصلاة

- ‌[612] باب تحقيق أقوال بعض الصحابةومن بعدهم في حكم ترك الصلاة

- ‌[613] باب توجيه كلام عبد الله بن شقيق في تارك الصلاة

- ‌[614] باب هل يحكم على من لا يصلي بالكفر وبالتالي مقاطعته؟، وبيان متى تكون المقاطعة وسيلة تأديبية

- ‌[615] باب خطورة القول بتكفير تارك الصلاة

- ‌[616] باب مناقشة بعض أدلة مكفري تارك الصلاة

- ‌[617] باب الرد على من استدل بتعريف كلمة الكفر في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بين المرء وبين الكفر .. » على أن المراد الكفر الكبر

- ‌[618] باب رد شبهة حول الاستدلالبحديث الشفاعة على عدم تكفير تارك الصلاة

- ‌[619] باب بيان ضعف أحد أدلة كفر تارك الصلاة

- ‌[620] باب خطورة ما وقع فيه الحكام والمحكومين من استباحة المعاصي وأثر ذلك في مصاب المسلمين

- ‌[621] باب هل الحكم بغير ما أنزل الله كفر

- ‌[622] باب سبب نزول ومن لم يحكم بما أنزل اللهوأن الكفر العملي غير الاعتقادي وأمثلة ذلك

- ‌[623] باب في تفسير آيات {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ

- ‌[624] باب منه

- ‌[625] باب منه

- ‌[626] باب رد فهم مغلوط لقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ

- ‌[627] باب الرد على من تأول قول ابن عباس: كفر دون كفر، بأنه أراد بذلك تغيير نظام الحكم لا استبدال الشرع

- ‌[628] باب الرد على من أدعى أن تبديل الشرع كفرٌ مطلقاً

- ‌[629] باب هل استبدال الشرع كفر؟ وبيان أقسام الكفر، ونقاش بين الشيخ محمد إبراهيم شقرة! وبعض المخالفين حول حكم تارك جنس العمل

- ‌[630] باب ما المقصود بالكفر البواح

- ‌[631] باب معنى الكفر البواح

- ‌[632] باب هل تطبيق أنظمة الكفر السياسيةوالاقتصادية يعد كفراً بواحاً

- ‌[633] باب الفرق بين التولي والولاية وهل يكفر من وقع فيهما

- ‌[634] باب حكم التحاكم إلى المحاكمالتي تحكم بالقوانين الوضعية

- ‌[635] باب لماذا لم يحكُم النجاشي بعد إسلامه بالإسلام؟ والربط بين ذلك وبين من لم يحكم بما أنزل الله من حكام زماننا

الفصل: ‌[516] باب منه

والأحاديث في هذا الصدد كثيرة، ولستُ الآن في صدد بيانها؛ لأنها كلمة حول التجمع في المجلس، وعدم التفرق فيه، ولكني قبل أن أنهيها أرى نفسي مضطراً أن أذكِّر بحديث آخر فقط؛ لما فيه من الروعة في اهتمام الرسول صلوات الله وسلامه عليه في إصلاح تعابير الناس وظواهرهم: ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يقولون أحدكم: خبثت نفسي، ولكن لقست» (1) ما معنى لقست؟ في اللغة: يساوي خبثت، لقصت لغة بمعنى: خبثت، لكن كلمة الخبيثة خبيثة، فما أرادها الرسول عليه السلام أن يتلفظ بها المسلم حينما يجد في نفسه شيء من هذه الخباثة، وإنما عدل به عنها إلى لفظة لقست، وهذه اللفظة بطبيعة الحال وأنتم عرب ما تعرفونها، لكن سيد العرب والعجم هو علمكموها، وقال:«لا يقولون أحدكم: خبثت نفسي، ولكن لقست» .

هذا في تأدب المسلم مع نفسه لأنه مسلم، فما بالك في التأدب مع الله ومع نبيه عليه الصلاة والسلام، فبالأحرى أن يتأدب المسلم مع الله ثم مع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يأتي بعبارة قد تمس مقام النبوة أو مقامة الرسالة.

" الهدى والنور"(1/ 28: 51: 00)

[516] باب منه

[قال الإمام]:

[نبينا]صلى الله عليه وآله وسلم خير الدنيا والآخرة، لم يأت فقط لإصلاح القلوب هو جاء لإصلاح القلوب ولا شك كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف الذي أوله «إن الحلال بين والحرام بين

» إلى آخره في الأخير قال: «ألا أن في

(1) البخاري (رقم4714) ومسلم (6015).

ص: 91

الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، أقول: لا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء لإصلاح القلوب، ولكنه لم يأت فقط لإصلاح القلوب بل ولإصلاح الظاهر أيضاً، ذلك لأن هذه الظواهر تنبئ عن البواطن، في ذلك يقول العلماء الظاهر عنوان الباطن، ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآخر الذي يربط فيه العمل وهو ظاهر بالقلب وهو باطن لا يعلم ما في القلوب إلا الله عز وجل فيقول صلى الله عليه وآله وسلم تعبيراً عن هذه الحقيقة:«إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ، «ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (1)، وبهذه المناسبة أقول من الخطأ الشائع والفاحش أن يقال في بعض المناسبات إن العبرة بما في القلب؛ لا، هذا كلام ناقص، العبرة بما في القلب وما في العمل، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر في الحديث السابق:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» ، ولذلك كما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإصلاح القلوب جاء أيضاً لإصلاح الأعمال، ومما لا شك فيه أنه يدخل في الأعمال [انقطاع]صلى الله عليه وآله وسلم جاء لإصلاح القلوب والأعمال أيضاً بدليل تلك النصوص، ولا شك ولا ريب أن الأقوال من جملة الأعمال وإذا الأمر كذلك؛ فينبغي أن تكون أقوالنا في حد ذاتها صالحة كالعمل، وكما أنه لا يجوز لمسلم أن يأتي بعمل ثم يظهر أن هذا العمل مخالف للشرع فيرقعونه بحجة أن نيته طيبة، هذا ترقيع؛ ذلك لأنه لا يشفع للعمل الطالح النية الصالحة؛ أي: إذا كان العمل مخالفاً للشرع وكانت النية صالحة هذه النية الصالحة لا تقلب العمل الطالح المخالف للشرع إلى عمل صالح، كما أنه على العكس من ذلك تماماً، لو كان العمل صالحاً

(1) مسلم (رقم6708).

ص: 92

وكانت النية فاسدة فهذا العمل الصالح لا يقلب النية الفاسدة فيجعلها صالحة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (1)

المقصود في الهجرة هنا هو الجهاد في سبيل فيقول عليه الصلاة والسلام: «فمن كانت هجرته» أي: جهاده في سبيل الله فهو العمل الصالح، ومن كانت هجرته أي جهاده في أمر مادي كامرأة يصيبها أو دنيا فحينئذ عمله يصبح فاسداً، هكذا الشرع يربط بين وجوب صلاح العمل مع صلاح النية وأن صلاح أحدهما لا يكون مصلحاً لما فسد من الآخر والعكس تماماً بالعكس، وعلى هذا إذا كان لا بد من أن يكون العمل صالحاً مع صلاح القلب، وكانت الأقوال هي من الأعمال فلا بد من أن تكون الأقوال صالحة كالأعمال، فوجود النية أو القصد الصالح كما ذكرنا آنفا لا يجعل العمل الفاسد صالحاً، كذلك وجود النية الصالحة لا يجعل القول الفاسد المخالف للشرع صالحاً، وعندنا نصوص وأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتجلى فيها اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بإصلاح الألفاظ، كما اهتم بإصلاح الأعمال من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وهذا مبدأ عام وعظيم جداً:«إياك وما يعتذر منه» (2)، «إياك وما يعتذر منه» ، وأوضح من هذا قوله عليه السلام:«لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس» (3)

هذا هو التأويل، ويزيد الأمر وضوحاً المعالجة الفعلية منه عليه الصلاة والسلام لبعض الأقوال التي صدرت من بعض الأصحاب خطأ فما نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما نظر إلى فساد تلك الأقوال التي ستسمعون بعضها ما نظر إلى صلاح قلوب قائليها

(1) البخاري (رقم1) ومسلم (رقم5036) ..

(2)

صحيح الجامع (رقم3776).

(3)

صحيح الجامع (رقم744) ..

ص: 93

وإنما توجه إلى إصلاح تلك الأقوال؛ لأنه مكلف من رب العالمين أن يصلح الأعمال والأقوال مع القلوب بذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في «مسنده» من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب يوماً فقام رجل من الصحابة فقال ما شاء الله وشئت يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فقال عليه الصلاة والسلام بشيء من الانزعاج والغضب:«أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده» وفي الرواية الأخرى قل: «ما شاء الله ثم شئت» ، ما أكثر ما نسمع الآن عدم التجاوب من كثير من المسلمين مع هذا التوجيه النبوي الكبير في هذا الحديث؛ ذلك لأن كثيراً من العرب المسلمين عادوا كالعجم المسلمين يعني ما يعرفون لغتهم العربية، ولا يفرقون بين قول القائل: ما شاء الله ثم شئت، وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ويكاد كثير من الناس حينما يقرؤون هذا الحديث أو يسمعونه لا يفهمون السر في كون الرسول غضب من ذاك الصحابي حينما قال: ما شاء الله وشئت، وعاد الرسول عليه السلام بالإنكار، وأَصَّل له العبارة وقال: قل: ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله ثم شئت، والفرق أن الواو في اللغة العربية تفيد الجمع، إذا قال القائل: جاء الملك والوزير، معناه جاؤوا معاً، أما إذا قال القائل جاء الملك ثم الوزير معناه: أن الملك جاء متقدماً، ثم الوزير جاء متأخراً، لهذا السبب أنكر الرسول عليه السلام قول ذلك القائل ما شاء الله وشئت؛ لأنه قرن مشيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجمعها مع مشيئة الله {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} فمشيئة الله هي الغالبة ومشيئة عباده هي من مشيئة الله وبعد مشيئة الله تبارك وتعالى، لو رجعنا إلى ذلك القائل: ما شاء الله وشئت، ودققنا في قوله عليه السلام: أجعلتني لله نداً أي شريكاً، وسألناه: هل أنت تعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ند وشريك مع الله؟ لقال: أعوذ بالله أنا ما آمنت به نبياً ورسولاً إلا فراراً من الإشراك بالله تبارك وتعالى، مع ذلك فقد أنكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه تلك اللفظة لأنها

ص: 94

تشعر بخلاف ما يريد المتكلم، وهنا بيت القصيد كما يقال إن هذه الكلمة العاجلة -بيت القصيد- أن المتكلم ذاك لا يريد أن يجعل نبيه شريكاً مع الله في الإرادة والمشيئة، بمعنى: أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئة الله ومشيئة رسول الله، حاشا هذا الصحابي بل حاشا أي مسلم أن يعني هذا الشرك الصريح، لكن اللفظ توهم هذا عربيةً.

من هذا أيضاً ما جاء في حديث آخر صحيح وفيه عبرة لمن يعتبر وهو أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء صباح يومٍ إليه فقال: يا رسول الله، رأيت البارحة في المنام بينما وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة لقيت رجلاً من اليهود فقلت له في المنام: نعم القوم أنتم معشر يهود لولا أنكم تشركون بالله فتقولون عزير ابن الله فعارضه اليهودي في المنام أيضاً فقال: فنعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون ما شاء الله وشاء محمد، ثم مضى فلقي رجل من النصارى وقال له: نعم القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون عيسى ابن الله فعارضه النصراني مثل ما عارضه اليهودي فقال: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فقال عليه السلام لهذا الرجل الرائي تلك الرؤيا في المنام: هل قصصت رُؤياك على أحد؟ قال: فوقف عليه السلام خطيباً لأصحابه وقال ما معناه: «طالما كنت أسمع أحدكم يقول ما شاء الله وشاء محمد فأستحي منكم» ، يعني يصعب عليه إنه يكشف عن خطأ هذه الكلمة لعلمه بحسن نواياهم لكن الآن جاء وقت البيان: «لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل ما شاء الله وحده" هذا الحديث والذي قبله والذي قبله وقبله كل ذلك لإصلاح الألفاظ ولا

يغتر إنسان بقوله والله أنا نيتي طيبة، يا أخي بارك الله في نيتك الطيبة، لكن ألا تريد

ص: 95

أن يبارك الله في قولك الطيب أيضاً لازم يلتزم القول الصالح كما قلنا مع العمل الصالح.

لقد وصلت عناية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه المسلمين إلى إحسان الكلام والتلفظ به إلى أمر عجيب جداً يغفل عنه جماهير المسلمين ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن لقست» شو معنى لقست: خبثت، لغةً المعنى واحد، «لا يقولن أحدكم خبثت نفسي لكن ليقل لقست"، والمعنى واحد، لكن اللفظ الخبيث خبيث في عرف الناس، ولذلك قد يقال بلفظة تؤدي نفس المعنى ولكن تكون اللفظة في ذاتها ألطف لفظاً وعرفاً.

مثاله من واقع الناس بدل ما يقول الرجل: زوجتي قالت لي كذا، امرأتي قالت لي كذا، يقول قالوا لي في البيت، المعنى واحد لكن بدل ما يذكر زوجته أمام رجل غريب، ويخلي الذهن يشتغل بهذه اللفظة، يبتعد في اللفظ ويقرب في التعبير والمعنى، فيقول قالوا في البيت؛ هذا مثال يقرب كل ما سبق الكلام عليه آنفاً.

الشاهد من هذا الحديث الأخير المسلم كما جاء في باب الأحاديث كالسنبلة تأتي الرياح فتميل بها يميناً ويساراً وأحياناً تستقيم، هذا الميل هو كناية عن الميل مع الأهواء والشهوات، فهنا يشعر الإنسان في هذا الميل بأنه نفسه أصابها شيء من الخباثة فهو يريد أن يعبر عنها فلا يقول ولا يكون التعبير باللفظ خبثت ولكن بلفظ لقست.

إذا كان هذا شأن الإسلام في توجيه ألفاظ أتباعه حتى فيما يتعلق بنفوسهم الخبيثة؛ فكيف يجوز للمسلم أن يأتي بلفظة تتعلق بدينه بنبيه بربه أولى وأولى ألا يكون هذا جائزاً، قلنا آنفاً: إنه عليه السلام كما جاء لإصلاح القلوب والأعمال،

ص: 96

فأيضاً جاء لإصلاح الأقوال، وأن النية الصالحة لا تغني عن هذه الأمور الأخرى وهي الأعمال والأقوال الفاسدة.

كثير من الناس مثلاً نراهم يأتون إلى بعض القبور منسوبة لأنبياء أو صالحين فيدعون عندها وقد يصلون إليها مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك أشد النهي، فقال:«اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، وقال:«لا تجلسوا على القبور» " لما فيه من إهانتها وهذا إكرام من الرسول للميت وهو في قبره لكنه بالمقابل أيضاً قال: «ولا تصلوا إليها"؛ لأنه في الصلاة إليها تعظيم لها أكثر مما يجوز شرعاً، فنجد بعض الناس يفعلون هذه الأمور المخالفة للشريعة نجد في المقابل ناس ينكرونها ولكننا مع الأسف لا نعدم من يقول اتركه يا أخي هذا نيته طيبة، نيته طيبة، إذاً هذا الذي يقول هذا الكلام؛ هذه الأحاديث كأنه ما قرأها ولا سمعها أو أنه قرأها وسمعها ثم مر عنها كما يقال مر الكرام، وإلا كيف يعتمد على هذه الكلمة: دعه نيته طيبة، وهو يراه يخالف الشرع، وقد ذكرنا آنفا أن ذاك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:«ما شاء الله وشئت» ، ما قصد أن يجعله شريكاً، مع ذلك أصلح له لفظه.

فمن المخالفة للشرع أن ندع الناس يخالفون الشرع بدعوى أن قلوبهم صالحة علماً أننا لا نستطيع أن نكشف عما في القلوب، هل هي حقيقةً صالحة، هل هي حقيقةً صالحة أم طالحة، هذه علمها عند ربي فإذا ما ربطنا آنفا بين قوله عليه السلام:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» حينئذ نستطيع أن نجعل عمل المسلم دلَّ على ما في قلبه؛ ذلك لأن الظاهر مرتبط مع الباطن وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة حينما كان يأمر أصحابه حينما ينهضون لعبادة الله وحده لا شريك له كان يقول لهم: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين

ص: 97

وجوهكم» فإذاً الإخلال العملي بتسوية الصفوف يؤدي إلى الإخلال في إصلاح القلوب، ولذلك تعجبني كلمة يقولها بعض أهل العلم رداً على بعض من ينتمون إلى التصوف بحق أو بباطل، يقول هؤلاء العلماء رداً عليهم: الظاهر عنوان الباطن، الظاهر عنوان الباطن لهذا يجب على المسلمين أقول في ختام هذه الكلمة يجب على المسلمين أنهم قبل أن يتكلموا أن يزنوا كلمتهم فقد ابتدأنا هذا الكلام بقوله عليه السلام:«لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس» ، ما لازم تحكي كلام بعدين تندم عليه، وتضطر ماذا إلى تأويله، لا فكر ثم قل، لذلك جاء في بعض الآثار:«عقل المؤمن قبل كلامه، وكلامه وراء عقله، وعقل المنافق بعد الكلام» يتكلم ثم يفكر، المسلم ليس كذلك؛ يفكر ثم يتكلم.

"الهدى والنور"(534/ 52: 00: 00)

ص: 98