الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[507] باب التلازم بين الظاهر والباطن
[قال الإمام]:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71) أما بعد:
فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وبعد أيضاً:
كنا نشاهد في كثير من المساجد أن الحلقة العلمية مع قلة أفرادها تتسع وتتسع على حسب منزلة الشيخ، فكلما كانت منزلة الشيخ في صدور المتحلقين حوله عظيمة ضمت واتسعت ماذا؟ الدائرة، والعكس بالعكس تماماً.
لو كانوا يعلمون [أن] من فوائد السنة وثمارها اليانعة الجنية: أن المسلم بها تستقيم حياته مع الناس جميعاً، وبخاصة من كان منهم طلاب علم.
من .. الأحاديث التي كنت أنا وغيري في غفلة عنها أومنها ولم نتنبه لها إلا بعد أن هدانا الله تبارك وتعالى إليها: حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: «كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلنا منزلاً من تلك المنازل في الوديان والشعاب تفرقنا فيها» .
وإذا كان التفرق في مجالس العلم حقيقة واقعة، ولكنها مرة، فأولى وأولى أن يتفرقوا في الصحراء حينما ينزلون بعض المنازل، مع ذلك لم يرض ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم ذات يوم:
«إنما تفرقكم في هذه الوديان والشعاب من عمل الشيطان» (1).
أمر عجيب تفرق لا يلاحظ فيه تباعد بين القلوب؛ لأن أصحاب الرسول عليه السلام كانوا بحق إخواناً على سرر متقابلين، مع ذلك فنبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول لهم:«إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» .
يعني: بذلك أنه من عمل الشيطان الذي قد يؤدي بالأحبة المتوادين المتحابين إلى التباعد وإلى التنافر، ومن أجل ذلك وصف الله عز وجل أن شرب الخمر هو من عمل الشيطان؛ لأنه يلقي العداوة والبغضاء بين الناس.
قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا» .
في الصحراء لو اجتمعنا على بساط لوسعنا، إذا كان هذا في ذاك المجلس فأولى وأولى أن يكون الناس مجتمعين في مجالس العلم، وألا يكونوا عزين متباعدين متفرقين؛ لأن الظاهر عنوان الباطن.
(1) صحيح الجامع (رقم2352).
ربما يتوهم بعض الناس أن هذه الكلمة: الظاهر عنوان الباطن كلمة صوفية، ومن تمام التوهم عند بعض الناس أيضاً: أن يظن أن كل شيء يتكلم به بعض الصوفية يكون ماذا؟ منبوذاً إسلامياً ليس الأمر كذلك.
هم طائفة من المسلمين يحاسبون، ويؤاخذون كغيرهم يوزنون بالميزان الشرعي، فهذه الكلمة كذلك ينبغي أن توزن بميزان الشرع: الظاهر عنوان الباطن، هل هذا كلام صحيح أم هو كلام باطل؟ نقول: لا هو كلام صحيح ذلك لأن هناك أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى؛
من أشهر هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي أوله: «إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات
…
» (1) إلى آخره.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
فإذاً: صلاح الظاهر بصلاح الباطن، لكن من العجائب الغيبية الدقيقة التي لو لم نؤتَ بهذا الشرع السمح لما عرفناها: أن كلاًّ من الظاهر والباطن يتفاعلان ويتعاونان، إذا قوي القلب صلح الظاهر، إذا صلح الظاهر ازداد القلب قوةً، وهكذا دواليك، ولذلك نخرج بنتيجة هامة جداً، وهي أن على كل مسلم يهتم بأحكام دينه أن يعنى بظاهره كما يعنى بباطنه، ولا يقول: كما تقول الجهلة حينما تأمرهم بالإتيان بما فرض الله عليهم من الفروض والواجبات كالصلاة مثلاً يقول لك: يا أخي العبرة ما هو بالصلاة العبرة بما في القلب الجواب الآن تعرفونه لو كان هذا
(1) صحيح البخاري (رقم52) ومسلم (رقم4178).
قلبه سليماً صحيحاً لنضحت جوارحه بما ينبئ عن صلاح قلبه، لكن الواقع أن الأمر على العكس تماماً، هو يقول العبرة بما في القلب، طيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
إذاً: علينا أن نهتم بإصلاح الظواهر كما نهتم بإصلاح البواطن، ولا نغتر بهذه الكلمة التي تصدر من بعض الجهلة، وهي أن العبرة بما في الباطن فقط، لا؛ لأن الظاهر والباطن مترابطان متعاونان أشد التعاون فأحدهما يقوي الآخر كما ذكرنا آنفاً؛ من أجل ذلك كان من آداب مجالس العلم هو التقارب إلى أن هذه الظاهرة هي ظاهرة ليس لها علاقة بالقلب، لكن هذا التجمع وهذا التقارب في مجلس العلم يوجد ارتباطاً وثيقاً في القلوب أيضاً، ويؤكد لكم هذه الحقيقة العلمية الشرعية: تلك السنة التي هجرها وأعرض عنها أكثر أئمة المساجد، ولا يحافظ عليها إلا من كان متمسكاً بالسنة، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من هديه وسنته أنه لا يكبر تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف، وأن يسويها كما جاء في الحديث كما تسوى الأقداح، فيقول لهذا: تقدم ولذاك تأخر حتى يصبح الصف كالبنيان مرصوص، ويوعدهم عليه السلام ويهددهم بمثل قوله:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
إذاً: تسوية الصفوف وعكسها كل منهما يؤثر في القلب صلاحاً أو فساداً: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» (1).
فإذاً: هذا أيضاً مما يؤكد أن الظاهر له تأثير في الباطن حتى ظواهر الأشخاص المتعددين، فضلاً عن ظاهر الشخص نفسه وذاته.
(1) البخاري (رقم685) ومسلم (رقم1006).