الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: ما أجبتني. يا شيخ أنت قل: نعم قل: لا، ثم اشرح ما شئت.
السائل: لا يا شيخ، بطبيعة الحال لا يقاتلون الشعوب الإسلامية.
الشيخ: لكن هذا هو لازم القول الذي نقلته آنفاً، ولذلك أنا أحرص أن يكون جواباً مختصراً حتى ما ندخل في متاهات نحن في غنى عنها، فما دام تقول الآن: أن هذه الدولة التي تحكم بما أنزل الله لا تقاتل هذه الشعوب المسلمة، إذاً: كيف ينطبق عليها ذلك التعريف؟ والتعريف صادق فيها، أليس كذلك؟ التعريف الذي نقلته صادق منطبق على هذه الشعوب، لأن الذي عليهم من الحكام لا يحكمون بشريعة الإسلام، إذاً: كيف نوفق، صار فيه ناقض ومنقوض، صار فيه ليل ونهار، صار في حق وباطل، فلابد من التفريق بينهما.
أنا أعتقد التفريق هو ما قلت لك آنفاً.
"الهدى والنور"(467/ 30: 46: 00)
[595] باب في مصطلح «جاهلية القرن العشرين»
[سئل الإمام]:
تناول الداعية «سيد قطب» رحمه الله مصطلحاً متداولاً بكثرة في إحدى المدارس الإسلامية التي يمثلها، ألا وهو مصطلح «جاهلية القرن العشرين» . فما مدى الدقة والصواب في هذه العبارة؟ وما مدى التقائها مع الجاهلية القديمة وفقاً لتصوركم؟
فأجاب رحمه الله:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله آله وصحبة ومن والاه وبعد:
الذي أراه أن هذه الكلمة «جاهلية القرن العشرين» لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي "القرن العشرين" فوجود الدين الإسلامي في هذا القرن، وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأولى. فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى، إن كان المعني بها العرب فقط فهم كانوا وثنيين وكانوا في ضلال مبين، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية فهي أديان محرفة، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغير والتبديل، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا ما دام أن الله تبارك وتعالى قد مَنَّ على العرب أولاً ثم على سائر الناس ثانياً بأن أرسل إليهم محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين وأنزل عليه دين الإسلام وهو خاتم الأديان وتعاهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أن الأمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأمم من قبلهم في مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذارع، حتى لو دخلوا جحر ضرب لدخلتموه قالوا من هم يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمن الناس» (1)
أقول وإن كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشر أتباعه بأنهم سيبقون على خطة الذي رسمه لهم فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة: وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة قال عليه الصلاة والسلام كلها في النار إلا واحدة، قالوا:«ما هي يا رسول الله» قال: «هي الجماعة» ، وفي رواية قال «هي التي
(1) البخاري (رقم3269) ومسلم (رقم6952) ..
تكون على ما أنا عليه وأصحابي» وأكد ذلك، عليه الصلاة والسلام، في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» فإذن لا تزال في هذه الأمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة، ولذلك فإن الذي أراه أن إطلاق الجاهلية على القرن العشرين فيه تسامح قد يوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله عز وجل انحرافًا كلياً، فصار هذا القرن، القرن العشرين، كقرن الجاهلية الذي بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه إلى إخراجه من الظلمات إلى النور حينئذ، هذا الاستعمال أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفار أولاً الذين -كما قال تعالى في شأنهم - {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} .
وصف القرن العشرين بالجاهلية إنما ينطبق على غير المسلمين الذي لم يتبعوا الكتاب والسنة ففي هذا الإطلاق إيهام بأنه لم يبق في المسلمين خير، وهذا خلاف ما سبق بيانه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبشرة ببقاء طائفة من الأمة على الحق ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء
…
قالوا من هم يا رسول الله» جاء الحديث على روايات عدة في بعضها يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واصفاً الغرباء: «هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» (1) وفي رواية أخرى (2)، قال عليه الصلاة
(1) ضعف الجامع (رقم1441).
(2)
صحيح الجامع (رقم7368).